الاتحاد الاوروبى متحمس لاقامة نظام مالي عالمى جديد

[رضا زيدان]

استجابة لتحمس اوروبا لاقامة نظام مالى عالمى جديد, وافق الرئيس الامريكي جورج بوش مؤخرا على استضافة قمة عالمية حول اصلاحات النظام المالى العالمى.

وبعد اجتماع فى نهاية الاسبوع فى كامب ديفيد, على بعد حوالى 100 كم شمال واشنطن, قال بوش فى بيان مشترك مع الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى ورئيس المفوضية الاوروبية خوسيه مانويل باروسو ان القمة "ستسعى نحو اتفاق حول مبادئ الاصلاح اللازمة لتجنب تكرار هذه المشاكل وضمان الازدهار العالمى فى المستقبل".

ويعد ذلك نجاحا لقادة الاتحاد الاوروبى الذين يدفعون بجد من اجل اصلاح النظام المالى العالمى الحالى فى اعقاب الازمة المالية.

وقد اصبحت اوروبا ضحية كبيرة للازمة المالية الراسخة جذورها فى الولايات المتحدة. وبينما لا تزال البنوك الاوروبية تكافح ضعف الائتمان الناجم عن التعثر فى دفع قروض الرهن العقارى عالية المخاطر فى الولايات المتحدة, ادركت اوروبا انها لا تستطيع الانفصال عن الولايات المتحدة.

وبسبب العلاقات المالية الوثيقة عبر الاطلسى, فإن اى مشكلة فى السوق المالية الامريكية قد تصل سريعا الى اوروبا. وفى بعض الحالات مثل الازمة المالية الحالية, كانت اوروبا معرضة لان تدفع ثمنا اكبر مما تدفعه الولايات المتحدة لأنه من الصعب للاتحاد الاوروبى الذى يضم 27 دولة ان يستجيب للازمة بنفس سرعة واشنطن.

وهو هذا السبب فى انه عندما دفعت ادارة بوش بحزمة انقاذ قيمتها 700 مليار دولار امريكى فى وقت قصير بعد ظهور الازمة المالية الاخيرة, حاول كل عضو بالاتحاد الاوروبى من جانبه مكافحة الازمة. وكانت استجابتهم المتفرقة مبعث قلق للاسواق المتعثرة.

ولحسن الحظ, توحدت دول الاتحاد الاوروبى اخيرا فى قمتهم لفصل الخريف فى الاسبوع الماضى, حيث تبنوا نفس الاجراءات لمواجهة الازمة, والتى تم تحديدها بشكل كبير بعد حزمة الانقاذ البريطانية التى خصصها رئيس الوزراء البريطانى جوردون براون.

وأرجع قادة الإتحاد الأوروبى بوضوح الأزمة المالية الى فشل رأسمالية السوق الحرة فى الولايات المتحدة.

وقال ساركوزى فى خطابه الذى ألقاه مؤخرا, إن" الأزمة المالية ليست أزمة الرأسمالية. إنها أزمة نظام أبعد نفسه عن اهم قيم الرأسمالية, وهو ما مثل خيانة لروح الرأسمالية. "

وأوضح يوم السبت فى كلمة ألقاها لدى زيارته لكندا, "يجب علينا إصلاح الرأسمالية, حتى لا يدمر اكثر النظم كفاءة على الاطلاق اسسه التى يقوم عليها."

وقال محللون إن تحمس الإتحاد الأوروبى لبناء نظام مالى عالمى جديد, يمثل فى جوهره تحديا للنموذج "الأمريكى- البريطانى" المتحرر للرأسمالية, والهيمنة المالية للولايات المتحدة.

وتتمتع اوروبا على نحو اكبر وبشكل تقليدى بانظمة تخضع لاشراف الدولة. وفى المقابل يوجد بالولايات المتحدة ما يسمى برأسمالية السوق الحرة, حيث تتمتع الشركات الخاصة بصلاحيات غير مقيدة نسبيا كما ان تدخل الدولة يكون فى الحدود الدنيا وغير مرحب به.

ويقع النظام الامريكى فى تناقض تام مع النظام الاجتماعى الفرنسى, حيث يوجد تدخل واسع من قبل الدولة وهناك احد اكثر انظمة الضمان الاجتماعى سخاء فى اوروبا.

وينظر الى هذه الأزمة المالية على انها نتيجة انفلات الرقابة على "جشع وول ستريت". وفى النظام المالى العالمى الجديد, يرغب الاتحاد الاوروبى فى تعزيز الإشراف الدولى على تلك المؤسسات المالية العملاقة.

ودعا رئيس الوزراء البريطانى براون الى إعادة تشكيل صندوق النقد الدولى, المؤسسة التى تتخذ من واشنطن مقرا لها,والتى تأسست فى عام 1944 بموجب إتفاقية بريتون وودز, لتكون حجر الزاوية لتنظيم السوق العالمية ونظام إنذار مبكر للإقتصاد العالمى.

وحث براون السلطات الوطنية على اقامة 30 هيئة للاشراف تتعاون فى تنظيم عمل كبرى المؤسسات المالية التى لها فروع بالخارج.

إضافة الى ذلك, يتطلع الإتحاد الأوروبى الى قواعد اشد صرامة بشأن صناديق التحوط, وقواعد جديدة لشركات التقييم الإئتمانى, وحدودا لرواتب المسؤولين التنفيذيين.

كما اثار ساركوزى قضية النظام النقدى العالمى فى المستقبل, فى خطوة يراها بعض المحللين بأنها تمثل تحديا للهيمنة طويلة الامد التى يتمتع بها الدولار الأمريكى.

بيد ان كل هذه المقترحات ليس من السهل ان تقبلها الولايات المتحدة.

فخلال موافقته على إجراء المحادثات, قال بوش إن جدول أعمال القمة الأولى سيشمل افكارا حول كيفية منع حدوث أزمات فى المستقبل بطريقة تحافظ على نظام السوق الحرة.

واضاف بوش "بينما نقوم بتغييرات ضرورية فى اللوائح والمؤسسات لتجنب تكرار هذه الازمة, من الضرورى ان نحافظ على اسس الرأسمالية الديمقراطية -- الالتزام بحرية الاسواق والشركات والتجارة."

وذكر "يجب ان نقاوم الاغراءات الخطيرة للعزلة الاقتصادية ونواصل سياسات الاسواق المفتوحة التى رفعت مستويات المعيشة وانتشلت ملايين الاشخاص حول العالم من الفقر."