|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
(القناعة تجارة رابحة)
كثير من مشكلاتنا الاجتماعية والمادية سببها الأساس هو الجشع وغياب خلق القناعة عند الكثيرين، فقلة القناعة تدفع الإنسان من حيث يدري أو لا يدري إلى ارتكاب الكثير من الحماقات والمخالفات لأجل تحصيل المال من حل أو شبهة أو حرام، حيث إنه لا يرضى بما قسم الله تعالى له من رزق، ولكنه يحتال للسيطرة على أكبر قدر ممكن من النفوذ والمال لأجل إشباع نهمه وإرضاء شهوته. وإن تقدير النّعم أو ازدراءها، سببٌ للقناعة والرّضا، أو سبيلٌ إلى الطّمع والجشع، ومردّ ذلك في الغالب هو نظر الإنسان إلى من حوله، فإنْ هو مدّ عينيه إلى ما متّع به أقوامٌ من زهرة الحياة الدّنيا، وتشوّف إلى ما يملكه الأغنياء والكبراء والمترفون، أدّى به ذلك إلى ازدراء ما عنده من نعم الله الكثيرة، فجعل يتطلّع إلى ما لا يطيق، وجعلت نفسه تتلهّف على ما لا يحصّل، وأمّا إنْ رزقه الله التّبصّر والتّأمّل في الأكثرين، وعلم بأنّهم أقلّ منه في الدّنيا حظًّا وأضيق رزقًا، فإنّ ذلك سيورثه تقدير ما أنعم الله به عليه، والكفّ عمّا ليس في يديه، والالتفات إلى ما يصلح شأنه في أخراه، لعلمه أنّه لن يكون إلاّ ما قدّر الله، ولن ينال أحدٌ غير ما قسم له، وفي الحديث الّذي رواه مسلمٌ وغيره قال -صلّى الله عليه وسلّم-: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنّه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله". إنّها وصيّةٌ نافعةٌ جامعةٌ، وتوجيهٌ نبويٌّ عظيمٌ، لو اتّخذه المسلم منهجًا له في هذا الجانب المهمّ من حياته، لرزق شكر نعم الله عليه بالاعتراف بها، ولتحدّث بها ولو بينه وبين نفسه، ولرزق الاستعانة بها على طاعة الخالق المنعم -سبحانه-، ولسلم من كثيرٍ ممّا يتحمّله غيره من ديونٍ، أو ما يتعدّون عليه من حقوقٍ، أو ما يتّصفون به من سيّئ خلقٍ ولئيم طبعٍ، وهي السّيّئات الّتي يدفع الكثيرين إليها أو إلى بعضها، نظرهم بتلهّفٍ إلى من هو فوقهم، وتغافلهم عمّن هو أسفل منهم. إنّ القلوب لتمرض وإنّ النّفوس لتسقم، وإنّ كثيرًا من النّاس ليبتلى بالهمّ والغمّ، من دوام النّظر إلى من هو أكثر منه في الدّنيا حظًّا، ونسيان من هو أقلّ منه عطاءً ونصيبًا، ولهذا فإنّ أعظم دواءٍ لتلك القلوب الضّعيفة والنّفوس الخوّارة، أن يلحظ أصحابها في كلّ وقتٍ وحينٍ أنّهم ليسوا الأقلّ من غيرهم نصيبًا ولا الأسوأ حظًّا، بل ثمّة من هو دونهم في عقله أو ماله، وهناك من هو أوضع نسبًا وأقلّ شرفًا، ومن هو أدنى جاهًا أو علمًا، والدّنيا مليئةٌ بالمبتلين بأصناف البلاء في أجسادهم أو دينهم أو خلقهم أو خلقهم، في حين أنّ آخرين يوازنون أنفسهم بالأغنياء وأهل الجاه، فيزدادون غمًّا وهمًّا، ولو وازنوها بالفقراء والمحرومين، لما وسعتهم الدّنيا من الفرح، ولطفح بهم السّرور، ولأكثروا من شكر ربّهم والثّناء عليه وحمده، فعوفوا وسلموا من البلاء. وقد يظنّ بعض النّاس أنّ في هذا الحديث تحطيمًا للطّموح وتقييدًا للتّفكير، وقتلاً لروح التّنافس الشّريف، ومنعًا للنّاس من التّقدّم والازدياد من الخير، وليس الأمر كذلك، وما كان الإسلام ليأمر أتباعه بهذا ولا يقرّهم عليه، إذْ ما هو بدين رهبنةٍ ولا تبتّلٍ تامٍّ، ولا انقطاعٍ عمّا يقوت الإنسان ويقيم أوده، ولا انصرافٍ عمّا يضمن له الحياة الكريمة والعيشة النّقيّة، ولكنّ المقصود أن يتّصف المسلم بالقناعة والرّضا؛ ليهنأ بحياته ويصفو له عيشه، ولا يكون كحال من شغلوا أنفسهم بمطاردة الآخرين والنّظر إلى ما أوتوا، ظانّين أنّهم بذلك يدفعون أنفسهم للصّعود في مراقي السّعادة، وما علموا أنّ من كان هذا شأنه، ينظر فيما عند فلانٍ ويطمع أن يكون مثل فلانٍ، ويتطلّع إلى مثل مال هذا ولا يقنع بغير جاه ذاك، فلن يحصّل السّعادة أبدًا؛ لأنّ معنى ذلك أنّه لن يسعد إلاّ إذا أصبح أعلى النّاس في كلّ شيءٍ، وهذا من أبعد المحال وقد اقتضت الحكمة الرّبّانيّة في هذا الكون، أنّ من كملت له أشياء قصرت عنه أشياء، ومن علا بأمورٍ سفلت به أمورٌ، ويأبى الله -تعالى- الكمال المطلق لأحدٍ من خلقه كائنًا من كان؛ ومن ثمّ كانت القناعة والرّضا من أجلّ النّعم وأعظم المنح الّتي يغبط عليها صاحبها، بل هي الفلاح والنّجاة، قال -عليه الصّلاة والسّلام-: "قد أفلح من أسلم ورزق كفافًا وقنّعه الله بما آتاه". رواه مسلمٌ وغيره. وإذا كان بعض السّلف قد جعل أعلى منازل القناعة أن يقتنع المسلم بالبلغة من دنياه، ويصرف نفسه عن التّعرّض لما سواه، ثم جعل أوسط حال المقتنع أن تنتهي به القناعة إلى الكفاية، ويحذف الفضول والزّيادة، ثم جعل أدنى منازلها أن تنتهي به القناعة إلى الوقوف على ما سنح، فلا يكره ما أتاه وإن كان كثيرًا، ولا يطلب ما تعذّر وإن كان يسيرًا. |
7/2/2014, 09:42 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
ادارة منتديات المهندسين العرب
|
رد: (القناعة تجارة رابحة)
جزاك الله خيرا اخى
|
||||
6/3/2014, 12:44 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | |||
مـهـند س مـجـتهد
|
رد: (القناعة تجارة رابحة)
[بارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز
وفي إنتظار جديدك الأروع والمميز لك مني أجمل التحيات وكل التوفيق لك يا رب |
|||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
Google Adsense Privacy Policy | سياسة الخصوصية لـ جوجل ادسنس
^-^ جميع آلمشآركآت آلمكتوبهـ تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكلـ من آلأشكآل عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى ~