ماشاء الله تبارك الله ماشاء الله لاقوة الا بالله , اللهم اني اسالك الهدى والتقى والعفاف والغنى
" قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ *مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ". صدق الله العظيم
الساده الاعضاء و زوار منتديات المهندسين العرب الكرام , , مشاهده القنوات الفضائيه بدون كارت مخالف للقوانين والمنتدى للغرض التعليمى فقط
   
Press Here To Hidden Advertise.:: إعلانات منتديات المهندسين العرب لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم الشكاوي ::.

 IPTV Reseller

  لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم طلبات الاعلانات اسفل المنتدى لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم طلبات الاعلانات اسفل المنتدى لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم طلبات الاعلانات اسفل المنتدى

Powerd By : Mohandsen.com

العودة   المهندسين العرب > اسلاميات ( حبا في رسول الله ) > المنتدي الاسلامي > المكتبه الاسلاميه

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 17/11/2007, 03:59 PM
الصورة الرمزية بحيرى مسعد
 
بحيرى مسعد
صديق المهندسين

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  بحيرى مسعد غير متصل  
الملف الشخصي
رقم العضوية : 79013
تاريخ التسجيل : Oct 2007
العمـر :
الـجنـس :
الدولـة :
المشاركـات : 1,580 [+]
آخــر تواجـد : ()
عدد الـنقـاط : 10
قوة التـرشيـح : بحيرى مسعد يستاهل التميز
new مجموعة فتاوى ابن تيمية 5



[ ص: 545 ] سئل شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام العالم الرباني والعابد النوراني ابن تيمية الحراني أيده الله تعالى ما تقول في " العرش " هل هو كروي أم لا ؟ وإذا كان كرويا والله من ورائه محيط به بائن عنه فما فائدة أن العبد يتوجه إلى الله تعالى حين دعائه وعبادته فيقصد العلو دون غيره ولا فرق حينئذ وقت الدعاء بين قصد جهة العلو وغيرها من الجهات التي تحيط بالداعي ومع هذا نجد في قلوبنا قصدا يطلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة . فأخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا ; وقد فطرنا عليها . وابسط لنا الجواب في ذلك بسطا شافيا : يزيل الشبهة ويحقق الحق - إن شاء الله - أدام الله النفع بكم وبعلومكم آمين .


و " حديث الإدلاء " الذي روي من حديث أبي هريرة وأبي ذر رضي الله عنهما قد رواه الترمذي وغيره من حديث الحسن البصري عن أبي هريرة وهو منقطع فإن الحسن لم يسمع من أبي هريرة ولكن يقويه حديث أبي ذر المرفوع ; فإن كان ثابتا فمعناه موافق لهذا ; فإن قوله : { لو أدلي أحدكم بحبل لهبط على الله } إنما هو تقدير مفروض ; أي لو وقع الإدلاء لوقع عليه لكنه لا يمكن أن يدلي أحد على الله شيئا ; لأنه عال بالذات وإذا أهبط شيء إلى جهة الأرض وقف في المركز ولم يصعد إلى الجهة الأخرى لكن بتقدير فرض الإدلاء يكون ما ذكر من الجزاء . فهكذا ما ذكره السائل : إذا قدر أن العبد يقصده من تلك الجهة كان هو سبحانه يسمع كلامه وكان متوجها إليه بقلبه لكن هذا مما تمنع منه الفطرة ; لأن قصد الشيء القصد التام ينافي قصد ضده ; فكما أن الجهة العليا بالذات تنافي [ ص: 572 ] الجهة السفلى فكذلك قصد الأعلى بالذات ينافي قصده من أسفل وكما أن ما يهبط إلى جوف الأرض يمتنع صعوده إلى تلك الناحية - لأنها عالية - فترد الهابط بعلوها كما أن الجهة العليا من عندنا ترد ما يصعد إليها من الثقيل فلا يصعد الثقيل إلا برافع يرفعه يدافع به ما في قوته من الهبوط فكذلك ما يهبط من أعلى الأرض إلى أسفلها - وهو المركز - لا يصعد من هناك إلى ذلك الوجه إلا برافع يرفعه يدافع به ما في قوته من الهبوط إلى المركز فإن قدر أن الدافع أقوى كان صاعدا به إلى الفلك من تلك الناحية وصعد به إلى الله وإنما يسمى هبوطا باعتبار ما في أذهان المخاطبين أن ما يحاذي أرجلهم يكون هابطا ويسمى هبوطا مع تسمية إهباطه إدلاء وهو إنما يكون إدلاء حقيقيا إلى المركز ومن هناك إنما يكون مدا للحبل والدلو لا إدلاء له لكن الجزاء والشرط مقدران لا محققان .

فإنه قال : لو أدلى لهبط ; أي لو فرض أن هناك إدلاء لفرض أن هناك هبوطا وهو يكون إدلاء وهبوطا إذا قدر أن السموات تحت الأرض وهذا التقدير منتف ; ولكن فائدته بيان الإحاطة والعلو من كل جانب وهذا المفروض ممتنع في حقنا لا نقدر عليه فلا يتصور أن يدلي ولا يتصور أن يهبط على الله شيء لكن الله قادر على أن يخرق من هنا إلى هناك بحبل ولكن لا يكون في حقه إدلاء فلا يكون في حقه هبوطا عليه . كما لو خرق بحبل من القطب إلى القطب أو من مشرق الشمس إلى مغربها [ ص: 573 ] وقدرنا أن الحبل مر في وسط الأرض فإن الله قادر على ذلك كله ولا فرق بالنسبة إليه على هذا التقدير من أن يخرق من جانب اليمين منا إلى جانب اليسار أو من جهة أمامنا إلى جهة خلفنا أو من جهة رءوسنا إلى جهة أرجلنا إذا مر الحبل بالأرض فعلى كل تقدير قد خرق بالحبل من جانب المحيط إلى جانبه الآخر مع خرق المركز وبتقدير إحاطة قبضته بالسموات والأرض فالحبل الذي قدر أنه خرق به العالم وصل إليه ولا يسمى شيء من ذلك بالنسبة إليه إدلاء ولا هبوطا .

وأما بالنسبة إلينا فإن ما تحت أرجلنا تحت لنا وما فوق رءوسنا فوق لنا وما ندليه من ناحية رءوسنا إلى ناحية أرجلنا نتخيل أنه هابط فإذا قدر أن أحدنا أدلى بحبل كان هابطا على ما هناك لكن هذا تقدير ممتنع في حقنا والمقصود به بيان إحاطة الخالق سبحانه وتعالى كما بين أنه يقبض السموات ويطوي الأرض ونحو ذلك مما فيه بيان إحاطته بالمخلوقات . ولهذا قرأ في تمام هذا الحديث { هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم } . وهذا كله على تقدير صحته فإن الترمذي لما رواه قال : وفسره بعض أهل الحديث بأنه هبط على علم الله وبعض الحلولية والاتحادية يظن أن في هذا الحديث ما يدل على قولهم الباطل ; وهو أنه حال بذاته في كل مكان وأن وجوده وجود الأمكنة ونحو ذلك . والتحقيق : أن الحديث لا يدل على شيء من ذلك إن كان ثابتا فإن قوله : [ ص: 574 ] { لو أدلى بحبل لهبط } يدل على أنه ليس في المدلي ولا في الحبل ولا في الدلو ولا في غير ذلك وأنها تقتضي أنه من تلك الناحية ; وكذلك تأويله بالعلم تأويل ظاهر الفساد من جنس تأويلات الجهمية ; بل بتقدير ثبوته يكون دالا على الإحاطة .

والإحاطة قد علم أن الله قادر عليها وعلم أنها تكون يوم القيامة بالكتاب والسنة وليس في إثباتها في الجملة ما يخالف العقل ولا الشرع ; لكن لا نتكلم إلا بما نعلم وما لا نعلمه أمسكنا عنه وما كان مقدمة دليله مشكوكا فيها عند بعض الناس كان حقه أن يشك فيه حتى يتبين له الحق وإلا فليسكت عما لم يعلم . وإذا تبين هذا فكذلك قاصده يقصده إلى تلك الناحية ولو فرض أنا فعلناه لكنا قاصدين له على هذا التقدير لكن قصدنا له بالقصد إلى تلك الجهة ممتنع في حقنا ; لأن القصد التام الجازم يوجب طلب المقصود بحسب الإمكان . ولهذا قد بينا في غير هذا الموضع - لما تكلمنا على تنازع الناس في النية المجردة عن الفعل هل يعاقب عليها أم لا يعاقب ؟ بينا - أن " الإرادة الجازمة " توجب أن يفعل المريد ما يقدر عليه من المراد ومتى لم يفعل مقدوره لم تكن إرادته جازمة ; بل يكون هما ومن هم بسيئة فلم يفعلها لم تكتب عليه فإن تركها لله كتبت له حسنة .

ولهذا وقع الفرق بين هم يوسف عليه السلام وهم امرأة العزيز كما قال [ ص: 575 ] الإمام أحمد الهم همان : هم خطرات . وهم إصرار . فيوسف عليه السلام هم هما تركه لله فأثيب عليه . وتلك همت هم إصرار ففعلت ما قدرت عليه من تحصيل مرادها وإن لم يحصل لها المطلوب . والذين قالوا يعاقب بالإرادة احتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم { إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قالوا يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنه أراد قتل صاحبه } وفي رواية { إنه كان حريصا على قتل صاحبه } . فهذا أراد إرادة جازمة وفعل ما يقدر عليه ; وإن لم يدرك مطلوبه فهو بمنزلة امرأة العزيز ; فمتى كان القصد جازما لزم أن يفعل القاصد ما يقدر عليه من حصول المقصود فإذا كان قادرا على حصول مقصوده بطريق مستقيم امتنع مع القصد التام أن يحصله بطريق معكوس من بعيد . فلهذا امتنع في فعل العباد عند ضرورتهم ودعائهم لله تعالى وتمام قصدهم له أن لا يتوجهوا إليه إلا توجها مستقيما ; فيتوجهوا إلى العلو ; دون سائر الجهات ; لأنه الصراط المستقيم القريب ; وما سواه فيه من البعد والانحراف والطول ما فيه . فمع القصد التام الذي هو حال الداعي العابد والسائل المضطر يمتنع أن يتوجه إليه إلا إلى العلو ويمتنع أن يتوجه إليه إلى جهة أخرى كما يمتنع أن يدلي بحبل يهبط عليه ; فهذا هذا والله أعلم .

وأما من جهة الشريعة فإن الرسل صلوات الله عليهم بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها ; لا بتبديل الفطرة وتغييرها قال صلى الله عليه وسلم في الحديث [ ص: 576 ] المتفق عليه : { كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟ } . وقال الله تعالى : { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } فجاءت الشريعة في العبادة والدعاء بما يوافق الفطرة بخلاف ما عليه أهل الضلال من المشركين والصابئين المتفلسفة وغيرهم ; فإنهم غيروا الفطرة في العلم والإرادة جميعا وخالفوا العقل والنقل كما قد بسطناه في غير هذا الموضع . وقد ثبت في الصحيحين من غير وجه : { إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصقن قبل وجهه فإن الله قبل وجهه ; ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكا ; ولكن عن يساره أو تحت قدمه } وفي رواية { أنه أذن أن يبصق في ثوبه } . وفي حديث أبي رزين المشهور الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم { لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما من أحد إلا سيخلو به ربه فقال له أبو رزين : كيف يسعنا يا رسول الله وهو واحد ونحن جميع ؟ فقال : سأنبئك بمثل ذلك في آلاء الله هذا القمر آية من آيات الله كلكم يراه مخليا به فالله أكبر }

. ومن المعلوم أن من توجه إلى القمر وخاطبه - إذا قدر أن يخاطبه - [ ص: 577 ] لا يتوجه إليه إلا بوجهه مع كونه فوقه فهو مستقبل له بوجهه مع كونه فوقه ومن الممتنع في الفطرة أن يستدبره ويخاطبه مع قصده التام له وإن كان ذلك ممكنا وإنما يفعل ذلك من ليس مقصوده مخاطبته ; كما يفعل من ليس مقصوده التوجه إلى شخص بخطاب فيعرض عنه بوجهه ويخاطب غيره ; ليسمع هو الخطاب ; فأما مع زوال المانع فإنما يتوجه إليه ; فكذلك العبد إذا قام إلى الصلاة فإنه يستقبل ربه وهو فوقه فيدعوه من تلقائه لا من يمينه ولا من شماله ويدعوه من العلو لا من السفل كما إذا قدر أنه يخاطب القمر . وقد ثبت في الصحيحين أنه قال : { لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم في الصلاة أو لا ترجع إليهم أبصارهم } . واتفق العلماء على أن رفع المصلي بصره إلى السماء منهي عنه .

وروى أحمد عن محمد بن سيرين { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع بصره في الصلاة إلى السماء حتى أنزل الله تعالى { قد أفلح المؤمنون } { الذين هم في صلاتهم خاشعون } فكان بصره لا يجاوز موضع سجوده } فهذا مما جاءت به الشريعة تكميلا للفطرة ; لأن الداعي السائل الذي يؤمر بالخشوع - وهو الذل والسكوت - لا يناسب حاله أن ينظر إلى ناحية من يدعوه ويسأله بل يناسب حاله الإطراق وغض بصره أمامه . وليس نهي المصلي عن رفع بصره في الصلاة ردا على " أهل الإثبات " الذين يقولون : إنه على العرش كما يظنه بعض جهال الجهمية فإن الجهمية عندهم لا فرق [ ص: 578 ] بين العرش وقعر البحر فالجميع سواء ولو كان كذلك لم ينه عن رفع البصر إلى جهة ويؤمر برده إلى أخرى لأن هذه وهذه عند الجهمية سواء . و " أيضا " فلو كان الأمر كذلك لكان النهي عن رفع البصر شاملا لجميع أحوال العبد وقد قال تعالى : { قد نرى تقلب وجهك في السماء } فليس العبد ينهى عن رفع بصره مطلقا وإنما نهي في الوقت الذي يؤمر فيه بالخشوع ; لأن خفض البصر من تمام الخشوع كما قال تعالى : { خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث } وقال تعالى : { وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي }

. و " أيضا " : فلو كان النهي عن رفع البصر إلى السماء وليس في السماء إله لكان لا فرق بين رفعه إلى السماء ورده إلى جميع الجهات ولو كان مقصوده أن ينهى الناس أن يعتقدوا أن الله في السماء أو يقصدوا بقلوبهم التوجه إلى العلو لبين لهم ذلك كما بين لهم سائر الأحكام فكيف وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا في قول سلف الأمة حرف واحد يذكر فيه أنه ليس الله فوق العرش أو أنه ليس فوق السماء أو أنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا محايث له ولا مباين له أو أنه لا يقصد العبد إذا دعاه العلو دون سائر الجهات ؟ بل جميع ما يقوله الجهمية من النفي - ويزعمون أنه الحق - ليس معهم به حرف من كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها بل الكتاب والسنة وأقوال السلف والأئمة مملوءة بما يدل على نقيض قولهم وهم يقولون : [ ص: 579 ] إن ظاهر ذلك كفر ; فنؤول أو نفوض ; فعلى قولهم ليس في الكتاب والسنة وأقوال السلف والأئمة في هذا الباب إلا ما ظاهره الكفر وليس فيها من الإيمان في هذا الباب شيء والسلب الذي يزعمون أنه الحق - الذي يجب على المؤمن أو خواص المؤمنين اعتقاده عندهم - لم ينطق به رسول ولا نبي ولا أحد من ورثة الأنبياء والمرسلين ; والذي نطقت به الأنبياء وورثتهم ليس عندهم هو الحق بل هو مخالف للحق في الظاهر ; بل وحذاقهم يعلمون أنه مخالف للحق في الظاهر والباطن .

لكن هؤلاء منهم من يزعم أن الأنبياء لم يمكنهم أن يخاطبوا الناس إلا بخلاف الحق الباطن ; فلبسوا وكذبوا لمصلحة العامة . فيقال لهم : فهلا نطقوا بالباطن لخواصهم الأذكياء الفضلاء إن كان ما يزعمونه حقا ؟ . وقد علم أن خواص الرسل هم على الإثبات أيضا وأنه لم ينطق بالنفي أحد منهم إلا أن يكذب على أحدهم ; كما يقال عن عمر : { إن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر كانا يتحدثان وكنت كالزنجي بينهما } . وهذا مختلق باتفاق أهل العلم وكذلك ما نقل عن علي وأهل بيته : أن عندهم علما باطنا يخالف الظاهر الذي عند جمهور الأمة . وقد ثبت في الصحاح وغيرها عن علي رضي الله عنه أنه لم يكن عندهم من النبي صلى الله عليه وسلم سر ليس عند الناس ولا كتاب مكتوب إلا ما كان في الصحيفة وفيها { الديات وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر } . [ ص: 580 ] ثم إنه من المعلوم أن من جعله الله هاديا مبلغا بلسان عربي مبين إذا كان لا يتكلم قط إلا بما يخالف الحق الباطن الحقيقي فهو إلى الضلال والتدليس أقرب منه إلى الهدى والبيان .

وبسط الرد عليهم له موضع غير هذا . والمقصود أن ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب وغيره كله حق يصدق بعضه بعضا وهو موافق لفطرة الخلائق وما جعل فيهم من العقول الصريحة والقصود الصحيحة لا يخالف العقل الصريح ولا القصد الصحيح ولا الفطرة المستقيمة ولا النقل الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإنما يظن تعارضها من صدق بباطل من النقول . أو فهم منه ما لم يدل عليه ; أو اعتقد شيئا ظنه من العقليات وهو من الجهليات . أو من الكشوفات وهو من الكسوفات - إن كان ذلك معارضا لمنقول صحيح - وإلا عارض بالعقل الصريح أو الكشف الصحيح : ما يظنه منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم ويكون كذبا عليه أو ما يظنه لفظا دالا على شيء ولا يكون دالا عليه كما ذكروه في قوله صلى الله عليه وسلم { الحجر الأسود يمين الله في الأرض فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه } حيث ظنوا أن هذا وأمثاله يحتاج إلى التأويل وهذا غلط منهم - لو كان هذا اللفظ ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم - فإن هذا اللفظ صريح في أن الحجر ليس هو من صفات الله إذ قال : { هو يمين الله في الأرض } فتقييده بالأرض يدل على أنه ليس هو يده على [ ص: 581 ] الإطلاق فلا يكون اليد الحقيقية وقوله { فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه } صريح في أن مصافحه ومقبله ليس مصافحا لله ولا مقبلا ليمينه ; لأن المشبه ليس هو المشبه به وقد أتى بقوله : { فكأنما } وهي صريحة في التشبيه ; وإذا كان اللفظ صريحا في أنه جعل بمنزلة اليمين لا أنه نفس اليمين كان من اعتقد أن ظاهره أنه حقيقة اليمين قائلا للكذب المبين .

فهذا كله بتقدير أن يكون العرش كري الشكل سواء كان هو الفلك التاسع أو غير الفلك التاسع قد تبين أن سطحه هو سقف المخلوقات وهو العالي عليها من جميع الجوانب وأنه لا يجوز أن يكون شيء مما في السماء والأرض فوقه وأن القاصد إلى ما فوق العرش - بهذا التقدير - إنما يقصد إلى العلو لا يجوز في الفطرة ولا في الشرعة - مع تمام قصده - أن يقصد جهة أخرى من جهاته الست ; بل هو أيضا يستقبله بوجهه مع كونه أعلى منه كما ضربه النبي صلى الله عليه وسلم مثلا من المثل بالقمر - ولله المثل الأعلى - وبين أن مثل هذا إذا جاز في القمر - وهو آية من آيات الله تعالى - فالخالق أعلى وأعظم . وأما إذا قدر أن العرش ليس كري الشكل بل هو فوق العالم من الجهة التي هي وجه الأرض وأنه فوق الأفلاك الكرية كما أن وجه الأرض الموضوع للأنام فوق نصف الأرض الكري أو غير ذلك من المقادير التي يقدر فيها أن العرش فوق ما سواه وليس كري الشكل فعلى كل تقدير لا نتوجه إلى الله إلا إلى العلو لا إلى غير ذلك من الجهات .

[ ص: 582 ] فقد ظهر أنه - على كل تقدير - لا يجوز أن يكون التوجه إلى الله إلا إلى العلو مع كونه على عرشه مباينا لخلقه وسواء قدر مع ذلك أنه محيط بالمخلوقات - كما يحيط بها إذا كانت في قبضته - أو قدر مع ذلك أنه فوقها من غير أن يقبضها ويحيط بها فهو على التقديرين يكون فوقها مباينا لها ; فقد تبين أنه على هذا التقدير في الخالق وعلى هذا التقدير في العرش لا يلزم شيء من المحذور والتناقض وهذا يزيل كل شبهة وإنما تنشأ الشبهة في اعتقادين فاسدين . ( أحدهما أن يظن أن العرش إذا كان كريا والله فوقه وجب أن يكون الله كريا ثم يعتقد أنه إذا كان كريا فيصح التوجه إلى ما هو كري - كالفلك التاسع - من جميع الجهات وكل من هذين الاعتقادين خطأ وضلال فإن الله مع كونه فوق العرش ومع القول بأن العرش كري - سواء كان هو التاسع أو غيره - لا يجوز أن يظن أنه مشابه للأفلاك في أشكالها ; كما لا يجوز أن يظن أنه مشابه لها في أقدارها ولا في صفاتها - سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا - بل قد تبين أنه أعظم وأكبر من أن تكون المخلوقات عنده بمنزلة داخل الفلك في الفلك . وإنها عنده أصغر من الحمصة والفلفلة ونحو ذلك في يد أحدنا .

فإذا كانت الحمصة أو الفلفلة . بل الدرهم والدينار . أو الكرة التي يلعب بها الصبيان ونحو ذلك في يد الإنسان أو تحته أو نحو ذلك هل يتصور عاقل إذا استشعر علو الإنسان على ذلك وإحاطته به أن يكون الإنسان كالفلك ؟ والله - ولله المثل الأعلى - أعظم من أن يظن ذلك به وإنما يظنه [ ص: 583 ] الذين { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون } . وكذلك " اعتقادهم الثاني " : وهو أن ما كان فلكا فإنه يصح التوجه إليه من الجهات الست خطأ باتفاق أهل العقل الذين يعلمون الهيئة ; وأهل العقل الذين يعلمون أن القصد الجازم يوجب فعل المقصود بحسب الإمكان . فقد تبين أن كل واحد من المقدمتين خطأ في العقل والشرع وأنه لا يجوز أن تتوجه القلوب إليه إلا إلى العلو لا إلى غيره من الجهات على كل تقدير يفرض من التقديرات سواء كان العرش هو الفلك التاسع أو غيره ; سواء كان محيطا بالفلك كري الشكل أو كان فوقه من غير أن يكون كريا سواء كان الخالق - سبحانه - محيطا بالمخلوقات كما يحيط بها في قبضته أو كان فوقها من جهة العلو منا التي تلي رءوسنا دون الجهة الأخرى . فعلى أي تقدير فرض كان كل من مقدمتي السؤال باطلة وكان الله تعالى إذا دعوناه إنما ندعوه بقصد العلو دون غيره كما فطرنا على ذلك . وبهذا يظهر الجواب عن السؤال من وجوه متعددة والله أعلم .
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:42 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Google Adsense Privacy Policy | سياسة الخصوصية لـ جوجل ادسنس

الساده الاعضاء و زوار منتديات المهندسين العرب الكرام , , مشاهده القنوات الفضائيه بدون كارت مخالف للقوانين والمنتدى للغرض التعليمى فقط

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

^-^ جميع آلمشآركآت آلمكتوبهـ تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكلـ من آلأشكآل عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى ~