فقه التمكين للمرأة المسلمة

[انور حافظ احمد]

للمرأة المسلمة دور رئيس في تربية وإعداد أجيال الأمة ، وكما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم:

من لي بتربية النساء فإنها في الشرق علة ذلك الإخفـاق

الأم مدرسة إذا أعددتهــا أعددت شعبًــا طيب الأعراق

الأم روض إن تعهده الحيـا بالري أوراق أيمـــا إيراق

الأم أستاذ الأســاتذة الألى شغلت مـآثرهم مـدى الآفاق

وقد فطن أعداء الأمة الإسلامية إلى الدور المهم والرئيس الذي قامت به المرأة المسلمة في الأيام الأولى من الدعوة ، فكانت أول مسلمة امرأة السيدة خديجة رضي الله عنها ، وكانت أول شهيدة في الإسلام امرأة السيدة سمية بنت خياط رضي الله عنها ، وكانت أول طبيبة ميدانية السيدة رفيدة الأنصارية ، وكانت أم ملحان من الأوائل في ركوب البحر لفتح جزر صقلية ورودس وقبرص ، وأم عمارة جاهدت جهادًا عجيبًا وكذلك أسماء بنت عميس ، ولأم سلمة دور مهم في الهجرة النبوية وفي صلح الحديبية ، وهذا ما فصلناه في بحثنا وكتابنا عن تمكين المرأة في الشريعة الإسلامية الذي طبعته جمعية الشورى الإسلامية في مملكة البحرين في طبعة متميزة توزع مجانًا .

ونحن نرى أن تمكين المرأة المسلمة في كل مناحي الحياة ، وفق شرع الله ، هو البداية الحقيقية والصحيحة لتربية جيل التمكين للأمة الإسلامية ، ويبدأ هذا التمكين بالمساواة في الأسرة بين الذكر والأنثى في المعاملة الأسرية بأن تبنى الأسرة على السكن والمودة والرحمة بين الزوج والزوجة الأنموذج الأول لتمكين المرأة في الحياة بحيث تشعر الزوجة بأن الحياة الزوجية شراكة شرعية بينها وبين زوجها وهي سكن له وهو سكن لها ، وهي توده وهو يودها ، وهي ترحمه وهو يرحمها ، وهي تتودد إليه وهو يتودد إليها كم قال تعالى :" وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " [الروم: 21] , وبذلك يصبح البيت بيئة سوية محببة للزوج والزوجة ، وإذا رزقت الأسرة بالبنت فعليها أن تعلم أن لهذه البنت الحق في الحب الأسري ، والود والتقدير والاحترام كما لأخيها الذكر تمامًا ، فلا تشعر البنت بأنها أقل من أخيها في التقبل والمودة والرحمة والحب من الجميع ، وأن تنال البنت من الرعاية والمعاملة نفس الدرجة التي ينالها أخوتها الذكور تمامًا . وأن تولي البنت الاهتمام الكافي في التربية والتعليم حسب قدراتها وطاقاتها العقلية والعلمية ، وأن تفتح أمامها الأبواب للتفوق ومواصلة الدراسة والإعداد للمستقبل فالأم مربية الرجال .

وقد أوصى المصطفى صلى الله عليه وسلم بتربية البنات وجعل حسن تربيتهن حجابًا من النار ، وأعلن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم مساواة التكامل بين الرجل والمرأة فقال : " إنما النساء شقائق الرجال " رواه أبو داود والترمذي والدارمي وأحمد وقال الله تعالى : " وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ " [البقرة: 228] .

ويأتي بعد ذلك التمكين الاقتصادي بأن تورث البنت الميراث الشرعي ، وتستقل بأموالها وذمتها المالية المستقلة وتعطي المهر نحلة ، ويهيأ لها السكن الملائم الصحي والمريح ، وأن تأخذ حقوقها في الإنفاق والتمكين الاقتصادي ، ومن حقلها أن تتملك وتتصرف فيما تملك وتجري المعاملات المالية الخاصة بها باسمها إن كانت بالغة وراشدة ، ومن حقها أن تتساوى أجرًا مساويًا للرجال في مؤسسات المجتمع المدنية والحكومية العامة والخاصة إن كان عملها متساويًا مع عمل الرجل وأن تخرج للعمل خارج المنزل بالضوابط الشرعية إن احتاجت إلى ذلك أو احتاج المجتمع إليها ونهيئ لها البيئة المحافظة على عفتها وطهارتها وكرامتها ولباسها الشرعي وخصوصياتها ، وللبنت الحق في الحب العاطفي بالضوابط الشرعية ، وأن تتزوج ممن تحب ، فالإسلام لا يحرم الحب ولا يجرمه بل للحب بين الرجل والمرأة في الإسلام مكانة عالية فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " لم ير للمتحابين مثل التزويج " صحيح أخرجه ابن ماجة وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي واعتبر الحب رزقًا فقال عن السيدة خديجة : " إني رزقت حبها " أخرجه مسلم وعندما عرضت عليه قضية البنت التي تريد أن تتزوج ممن تحب وهو فقير وأهلها يريدون تزويجها من الغني قال : " لا أرى للمتحابين إلا النكاح " .

وللمرأة الحق في الاشتراك في الأنشطة الاجتماعية ، والثقافية ، والسياسية العامة بالضوابط الشرعية ، وهذا ما فصلناه في كتابنا ( تمكين المرأة في الشريعة الإسلامية – طبعة 2007م ) .

وللمرأة الحق في طلب التطليق وخلع زوجها إن كرهت الحياة معه ، ولها الحق في معالجة نشوز الزوج وعقد الصلح بينهما وبينه ، وللمرأة الحق في حضور المساجد والدعوة إلى الله ، ولها الحق في الدفاع عن حقوقها الشرعية كما فعلت زوجة أوس بن الصامت خولة بنت ثعلبة التي سمع الله دفاعها عن حقوقها الأسرية وحقوق أبنائها وجادلت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاورت وأيدها الله بالوحي وقال سبحانه : " قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ " [المجادلة : 1] .

ولا توجد أدلة قاطعة تمنع المرأة أن تولى كل المناصب المناسبة لها التي تقدر عليها في المجتمع .

فإذا قمنا بدورنا الشرعي تجاه المرأة ومكنا لها في المجتمع والأسرة ، وأعطيت حقوقها الشرعية ، فإننا نشيع المودة والرحمة والحب والسكينة والتربية الصحيحة في المجتمع وبذلك نربي أبناءنا التربية الأسرية والمجتمعية السليمة وهذا من فقه التمكين وبناء الأمة الإسلامية القوية أو الولايات المتحدة الإسلامية بإذن الله. ( وللحديث بقية بإذن الله ) .

أ.د. نظمي خليل أبو العطا موسى

[أسماءعيد]