[ميدو الشورة]

غضب الخليفة العباسي ( أبو جعفر المنصور ) ذات يوم عندما سمع من الواشين بأنّ أحد أقاربه يعملُ ضده .. فتوعّد وحلف بأن يقتله !

وأمر المنصور أن يأتوه به .. فلما أحضروه، أخذ الرجل يهمس بشفتيه بكلام غير مسموع حتى وقف بين يدي الخليفة، ثم سلّم ..

فقال له المنصور: "لا سلّم الله عليك يا عدو الله، تُعمل عليّ الغوائل في مُلكي؟! قتلني الله إن لم أقتلك!"

فقال الرجل: (( يا أمير المؤمنين، إنّ النبي سليمان -عليه السلام- أُعطيَ فَشَكر، وإنّ أيّوب اُبتليَ فصبر، وإن يوسف ظُلِمَ فغَفَر؛ وأنت على إرثٍ منهم، وأحقُّ من تأسّى بهم))

فنكس أبو جعفر المنصور رأسه مليّاً يفكّر، ثم رفع رأسه وقال: "إليَّ أبا عبدالله، فأنت القريب القرابة، وذو الرحم الواشجة، السليم الناحية، القليل الغائلة"

ثم صافحه بيمينه وعانقه بشماله، وأجلسه معه على فراشه، وأقبل بوجهه عليه يحادثه ويسائله، ثم أمر له بكسوة وجائزة، وأذِنَ له بالإنصراف ..

فتعجب "حاجب المنصور" من هذا التحوّل السريع الذي طرأ على الخليفة، وكيف هدأ عنه الغضب بهذه السرعة ...

فلحِق الحاجب بالرجل، وقال له: "إني منذ ثلاثة أيام أُدافع عنك عند الخليفة وأُداري عليك، ورأيتك عندما دخلت همَستَ بشفتيك، ثم رأيت الأمر قد انجلى عنك ..فأحبُّ أن تعلّمني ما قلت!"

فقال له الرجل: (( نعم، لقد قلت: اللهم احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني بحفظك الذي لا يُرام، ولا أهْلَك وأنت رجائي، فكم من نعمةٍ انعمت بها علي قلّ عندها شُكري فلم تحرمني، وكم من بليّةٍ ابتليتُ بها قلّ عندها صبري فلم تخذلني، بك أدرأُ في نحره، وأستعيذُ بخيرك من شرّه، فإنك على كل شيء قدير، وصل الله على
سيدنا محمد وآله وسلم ))

‏⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
المصدر / كتاب "العقد الفريد" فصل "مخاطبة الملوك": ابن عبد ربه الأندلسي ص٣٢-٣٣ -بتصرف