العمامة الأزهرية.. صناعة مصرية فى طريقها إلى الانقراض

[محمود ابواحمد]

العمامة الأزهرية.. صناعة مصرية فى طريقها إلى الانقراض






ارتبطت العمامة فى وجدان الشعوب والحضارات بالوجاهة الاجتماعية، والمكانة الدينية، وعلى الرغم من أن هذه الألبسة هى فى الأساس قطعة من القماش أو الصوف أو الحرير أو غيره، إلا أنها تمثل مكانة خاصة، تكاد تبلغ حد القداسة فى بعض الحضارات.

وقد تفنن صناع العمائم فى صناعتها وتجويدها والبراعة فيها، فى وقت يحرص فيه علماء الدين دوماً على حسن هندامهم وأناقة أزيائهم، خصوصاً عمائمهم، إذ إنها تعبر عن شخصية كل منهم، لدرجة جعلت بعض علماء الأزهر فى مصر مثلاً، يتركون مهامهم وأشغالهم، ويقطعون مسافات طويلة، تكاد تبلغ فى بعض الأحيان عشرات الأميال، من أجل الوصول إلى المجيدين صناعتها، التى يعتبرها عالم الدين، كالتاج على رأسه.

والعمامة الأزهرية أو عمامة علماء الدين الأزهريين فى مصر لها مكانة خاصة فى العالم، إذ يُكنّ العالم كله تقديره واحترامه لهذه المؤسسة العريقة ولمنسوبيها، نظراً لحرصه على نشر الفكر الإسلامى الوسطى الصحيح.

العمامة: المغْفَرُ، والبَيْضَةُ، وما يُلَفُّ على الرأس. والجمع عَمائم وعِمام.. قال ابن سيده: العمامة: اللباس الذى يُلاث على الرأس تَكْويراً، وهى فى أبسط صورها قطعة قماش تُلفّ علىالرأس لفّة أو عدة لفات، سواء أكان تحتها طاقية أم لا، وعمَّمته: ألبسته العمَّة، وعُمِّم الرجل أى سُوِّد، لأن تيجان العرب العمائم، فكما قيل فى العجم تُوِّج من التّاج، قيل فى العرب عُمِّم، وكانت الفرس تتوّج ملوكها، فيقال متوَّج، والعرب للرجل إذا سُوِّد قد عُمِّم.. وكانوا إذا سودوا رجلاً عمّموه عمامة حمراء.. وتصنع العمائم من القطن أو الخَزّ أو الدِّيباج أو الصُّوف أو الحرير، وعمائم القطن هى الشائعة اليوم.. وتختلف فى أسمائها وأشكالها وألوانها، كما تختلف فى أطوالها وهيئة تشكيلها، ويعتمد ذلك على الذّوق، والبراعة، والعادة.

ويبدو أن ألبسة الرأس أو العمائم الخاصة برموز الدين، ليست مقتصرة على أديان بعينها، بل إنها تعد من القسمات المشتركة بين جُلِّها، وإن اختلفت فى أشكالها وهيئاتها وألوانها، وطرق تكويرها، وآداب لبسها.. فقد ورد ذكر العمامة فى التراث الحضارى للأمم والشعوب حتى وردت أيضاً فى موسوعات ومؤلفات تفسير الأحلام.. حيث عقد معبرو الرؤى ومفسرو الأحلام أبواباً خاصة فى كتبهم عن العمامة، ومدلولاتها ورمزياتها فى تعبير الرؤى.. جاء كتاب فى تفسير الأحلام لابن شاهين: «أن رؤيا العمامة فى المنام تدل على الدين إن كانت بيضاء أو خضراء خصوصاً إن كانت قطناً أو كتاناً، وإذا كانت من خز فإنها تدل على فساد دينه ودنياه».. ومن رأى: أنه يلف على رأسه عمامة طويلة فإنها تدل على سفر وغيرها من التأويلات.. والله وحده أعلى وأعلم.

ولبس سادة العرب قديماً العمامة الصفراء والسوداء والبيضاء والحمراء، كما ارتدى الأمويون والعباسيون ألوانا مختلفة.. وتمثل العمامة عند العرب التاج عند غيرهم من الأمم، وكانوا يرفعون من قدرها، ويعلون شأنها لأنها رمز السؤدد والعز.. فهى رمز الشرف والرفعة، فإذا أهينت لحق الذل بصاحبها.. وإذا هضم الرجل وأهين ألقى بعمامته على الأرض، ولهذه المكانة الرفيعة التى تحتلها العمامة فى نفوسهم اتخذوها لواء فى الحرب، فينزع سيد القوم عمامته ويعقدها لواء، لما فى ذلك من معانى التبجيل والاحترام لأنها عمامة سيد القوم - وكانت عمامة النبى عليه الصلاة والسلام نموذجاً لعمائم أصحابه، فكانت وسطاً لا كبيرة تؤذى حاملها، ولا صغيرة تقصر عن وقاية الرأس من الحر والبرد، بل وسطاً.. وبمرور الزمن ازدادت العمامة مهابة، وصارت تراثاً مقدساً، وصار لبسها من تمام التقوى والمروءة، ولذلك أصبح المجتمع لا يستسيغ خلع العمامة، بل يعد ذلك إخلالاً بالآداب العامة، وانتقاصاً من المروءة.. كما قال الدكتور يحيى الجبورى، فى بحثه: «الملابس العربية فى الشعر الجاهلى».

ويرتدى العمامة علماء الدين المسلمون ويختلف لونها وشكلها باختلاف المذاهب الإسلامية، وقد تختلف فى المذهب نفسه نتيجة اختلاف معناها، وما تشير إليه فالعمامة عند الشيعة تنقسم إلى قسمين: العمامة البيضاء ويرتديها عموم علماء الدين، أو طلاب الحوزة العلمية، والعمامة السوداء: يرتديها علماء الدين وطلاب العلم من السادة، الذين يرجع نسبهم إلى النبى محمد صلى الله عليه وسلم.

أما العمامة عند أهل السنة والجماعة من علماء الأزهر الشريف فى مصر المحروسة، فعبارة عن طربوش أحمر يلف حوله قماش أبيض، بمهارة معينة، تجعلها كاللؤلؤة تنجذب إليها أبصار وأفئدة الناس فى كل مكان.

ونظراً لانحسار ارتداء الأزهريين الزى الأزهرى، نتيجة أسباب كثيرة، فإن هذه الصناعة (صناعة الطرابيش «العمائم») فى طريقها إلى الانقراض، والدليل على ذلك أن القاهرة على اتساعها وكثرة عدد الأزهريين فيها، لم يعد يوجد بها إلا محلان فقط بالقرب من الجامع الأزهر، لصناعة الطرابيش والعمائم.. فهل ستموت العمائم بانقراض صناعتها، أم ستظهر من جديد؟!

[tiger2000]

لك كل الشكر اخي

[ابونور10]

شكرا لك اخي

[عاطف سيف]

لك كل الشكر اخي علي المعلومه الجميله