منطلقات الأسلوب الحديث في الدفاع عن الإسلام

[الجيلاني]

منطلقات الأسلوب الحديث في الدفاع عن الإسلام
من واقع خطاب تمبكتو

علـي محمـد الأحمـر
علاوي عبدالرحمن شيتو
عبدالواسع إدريس أكيني

في مشهد تاريخي يمر بتاريخ الدعوة المعاصر، وبمشهد الآلاف المؤلّفة من المسلمين-قيادة وقاعدة- في حاضرة الإسلام التاريخية –تمبكتو- بتاريخ12 من شهر ربيع الأول 1374و.ر 2006مسيحي - ألقى الأخ معمر القذافي خطابا طرح فيه رؤيته لعدة قضايا ذات أبعاد استراتيجية وحضارية تتصل بواقع الإسلام والمسلمين ـ حضارة وقيما ووجودا ـ.
ولا شك أن هذا الخطاب بالنظر إلى ظرفيه ـ زماناً ومكاناً ـ كان عملا كبيرا، وإنجازا هاما جاء في حينه المناسب تلبية لمقتضيات الواقع ومتطلبات هداية الإنسان، مما جعله خطوة متقدمة في مسار الدفاع عن الإسلام بأسلوب حديث رائع وحضاري في هذا الجزء الحساس من القارة الأفريقية، وكعادته في حسن توظيف الظروف التي تمر بالأمة الإسلامية، ونظرته الاستراتيجية البعيدة المدى للقضايا التي تعرض لواقعها بما يسهم في صياغة مستقبلها على نحو أكثر فاعلية وتأثيراً، جاء خطابه متصلا بجملة قضايا يجب الوقوف عندها بشيء من التروي والموضوعية لاكتشاف مضامينها الإستراتيجية وأبعادها الحضارية والدعوية، على أن الفهم الصحيح للأمور يقتضي منا استيعاب ووعي الدور العالمي الذي اضطلع به الخطاب للدفاع عن الإسلام، وذلك من خلال آلاتي .
عرض معمر القذافي في مطلع حديثه على توضيح موقع المسيح عليه السلام ووجوده المعجز وطبيعة ما مثلها من مهمة تاريخية، مع إشارة بارزة إلى ضرورة التأريخ بهذه المعجزة، مضافا إلى التاريخ بوفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو خاتم الأنبياء. ولاشك أن هذه الرؤية تضع حدث وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي اقترن زمانا بحدث ميلاده في موقعه اللائق به في سياق التاريخ الإنساني ، فقد اختتمت النبوة ، وانقطع الوحي ، واستدار الزمان كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ، وتلاشى اتصال الأرض بالسماء ، بهذا الحدث التاريخي.
إنها قيم حضارية تتجسد في هذا الحدث إضافة إلى كونها عاملا من عوامل تحصين الذات الإسلامية من التبعية والذوبان في خصوصيات الآخر" ويجب علينا أن نؤرخ بهذين التاريخين جنبا إلى جنب..ميلاد عيسى لأنه معجزة ووفاة محمد لأنه خاتم النبيين"
ومن منطلق إثبات صحة التاريخ والمنهج الإسلاميين، وإثبات خطأ المنهج والتاريخ الغربيين الذي يدّعي الموضوعية والعلمية؛ أثبت معمر القذافي استيعاب الإسلام كل الأديان السابقة، كما أثبت عالمية رسالة محمد خاتم النبيين، وخاتميتها تؤكد استيعابها ونسخها ما تقدم من الرسالات- منهجا وشريعة- فقال" للأسف إن التاريخ الذي نقرؤه الآن مغلوط..غير صحيح.. يعتقدون خطأ أن محمدا هو نبي العرب أو المسلمين فقط.. لأن محمدا نبي لكل الناس كافة، وهو ناسخ لكل الأديان التي قبله ولو أن عيسى كان حيا عندما بعث محمد لأصبح عيسى تبع محمد.. كل الناس مطلوب أن يكونوا مسلمين.. هكذا يريد الله ولكن لن يكونوا مسلمين بسهولة" .
ومنطلق هذا، أن مهمّة الرسل من خلال عرض القرآن تمثل كلا متكاملا بما يؤكد تراكم رسالات الله عبر الأمم وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ فرسالة موسى ليست إلا مقدّمة لرسالة عيسى، ونهايتها تعني انطلاقة لرسالة عيسى مصدقا لما بين يديه من التوراة، ومتمما لشريعتها ، ورسالة عيسى بشارة بمقدم خاتم النبيين الذي جاء مصدقا لما بين يديه أي لما تقدمته من أديان" ومؤكدا لما تضمّنته كتبها من حقائق وقواعد السلوك، كما جاء مهيمنا على تلك الكتب، ومصحّحا لما أصابها من تحريف. " ولخّصت رسالته أصول العقيدة ومبادئ الشريعة، ومكارم الأخلاق التي دعا إليها الرسل، حتى تبلغ غايتها بعد أن بلغت البشرية رشدها واستكملت مسيرتها العقلية .
ويعرض القائد إلى مسألة التهجم على النبي محمد ، واستنكار المسلمين لهذا الموقف، إلا أنه من أجل التصدي لما يطرحه الفكر النصراني المتزمّت انطلق من موضوع أساسي يكتنف المسيحيين من جهل عام بديانتهم وموقع النبي  من هذه الديانة ـ باعتباره متمما لرسالة عيسى ومن هنا فـ" إن الذي قدح في محمد  قدح في نبيه هو ذاته؛ لأن محمدا  نبي البشر الذين في اسكندنافيا، والذين في أوربا وأمريكا"
ولتعزيز موقفه في الدفاع عن النبي  ينطلق من حرية التعبير عن الرأي الذي يتشبثون بها، فيقول لهم" إذا كنّا ندّعي حرية التعبير فنتوقع أن تظهر صورة عيسى وفوق رأسه قنبلة ذرية وهم رسموا محمدا وعلى رأسه قنبلة يد صغيرة يدوية.. طبعا محمد بريء من القنبلة اليدوية، ولكن المقصود أن أتباع محمد يستعملون هذه القنبلة .. فكذلك عيسى عليه السلام بريء من القنبلة الذرية ولكن أتباع عيسى هم الذين صنعوا القنبلة الذرية..." وهذا العرض المختصر يعبر عن أسلوب حضاري في الرد على الخصم من واقع الأدلة التي يحاجج بها، يسردها له ثم يدحضه بها، ولذلك يسترسل في المزيد من المقارنة بين عيسى عليه السلام والنبي  من واقع ممارسات أتباعهما في موازنة بين التعاليم الواردة منهما، وبين التطبيق القائم لتلك التعليمات، وذلك للوصول إلى ما تولده المقارنة من استنتاج عقلي بأحقية ترشح محمدا للتسامح والحوار وقبول الآخر، من أتباع المسيح لو كانت المسألة بمعيار المنطق السليم.
وحيث إن القذافي خبير في دراسات الكتاب المقدس وعلم اللاهوت، فإنه يجود على الواقفين على خطابه بإسعافهم بالقضايا العقائدية التي تكتنف ما يسمى ب" العهد القديم والعهد الجديد" لأن هذين العهدين منسوخان مزوران وكتبا باليد بعد عيسى بمئات السنين وفي البايبلbible كلام لا يليق بعيسى ولا بموسى"
وهذا الرد من منظور أخلاقي، ينطلق مما ورد في هذين العهدين من تقريرات تسيء إلى عيسى نفسه يستعصي حتى على علماء اللاهوت إنكارها" من دعواهم معجزة تدفق الماء خمرا على يد المسيح عن عمر جاوز الثلاثين"
ونحن في سياق المقارنة بين القرآن الكريم والكتاب المقدس في موضوع المسيح نجد المفارقة بين ما ينسب إلى المسيح وهو عنه بريء من نداء وقح، وذلك عندما نادى أمه بلفظ" يا امرأة مالي ومالك؟" طبقا للوارد في الإنجيل، وذلك في مناسبة عرس أقيم بمدينة (قانا) بالإضافة إلى ذمه وقدحه لكبار السن من قومه بوصفه إياهم "أيها المنافقون الأشرار...يا أبناء الزناة...يا أبنا الأفاعي" وهذه من السلوكيات التي تتنافى مع ما يوصف به من وداعة وتسامح في القرآن الكريم، وما يوصف به من أنه كان بأمه بارا (وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً)
ومن هذا المدخل يلج معمر القذافي ليثبت المكانة المرموقة التي تخطى به شخصية المسيح وموسى عليهما السلام في القرآن الكريم، ساردا الإحصائية بالأرقام التي ورد فيها ذكر كل من موسى وعيسى ومريم العذراء، وتتجسد مكانة المسيح بالذات وهو أقل رقم ذكر، بوروده خمسا وعشرين مرة مقابل خمس مرات ورد فيها اسم النبي محمد  في القرآن الكريم.
فقال" موسى لعلمهم مذكور في القرآن 136 مرة.. لماذا نحن لم نشطب على هذا.. هذا كلام الله لا نستطيع شطبه وإلا نصبح كفارا.. مريم مذكورة في القرآن 33 مرة..لماذا لم نشطبه، وعيسى مذكور 25 مرة في القرآن..، والقرآن يذكر مريم وعيسى وموسى كل هذا تمجيد واعتراف بنبوتهم وتقديس لهم وسلام عليهم.."
إن هذه اللفتات القوية التي يثير بها القذافي يهود ومسيحييّ هذا العصر عن عقيدة القرآن إزاء موسى والمسيح وأمه، تشكل في واقعها عوامل استقطاب فعالة، إذ تتسم بجاذبية أخاذة من شأنها أن تقدم للآخرين مؤشرات هادية تقود خطاهم في الطريق المستقيم إلى الإيمان الصحيح .
وعلى هذا النمط المتكامل يسير القذافي على امتدادات القرآن الكريم والكتاب المقدس بعهديه مبينا أنه ليس مجرد قصاص أو راوٍ تتلخص مهمته في مجرد السرد والوصف دون غيرهما، بل هو بجوار السرد يقارن ويحلل ويناقش ويغذي هذا السرد بنقولات ومقارنات كاشفة يظهر للواقف على معطيات هذا الخطاب أن حكايته لتلك القصص والواقع -منطلق وبداية- وليست هدفا أو نهاية.
مؤكدا انتصار الإسلام لوضوح رسالته وموضوعيته وتسامحه مع الآخر، من منطلق وعد الله، وهذا يأتي في إطار شحذ قوى ورفع همم المسلمين، وهي محطة وقف نفسه عليها وعرف بها منذ زمن، قال ما نصه" لكن لا تنزعجوا لأن الله قال" (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) ومن هذه الآية ينطلق القذافي لإثبات عالمية الرسالة الخاتمة ومخاطبتها لكل الأجناس البشرية، وبهذه الرؤية فنحن المسلمين" لسنا محتاجين للسيف لنشر الإسلام.. عندنا الآن خمسون مليون مسلم في أوربا وهناك علامات أخرى تدل على أن الإسلام سيظهره الله في أوربا بدون بندقية بدون فتح"
وما دام محمد هو نبي لكل الناس حسبما جاء في القرآن، إذن كل الناس مدعوة إلى تلبية نداء محمد.. الله قال لمحمد" (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) .
إننا حينما نفكك هذا النص ونحلله ونضعه في سياق الدفاع الحديث عن الإسلام وتبين مداخل حضارية للخطاب الإسلامي المعاصر؛ نصل إلى حقائق موضوعية ومنهجية قلما تنبه كثير ممن وقف على هذا النص من الخطاب-قراءة ونقدا- بغرضية أو موضوعية- وذلك من خلال النقاط الآتية.
إن النص ورد في سياق التأكيد على عالمية الرسالة الخاتمة، وعالميته تستلزم شمول خطابه لكل الأجناس، من غير نظر إلى انتماءاتهم الجغرافية والبيئية واللسانية والعقائدية .
إن النص اختتم بشرط لازم له، وهو اشتراط تلبية نداء الرسول الخاتم ، وبالنص يقول القذافي" من الذي يمنع الناس من أن يحجوا إلى بيت الله.. ما هو السبب؟ لماذا لا يأتي اليهود والنصارى ليطوفوا حول الكعبة وهم مدعوون لأن يتركوا اليهودية والنصرانية ويلبوا نداء محمد" ؟
إن هذه الرؤية في أسوأ تفسيرات الناس لها، لا يمكن تفهمها إلا على أساس أنها انطلقت للبحث في حلقة مفرغة من الدراسة في سلسلة القضايا التي لم يكتب لها البحث والتقصي حتى الآن، لأن المتتبع لكتب التفاسير القديمة، وكتب الصحاح، يدرك أنها فيما يتصل بموضوع الحج، وقفت على بيان مناسك وشعائر الحج، وبيان فضائله وفرضيته، لكن مناقشة موضوع جواز الحج لأهل الكتاب من واقع هذه الآية التي يبين ظاهرها بوضوح إمكانية حج الناس جميعا-غير المشركين للبيت الحرام- لم يتم في أي مستوى - فردي أو مؤسسي.
وهذا الإطلاق منا لم يكن جزافا، ولكنه جاء بناء على تتبع متأنّ لكتب التفسير والصحاح، بما يفيد ويؤكّد غياب هذا التفسير فيها، ومن ثم تم الركون إلى كتب التفسير الحديثة، لعلها تسهم بشيء يمكن الاعتماد عليه في هذا الطرح، لكونها تضطلع بنظرات تجديدية لكثير من مفاهيمنا الإسلامية التي لم تعط حقها اللازم من البحث والتنقيب، ولا شك أن كتاب" التفسير الحديث" لمحمد عزة دروزة" من طلائع كتب التفسير التي أخذت على عاتقها تتبع كثير من القضايا التي توقف عندها البحث بسبب ما اعترى مسيرة الاجتهاد من جمود وانحطاط، ولذلك سار تفسيره على ترتيب السور حسب النزول، وقد وقف على هذه القضية بتمعّن، وأثبت قضايا تتصل بعمومية النداء الوارد في آية الحج لكل الناس، كما أثبت أن هذه القضية غائبة في كتب التفاسير وكتب الصحاح، وهذا يلزمنا أن نسُوق ما قال الشيخ محمد عزة في هذا الشأن حتى لا نقُوّلَ الرجل ما لم يقله، وحتى يكون لطرحنا مصداقية .
قال في معرض تفسير الآية" أذن في الناس: أي نادهم واهتف بهم ليأتوا ويحجوا البيت...، والآية صريحة التقرير بأن تهئية الكعبة لعبادة الله وتطهيره والحج إليها وجعلها لجميع الناس من مقيمين وغير مقيمين، وإنشاء تقاليد الحج متصل بإبراهيم عليه السلام بأمر الله تعالى، وهذا التقرير تكرر في آيات سورة البقرة مضافا إليه أن الله قد جعل الكعبة وحرمها مثابة للناس وأمنا..."
إلى أن قال" وفي كتب التفسير روايات معزوة إلى علماء التابعين والأخبار في الصدر الإسلامي الأول منها ما يتصل بأوّلية الكعبة ومنها ما يتصل بالعبارات الجديدة، ومن ذلك أن الله أمر إبراهيم عليه السلام، بعد أن أتم بناء البيت مع إسماعيل أن يؤذن في الناس بالحج فقال"رب: وماذا أستطيع أن أبلغ؟ فقال عليك النداء وعليّ الإسماع، فهتف قائلا: ألا إن ربكم قد اتخذ بيتا وأمركم أن تحجوه، فأسمع من أصلاب الرجال وأرحام النساء من آمن ممن سبق في علم الله أن يحج إلى يوم القيامة- لبيك اللهم لبيك، وفي رواية فما سمعه يومئذ من إنس وجن وشجر وأكمة وتراب وجبل وماء ولا أي شيء آخر من خلق الله إلا قال: لبيك اللهم لبيك" ثم قال: وليس شيء من ذلك وارد في كتب الأحاديث، والأولى الوقوف عندما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه والإيمان به مع القول أن الروايات تؤكد ما قلناه...، وبأن الله الذي يعترفون ويقدسون بيته قد جعل هذا البيت مثابة للناس جميعا، ومطهرا من الشرك من لدن إبراهيم الذي ينتسبون إليه بالنبوة"
إن هذا النص، إنما أورد طويلا لكونه وثيقة تاريخية تؤكد من جملة ما تؤكد، أن هذا الموضوع لم يشفع بالبحث الجاد الذي يضعه في سياقه الموضوعي بما يبين أحقية أهل الكتاب بالحج إلى الكعبة من عدمها ، إضافة إلى تأكيده صراحة أن النداء الرباني كان عاما للناس لكون البيت الحرام مثابة للناس وامنا.
4- الواقف على خطابات الأخ معمر القذافي المتصلة بنظرته للأديان الإلهية ، يدرك أنه يؤكد على مفهوم التوحيد الذي تنطلق منه كل الأديان وتصب فيه ، والتي أسسها أبو الأنبياء إبراهيم وجاءت متسلسلة عبر الزمن يصدق اللاحق منها السابق، ويتابع مسيرة التصحيح التي انطلق لها السابق(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) وهذا من بديهيات ومسلمات الإسلام التي لا يختلف عليها اثنان، إلا حين ينعدم الإخلاص ويكون الخصام والنزاع في الدين هو الوسيلة والغاية.
5- أما الشرك والمشركون فلهم حكم آخر تطرق له القرآن مفصلا، ليضع الحد بين أهل الكتاب الذين تربطهم قواسم مشتركة مع المؤمنين بالنبي محمد، أقلها القيم الإيمانية المشتركة بكل معانيها وتفاصيلها، ولذلك كانت لنا وقفة عندما أورد القائد هذا الخطاب قبل أن يتلوه بالنص المتصل بحكم المشركين، لكن ما أن ذكر هذا النص المتصل بحكم المشركين حتى انفسح أمامنا هذا الأفق الذي أطللنا منه الآن متتبعين المصادر لإثبات النظرة الاستراتيجية والبعيدة المدى لهذا الخطاب، فقد قال فيما نصه" " إذا جاءك الرئيس الفرنسي أو الأمريكي أو الإيطالي وقال أنا لبيت النداء وسأطوف حول الكعبة ماذا سنقول له.. ليس عندنا حجة.. عندنا آية واحدة في القرآن إذا انطبقت عليهم إذن لا يحجون.. ما هي هذه الآية؟ انتبهوا جيدا لهذه الآية. الآية الوحيدة التي تمنع من أن يقترب من البيت الحرام تقول" (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا)
وحتى سياق الخطاب لم يأت مطلقا، فقد ذُيّل بالقول" إذا قال الرئيس الفرنسي...، أنا لبّيت النداء وسأطوف الكعبة ماذا نقول لـه؟ وبعد أن لبى النداء ألم يكن قد دخل في دائرة أتباع النبي محمد ؟ من هنا تبقى مسؤولية القراءة الشمولية لهذا الخطاب بما يسهم في فهمه الفهم الصحيح، وتبقى كذلك مسؤولية استيعاب ووعي الدور العالمي الذي اضطلع به الخطاب للدفاع عن الإسلام كذلك، مطلبا ملحّا من أجل إنصاف الرجل، ومن أجل دعم الرؤى التجديدة في هذه المرحلة من تاريخ الدعوة -من غير إجحاف بالثوابت والمسلمات-، حتى نتعرف أكثر على مكامن النجاح ومداخل هداية الناس والارتقاء بخطابنا الإسلامي لمستوى هموم الأمة وتطلعات الغيورين من أبنائها على شرفها وكرامتها السليبيين، وحتى نتعرف على مزالق الإخفاق التي سقط فيها المتقدمون بقصد أو بغير قصد، أو على الأقل نستكمل مسيرة العطاء الفكري والمنهجي التي دشّنوها وسلموا لنا رايتها، بعد أن انتقلوا إلى رحاب الله، وإلا سنظل نوجه التهم ونطلق الأحكام من منطلق العصبية والوصاية على الدين وبدافع من زخرف القول غرورا. وإذا كان التاريخ قد سجل أحداثاً كثيرة ، ووقائع متنوعة يستقي منها العظماء ورجال الفكر في المجتمع الإنساني ، العبر والدروس ؛ ليستنيروا بها في صنع يومهم وتصحيح واقعهم المأسوي ؛ فإن المجتمع الإسلامي لم يقل شأناً في أداء أدواره ، ولم يتخلف عن الأخذ بمهمته تجاه خدمة بني البشر ، بعد أن وجد أمامه تاريخاً حافلاً بالجدية والتضحية.

[علاء غنيم]

مشكووووووووووووووووووووووووووووور
بارك الله فيك

[ahmedalaa]

جزاك الله خيرا

[الشيخ سيد]

تقبل الله منا ومنك وجازاك الله خيرا مشكور اخى الكريم 0

[انور حافظ احمد]