هربًا من جحيم الحرب والفقر.. أفريقيات يواجهن «الموت» من أجل «العيش» في مالطا

[الديب sat]

ثلاثة أيام استغرقتها رحلة الإريترية روشتا من الشواطئ الليبية إلي سواحل مالطا، فقدت خلالها طفلها الرضيع البالغ من العمر شهرين ونصف الشهر، والذي دفع حياته ثمنًا لرغبة والدته في الهجرة والهروب للأفضل، فكانت النتيجة «فتاة مشردة» تعيش منذ عام في أحد مراكز الاحتجاز المفتوحة بمنطقة «هيل فار» جنوب العاصمة المالطية فالتا.

لا تختلف مأساة روشتا كثيرًا عما عانته سارة التي جاءت من الصومال إلي مالطا عبر ليبيا، متحملة أعباء البحر وفي أحشائها جنين، وعندما حاول زوجها اللحاق بها تم القبض عليه في منتصف الرحلة، فباتت منذ ذلك الحين تحاول جمع مبلغ ٦٠٠ دولار لإطلاق سراحه من محبسه، ليستكملا حلمهما بإيجاد مكان مستقر في أحد «البلدان الغنية» - كما تقول.

هؤلاء النسوة تحولن - حسب مايكل فالزون المتحدث باسم الحزب الليبرالي للشؤون الداخلية والأمن في مالطا - إلي أداة يستخدمها المهربون لضمان استقبال السلطات المالطية للاجئين غير الشرعيين القادمين من السواحل الأفريقية.

ويقول فلزون «لقد أصبح من المعتاد وجود سيدة علي الأقل في كل قارب متوجه إلي مالطا، وهذا الواقع تؤكده الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام المالطية بوتيرة شبه يومية، لافتًا إلي أن آخر تلك الحالات قارب تم إنقاذه علي بعد ٧٩ ميلاً جنوب غرب مالطا، حيث لفظت إحدي المهاجرات الحوامل أنفاسها الأخيرة، بعد أن «وقعت في البحر»، ولم تستطع فرق الإنقاذ إسعافها.

المركب الذي أقل ٢٨ مهاجرًا غير شرعي، تم إيقافه من قبل القوات المسلحة المالطية يوم الواحد والثلاثين من يوليو ٢٠٠٨، وسبق ذلك بيوم واحد فقط وصول قاربين آخرين ضم الأول ٨١ مهاجرًا غير شرعي بينهم سيدة واحدة، والثاني يجمع ٢٤ مهاجرًا غير شرعي بينهم ٤ سيدات إحداهن حامل.

فكرة استخدام النساء كأداة لضمان وصول القارب إلي الساحل لا تنفي حقيقة هروبهن من ويلات الحرب والفقر والجوع في دولهن.

مريمار «٣٤ عامًا» من الصومال لم تتوان عن دفع ١٠٠٠ دولار من أجل «الهروب في قارب صغير مع ٢٦ رجلا من ليبيا إلي مالطا»، ولم تكن هذه هي الرحلة الأولي لـ«مريمار»، حيث قامت برحلات مماثلة من الصومال إلي إثيوبيا، ومنها إلي السودان ثم ليبيا، لينتهي بها المطاف داخل مركز «هال فار» المفتوح للاجئين.

وفي الوقت الذي تحاول فيه مريمار تدبير معيشتها بـ ٩٥ يورو تعطيها لها السلطات المالطية كل أسبوعين، تحاول سوزان «٢٨ عامًا» التي تركت الصومال منذ عام زيادة دخلها من خلال العمل في أحد المطاعم بأجر لا يتجاوز ٥ إلي ١٠ يورو في اليوم، تضعها جانبا لتأمين مستلزمات ابنها المدرسية.

وعلي الرغم مما تصفه سوزان بـ«المعاناة»، فإن حليمة - ٣٠ عامًا - الحامل تري أن الوضع داخل مركز الاحتجاز «أفضل كثيرًا»، من ويلات الحرب والصراع في الصومال، وأفضل من السنوات العشر التي قضتها في ليبيا، خاصة من حيث توافر الرعاية الصحية لها ولجينها، وكذلك من حيث المأكل والملاذ.

وتؤكد نبات «٣٦ عامًا» - والتي وجدت نفسها وحيدة وسط ٣٠ رجلاً يحملهم قارب صغير في رحلة إلي شواطئ مالطا فقدت خلالها زوجها - توافقها في الرأي مع حليمة، قائلة: «أي شيء بالنسبة لي هنا أفضل كثيرًا من الحياة التي كنت أعيشها في إثيوبيا».

مالطا.. تلك الجزيرة الصغيرة الواقعة وسط البحر المتوسط أصبحت مركز استقطاب للمهاجرين غير الشرعيين، والذين ضلوا طريقهم في البحر منذ عام ٢٠٠٢، فقد بلغ عدد المهاجرين في ذلك العام ١٦٨٦ مهاجرًا ثم تضاءل العدد إلي ٥٠٢ في عام ٢٠٠٣، ولا أحد يعلم سبب هذا التناقص، ولكنه عاود الزيادة مرة أخري في عام ٢٠٠٤ حتي وصل إلي ١٣٨٨، وفي عام ٢٠٠٥ ارتفع العدد إلي ١٨٢٢،

وقد يحقق هذا العام زيادة عالية، خاصة أنه سجل حتي شهر يوليو الماضي وصول ١٨١٨ مهاجرًا، من بينهم ١٢٥ سيدة خاطرن بأرواحن، وأرواح أطفالهن عبر البحر - حسب مصادر مالطية - بحثا عما وصفوه بـ«الملاذ الآمن» من ويلات الحرب والفقر والجوع، ويتوقع المسؤولون المالطيون زيادته إلي ٢٥٠٠ مع نهاية العام الجاري.

ويوضح وزير العدل والشؤون الداخلية المالطي كاميلو بونتشي أن السلطات المالطية تتوقع هذا العام «ارتفاع عدد المهاجرين غير الشرعيين، خاصة بين النساء إلي معدلات لم يسبق لها مثيل»، مرجعًا السبب في ذلك إلي ما سماه «نشاط المنظمات الإجرامية التي تهتم بجمع الأموال من هؤلاء المهاجرين».

وأشار إلي أنه يتم وضع السيدات، خاصة الحوامل والأطفال، في مراكز الاحتجاز المفتوحة تقديراً لظروفهم الإنسانية، متوقعًا أن يصل عدد المهاجرين غير الشرعيين إلي نحو ٢٥٠٠ في نهاية هذا العام، وهو ما يشكل أكثر من نصف معدلات المواليد هذا العام.

وطالب بونتشي الدول الأوروبية، التي تنتقد السياسة التي تتبناها مالطا، بتقديم المساعدات والتعاون من أجل حل هذه المشكلة

[هشام زايد]

بااااااااااااااااااااااااااارك الله لك يا اخونا الغالى