هل نحن عاقلون؟ وما مدى محدودية عقولنا؟ وكيف يعمل العقل في مجتمعاتنا المتخلفة؟
أسئلةٌ كثيرةٌ تفرِضُ نفسها عليك وأنت تطالع بعين الحائر الوضع الحضاري لمجتمعاتنا العارية، إننا فعلاً نعيشُ في مجتمع عارٍ - تقريبًا بشكل كامل - مجتمعٍ يتحدَّث عن الحضارة والحداثة والتقدم، ولكنه عارٍ من كلِّ مظاهر التحضر، مجتمعٍ يُلقِي قمامتَه في كل مكان عدا المكان المخصَّص لها! يُحلِّل كل الأحداث الثقافية والسياسية والرياضية، ينتقد الإدارات والمدارس والمستشفيات، لكنه لا يمتلك ثقافة الطابور، وحين يذهبُ لقضاء مصلحته يسابق نفسه إن لم يجد مَن يسابق!
مجتمع عارٍ من القيم الإبداعية والابتكارية، غارقٌ في الشَّرَهِ الاستهلاكي، يستهلك كل شيء في أسرع وقت ممكن، دون أن يُكلِّف نفسَه عناء البحث والتفكير والإبداع ليبقى دائمًا رهينًا للآخر المبدع.
مجتمع يتسابق مثقَّفوه للدفاع عن الحريات الفردية، قصد إنتاج فوضى هدَّامة، وظواهر شاذة أخرى ليدافعوا عنها، فمثلاً الذين يدافعون عن الأمهات العازبات "بغضِّ النظر عن اتفاقنا مع التسمية أو اختلافنا معها" هم مَن وضَعَهن بذاك الموضعِ من خلال دفاعهم عن الحرية الجنسية، ثم يُظهِرون الألم والأسى بعد ذلك لحال الأطفال المتخلَّى عنهم.
والذين ينادون بإلغاء عقوبة الإعدام يعودون فيما بعدُ لدقِّ ناقوس الخطر أمام ارتفاع نسبة جرائم القتل.
إننا فعلاً في مجتمع غريب تخلَّى عن قيمِه ومبادئه ليأخذَ من الآخَرِ الاستهلاكَ دون الإبداع، ويصر على تتبُّع سيره بشدة ودون تمحيص، حتى لو دخل جُحْر ضَبٍّ لدخله من خلفه.