ماشاء الله تبارك الله ماشاء الله لاقوة الا بالله , اللهم اني اسالك الهدى والتقى والعفاف والغنى
" قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ *مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ". صدق الله العظيم
الساده الاعضاء و زوار منتديات المهندسين العرب الكرام , , مشاهده القنوات الفضائيه بدون كارت مخالف للقوانين والمنتدى للغرض التعليمى فقط
   
Press Here To Hidden Advertise.:: إعلانات منتديات المهندسين العرب لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم الشكاوي ::.

 IPTV Reseller

  لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم طلبات الاعلانات اسفل المنتدى لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم طلبات الاعلانات اسفل المنتدى لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم طلبات الاعلانات اسفل المنتدى

Powerd By : Mohandsen.com

العودة   المهندسين العرب > المنتدى الادبى > المنتديات الادبيه العامه > قسم القصه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28/1/2009, 04:09 PM   رقم المشاركة : ( 751 )
ساهر سات
استاذ فضائيات

الصورة الرمزية ساهر سات

الملف الشخصي
رقم العضوية : 125505
تاريخ التسجيل : Oct 2008
العمـر :
الجنـس :
الدولـة : المهندسين العرب
المشاركات : 11,668 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : ساهر سات يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

ساهر سات غير متصل

افتراضي رد: قصة الف ليله وليله

فقال الملك في نفسه إني وقعت في الهلكة العظيمة ثم أرسل خلف المرأة فحضرت فقال لها أن شماساً لم يخبرني بشيءٍ إلا وقد وجدته صحيحاً وقد حضر الخاص والعام من الناس يريدون قتلي وقتلك ولما لم يفتح لهم البواب أرسلوا ليحضروا نار فيحرقون الأبواب فيحترق البيت ونحن داخله فماذا تشيرون علينا فقالت له المرأة: لا بأس عليك ولا يهولنك أمرهم، فأن هذا الزمان يقوم فيه السفهاء على ملوكهم.
فقال لها الملك فما تشيرين علي به لأفعله وما الحيلة في هذا الأمر فقالت له الرأي عندك أنك تعصب رأسك بعصابةٍ وتظهر أنك مريض ثم ترسل إلى الوزير شماس فيحضر إليك ويرى حالك الذي أنت فيه فإذا حضر فقل له قد أردت الخروج إلى الناس في هذا اليوم فمنعني هذا المرض فأخرج إلى الناس وأخبرهم بما أنا فيه وأخبرهم أني في غدٍ أخرج إليهم وأقضي حوائجهم وانظر في أحوالهم ليطمئنوا ويسكن غيظهم وإذا أصبحت فاستدع بعشرة من عبيد أبيك ويكونون سامعين لقولك طائعين لأمرك كاتمين لسرك حافظين لودك ثم أوقفهم على رأسك وأمرهم أن لا يمكنوا أحداً من الدخول عليك إلا واحدٍ بعد واحدٍ فإذا دخل واحدٌ فقل لهم خذوه واقتلوه وإذا اتفقوا معك على ذلك فأصبح ناصباً كرسيك في ديوانك وأفتح بابك إذا رأوك فتحت الباب طابت نفوسهم وأتوك بقلبٍ سليم واستأذنوا في الدخول عليك فائذن لهم في الدخول واحداً بعد واحدٍ كما قلت لك وافعل بهم مرادك ولكن ينبغي أن تبدأ بقتل شماس الكبير أولهم فإنه هو الوزير الأعظم وهو صاحب الأمر فأقتله أولاً.
ثم بعد ذلك أقتل الجميع واحداً بعد واحدٍ ولا تبق منهم من تعرف أنه ينكث لك عهداً وكذلك كل من تخاف صولته فإنك إذا فعلت بهم ذلك لا يبقى لهم قوة عليك وتستريح منهم الراحة الكلية ويصفو لك الملك وتعمل ما تحب واعلم أنه لا حيلة لك أنفع من هذه الحيلة فقال لها الملك: إن رأيك هذا سديدٌ وأمرك رشيدٌ فلا بد أن أعمل ما ذكرت ثم أمر بعصابة فشد بها رأسه وتضاعف وأرسل إلى شماس فلما حضر بين يديه قال له شماس: قد علمت أني لك ولرأيك مطيعٌ وأنت كالأخ والوالد دون كل أحد وتعرف أني أقبل منك جميع ما أمرتني به وقد كنت أمرتني بالخروج إلى الرعية والجلوس لأحكامهم وتحققت أنها نصيحة منك لي، وقد أردت الخروج إليهم بالأمس فعرض لي هذا المرض ولست أستطيع الجلوس، وقد بلغني أن أهل المملكة متنغصون من عدم خروجي إليهم وهموا أن يفعلوا في ما لا يليق من شرهم فأنهم غير عالمين بما أنا فيه من المرض فأخرج إليهم وأعلمهم بحالي وما أنا فيه واعتذر إليهم عني فأني تابع لما يقولون وفاعل ما يحبون فصلح لهم هذا الأمر واضمن لهم عني ذلك فأنك نصيح لي ولوالدي من قبلي وعادتك الإصلاح بين الناس وإن شاء الله تعالى في غد أخرج إليهم وفعل مرضي يزول عني في هذه الليلة ببركة صالح نيتي وما أضمرته لهم من الخير في سريرتي فسجد شماس لله ودعا للملك وقبل يديه ورجليه وفرح بذلك وخرج إلى الناس وأخبرهم بما سمعه من الملك ونهاهم عما أرادوه، وأعلمهم بالعذر وسبب امتناع الملك عن الخروج وأخبرهم أنه وعده في غد بالخروج إليهم وأنه يصنع لهم ما يحبون فانصرفوا عند ذلك إلى منازلهم.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة التاسعة عشرة بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن شماساً خرج إلى الدولة وقال لهم: إن الملك في غدٍ يخرج إليكم ويصنع لكم ما تحبون فانصرفوا إلى منازلهم هذا ما كان من أمرهم.
وأما ما كان من أمر الملك فإنه بعث إلى العشرة عبيد الجبابرة الذين اختارهم من جبابرة أبيه وكانوا ذوي عزمٍ جليدٍ وبأسٍ شديدٍ وقال لهم: قد علمتم ما كان لكم عند والدي من الحظوة ورفعة الشأن والإحسان إليكم مع لطفه بكم وإكرامه إياكم فأنا أنزلهم بعده عندي في درجة أرفع من تلك الدرجة وسأعرفكم سبب ذلك وأنتم في أمان الله مني ولكن أسألكم عن مسألة هل تكونون معي فيها طائعين لأمري فيما أقوله كاتمين لسري عن جميع الناس ولكم مني الإحسان فوق ما تريدون حيث مثلتم أمري فأجابه العشرة من فم واحدٍ وكلامٍ متواردٍ قائلين: جميع ما تأمرنا به يا سيدنا نحن به عاملون ولا نخرج عما تشير به علينا مطلقاً وأنت لي أمرنا.

فقال لهم: أحسن الله لكم فأنا الآن أعرفكم سبب اختصاصكم بمزيد الإكرام عندي أنكم قد علمتم ما كان يفعله أبي بأهل مملكته من الإكرام وما عاهدهم عليه من أمري وإقرارهم له بأنهم لا ينكثون لي عهداً أو لا يخالفون لي أمر وقد نظرتم ما كان منهم بالأمس حي اجتمعوا جميعاً حولي يريدون قتلي وأنا أريد أن أصنع بهم أمراً وذلك أني نظرت ما كان منهم بالأمس فرأيت أنه لا يزجرهم عن مثله إلا نكالهم فلا بد أن أوكلكم بقتل من أشير لكم بقتله سراً حتى أدفع الشر والبلاء عن بلادي بقتل أكابرهم ورؤسائهم وطريقة ذلك أني أقعد في هذا المقعد في هذه المقصورة في غدٍ وآذن لهم بالدخول علي واحداً بعد واحدٍ وإن يدخلوا من بابٍ ويخرجوا من بابٍ آخر فقفوا أنتم العشرة بين يدي فاهمين لإشارتي وكلما يدخل واحدٌ فخذوه وأدخلوا به هذا البيت وأقتلوه وأخفوا جثته، فقالوا: سمعاً لقولك وطاعةً لأمرك، فعند ذلك أحسن إليهم وصرفهم وبات، فلما أصبح طلبهم وأمر بنصب السرير ثم لبس ثياب الملك وأخذ في يده كتاب القضاء وأمر بفتح الباب ففتح وأوقف العشرة عبيد بين يديه ونادى من كان له حكومة فليحضر إلى بساط الملك فأتى الوزراء والقواد والحجاب ووقف كل واحدٍ في مرتبته ثم أمر لهم بالدخول واحداً بعد واحدٍ فدخل شماس الوزير أولاً كما هي عادة الوزير الأكبر.
فلما دخل واستقر قدام الملك لم يشعر إلا والعشرة عبيد محتاطون به وأخذوه وأدخلوه البيت وقتلوه وأقبلوا على باقي الوزراء ثم العلماء ثم الصلحاء فصاروا يقتلونهم واحداً بعد واحدٍ حتى فرغوا من الجميع، ثم دعا بالجلادين وأمرهم بحط السيف فيمن بقي من أهل الشجاعة وقوة البأس فلم يتركوا أحداً ممن يعرفون أن له شهامةً إلا وقتلوه ولم يتركوا إلا سفلة الناس ورعاعهم ثم طردهم ولحق كل واحدٍ منهم بأهله.
ثم بعد ذلك اختلى الملك بلذاته وأعطى نفسه شهواتها واتبع البغي والجور والظلم حتى سبق من تقدمه من أهل الشر، وكانت بلاد هذا الملك معدن الذهب والفضة والياقوت والجواهر وجميع من حوله من الملوك يحسدونه على هذه المملكة ويتوقعون له البلاء فقال في نفسه بعض الملوك المجاورين له أني ظفرت بما كنت أريد من أخذ هذه المملكة من يد هذا الولد الجاهل بسبب ما حصل من قتله لأكابر دولته وأهل الشجاعة والنجدة الذين كانوا في أرضه فهذا هو وقت الفرصة وانتزاع ما في يده لكونه صغيراً ولا درايةً له بالحرب ولا رأي له ولم يبق عنده من يرشده ولا من يعضده، فأنا اليوم أفتح معه باب الشر وهو أني أكتب له كتاباً وأبعث به فيه وأبكته على ما حصل منه وأنظر ما يكون من جوابه.
فكتب له مكتوباً مضمونه: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فقد بلغني ما فعلت بوزرائك وعلمائك وجبابرتك وما أوقعت نفسك فيه من البلاء حتى لم يبق لك طاقة ولا قوة على دفع من يصول عليك حين طغيت وأفسدت وأن الله قد أعطاني النصر عليك وظفرني بك فاسمع كلامي وأمتثل أمري. أن لي قصراً معيناً في وسط البحر وأن لم تقدر على ذلك فأخرج من بلادك وفز بنفسك فإني باعثٌ إليك من أقصى الهند اثني عشر كردوساً من كردوس اثنا عشر ألف مقاتل فيدخلون بلادك وينهبون أموالك ويقتلون رجالك ويسبون حريمك وأجعل قائدهم بديعاً وزيري وآمره أن يرسخ عليها محاصر إلى أن يملكها، وقد أمرت هذا الغلام المرسل إليك أنه لا يقيم عندك غير ثلاثة أيامٍ فأن امتثلت أمري نجوت وإلا أرسلت إليك ما ذكرته لك.
ثم ختم الكتاب وأعطاه للرسول فسار به حتى وصل إلى تلك المدينة ودخل على الملك وأعطاه الكتاب، فلما قرأه الملك ضعفت قوته وضاق صدره وألتبس عليه أمره وتحقق الهلاك ولم يجد من يستشيره ولا من يستعين به ولا من ينجده، فقام ودخل على زوجته وهو متغير اللون فقالت له: ما شأنك أيها الملك? فقال لها: لست اليوم بملك ولكني عبدٌ للملك، ثم فتح الكتاب وقرأه عليها فلما سمعته أخذت في البكاء والنحيب وشقت ثيابها، فقال لها الملك: هل عندك شيءٌ من الرأي والحيلة في هذا الأمر العسير? فقالت له: وما عند النساء من الحيلة في الحروب والنساء لا قوة لهن ولا رأي لهن وإنما القوة والرأي والحيلة للرجال في مثل هذا الأمر. فلما سمع الملك منها هذا الكلام حصل له غاية الندم والتأسف والكآبة على ما فرط منه في حق جماعته ورؤساء دولته.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
  رد مع اقتباس
قديم 28/1/2009, 04:12 PM   رقم المشاركة : ( 752 )
ساهر سات
استاذ فضائيات

الصورة الرمزية ساهر سات

الملف الشخصي
رقم العضوية : 125505
تاريخ التسجيل : Oct 2008
العمـر :
الجنـس :
الدولـة : المهندسين العرب
المشاركات : 11,668 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : ساهر سات يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

ساهر سات غير متصل

افتراضي رد: قصة الف ليله وليله

وفي الليلة العشرين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك لما سمع من زوجته ذلك الكلام حصل له غاية الندم والتأسف على ما فرط منه من قتل وزرائه وأشراف رعيته وتمنى الموت لنفسه قبل أن يرد عليه مثل هذا الخبر الفظيع، ثم قال لنسائه: لقد وقع لي منكن ما وقع للدراج مع السحالف، فقلن له: وكيف كان ذلك? فقال الملك: زعموا أن سحالف كانت في جزيرةٍ من الجزائر وكانت تلك الجزيرة ذات أشجارٍ وأثمارٍ وأنهارٍ، فاتفق أن دراجاً اجتاز بها يوماً وقد أصابه الحر والتعب، فلما أضر به ذلك حط من طيرانه في تلك الجزيرة التي بها تلك السحالف، فلما رأى السحالف التجأ إليها ونزل عندها وكانت السحالف ترعى في جهات الجزيرة ثم ترجع إلى مكانها، فلما رجعت من مسارحها إلى مكانها، رأت الدراج فيه فلما رأته أعجبها وزينه الله لها فسبحت خالقها وأحبت هذا الدراج حباً شديداً وفرحت به ثم قال بعضها لبعضٍ: لا شك أن هذا من أحسن الطيور فصارت كلها تلاطفه وتجنح إليه فلما رأى منها عين المحبة مال إليها واستأنس بها وصار يطير إلى أية جهة أراد وعند المساء يرجع إلى المبيت عندها فإذا أصبح الصباح يطير إلى حيث أراد وصارت عادته واستمر على هذه الحال مدةً من الزمان فلما رأت السحالف أن غيابه عنها يوحشها وتحققت أنها لا تراه إلا في الليل وإذا أصبح طار مبادراً ولا تشعر به مع زيادة حبها له.
قال بعضهم لبعضٍ: إن هذا الدراج قد أحببناه وصار لنا صديقاً وما بقي لنا قدرةٌ على فراقه فما يكون من الحيلة الموصلة إلى إقامته عندنا دائماً لأنه إذا طار يغيب عنا النهار كله ولا نراه إلا في الليل، فأشارت عليهن واحدةٌ قائلةٌ: استريحوا يا أخوتي وأنا أجعله لا يفارقنا طرفة عينٍ، فقال لها الجميع: إن فعلت ذلك صرنا لك كلنا عبيداً، فلما حضر الدراج من مسرحه وجلس بينهم تقربت منه السلحفة المحتالة ودعت له وهنأته بالسلامة وقالت له: يا سيدي اعلم أنه قد رزقك منا المحبة وكذلك أودع قلبك محبتنا وصرت لنا في هذا القفر أنيساً وأحسن أوقات المحبين إذا كانوا مجتمعين والبلاء العظيم في البعد والفراق ولكنك تتركنا عند طلوع الفجر ولم تعد إلينا إلا عند الغروب فيصير عندنا وحشةٌ زائدةٌ وقد شق علينا كثيراً ونحن في وجدٍ عظيمٍ لهذا السبب. فقال لها الدراج: نعم أنا عندي محبةٌ لكم واشتياقٌ عظيمٌ إليكم زيادة على ما عندكن وفراقكن ليس سهلاً عندي ولكن ما بيدي حيلة في ذلك لكوني طيراً ذو أجنحةٍ فلا يمكنني المقام معكن دائماً لأن هذا ليس من طبعي فأنا الطير ذا الأجنحة ليس له مستقراً إلا في الليل لأجل النوم وإذا أصبح طار وسرح في أي موضعٍ أعجبه. فقالت له السلحفة: صدقت ولكن ذو الأجنحة في غالب الأوقات لا راحة له ولكونه لا يناله من الخير ربع ما يحصل له من المشقة وغاية المقصود للشخص الرفاهية والراحة ونحن قد جعل الله بيننا وبينك المحبة والألفة ونخشى عليك ممن يصطادك من أعدائك فتهلك ونحرم من رؤية وجهك، فأجابها الدراج قائلاً: صدقت ولكن ما عندك من الرأي والحيلة في أمري? فقالت له: الرأي عندي أن تنتف سواعدك التي تسرع بطيرانك وتقعد عندنا مستريحاً وتأكل من أكلنا وتشرب من شربنا في هذه المسرحة الكثيرة الأشجار اليانعة الأثمار ونقيم نحن وأنت في هذا الموضع الخصب ويتمتع كل منا بصاحبه.
فمال الدراج إلى قولها وقصد الراحة لنفسه ثم نتف ريشةً واحدةً بعد واحدةٍ حسب ما استحسنه من رأي السلحفة واستقر عندهن عائشاً معهن ورضي باللذة اليسيرة والطرب الزائل. فبينما هم على تلك الحالة وإذا بابن عرس قد مر عليه فرمقه بعينيه وتأمله فرآه مقصوص الجناح لا يستطيع النهوض، فلما رآه على تلك الحالة فرح به فرحاً شديداً وقال في نفسه: إن هذا الدراج سمين اللحم قليل الريش، ثم دنا منه ابن عرس وافترسه فصاح الدراج وطلب النجدة من السحالف فلم تنجده بل تباعدن عنه وانكمش في بعضهن لما رأينا ابن عرس قابضاً عليه وحين رأينا ابن عرس يعذبه خنقهن البكاء عليه.

فقال لهن الدراج: هل عندكن شيءٌ غير البكاء? فقلن له: يا أخانا ليس لنا قوةٌ وطاقةٌ ولا حيلةٌ في أمر ابن عرس فحزن الدراج عند ذلك وقطع الرجاء من حياة نفسه وقال لهن: ليس لكن ذنبٌ إنما الذنب لي حيث أطعتكن ونتفت أجنحتي التي أطير بها فأنا استحق الهلاك لمطاوعتي لكن لا ألومكن في شيءٍ وأنا الآن لا ألومكن أيتها النساء بل ألوم نفسي وأؤدبها حيث لم أتذكر أنكن الشهوة التي حصلت من أبينا آدم لأجلها خرج ونسيت أنكن أصل كل شرٍ فأطعتكن بجهلي وخطأ رأيي وسوء تدبيري وقتلت وزرائي وحكام مملكتي الذين كانوا نصحاء لي في الأمور وكانوا عدتي وقوتي على كل أمرٍ أهمني فأنا الآن لا أجد عوضاً عنهم ولا أرى أحداً يقوم مقامهم وقد وقعت في الهلاك العظيم.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الواحدة والعشرين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك لام نفسه وقال: أنا الذي أطعتكن بجهلي وقتلت وزرائي ولم أجد عوضاً عنهم يقوم مقامهم وإن لم يفتح الله علي بمن له رأيٌ سديدٌ يرشدني إلى ما فيه خلاصي ووقعت في الهلكة العظيمة ثم أنه قام ودخل مرقده بعد أن نعى الوزراء والحكماء قائلاً يا ليت هؤلاء الأسود عندي في هذا الوقت ولو ساعةً واحدةً حتى اعتذر إليهم وأنظرهم وأشكوا إليهم أمري وما حل بي بعدهم ولم يزل غريقاً في بحر الهم طول نهاره لا يأكل ولا يشرب فلما جن عليه الليل وغير لباسه ولبس ثياباً رديئةً وتنكر وخرج يسبح في المدينة لعله يسمع من أحدٍ كلمة يرتاح بها فبينما هو يطوف الشوارع وإذا هو بغلامين مختليين بأنفسهما جالسين بجانب حائط وهما مستويان في السن عمر كل واحد منهما اثنتا عشر سنةً فسمعهما يتحدثان مع بعضهما فدنا منهما الملك بحيث يسمع كلامهما ويفهمه فسمع واحدٌ منهما يقول للأخر: اسمع ما حكاه لي والدي ليلة أمس من أجل ما وقع له في زرعه ويبسه قبل أوانه بسبب عدم المطر وكثرة البلاء الحاصل في هذه المدينة. فقال له الأخر: أتعرف ما سبب هذا البلاء له? قال: لا فإن كنت تعرفه أنت فأذكره لي فأجابه قائلاً: نعم أعرفه وأخبرك به. اعلم أن بعض أصحاب والدي قال لي: إن ملكنا قتل وزراءه وعظماء دولته من غير ذنبٍ جنوه بل من أجل حبه للنساء وميله إليهن وأن الوزراء نهوه عن ذلك فلم ينته وأمر بقتلهم طاعةً لنسائه حتى أنه قتل شماساً وزيره ووزير والده من قبله وكان صاحب مشورته ولكن الخوف تنظر ما يفعل الله به بسبب ذنوبهم فسينتقم لهم منه فقال الغلام: وما عسى أن يفعل الله به بعد هلاكهم? قال له: اعلم أن ملك الهند الأقصى قد استخف بملكنا وبعث إليه بكتاب يوبخه فيه ويقول له: ابني لي قصراً في وسط البحر وإن لم تفعل ذلك فأنا أرسل إليك اثني عشر كردوساً كل كردوس فيه اثنا عشر ألف مقاتلٍ واجعل قائد هذه العساكر بديعاً وزيري فيأخذ ملكك ويقتل رجالك ويسبيك مع حريمك فلما جاء رسول ملك الهند الأقصى بهذا الكتاب أمهله ثلاثة أيامٍ واعلم يا أخي أن ذلك الملك الجبار عنيدٌ ذو قوة وبأس شديد وفي مملكته خلق كثيرٌ وأن لم يحتل ملكنا فيما يمنعه وقع في الهلكة وبعد هلاك ملكنا يأخذ هذا الملك أرزاقنا ويقتل رجالنا ويسبي حريمنا.
فلما سمع الملك منهما هذا الكلام زاد اضطراباً ومال إليهما وقال في نفسه إن هذا الكلام لحكيمٌ لكونه أخبر عن شيء لم يبلغه مني فأن الكتاب الذي جاء من ملك أقصى الهند عندي والسر معي ولم يطلع أحدٌ على هذا الخبر غيري فكيف علم هذا الغلام به ولكن أنا ألتجيء إليه وأكلمه وأسأل الله أن يكون خلاصنا على يديه ثم أن الملك دنا من الغلام بلطفٍ وقال له: أيها الولد الحبيب ما هذا الذي ذكرته من أجل ملكنا فأنه قد أساء كل الإساءة في قتل وزرائه وكبراء دولته لكنه في الحقيقة قد أساء لنفسه ورعيته أنت صدقت فيما قلته ولكن عرفني أيها الولد من أين عرفت أن ملك الهند الأقصى كتب إلى ملكنا كتاباً ووبخه فيه وقال له هذا الكلام الصعب الذي قلته? قال له هذا الغلام: قد علمت هذا من قول القدماء أنه ليس يخفى على الله خافيةٌ والخلق من بني آدم فيهم روحانية تظهر لهم الأسرار الخفية.

فقال له: صدقت يا ولدي ولكن هل لملكنا حيلةٌ وتدبيرٌ يدفع به عن نفسه وعن مملكته البلاء العظيم? فأجاب الغلام قائلاً: نعم إذ أرسل إلي وسألني ماذا يصنع ليدفع به عدوه وينجو من أخبرته بما فيه نجاته قوة الله تعالى قال له الملك: ومن يعلم الملك بذلك حتى يرسل إليك ويدعوك فأجاب الغلام قائلاً: إني سمعت عنه أنه يفتش على أهل الخبرة والرأي الرشيد وإذا أرسل إلي سرت معهم إليه وعرفت بما فيه صلاحه ودفع البلاء عنه وأن أهمل هذا الأمر العسير اشتغل بها ودفع نسائه وأردت أن أعلمه أبما فيه حياته وتوجهت إليه من تلقاء نفسي فإنه يأمر بقتلي مثل أولئك الوزراء وتكون معرفتي به سبباً لهلاكي وتستقل الناس بي ويستنقصون عقلي وأكون من مضمون قول من قال: من كان علمه أكثر من عقله هلك ذلك العالم.
فلما سمع الملك كلام الغلام تحقق حكمته وتبين فضيلته أن النجاة تحصل له ولرعيته على يديه فعند ذلك أعاد الملك الكلام على الغلام وقال له: من أين أنت? وأين بيتك? فقال له الغلام: إن هذه الحائط توصل إلى بيتنا فتعهد الملك ذلك المكان ثم أنه ودع الغلام ورجع إلى مملكته مسروراً فلما استقر في بيته لبس ودعا بالطعام والشراب ومنع عنه النساء وأكل وشرب وشكر الله تعالى وطلب منه النجاة والمعونة والمغفرة والعفو عما فعل بعلماء دولته ورؤسائهم ثم تاب إلى الله توبةً خالصةً وافترض على نفسه الصوم والصلاة الكثيرة بالنذر ودعا بأخذ غلمانه الخواص ووصف له مكان الغلام وأمره أن ينطلق إليه ويحضره بين يديه برفقٍ، فمضى ذلك العبد إلى الغلام وقال له: الملك يدعوك لخيرٍ يصل إليك من قبله ويسألك سؤالاً ثم تعود في خير إلى منزلك فأجاب الغلام قائلاً: وما حاجة الملك التي دعاني من أجلها? قال له الغلام: إن حاجة مولاي التي دعاك من أجلها هي سؤال وجواب فقال له الغلام: ألف سمعٍ وألف طاعةٍ لأمر الملك ثم سار معه حتى وصل إليه فلما صار بين يديه سجد لله ودعا للملك بعد أن سلم عليه فرد الملك عليه السلام وأمره بالجلوس فجلس.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثانية والعشرين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الغلام لما جاء إلى الملك وسلم عليه أمره بالجلوس فجلس فقال له: هل تعرف من تكلم معك بالأمس? قال الغلام: نعم قال له: فأين هو? فأجابه بقوله: هو الذي يكلمني في هذا الوقت فقال له الملك: لقد صدقت أيها الحبيب ثم أمر الملك بوضع كرسي بجانب كرسيه وأجلسه عليها وأمر بإحضار أكل وشرب قم امتزجا في الحديث إلى أن قال للغلام: إنك أيها الوزير حدثتني بالأمس حديثاً وذكرت فيه أن معك حيلة تدفع بها عنا كيد ملك الهند فما هي الحيلة وكيف التدبير في دفع شره فأخبرني لكي أجعلك أول من يتكلم معي في الملك وأصطفيك وزير إلي وأكون تابعاً لرأيك في كل ما أشرت به علي وأجيزك جائزةً سنيةً.
قال الغلام له: جائزتك لك أيها الملك والملك والمشورة والتدبير عند نسائك اللاتي أشرن عليك بقتل والدي شماس مع بقية الوزراء فلما سمع الملك منه ذلك خجل وتنهد وقال أيها الولد الحبيب وهل شماس والدك كما ذكرت? فأجابه الغلام قائلاً: إن شماساً والدي حقا وأنا ولده صدقاً فعند ذلك خشع الملك ودمعت عيناه واستغفر الله وقال: أيها الغلام أني فعلت ذلك بجهلي وسوء تدبير النساء وكيدهن أسألك أن تكون متسامحاً لي وأني جاعلك في موضع أبيك وأعلى مقاماً من مقامه وإذا زالت هذه النقمة النازلة بنا طوقتك بطوق الذهب وأركبتك أعز مركوب وأمرت المنادي أن ينادي قدامك قائلاً: هذا الولد العزيز صاحب الكرسي الثاني بعد الملك وأما ما ذكرت من أمر النساء فإني أضمرت الإنتقام منهن ورجليه في الوقت الذي يريده الله تعالى فأخبرني بما عندك من التدبير ليطمئن قلبي? فأجابه الغلام قائلاً: أعطني عهداً أنك لا تخالف رأيي فيما أذكر لك وأني أكون مما أخشاه في أمان.
  رد مع اقتباس
قديم 28/1/2009, 04:13 PM   رقم المشاركة : ( 753 )
ساهر سات
استاذ فضائيات

الصورة الرمزية ساهر سات

الملف الشخصي
رقم العضوية : 125505
تاريخ التسجيل : Oct 2008
العمـر :
الجنـس :
الدولـة : المهندسين العرب
المشاركات : 11,668 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : ساهر سات يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

ساهر سات غير متصل

افتراضي رد: قصة الف ليله وليله

فقال له الملك: هذا عهد الله بين وبينك أني لا أخرج عن كلامك وأنك عندي صاحب المشورة ومهما أمرتني به فعلته والشاهد بيني وبينك على ما أقوله هو الله تعالى فعند ذلك انشرح صدر الغلام واتسع عنده مجال الكلام، فقال: أيها الملك إن التدبير والحيلة عندي أنك تنظر الوقت الذي يحضر لك فيه الساعي طالب الجواب بعد المهلة التي أمهلته إياها فإذا حضر بين يديك وطلب الجواب فأدفعه عنك وأمهله إلى يومٍ آخر فعند ذلك يعتذر إليك أن ملكه حدد عليه أياماً معلومةً فيراجعك في كلامك فأطرحه وأمهله إلى يوم آخر ولا تعين له ذلك اليوم فيخرج من عندك غضبان ويتوجه إلى وسط المدينة ويتكلم جهراً بين الناس ويقول: يا أهل المدينة أني ساعي ملك الهند الأقصى وهو صاحب بأسٍ شديدٍ وعزمٍ يلين له الحديد قد أرسلني بكتابٍ إلى ملك هذه المدينة وجدد لي أياما وقال لي أن لم تحضر عقب الأيام التي حددتها لك حلت بك نقمتي وها أنا جئت إلى ملك هذه المدينة وأعطيته الكتاب فلما قرأه أمهلني أيام ثم لم يعطني ذلك الكتاب فأجتبه إلى ذلك لطفاً به ورعاية لخاطره وقد مضت الثلاثة أيام وأتيت أطلب من الجواب فأمهلني إلى يومٍ آخر وأنا ليس عندي صبراً، فها أنا منطلقٌ إلى سيدي ملك الهند الأقصى وأخبره بما وقع لي وأنتم أيها القوم شاهدون بيني وبينه فعند ذلك يبلغك كلامه المرسل إليه وأحضره بين يديك وكلمه بلطفٍ وقل له: أيها الساعي لإتلاف نفسه أي حملك على ملامتنا بين رعيتنا لقد استحقيت منا التلف عاجلاً ولكن قالت القدماء: العفو من شيم الكرام وأعلم أن تأخير الجواب عنك ليس عجزاً منا وإنما هو لزيادة أشغالنا وقلة تفرغنا لكتابة جواب ملككم ثم أطلب الكتاب واقرأه ثانياً.
وبعد أن تفرغ من قراءته أكثر من الضحك وقل له: هل معك كتاب غير هذا الكتاب فنكتب جواباً له أيضاً فيقول لك: معي كتاب غير هذا الكتاب فأعد عليه بالقول ثانياً فيقول لك: ليس معي غيره أصلاً فقل له: إن ملككم هذا معدوم العقل حيث ذكر في هذا الكتاب كلاماً يريد به تقويم نفوسنا لأجل أن نتوجه بعسكرنا إليه فنغزو بلاده ونأخذ مملكته ولكن لا تؤاخذه في هذه المرة على إساءة أدبه بهذا الكتاب لأنه قاصر العقل ضعيف الحزم فالمناسب لمقدرتنا أننا ننذره ولا نحذره من أن يعود لمثل هذه الهذيانات فإن خاطر بنفسه وعاد إلى مثلها استحق البلاء عاجلاً وآمن أن الذي أرسلك جاهلاً أحمق غير مفكر في العواقب وليس له وزير عاقل سديد الرأي يستشيره ولو كان عاقلاً لاستشار وزيراً قبل أن يرسل إلينا مثل هذا الكلام السخرية ولكن له عندي جواب مثل كتابه وأزيد وأنا أدفع كتابه لبعض صبيان الكتب ليجيبه ثم أرسل إلي واطلبني فإذا حضرت بين يديك فأذن لي بقراءة الكتاب ورد جوابه.
فعند ذلك انشرح صدر الملك واستحسن رأي الغلام وأعجبته حيلته فأنعم عليه وخوله رتبة والده وصرفه مسروراً فلما انقضت الثلاثة أيام التي جعلها مهلةً للساعي جاء الساعي ودخل على الملك وطلب الجواب فأمهله الملك إلى يوم آخر فخرج البساط وتكلم بكلامٍ غير لائق مثل ما قال الغلام ثم خرج إلى السوق وقال: يا أهل هذه المدينة إني رسول ملك الهند الأقصى إلى ملككم جئته برسالةٍ وهو يماطلني في جوابها وقد انقضت المدة التي حددها لي ملكنا ولم يبق لملككم عذرٌ فأنتم تكونون الشهداء على ذلك. فلما بلغ الملك هذا الكلام أرسل إلى ذلك الساعي وأحضره بين يديه وقال له: أيها الساعي في إتلاف نفسه ألست ناقلاً كتاباً من ملك إلى ملك بينهما أسرار فكيف تخرج بين الناس وتظهر أسرار الملوك على العامة فقد استحقيت منا القصاص ولكن نحن نتحل ذلك لأجل عود جوابك لهذا الملك الأحمق والأنسب أن لا يرد له جواباً عنا إلا أقل صبيان المكتب ودعا حضور ذلك الغلام فحضر ولما دخل على الملك والساعي حضر سجد لله ودعا للملك بدوام العز والبقاء فعند ذلك رمى الملك الكتاب للغلام وقال له: اقرأ هذا الكتاب واكتب جوابه بسرعة فأخذ الغلام الكتاب وقرأه وتبسم بالضحك وقال للملك: هل أرسلت خلفي لأجل جواب هذا الكتاب? فقال له: نعم فأجاب بمزيد السمع والطاعة وأخرج الدواة والقرطاس وكتب.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثالثة والعشرين بعد التسعمائة


قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الغلام لما أخذ الكتاب وقرأه أخرج في الوقت دواةً وقرطاساً وكتب بسم الله الرحمن الرحيم السلام على من بالأمان ورحمة الرحمن أما بعد فأني أعلمك أيها المدعو ملكاً كبيراً اسماً لا رسماً أنه قد وصل إلينا كتابك وقرأناه وفهمنا ما فيه من الخرافات وغريب الهذيانات فتحققنا جهلك وبغيك علينا وقد مددت يديك إلى ما لا تقدر عليه ولولا أن الرأفة أخذتنا على خلق الله والرعية لما تأخرنا عنك وأما رسولك فأنه خرج إلى السوق ونشر أخبار كتابك على الخاص والعام فيستحق منا القصاص ولكن أبقيناه رحمةً منا له لكونه معذوراً معك ولم نترك قصاصة وقاراً لك.
فأما ما ذكرته في كتابك من قتلي لوزرائي أو علمائي وكبار مملكتي ذلك حق ولكن لسبب قام عندي وما قتلت من العلماء واحداً إلا وعندي من جنسه ألف أعلم منه وأفهم وأعقل وليس عندي طفلٌ إلا وهو ممتلئ من العلوم وعندي عوضاً من كل واحدٍ من المقتولين من فضلاء نوعه ما لا أقدر أن أحصيه وكل واحد من عسكري يقاوم كردوساً من عسكرك أما من جهة المال فإن عندي معامل الذهب والفضة وأما المعادن فأنها عندي كقطع الحجارة وأما أهل مملكتي فإني لا أقدر أن أصف لك حسنهم وجمالهم وغناهم، فكيف تجاسرت علينا وقلت لنا: ابن قصراً في وسط البحر فإن هذا أمرٌ عجيبٌ ولعله ناشئ عن سخافة عقلك لأنه لو كان لك عقلٌ لكنت فحصت عن دفعات الأمواج وحركات الرياح وأنا أبني لك القصر، وأما زعمك أنك تظفرني فحاش لله من ذلك كيف يبغي علينا مثلك ويظفر بملكنا بل أن الله تعالى يظفرني لكونك معتدياً باغياً علي بغير حقٍ فاعلم أن أمك استوجبت العذاب من الله ومني ولكن أنا أخاف الله فيك في رعيتك ولا أركب عليك إلا بعد النذارة فإن كنت تخشى الله فعجل لي بإرسال خراج هذه السنة وإلا لا أرجع عن الركوب عليك ومعي ألف ومائة ألف مقاتل، كلهم جبابرة بأفيال فسردهم حول وزيرنا وآمره أن يقيم على محاصرتك ثلاث سنوات نظير الثلاثة أيام التي أمهلتها لقاصدك وأتملك مملكتك بحيث لا أقتل منها أحداً غير نفسك ولا أسبى منها غير حريمك.
ثم صور الغلام في المكتوب صورته وكتب بجانبها: إن هذا الجواب كتبه أصغر أولاد الكتاب ثم سلمه إلى الملك فأعطاه الملك للساعي فأخذه الساعي وقبل يدي الملك ومضى من عنده شاكر الله تعالى وللملك على حلمه وانطلق وهو يتعجب مما رأى من حذق الغلام، فلما وصل إلى ملكه وكان دخوله عليه في اليوم الثالث بعد الثلاثة أيام المحدودة له وكان الملك في ذلك الوقت ناصب الديوان بسبب تأخير الساعي عن المدة المحددة له فلما دخل عليه سجد بين يديه ثم أعطاه الكتاب فأخذه الملك وسأل الساعي عن سبب إبطائه وعن أحوال الملك وردخان فقص عليه القصة وحكى له جميع ما نظره بعينيه وسمعه بأذنيه فاندهش عقل الملك وقال للساعي: ويحك ما هذه الأخبار التي تخبرني بها عن مثل هذا الملك? فأجابه الساعي قائلاً: أيها الملك العزيز ها أنا بين يديك فافتح الكتاب واقرأه يظهر لك الصدق من الكذب فعند ذلك فتح الملك الكتاب وقرأه نظر فيه صورة الغلام الذي كتبه فأيقن زوال ملكه وتحير فيما يكون من أمره، ثم التفت إلى وزرائه وعلمائه وأرباب دولته وأخبرهم بما جرى وقرأ عليهم الكتاب فارتاعوا لذلك وارتعبوا رعباً عظيماً وصاروا يسكنون من روع الملك بكلام من ظاهر اللسان وقلوبهم تتمزق من الخفقان، ثم أن بديعاً الوزير الكبير قال: اعلم أيها الملك إن الذي يقوله أخوتي من الوزراء لا فائدة فيه والرأي عندي أنك تكتب لهذا الملك كتاباً وتعتذر إليه فيه وتقول له أنا محبٌ لك ولوالدك من قبلك وما أرسلنا إليك الساعي بهذا الكتاب إلا على طريق الإمتحان لك لننظر عزائمك وما عندك من الشجاعة والأمور العملية والعلمية والرموز الخفية وما أنت منطوٍ عليه من الكمالات الكلية ونسأل الله تعالى أن يبارك لك في مملكتك ويشيد حصون مدينتك ويزيد في سلطانك حيث كنت حافظاً لنفسك فتتم أمور رعيتك وأرسله مع ساعٍ آخر.


فقال الملك: والله العظيم أن هذا ليعجبا عظيماً كيف يكون هذا ملكاً عظيماً معتداً للحرب بعد قلته لعلماء مملكته وأصحاب رأيه ورؤساء جنده وتكون مملكته عامرة بعد ذلك ويخرج منها هذه القوة العظيمة وأعجب من هذا أن صغار مكاتبها يردون عن ملكها مثل هذا الجواب لكن أنا بسوء طمعي أشعلت هذه النار علي وعلى أهل مملكتي ولا أدري ما يطفئها إلا رأي وزيري هذا، ثم أنه جهز هديةً ثمينةً وخدماً وحشماً كثيرةً وكتب كتاباً مضمونه: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد أيها الملك العزيز وردخان ولد الأخ العزيز الملك جليعاد رحمه الله وأبقاك، لقد حضر لنا كتابك فقرأناه وفهمنا ما فيه فرأينا فيه ما يسرنا وهذا غاية طلبنا لك من الله تعالى ونسأل الله أن يعلي شأنك ويشيد أركان مملكتك وينصرك على أعدائك الذين يريدون بك السوء واعلم أيها الملك أن أباك كان لي أخاً وبيني وبينه عهود ومواثيق مدة حياته وما كان يرى منا إلا خيراً أو كنا نحن كذلك لا نرى منه إلا خيراً، ولما توفي وجلست أنت على كرسي مملكته حصل عندنا غاية الفرح والسرور ولما بلغني ما فعلت بوزرائك وأكابر دولتك خشينا أن يصل خبر ذلك إلى ملك غيرنا فيطمع فيك وكنا نظن أنك في غفلةٍ عن مصالحك مهملاً لأمور مملكتك فكاتبناك بما ننبهك فلما رأيناك قد رددت لنا مثل هذا الجواب اطمأن قلبنا عليك، متعك الله بمملكتك وجعلك معاناً على شأنك والسلام، ثم جهز له الهدية وأرسلها إليه مع مائة فارسٍ.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الرابعة والعشرين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن ملك الهند الأقصى لما جهز الهدية إلى الملك وردخان أرسلها له مع مائة فارسٍ فساروا إلى أن أقبلوا على الملك وردخان وسلموا عليه ثم أعطوه الكتاب فقرأه وفهم معناه ثم نزل قائدهم في محل يصلح له وإكرمه وقبل الهدية منه وشاع خبرها عند الناس وفرح الملك بذلك فرحاً شديداً ثم أرسل إلى الغلام ابن شماس وأحضره من ملكه وأعطاه الكتاب ففتحه وقرأه فسر الملك بذلك سروراً كبيراً وصار يعاتب رئيس المائة فارس وهو يقبل يديه ويعتذر إليه ويدعو له بدوام البقاء وخلود النعم عليه فشكره على ذلك وأكرمه إكراماً زائداً وأعطاه هو وجميع من معه ما يليق بهم وجهز معهم هدايا وأمر الغلام أن يكتب رد الجواب فعند ذلك كتب الغلام الجواب وأحسن الخطاب وأوجز في باب الصلح وذكر أدب الرسول ومن معه من الفرسان.
فلما تمم الكتاب عرضه على الملك فقال له الملك: اقرأه أيها الولد العزيز لكي نعرف ما كتب فيه، فعند ذلك قرأه الغلام بحضور المائة فارس فأعجب الملك هو وكل من حضر نظامه ومعناه ثم ختمه الملك وسلمه إلى رئيس المائة فارس وصرفه وأرسل معه من عسكره طائفةٌ توصلهم إلى أطراف بلادهم، هذا ما كان من أمر الملك والغلام.
وأما ما كان من أمر رئيس المائة فارس فإنه اندهش عقله مما رآه من أمر الغلام ومعرفته وشكر الله تعالى على قضاء مصلحته بسرعةٍ وعلى قبول الصلح ثم أنه سار إلى أن وصل إلى ملك أقصى الهند وقدم إليه الهدايا والتحف وأوصل إليه العطايا وناوله الكتاب وأخبره بما نظر ففرح الملك بذلك فرحاً شديداً وشكر الله تعالى وأكرم رئيس المائة فارس وشكر همته على فعله، ورفع درجته وصار من ذلك الوقت في أمن مأمن وطمأنينة وزيادة أشباح، هذا ما كان من أمر ملك أقصى الهند.
وأما ما كان من أمر الملك ودرخان فأنه استقام مع الله ورجع عن طريقته الرديئة وتاب إلى الله توبةً خالصةً عما كان فيه وترك النساء جملةً وما لكليته إلى صلاح مملكته والنظر بخوف الله إلى الرعية وجعل ابن شماس وزيراً عوضاً عن والده وصاحب الرأي المقدم عنده في المملكة وكاتماً لسره وأمر بزينة مدينته سبعة أيامٍ وكذلك بقية المدائن ففرحت الرعية بذلك وزوال الخوف والرعب عنها واستبشروا بالعدل والإنصاف وابتهلوا بالدعاء للملك والوزير الذي أزال عنه وعنهم هذا الغم وبعد ذلك قال الملك للوزير: ما الرأي عندك في إتقان المملكة وإصلاح الرعية ورجوعها إلى ما كانت عليه أولاً من وجود الرؤساء والمديرين
  رد مع اقتباس
قديم 28/1/2009, 04:19 PM   رقم المشاركة : ( 754 )
ساهر سات
استاذ فضائيات

الصورة الرمزية ساهر سات

الملف الشخصي
رقم العضوية : 125505
تاريخ التسجيل : Oct 2008
العمـر :
الجنـس :
الدولـة : المهندسين العرب
المشاركات : 11,668 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : ساهر سات يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

ساهر سات غير متصل

افتراضي رد: قصة الف ليله وليله

فعند ذلك أجابه الوزير قائلاً: أيها الملك العزيز الشأن الرأي عندي أنك قبل كل شيءٍ تتبدئ بقطع أمر المعاصي من قلبك وتترك ما كنت فيه من اللهو والعسف والإشتغال بالنساء لأنك إن رجعت إلى أصل المعاصي تكون الضلالة الثانية أشد من الأول فقال الملك: وما هي أصل المعاصي التي ينبغي أن أقلع عنها? فأجابه ذلك الوزير الصغير السن الكبير العقل قائلاً: أيها الملك الكبير اعلم أن أصل المعصية اتباع هوى النساء والميل إليهن وقبول رأيهن وتدبيرهن لأن محبتهن تغير العقول الصافية وتفسد الطباع السليمة والشاهد على قولي من دلائل واضحة لو تفكرت فيها وتتبعت وقائعها بإمعان النظر لوجدت لك ناصحاً من نفسك واستغنيت عن قولي جملةً، فلا تشغل قلبك بذكرهن واقطع من ذهنك رسمهن لأن الله تعالى أمر بعدم الإكثار منهن على يد نبيه موسى حتى قال بعض الملوك الحكماء لولده: يا ولدي إذا استقمت في الملك من بعدي فلا تكثر من النساء لئلا يضل قلبك ويفسد رأيك بالجملة فالإستكثار منهم يفضي إلى حبهن وحبهن يفضي إلى فساد الرأي والبرهان على ذلك ما جرى لسيدنا سليمان بن دواد عليهما السلام الذي خصه الله بالعلم والحكمة والملك العظيم ولم يعط أحدٌ من الملوك الذين تقدموا مثل ما أعطاه فكانت النساء سبباً لهفوة والده ومثل هذا كثير أيها الملك وإنما ذكرت لك سليمان لتعرف أنه ليس لأحد أن يملك مثل ما ملك حتى إطاعة جميع ملوك الأرض واعلم أيها الملك أن محبة النساء أصل كل شر وليس لأحداهن رأي فينبغي للإنسان أن يقتصر منهن على قدر الضرورة ولا يميل إليهن كل الميل فإن ذلك يوقعة في الفساد والهلكة فأن أطعت قولي أيها الملك استقامت لك جميع أمورك وإن تركته ندمت حيث لا ينفعك الندم فأجابه الملك قائلاً: لقد تركت ما كنت فيه من فرط الميل إليهن.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الخامسة والعشرين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك وردخان لما قال لوزيره أني قد تركت ما كنت فيه من الميل إليهن وأعرضت عن الإشغال بالنساء جميعاً ولكن ماذا أصنع إليهن جزاء ما فعلن لأن قتل شماس والدك كان من كيدهن ولم يكن ذلك مرادي ولا عرفت كيف جرى لي في عقلي حتى وافقتهن على قتله، ثم تأوه وصاح قائلاً وأسفاه على فقد وزيري وسداد رأيه وحسن تدبيره وعلى فقد نظرائه من الوزراء ورؤساء المملكة وحسن آرائهم الرشيد فأجابه الوزير قائلاً اعلم أيها الملك أن الذنب ليس للنساء وحدهن لأنهن مثل بضاعة مستحسنةٍ تميل إليها شهوات الناظرين فمن اشتهى واشترى باعوه ومن لم يشتر لم يجبره أحدٌ على الشراء ولكن الذنب لمن اشترى وخصوصاً إذا كان عارفاً بمضرة تلك البضاعة وقد حذرتك ووالدي من قبلي كان يحذرك ولم تقبل منه نصيحةً فأجابه الملك أنني أوجبت على نفسي الذنب كما قلت أيها الوزير ولا عذر لي إلى التقادير الإلهية.
فقال الوزير اعلم أيها الملك أن الله تعالى خلقنا وخلق لنا استطاعة وجعل لنا إرادة واختياراً فإن شئنا فعلنا وإن شئنا لم نفعل ولم يأمرنا الله بفعل ضرار لئلا يلزمنا ذنبٌ فيجب علينا حساب فيما يكون لله صواباً لأنه تعالى لا يأمرنا إلا بالخير على سائر الأحوال وإنما ينهانا عن الشر ولكن نحن بإرادتنا نفعل ما نفعله صواباً كان أو خطأ فقال له الملك صدقت وإنما كان خطئي من الميل إلى الشهوات وقد حذرت نفسي من ذلك مراراً وحذرني والدك شماس مرار فغلبت نفسي على عقلي فهل عندك شيءٌ يمنعني عن ارتكاب هذا الخطأ حتى يكون عقلي غالباً على شهوات نفسي.
فأجاب الوزير نعم إني أرى شيئاً يمنعك عن ارتكاب هذا الخطأ وهو أنك تنزع عنك ثوب الجهل وتلبس ثوب العدل وتعصى هواك وتطيع مولاك وترجع إلى سيرة الملك العادل أبيك وتعمل ما يجب عليك من حقوق الله وحقوق رعيتك وتحافظ على دينك وعلى رعيتك وعلى سياسة نفسك وعلى عدم قتل رعيتك وتنظر في عواقب الأمور وتنزل عن الظلم والجور والبغي والفساد وتستعمل العدل والإنصاف والخضوع وتمتثل أوامر الله تعالى وتلازم الشفقة على خليقته الذين استخلفك عليهم وتواظب على ما يوجب دعاءهم لك لأنك إذا أدام لك ذلك صفا وقتك وعفا الله برحمته عنك وجعلك مهاباً عند كل من يراك وتتلاشى أعداؤك ويهزم الله جيوشهم وتصير عند الله مقبولاً وعند خلقه مهاباً محبوباً.


فقال له الملك لقد أحييت فؤادي ونورت قلبي بكلامك الحلو وجلوت عين بصيرتي بعد العمى وأنا عازمٌ على أن أفعل جميع ما ذكرته لي بمعونة الله تعالى وأترك ما كنت عليه من البغي والشهوات وأخرج نفسي من الضيق إلى السعة ومن الخوف إلى الأمن وينبغي أن تكون بذلك فرحاً مسروراً لأني صرت لك ابنا مع كبر سني وصرت لي أنت والداً حبيباً على صغر سنك وصار من الواجب علي بذل المجهود فيما تأمرني به وأنا أشكر فضل الله تعالى وفضلك فإن الله تعالى أولاني بك من النعم وحسن الهداية وسداد الرأي ما يدفع همي وغمي وقد حصلت سلامة رعيتي على يديك بشرف معرفتك وحسن تدبيرك فأنت الآن مدبراً لملكي لا أتشرف عليك بسوى الجلوس على الكرسي وكل ما تفعله جائزٌ علي ولا أرد لكلمتك وليس يفصلني منك إلا الموت وجميع ما تملكه يدي لك التصرف فيه وإن لم يكن لي خلف تجلس علي تختي عوضاً عني فأنت أولى من جميع ما في مملكتي فأوليك ملكي وأشهد على ذلك أكابر مملكتي، أجعلك ولي عهدي من بعدي إن شاء الله تعالى.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السادسة والعشرين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك وردخان قال لابن شماس الوزير سوف أستخلفك عني وأجعلك ولي عهدي من بعدي وأشهد علي ذلك أكابر مملكتي بعون الله تعالى، ثم بعد ذلك دعا بكاتبه فحضر بين يديه فأمره أن يكتب إلى سائر كبراء دولته بالحضور إليه وجهر بالنداء في مدينته للحاضرين الخاص والعام وأمر أن يجتمع الأمراء والقواد والحجاب وسائر أرباب الخدم أن حضرة الملك وكذلك العلماء والحكماء وعمل الملك ديواناً عظيماً وسماطاً لم يعمل مثله قط وعزم جميع الناس من الخاص والعام فاجتمع الجميع على حظ وأكل وشرب مدة شهرٍ وبعد ذلك كسا جميع حاشيته وفقراء مملكته وأعطى العلماء عطايا وافره فاختار جملةً من العلماء والحكماء بمعرفة ابن شماس وأدخلهم عليه وأمره أن ينتخب منهم سبعةً ليجعلهم وزراء من تحت كلمته ويكون هو الرئيس عليهم فعند ذلك اختار الغلام ابن شماس منهم أكبرهم سناً وأكملهم عقلاً وأكثرهم درايةً وأشرعهم حفظاً ورأى من بهذه الصفات ستة أشخاصٍ فقدمهم إلى الملك وألبسهم ثياب الوزراء وكلمهم قائلاً أنتم تكونون ورائي تحت طاعة ابن شماس وجميع ما يقوله لكم أو يأمركم به وزيري هذا ابن شماس لا تخرجوا عنه أبداً ولو كان هو أصغركم سناً لأنه أكبركم عقلاً، ثم أن الملك أجلسهم على كراسي مزركشة على عادة الوزراء وأجرى عليهم الأرزاق والنفقات ثم أمرهم أن ينتخبوا من أكابر الدولة الذين اجتمعوا عنده في الوليمة من يصلح لخدمة المملكة من الأجناد ليجعل منهم رؤساء ألوف ورؤساء خمسين ورؤساء عشرات ورتب لهم المرتبات وأجرى عليهم الأرزاق على عادة الكبراء ففعلوا ذلك في أسرع وقتٍ وأمرهم أيضاً أن ينعموا على بقية من حضر بالإنعامات الجزيلة وأن يصرفوا كل واحدٍ إلى أرضه بعزٍ وإكرامٍ وأمر عماله بالعدل في الرعية وأوصاهم بالشفقة على الفقراء والأغنياء وأمر بإسعافهم من الخزنة على قدر درجاتهم فدعا له الوزير بدوام العز والبقاء ثم أنه أمر بزينة المدينة ثلاثة أيامٍ شكر الله تعالى على ما حصل له من التوفيق هذا ما كان من أمر الملك ووزيره ابن شماس في ترتيب المملكة وأمرائها وعمالها.
وأما ما كان من أمر النساء المحظيات من السراري وغيرهن اللاتي كن سبباً لقتل الوزراء وفساد المملكة بحياتهن وخداعهن فأنه لما انصرف جميع من كان في الديوان من المدينة والقرى إلى محله واستقامت أمورهم أمر الملك الوزير الصغير السن الكبير العقل الذي هو ابن شماس أن يحضر بقية الوزراء.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السابعة والعشرين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك أمر وزيره ابن شماس أن يحضر بقية الوزراء فلما حضروا جميعاً بين يدي الملك اختلى بهم وقال لهم اعلموا أيها الوزراء أني كنت حائداً عن الطريق المستقيم مستغرقاً في الجهل معرضاً عن النصيحة ناقضاً للعهود والمواثيق مخالفاً لأهم


النصح وسبب ذلك كله ملاعبة هؤلاء النساء وخداعهن إياي، وزخرفة كلامهن وباطلهن لي وقبولي لذلك لأني كنت أظن أن كلامهن نصحٌ بسبب عذوبته ولينه فإذا هو سمٌ قاتلٌ والآن قد تقرر عندي أنهن يردن لي الهلاك والتلف فقد استحقين العقوبة والجزاء مني لكن على جهة العدل حتى أجعلهن عبرة لمن اعتبر فما الرأي السديد في أهلاكهن فأجابه الوزير ابن شماس قائلاً أيها الملك العظيم الشأن إنني قلت لك أولاً الذنب ليس مختصاً بالنساء وحدهن بل هو مشترك بينهن وبين الرجال الذين يطيعونهن لكن النساء يستوحين الجزاء على كل حال لأمرين الأول تنفذ قولك لكونك الملك الأعظم والثاني لتجاسرهن عليك وخداعهن لك ودخولهن فيما بينهن وحالاً يصلحن للتكلم فيه فهن أحقٌ بالهلاك ولكن كفاهن ما هو نازلٌ بهن ومن الآن اجعلهن بمنزلة الخدم والأمر إليك في ذلك غيره.
ثم أن بعض الوزراء أشار على الملك بما قاله ابن شماس وبعض الوزراء تقدم إلى الملك وسجد له وقال أدام الله أيام الملك إن كان لا بد أن تفعل بهن فعلة لهلاكهن فافعل ما أقوله لك فقال الملك ما الذي تقوله لي فقال له أن تأمر إحدى محاظيك بأن تأخذ النساء اللاتي خدعنك وتدخلهن البيت الذي حصل فيه قتل الوزراء والحكماء وتسجنهن هناك وتأمر أن يعطى لهن قليلٌ من الطعام والشراب بقدر ما يمسك أبدانهن ولا يؤذن إليهن في الخروج من ذلك الموضع أصلاً وكل من ماتت بنفسها تبقى بينهن على حالها إلى أن يمتن عن آخرهن وهذا أقل جزائهن لأنهن كن سبباً لهذه الفتنة العظيمة بل واصل جميع البلايا والفتن التي وقعت في هذا الزمان وصدق عليهن قول القائل إن من حفر بئراً لأخيه وقع فيها وما طالت سلامته فقبل الملك رأيه وفعل كما قال له وأرسل خلف أربع محظيات جبارات وسلم إليهن النساء وأمرهن أن يدخلن في محل القتلى ويسجنهن فيه وأجرى لهن طعاماً نيئاً قليلاً وشراباً قليلاً فكان من أمرهن أنهن حزن حزناً عظيماً وندمن على ما فرط منهن وتأسفن تأسفاً كثيراً وأعطاهن الله جزاهن في الدنيا من الخزي وأعدلهن العذاب في الآخرة ولم يزلن في ذلك الموضع المظلم المنتن الرائحة وفي كل يوم تموت ناس منهن حتى هلكن عن آخرهن وشاع خبر هذه الواقعة في جميع البلاد والأقطار وهذا ما انتهى إليه أمر الملك ووزرائه ورعيته والحمد لله مفني الأمم ومحيي الرمم المستحق للتجليل والإعظام والتقديس على الدوام.

حكاية أبي قير وأبي صير
ومما يحكى أيضاً: أن رجلين كانا في مدينة الإسكندرية وكان أحدهما صباغاً واسمه أبو قير وكان الثاني مزيناً واسمه أبو صير وكانا جارين لبعضهما في السوق وكان المزين في جانب دكان الصباغ نصاباً كذاباً صاحب شر قوي كأنما صدغه منحوتٌ من الجلموت أو مشتقٌ من عتبة كنيسة اليهود لا يستحي من عيبة يفعلها بين الناس وكان من عادته أنه إذا أعطاه أحدٌ قماشاً لصبغه يطلب منه الكراء أولاً ويوهمه أنه يشتري به أجزاءً ليصبغ بها، فيعطيه الكراء مقدماً فإذا أخذه منه يصرفه على أكلٍ وشربٍ.
ثم يبيع القماش الذي أخذه بعد ذهاب صاحبه ويصرف ثمنه في الأكل والشرب وغير ذلك ولا يأكل إلا طيباً من أفخر المأكول ولا يشرب إلا من أجود ما يذهب العقول فإذا أتاه صاحب القماش يقول له في غدٍ تجيء لي من قبل طلوع الشمس فتلقى حاجتك مغبونةً فيروح صاحب الحاجة ويقول في نفسه يوم من يومٍ قريب ثم يأتيه في ثاني يوم على الميعاد فيقول له تعال في غدٍ فأني أمس ما كنت فاضياً لأنه كان عندي ضيوف فقمت بواجبهم حتى راحوا وفي غدٍ قبل الشمس تعال خذ قماشك مصبوغاً فيروح ويأتيه في ثالث يوم فيقول له أني كنت أمس معذوراً لأن زوجتي ولدت بالليل وطول النهار وأنا أقضي مصالح ولكن في غد من كل بد تعال خذ حاجتك مصبوغة فيأتي له على الميعاد فيطلع له بحيلةٍ أخرى من حيث كان ويحلف له.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثامنة والعشرين بعد التسعمائة
  رد مع اقتباس
قديم 28/1/2009, 04:21 PM   رقم المشاركة : ( 755 )
ساهر سات
استاذ فضائيات

الصورة الرمزية ساهر سات

الملف الشخصي
رقم العضوية : 125505
تاريخ التسجيل : Oct 2008
العمـر :
الجنـس :
الدولـة : المهندسين العرب
المشاركات : 11,668 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : ساهر سات يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

ساهر سات غير متصل

افتراضي رد: قصة الف ليله وليله

قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصباغ صار كلما أتى له صاحب الشيء يطلع له بحيلةٍ من حيث كان ويجلب له ولم يزل يعده ويخلف إذا جاءه حتى يقلق الزبون ويقول له كم تقول لي في غد أعطني حاجتي فإني لا أريد صبغاً فيقول والله يا أخي أنا مستحٍ منك ولكن أخبرك بالصحيح والله يؤذي كل من يؤذي الناس في أمتعتهم فيقول له أخبرني ماذا حصل فيقول أما حاجتك فأني صبغتها صبغاً ليس له نظيراً ونشرتها على الحبل فسرقت ولا أدري من سرقها فإن كان صاحب الحاجة من أهل الخير يقول له يعوض الله علي وإن كان من أهل الشر يستمر معه في هتيكةٍ وجرسةٍ ولا يحصل منه شيء ولو اشتكاه إلى الحاكم.
ولم يزل يفعل هذه الفعال حتى شاع ذكره بين الناس وصار الناس يحذر بعضهم من أبي قير ويضربون به الأمثال وامتنعوا عنه جميعاً وصار لا يقع معه إلا الجاهل بحاله ومع ذلك لا بد له كل يومٍ من جرسةٍ وهتيكةٍ من خلق الله فحصل له كساد بهذا السبب فصار يأتي إلى دكان جاره المزين أبي صير ويقعد في داخلها قبال المصبغة فإن رأى أحدٌ جاهلاً بحاله واقفاً على باب المصبغة ومعه شيءٌ يريد صبغه يقوم من دكان المزين ويقول له مالك يا هذا فيقول له خذ أصبغ لي هذا الشيء فيقول له أي لون تطلبه لأنه مع هذه الخصال الذميمة كان يخرج من يده أن يصبغ سائر الألوان ولكنه لم يصدق مع أحد والشقاوة غالبة عليه ثم يأخذ الحاجة منه ويقول له هات الكراء مسبقاً وفي غدٍ تعال خذها فيعطيه الأجرة ويروح.
وبعد أن يتوجه صاحب الشيء إلى حال سبيله يأخذ هو ذلك الشيء ويذهب إلى السوق فيبيعه ويشتري بثمنه اللحم والخضار والدخان والفاكهة وما يحتاج إليه، وإذا رأى أحداً واقفاً على الدكان من الذين أعطوه حاجةً ليصبغها فلا يظهر إليه ولا يريه نفسه، ودام على هذه الحالة سنين.
فاتفق له في يومٍ من الأيام أنه أخذ حاجةً من رجلٍ جبارٍ ثم باعها وصرف ثمنها وصار صاحبها يجيء إليه في كلا يومٍ فلم يره في الدكان لأنه متى رأى أحدٌ له عنده شيء يهرب منه في دكان المزين أبي صير، فلما لم يجده ذلك الجبار في دكانه وأعياه ذلك ذهب إلى القاضي وأتاه برسولٍ من طرفه وسمر باب الدكان بحضرة جماعة من المسلمين وختمه لأنه لم ير فيها غير بعض مواجير مكسره ولم يجد فيها شيئاً يقوم مقام حاجته، ثم أخذ الرسول المفتاح وقال للجيران: قولوا له يجيء بحاجة هذا الرجل ويأتي ليأخذ مفتاح دكانه.
ثم ذهب الرجل والرسول إلى حالهما فقال أبو صير لأبي قير: دهيتك فإن كل من جاء لك بحاجةٍ تعدمه إياها أين راحت حاجة هذا الرجل الجبار? قال يا جاري سرقت مني، قال أبو صير: عجائب كل من أعطاك حاجةً يسرقها منك لصٌ، هل أنت معادٍ جميع اللصوص، ولكن أظن أنك تكذب فأخبرني بقصتك يا جاري ما أحد سرق مني شيء، فقال أبو صير وما تفعل في متاع الناس? فقال له كل من أعطاني حاجةً أبيعها وأصرف ثمنها فقال له أبو صير أيحل لك هذا من الله، قال له أبو صير إنما أفعل هذا من الفقر لأن صنعتي كاسدة وأنا فقيرٌ وليس عندي شيءٌ، ثم صار يشرح له الكساد وقلة السبب وصار أبو صير يشرح له كساد صنعته أيضاً ويقول أنا أسطى ليس لي نظير في هذه المدينة ولكن لا يحلق عندي أحد لكوني رجل فقير وكرهت هذه الصنعة يا أخي.
فقال له أبو قير الصباغ: وأنا أيضاً كرهت صنعتي من الكساد ولكن يا أخي ما الداعي لإقامتنا في هذه البلدة فأنا وأنت نسافر منها نتفرج في بلاد الناس وصنعتنا في أيدينا رائجةٌ في جميع البلاد، فإذا سافرنا نشم الهواء ونرتاح من هذا الهم العظيم. وما زال أبو قير يحسن السفر لأبي صير حتى رغب في الإرتحال، ثم أنهما اتفقا على السفر.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة التاسعة والعشرين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أبا قير ما زال يحسن السفر لأبي صير حتى رغب في الإرتحال، ثم أنهما اتفقا على السفر وفرح أبو قير بأن أبا صير رغب في أن يسافر وأنشد قول الشاعر: تغرب عن الأوطان في طلب العلا وسافر ففي الأسفار خمس فـوائد
تفرج همٌ واكتـسـاب مـعـيشةٌ علم وأداب وصـحـبة مـاجـد
وإن قيل في الأسفار غمٌ وكـربةٌ وتشتيت شمل وارتكـاب شـدائد

فموت الفتى خيرٌ له من حياته بدار هوانٍ بين واشٍ وحاسد
وحين عزما على السفر قال أبو قير لأبي صير: نحن صرنا أخوين ولا فرق بيننا فينبغي أننا نقرأ الفاتحة على أن أعمالنا يكتسب ويطعم بطالنا ومهما فضل نضعه في صندوقٍ فإذا رجعنا إلى الإسكندرية نقسمه بيننا بالحق والإنصاف، قال أبو صير وهو كذلك وقرأ الفاتحة على أن الذي يعمل ويكتسب يطعم البطال.
ثم أن أبا صير قفل الدكان وأعطى المفاتيح لصاحبها وأبو قير ترك المفاتيح عند رسول القاضي وترك الدكان مقفولةً مختومةً وأخذ مصالحهما وأصبحا مسافرين ونزلا في غليون في البحر المالح وسافرا في ذلك النهار وحصل لهما إسعاف.
ومن تمام سعد المزين أن جميع من كان في الغليون لم يكن معهم أحد من المزينين وكان فيه مائة وعشرون رجلاً غير الريس والبحرية. ولما حلوا قلوع الغليون قام المزين وقال للصباغ: يا أخي هذا بحر نحتاج فيه إلى الأكل والشرب وليس معنا إلا قليلٌ من الزاد وربما يقول لي أحد تعال يا مزين أحلق لي فأحلق له برغيف أو بنصف فضة أو بشرية ماء فانتفع بذلك أنا وأنت، فقال له الصباغ لا بأس.
ثم حط رأسه ونام وقام المزين وأخذ عدته والطاسة ووضع على كتفه خرقةً تغني عن الفوطة لأنه فقير وشق بين الركاب فقال له واحد تعال يا أسطى أحلق لي فحلق له فلما حلق لذلك الرجل أعطاه نصف فضة فقال له المزين ليس لي بهذا النصف الفضة ولو كنت فأعطيتني رغيفاً كان أبرك في هذا البحر لأن لي رفيقاً وزادنا شيء قليل فأعطاه رغيفاً وقطعة جبن وملأ له الطاسة ماء حلواً فأخذ ذلك وأتى إلى أبي قير وقال له: خذ هذا الرغيف وكله بالجبن واشرب ما في الطاسة فأخذ ذلك منه وأكل وشرب ثم أن أبا صير المزين بعد ذلك حمل عدته وأخذ الخرقة على كتفه والطاسة في يده وشق في الغليون بين الركاب فحلق لإنسان برغيفين ولآخر بقطعة جبن ووقع عليه الطلب وصار كل من يقول له أحلق يا أسطى يشرط عليه رغيفين ونصف فضة وليس في الغليون مزين غيره فما جاء المغرب حتى جمع ثلاثين رغيفاً وثلاثين نصف فضة وصار عنده جبن وزيتون وبطارخ وصار كلما يطلب حاجة يعطونه إياها حتى صار عنده شيءٌ كثيرٌ وحلق للقبطان وشكا له قلة الزاد في السفر فقال له القبطان مرحباً بك هات رفيقك في كل ليلةٍ وتعشيا عندي ولا تحملاهما ما دمتما مسافرين معنا ثم رجع إلى الصباغ فرآه لم يزل نائماً فأيقظه فلما أفاق أبو قير رأى عند رأسه شيءٌ كثيرٌ من عيش وجبن وزيتون وبطارخ.
فقال له من أين لك ذلك فقال من فيض الله تعالى فأراد أن يأكل فقال له أبو صير لا تأكل يا أخي من هذا واتركه ينفعنا في وقت آخر واعلم أني حلقت للقبطان وشكوت إليه قلة الزوادة فقال له مرحباً بك هات رفيقك كل ليلةٍ وتعشيا عندي فأول عشائنا عند القبطان في هذه الليلة فقال له أبو صير أنا دايخ من البحر ولا أقدر أن أقوم من مكاني فدعني أتعشى من هذا الشيء ورح أنت وحدك عند القبطان فقال له لا بأس بذلك ثم جلس يتفرج عليه وهو يأكل فرآه يقطع اللقمة كما يقطع الحجارة من الجبل ويبتلعها ابتلاع الغول الذي له أيام ما أكل ويلقم اللقمة قبل ازدراد التي قبلها ويحملق عينيه فيما بين يديه حملقة القول وينفخ مثل الثور الجائع على التبن والفول وإذا بنوتي جاء وقال يا أسطى يقول لك القبطان هات رفيقك وتعال للعشاء.
فقال أبو صير لأبي قير: أتقوم بنا? فقال له: أنا لا أقدر على المشي فراح المزين وحده فرأى القبطان جالساً وقدامه سفرة فيها عشرون لوناً أو أكثر وهو وجماعته ينتظرون المزين ورفيقه فلما رآه القبطان قال له أين رفيقك فقال له يا سيدي إنه دايخٌ من البحر فقال له القبطان لا بأس عليه ستزول عنه الدوخة تعال أنت تعش معنا فأني كنت في انتظارك ثم أن القبطان عزل صحنا وحط فيه من كل لون فصار يكفي عشرة وبعد أن تعشى المزين قال له القبطان خذ هذا الصحن معك إلى رفيقك فأخذه أبو صير وأتى إلى أبي قير فرآه يطحن بأنيابه فيما عنده من الأكل مثل الجمل ويلحق اللقمة باللقمة على عجل.
  رد مع اقتباس
قديم 28/1/2009, 04:22 PM   رقم المشاركة : ( 756 )
ساهر سات
استاذ فضائيات

الصورة الرمزية ساهر سات

الملف الشخصي
رقم العضوية : 125505
تاريخ التسجيل : Oct 2008
العمـر :
الجنـس :
الدولـة : المهندسين العرب
المشاركات : 11,668 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : ساهر سات يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

ساهر سات غير متصل

افتراضي رد: قصة الف ليله وليله

فقال له أبو صير: أما قلت لك لا تأكل فإن القبطان خيره كثير فانظر أي شيءٍ بعث به إليك لما أخبرته بأنك دايخ فقال هات فناوله الصحن فأخذه منه وهو ملهوف عليه وعلى غيره من الأكل مثل الكلب الكاسر أو السبع الكاسر أو الرخ إذا انقض على الحمام أو الذي كاد أن يموت من الجوع ورأى شيئاً من الطعام وصار يأكل فتركه أبو صير وراح إلى القبطان وشرب القهوة هناك ثم رجع إلى أبي قير فرآه قد أكل جميع ما في الصحن ورماه فارغا.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثلاثين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أبا صير لما رجع إلى أبي قير رآه قد أكل ما في الصحن ورماه فارغاً فأخذه وأوصله إلى أتباع القبطان ورجع إلى أبي قير ونام إلى الصباح فلما كان ثاني الأيام صار أبو صير يحلق وكلما جاء له شيءٌ يعطيه لأبي قير وأبو قير يأكل ويشرب وهو قاعدٌ لا يقوم إلا لإزاله الضرورة وكل ليلةٍ يأتي له بصحنٍ ملآن من عند القبطان واستمر على هذه الحالة عشرين يوماً حق رسا الغليون على مدينة فطلعا من الغليون ودخلا تلك المدينة وأخذا لهما حجرة في خان وفرشها أبو صير واشترى جميع ما يحتاجان إليه وجاء بلحم وطبخه وأبو قير نائمٌ من حين دخل الحجرة ولم يستيقظ حتى أيقظه أبو صير ووضع السفرة بين يديه فلما أفاق أكل.
وبعد ذلك قال له لا تؤاخذني فأني دايخٌ ثم نام واستمر على هذه الحالة أربعين يوماً وكل يومٍ يحمل المزين العدة ويدور في المدينة فيعمل بالذي فيه النصيب ويرجع فيجد أبا قير نائماً فينبهه وحين ينتبه يقبل على الأكل بلهفة فيأكل أكل من لا يشبع ولا يقنع ثم ينام ولم يزل كذلك مدة أربعين يوماً أخرى وكلما يقول له أبو صير أجلس ارتاح واخرج تفسح في المدينة فأنها فرجة وبهجةٌ وليس لها نظيرٌ في المدائن يقول له أبو قيل الصباغ لا تؤاخذني أني دايخ فلا يرضي أبو صير المزين أن يكدر خاطره ولا يسمع كلمة تؤذيه وفي اليوم الحادي والأربعين مرض المزين ولم يقدر أن يسرح فسخر بواب الخان فقضى لهما حاجتهما وأتى لهما بما يأكلان وما يشربان كل ذلك وأبو قير يأكل وينام ولا زال المزين يسخر بواب الخان في قضاء حاجته مدة أربعة أيامٍ.
وبعد ذلك اشتد المرض على المزين حتى غاب عن الوجود من شدة مرضه وأما أبو قير فإنه أحرقه الجوع فقام وفتش في ثياب أبي كير فرأى معه مقداراً من الدراهم فأخذه وقفل باب الحجرة على أبي صير ومضى ولم يعلم أحداً وكان البواب في السوق فلم يره حين خروجه ثم أن أبا كير عمد إلى السوق وكسا نفسه ثياباً نفيسةً وصار يدور في المدينة ويتفرج فرآها مدينة ما وجد مثلها في المدائن وجميع ملبوسها أبيض وأزرق من غير زيادة فأتى إلى صباغ فرأى جميع ما في دكانه أزرق فأخرج له محرمة وقال له يا معلم خذ هذه المحرمة واصبغها وخذ اجرتك فقال له إن أجرة صبغ هذه عشرون درهماً فقال له نحن نصبغ هذه في بلادنا بدرهمين فقال رح اصبغها في بلادكم وأما أنا فلا أصبغها إلا بعشرين درهماً لا تنقص عن هذا القدر شيئاً.
فقال له أبو قير أي لونٍ تريد صبغها فقال له الصباغ زرقاء قال له أبو قير أنا مرادي أن تصبغها إلي حمراء قال له لا أدري صباغ الأحمر قال خضراء قال لا أدري صباغ الأخضر قال صفراء قال له لا أدري صباغ الأصفر وصار أبو قير يعد له الألوان لوناً بعد لونٍ فقال له الصباغ نحن في بلادنا أربعون معلماً لا يزيدن واحداً ولا ينقصون واحداً وإذا مات منا واحدٌ نعلم ولده وإن لم يخلف ولداً نبقى ناقصين واحداً والذي له ولدان نعلم واحداً منهما فإن مات علمنا أخاه وصنعتنا هذه مضبوطة ولا نعرف أن نصبغ غير الأزرق من غير زيادةٍ فقال له أبو قير الصباغ اعلم أني صباغ وأعرف أن أصبغ سائر الألوان ومرادي أن تخدمني عندك بالإجرة وأنا أعلمك جميع الألوان لأجل أن تفتخر بها على كل طائفة من الصباغين فقال له نحن لا نقبل غريباً يدخل في صنعتنا أبداً فقال هل وإذا فتحت لي مصبغة وحدي.


فقال له لا يمكنك ذلك أبداً فتركه وتوجه الثاني فقال له كما قال له الأول ولم يزل ينتقل من صباغ إلى آخر حتى طاف على الأربعين معلماً فلم يقبلوه لا أجيراً ولا معلماً فتوجه إلى شيخ الصباغين واخبره فقال له أننا لا نقبل غريباً يدخل في صنعتنا فحصل عند أبي قير غيظٌ عظيمٌ وطلع يشكو إلى ملك تلك المدينة وقال له: يا ملك الزمان أنا غريبٌ وصنعتي الصباغة وجرى لي مع الصباغين ما هو كذا وكذا وأنا أصبغ الأحمر ألوانا مختلفة كوردي وعنابي والأخضر ألواناً مختلفة كزرعي وفستقي وزيتي وجناح الدرة والأسود ألواناً مختلفة كفحمي وكحلي والأصفر ألوانا مختلفة كنارنجي وليموني وصار يذكر له سائر الألوان ثم قال يا ملك الزمان كل الصباغين الذين في مدينتنا لا يخرج من أيديهم أن يصبغوا شيئاً من هذه الألوان ولا يعرفون إلا صبغ الأزرق ولم يقبلوني أن أكون عندهم معلماً ولا أجير.
فقال له الملك صدقت في ذلك ولكن أنا أفتح لك مصبغة وأعطيك رأس مال وما عليك منهم وكل من تعرض لك شنقته على باب دكانه، ثم أمر البنائين وقال لهم امضوا مع هذا المعلم وشقوا أنتم وإياه في المدينة وأي مكان أعجبه فأخرجوا صاحبه منه سواء كان دكاناً أو خاناً أو غير ذلك وأبنوا له مصبغةً على مراده ومهما أمركم به فافعلوه ولا تخالفوه فيما يقول.
ثم أن الملك ألبسه بدلةً مليحةً وأعطاه ألف دينارٍ وقال له اصرفها على المرض الذي كان به، ثم قام على قدميه وقال لبواب الخان أن قدرني الله تعالى جازيتك على ما فعلته معي من الخير، ولكن لا يجازي إلا الله من فضله فقال له بواب الخان: الحمد لله على العافية أنا ما فعلت معك ذلك إلا ابتغاء وجه الله الكريم، ثم أن المزين خرج من الخان وشق في الأسواق فأتت به المقادير إلى السوق الذي فيه مصبغة أبو قير فرأى الأقمشة ملونة بالصباغ منشورة في باب المصبغة والخلائق مزدحمة يتفرجون عليها، فسأل رجلاً من أهل المدينة وقال له ما هذا المكان وما لي أرى الناس مزدحمين? فقال له المسؤول إن هذه مصبغة السلطان التي أنشأها رجلٌ غريبٌ اسمه أبو قير وكلما صبغ ثوباً نجتمع عليه ونتفرج على صبغه لأن بلادنا ما فيها صباغون يعرفون صبغ هذه الألوان.
وجرى له مع الصباغين الذين في البلد ما جرى، وأخبره بما جرى بين أبي قير وبين الصباغين وأنه شكاهم إلى السلطان فأخذ بيده وبنى له هذه المصبغة وأعطاه كذا وكذا وأخبره بكل ما جرى، ففرح أبو صير وقال في نفسه الحمد لله الذي فتح عليه وصار معلماً والرجل معذور لعله تلهى عنك بالصنعة ونسيك ولكن أنت عملت معه معروفاً وأكرمته وهو بطال فمتى رأك فرح بك وأكرمك نظير ما أكرمته.
ثم أنه تقدم إلى جهة باب المصبغة فرأى أبا قير جالساً على مكتبةٍ عاليةٍ فوق مصطبة في باب المصبغة وعليه بدلة من ملابس الملوك وقدامه أربعة عبيدٍ وأربعة مماليكٍ بيضٍ لابسين أفخر الملابس ورأى الصنائعية عشرة عبيدٍ واقفين يشتغلون لأنه حين اشتراهم علمهم الصباغة وهو قاعد بين المخدات كأنه وزيراً عظيماً وملك أفخم لا يعمل شيئاً بيده وإنما يقول لهم افعلوا كذا وكذا فوقف أبو صير قدامه وهو يظن أنه إذا رآه يفرح به ويسلم عليه ويكرمه ويأخذ بخاطره.
فلما وقعت العين في العين قال له أبو قير يا خبيث كم مرةٍ وأنا أقول لك لا تقف نفسك حتى تتم البناية وأعطاه مملوكين من أجل الخدمة وحصاناً بعدة مزركشة فلبس البدلة وركب الحصان وصار كأنه أمير وأخلى له الملك بيتاً وأمر بفرشه ففرشوه.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الواحدة والثلاثين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك أخلى بيتاً لأبي قير وأمر بفرشه ففرشوه له وسكن فيه وركب في ثاني يومٍ وشق في المدينة والمهندسون قدامه ولم يزل يتأمل حتى أعجبه مكان فقال هذا المكان طيبٌ فأخرجوا صاحبه منه وأحضروه إلى الملك فأعطاه ثمن دكانه زيادةً على ما يرضيه ودارت فيه البناية وصار أبو قير يقول للبنائين ابنوا كذا وكذا وافعلوا كذا وكذا حتى بنوا له مصبغة ليس لها نظير، ثم حضر إلى الملك وأخبره بأن المصبغة تم بناؤها وإنما يحتاج لثمن الصباغ من أجل إدارتها.
  رد مع اقتباس
قديم 28/1/2009, 04:28 PM   رقم المشاركة : ( 757 )
ساهر سات
استاذ فضائيات

الصورة الرمزية ساهر سات

الملف الشخصي
رقم العضوية : 125505
تاريخ التسجيل : Oct 2008
العمـر :
الجنـس :
الدولـة : المهندسين العرب
المشاركات : 11,668 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : ساهر سات يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

ساهر سات غير متصل

افتراضي رد: قصة الف ليله وليله

فقال له الملك: خذ هذه الأربعة آلاف دينار واجعلها رأس مال وأرني ثمرة مصبغتك فأخذها ومضى إلى السوق فرأى النيلة كثيرة وليس لها ثمن فاشترى جميع ما يحتاج إليه من حوائج للصباغة، ثم أن الملك أرسل إليه خمسمائة شقفة من القماش فدور الصبغ فيها وصبغها من سائر الألوان ثم نشرها قدام باب المصبغة فلما مر الناس بجانبها رأوا شيئاً عجيباً عمرهم ما رأوا مثله، فازدحمت الخلائق على باب محله وصاروا يتفرجون ويسألونه ويقولون له يا معلم ما اسم هذه الألوان فيقول لهم هذا أحمر وهذا أصفر وهذا أخضر ويشرح لهم أسامي الألوان فصاروا يأتونه بشيءٍ من القماش ويقولون له اصبغ لنا مثل هذا وذاك وخذ ما تطلب.
ولما فرغ من صباغ قماش الملك أخذه وطلع به إلى الديوان، فلما رأى الملك ذلك الصباغ فرح به وأنعم عليه إنعاماً زائداً وصار جميع العسكر يأتون إليه بالقماش ويقولون له اصبغ لنا هكذا فيصبغ لهم على أغراضهم ويرمون عليه بالذهب والفضة، ثم أنه شاع ذكره وسميت مصبغته مصبغة السلطان ودخل عليه الخير من كل باب وجميع الصباغين لم يقدر أحدٌ أن يتكلم معه إنما كانوا يأتونه ويقبلون بديه ويعتذرون إليه مما سبق منهم في حقه ويعرضون أنفسهم عليه ويقولون له اجعلنا خدماً عندك فلم يرض أن يقبل أحداً منهم وصار عنده عبيد وجوار وجمع مالاً كثيراً.
هذا ما كان من أمر أبي قير. وأما ما كان من أمر أبي صير فإنه لما قفل عليه أبو قير باب الحجرة بعد أن أخذ دراهمه وراح وخلاه وهو مريضٌ غائبٌ عن الوجود فصار مرمياً في تلك الحجرة والباب مقفولٌ عليه واستمر على ذلك ثلاثة أيامٍ فانتبه بواب الخان إلى باب الحجرة فرآه مقفولاً ولم ير أحداً من هذين الإثنين إلى المغرب ولم يعلم لهما خبراً فقال في نفسه لعلهما سافرا ولم يدفعا أجرة الحجرة أو ماتا أو ما خبرهما? ثم أنه أتى إلى باب الحجرة فرآه مقفولاً وسمع أنينٌ في داخلها ورأى المفتاح في الضبة ففتح الباب ودخل فرأى المزين يئن فقال له لا بأس عليك أين رفيقك? فقال له والله إني ما أفقت من مرضي إلا في هذا اليوم وصرت أنادي فما أحد رد علي جواباً، بالله عليك يا أخي أن تنظر الكيس تحت رأسي وتأخذ منه خمسة أصناف وتشتري لي بها شيئاً أقتات به فأني في غاية الجوع فمد يده فرآه فارغاً فقال للمزين إن الكيس فارغٌ ما فيه شيءٌ فعرف أبو صير المزين أن أبا قير سرق ما فيه وهرب فقال له: أما رأيت رفيقي فقال له من مدة ثلاثة أيامٍ ما رأيته وما كنت أظن إلا أنك سافرت وإياه، فقال له المزين ما سافرنا وإنما طمع في فلوسي فأخذها وهرب حين رآني مريضاً ثم أنه بكى وانتحب، فقال له بواب الخان: لا بأس عليك وهو يلقى فعله من الله.
ثم أن بواب الخان راح وطبخ له شوربا وغرف له صحناً وأعطاه إياه ولم يزل يتعهده مدة شهرين وهو يكلفه من كيسه حتى عرق وشفاه الله من مرضه. وذات يومٍ وهو يتجول في المدينة إذ صادف صديقه أبو قير في مصبغته والخدم بخدمته فتقدم وسلم عليه وأخذ يعاتبه على تركه إياه أثناء مرضه فما كان من أبو قير إلا ونهره من أمامه وقال له: اخرج من عندي هل مرادك أن تفضحني مع الناس يا حرامي أمسكوه فجرت خلفه العبيد وقبضوا عليه وقام أبو قير على حيله وأخذ عصاً وقال ارموه فرموه فضربه على ظهره مائة ثم قلبوه فضربه على بطنه مائة وقال يا خبيث يا خائن إن نظرتك بعد هذا اليوم واقفاً على باب المصبغة أرسلتك إلى الملك في الحال فيسلمك إلى الوالي ليرمي عنقك امش لا بارك الله لك فذهب من عنده مكسور الخاطر بسبب ما حصل له من الضرب والترذيل فقال الحاضرون لأبي قير الصباغ أي شيء عمل هذا الرجل فقال لهم: أنه حرامي سرق أقمشة الناس.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثانية والثلاثين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أبا قير ضرب أبا صير وطرده وقال للناس إن هذا حرامي يسرق أقمشة الناس فإنه سرق مني كم مرة من القماش وأنا أقول في نفسي سامحه الله فأنه رجلٌ فقيرٌ ولم أرض أن أشوش عليه وأعطي للناس ثمن أقمشتهم وأنهاه بلطفٍ فلم ينته فإن رجع مرة غير هذه المرة أرسلته إلى الملك فيقتله ويريح الناس من أذاه فصار الناس يشتمونه بعد ذهابه هذا من كان من أمر أبي قير.


وأما ما كان من أمر أبي صير فإنه رجع إلى الخان وجلس يتفكر فيما فعل به أبو قير ولم يزل جالساً حتى يرد عليه الضرب ثم خرج وشق في أسواق المدينة فخطر بباله أن يدخل الحمام فسأل رجلٌ من أهل المدينة وقال له يا أخي من أين طريق الحمام? أجابه: أي حمام? فقال له: موضع تغتسل فيه الناس ويزيلون عليهم من الأوساخ وهو من أطيب طيبات الدنيا فقال له عليك بالبحر قال أنا مرادي الحمام قال له نحن لا نعرف الحمام كيف يكون كلنا نروح إلى البحر حتى الملك إذا أراد أن يغتسل فإنه يروح البحر فلما علم أبو صير إلى المدينة ليس فيها حماماً وأهلها لا يعرفون الحمام ولا كيفيته مشى إلى الملك ودخل عليه وقبل الأرض بين يديه ودعا له وقال له أنا رجلٌ غريب البلاد وصنعتي حمامي فدخلت مدينتك وأردت الذهاب إلى الحمام فما رأيت فيها ولا حماماً واحداً والمدينة التي تكون بهذه الصفة الجميلة كيف تكون من غير حمام مع أنه من أحسن نعيم الدنيا.
فقال له الملك أي شيءٍ يكون الحمام فصار يحكي له أوصافه وقال له لا تكون مدينتك كاملة إلا إذا كان بها حمام فقال له مرحباً بك وألبسه بدلةٌ ليس لها نظير وأعطاه حصاناً وعبيدين ثم أنعم عليه بأربع جوار ومملوكين وهيأ له دار مفروشة وأكرمه أكثر من الصباغ وأرسل معه البنائين وقال لهم الموضع الذي يعجبه أبنوا له فيه حمام فأخذهم وشق بهم في وسط المدينة حتى أعجبه مكان فأشار لهم إليه فدوروا فيه البناية وصار يرشدهم إلى كيفيته حتى بنوا له حماماً ليس له نظير ثم أمرهم بنقشه فنقشوه نقشاً عجيباً حتى صار بهجة للناظرين.
ثم طلع الملك وأخبره بفراغ بناء الحمام ونقشه وقال له إنه ليس ناقصاً غير الفرش فأعطاه الملك عشرة آلاف دينارٍ فأخذها وفرش الحمام وصف فيه الفوط على الحبال وصار كل من مر على باب الحمام يشخص له ببصره ويحتار فكره في نقشه وازدحمت الخلائق على ذلك الشيء الذي لم يرو مثله في عمرهم وصاروا يتفرجون عليه ويقولون أي شيءٍ هذا فيقول لهم أبو صير حمام فيتعجبون منه ثم أنه سخن الماء ودور الحمام وعمل سلسبيلاً في الفسقية يأخذ كل من رآه من أهل المدينة وطلب من الملك عشرة مماليك دون البلوغ فأعطاه عشرة مماليك مثل الأقمار فصار يكسبهم، ويقول لهم افعلوا مع الزبائن هكذا.
ثم أطلق البخور وأرسل منادٍ ينادي في المدينة ويقول: يا خلق الله عليكم بالحمام فإنه يسمى حمام السلطان فأقبلت عليه الخلائق وجعل يأمر المماليك أن يغتسلوا أجساد الناس وصار الناس ينزلون المغطس ويطلعون واستمر الناس يدخلون الحمام ويقضون حاجتهم منه ثم يخرجون بلا أجرةٍ وبعد طلوعهم يجلسون في الليوان والمماليك تكبسهم مثل ما علمهم أبو صير مدة ثلاثة أيامٍ وفي اليوم الرابع عزم الملك على الذهاب إلى الحمام فركب هو وأكابر دولته وتوجهوا إلى الحمام فقلع ودخل فدخل أبو صير وكبس الملك وأخرج من جسده الوسخ مثل الفتايل وصار يريه له ففرح الملك وصار لوضع يده على بدنه صوت من النعومة والنظافة وبعد أن غسل جسده مزج له ماء الورد بماء المغطس فنزل الملك في المغطس ثم خرج وجسده قد ترطب فحصل له نشاط عمره ما رآه ثم بعد ذلك أجلسه في الليوان وصار المماليك يكبسونه والمباخر تفوح والعود والند فقال الملك: يا معلم أهذا هو الحمام? قال: نعم فقال له: وحياة رأسي أن مدينتي ما صارت مدينة إلا بهذا الحمام ثم قال له: أنت تأخذ على كل رأس أي شيء أجرة فقال أبا صير: الذي تأمر به آخذه فأمر له بألف دينارٍ فقال: العفو يا ملك الزمان إن الناس ليسوا سواء بل فيهم الغني وفيهم الفقير وإذا أخذت من كل واحد ألف دينار يبطل الحمام فأن الفقير لا يقدر على ألف دينارٍ.


قال الملك: وكيف تفعل في الأجرة? قال: اجعل الأجرة بالمروءة فكل من يقدر على شيءٍ سمحت به نفسه يعطيه فنأخذ من كل إنسان على قدر حاله فإن الأمر إذا كان كذلك تأتي إلينا الخلائق والذي يكون غنياً يعطي على قدر مقامه والذي يكون فقيراً يعطي على قدر ما تسمح به نفسه فإذا كان الأمر كذلك يدور الحمام ويبقى له شأن عظيم وأما الألف دينار فإنها عطية الملك ولا يقدر عليها كل أحد فصدق عليه أكابر الدولة وقالوا له: هذا هو الحق يا ملك الزمان أتحسب أن الناس كلهم مثلك أيها الملك العزيز قال الملك: إن كلامكم صحيحٌ ولكن هذا الرجل غريب فقيراً وإكرامه واجبٌ علينا فإنه عمل في مدينتنا هذا الحمام الذي عمرنا ما رأينا مثله ولا تزينت مدينتنا وصار لها شأن إلا به فإذا أكرمناه بزيادة الأجرة ما هو كثير.
فقالوا له: إذا كنت تكرمه فأكرمه من مالك وإكرام الفقير من الملك بقلة أجرة الحمام لأجل أن يدعو لك الرعية وأما الألف دينار فنحن أكابر دولتك ولا تسمح أنفسنا بعطائها فكيف تسمح بذلك نفوس الفقراء? فقال الملك: يا أكابر دولتي كل منكم يعطيه في هذه المرة مائة دينارٍ ومملوكاً وجاريةً وعبد فقالوا: نعم نعطيه ذلك ولكن هذا اليوم كل من دخل لا يعطيه إلا ما تسمح به نفسه فقال: لا بأس بذلك فجعلت الأكابر يعطيه كل واحد منهم مائة دينارٍ وجاريةً ومملوكاً وعبداً وكان عدد الأكابر الذين اغتسلوا مع الملك في هذا اليوم أربعمائة نفس.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثالثة والثلاثين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أنه كان عدد الأكابر الذين اغتسلوا مع الملك في هذا اليوم أربعمائة نفس فصار جملة ما أعطوه من الدنانير أربعين ألف دينارٍ ومن المماليك أربعمائة مملوكٍ ومن العبيد أربعمائة عبدٍ من الجواري أربعمائة جارية وناهيك بهذه العطية وأعطاه الملك عشرة الألف دينار وعشر جوار وعشرة عبيد فتقدم أبو صير وقبل الأرض بين أيادي الملك وقال له: أيها الملك السعيد، وصاحب الرأي الرشيد أي مكان يسعى بهذه المماليك والجواري والعبيد? فقال له الملك: أنا ما أمرت دولتي بذلك إلا لأجل أن نجمع لك مقداراً عظيماً من المال لأنك ربما تفكرت بلادك وعيالك واشتقت إليهم وأردت السفر إلى أوطانك فتكون أخذت من بلادنا مقداراً جسيماً من المال تستعين به على وقتك في بلادك.
قال: يا ملك الزمان أعزك الله أن هذه المماليك والجواري والعبيد الكثيرة شأن الملوك ولو كنت أمرت لي من هذا الجيش فإنهم يأكلون ويشربون ومهما حصلته من المال لا يكفيهم في الإنفاق عليهم ولكن أتبيعهم لي كل واحدٍ بمائة دينارٍ? فقال: بعتك إياهم بهذا الثمن فأرسل الملك إلى الخازندار ليحضر له المال فأحضره وأعطاه ثمن الجميع بالتمام والكمال ثم بعد ذلك أنعم الله بهم على أصحابهم وقال: كل من يعرف عبده أو جاريته أو مملوكه فليأخذه فأنهم هدية مني إليكم فامتثلوا أمر الملك وأخذ كل واحدٍ منهم ما يخصه فقال له أبو صير: أراحك الله يا ملك الزمان كما أرحتني من هؤلاء الغيلان الذين لا يقدر أن يشبعهم إلا الله فضحك الملك من كلامه وتصدق عليه ثم أخذ أكابر دولته وذهب من الحمام إلى سرايته وبات تلك الليلة أبو صير وهو يصر الذهب ويضعه في الأكياس ويختم عليه وكان عنده عشرون عبداً وعشرون مملوكاً وأربع جوارٍ برسم الخدمة.
فلما أصبح الصباح فتح الحمام وأرسل منادٍ ينادي ويقول: كل من دخل الحمام واغتسل فأنه يعطي ما تسمح به نفسه وما تقتضيه مروءته وقعد أبو صير عند الصندوق وهجمت عليه الزبائن وصار كل من طلع يحط الذي يهون عليه فما أمسى المساء حتى امتلأ الصندوق من خيرات الله تعالى.
  رد مع اقتباس
قديم 28/1/2009, 04:29 PM   رقم المشاركة : ( 758 )
ساهر سات
استاذ فضائيات

الصورة الرمزية ساهر سات

الملف الشخصي
رقم العضوية : 125505
تاريخ التسجيل : Oct 2008
العمـر :
الجنـس :
الدولـة : المهندسين العرب
المشاركات : 11,668 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : ساهر سات يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

ساهر سات غير متصل

افتراضي رد: قصة الف ليله وليله

ثم أن الملكة طلبت دخول الحمام فلما بلغ أبا صير ذلك قسم النهار من أجلها وجعل الفجر إلى الظهر للرجال ومن الظهر إلى المغرب قسم للنساء ولما أتت الملكة أو جارية خلف الصندوق وكان علم أربع جوار البلانة حتى صرن بلانات ماهرات، فلما أعجبها ذلك وانشرح صدرها حطت ألف دينارٍ وشاع ذكره في المدينة وصار كل من دخل يكرمه سواء غنياً أو فقيراً فدخل عليه الخير من كل بابٍ وتعرف بأعوان الملك وصار الملك يأتي إليه في الجمعة يومياً ويعطيه ألف دينار وبقية أيام الجمعة للأكابر والفقراء وصار يأخذ بخاطر الناس ويلاطفهم غاية الملاطفة فاتفق أن قبطان الملك لما دخل عليه يوماً من الأيام فقلع أبو صير ودخل وصار يكبسه ويلاطفه ملاطفةً زائدةً ولما خرج من الحمام عمل له الشربات والقهوة فلما أراد أن يعطيه شيئاً حلف أنه لا يأخذ منه شيئاً فحمل القبطان جميلة لما رأى من مزيد لطفه وإحسانه إليه وصار متحيراً فيما يهديه إلى ذلك الحمامي، وقالت له أمه: هذا ما كان من أمر أبي صير.
وأما ما كان من أمر أبي قير فأنه لما سمع جميع الخلائق يلهجون بذكر الحمام وكل منهم يقول: إن هذا الحمام نعيم الدينا بلا شك إن شاء الله يا فلان تدخل بنا غداً هذا الحمام النفيس فقال أبو قير في نفسه: لا بد أن أروح مثل الناس وأنظر هذا الحمام الذي أخذ عقول الناس ثم أنه لبس أفخر ما كان عنده من الملابس وركب بغلةً وأخذ معه أربعة عبيدٍ وأربعة مماليكٍ يمشون خلفه وقدامه وتوجه إلى الحمام ثم أنه نزل في باب الحمام فلما صار عند الباب شم رائحة العود والند ورأى ناساً داخلين وناساً خارجين ورأى المساطب ملآنه من الأكابر والأصاغر فدخل الدهليز فرآه أبو صير فقام إليه وفرح به فقال له أبو قير: هل هذا شرد أولاد الحلال وإنا فتحت لي مصبغة وبقيت معلم البلد وتعرفت بالملك وصرت في سعادةٍ وسيادةٍ وأنا وأنت لا تأتي عندي ولا تسأل عني ولا تقول أين رفيقي وأنا عجزت وأنا أفتش عليك وأبعث عبيدي ومماليكي يفتشون عليك في الحانات وفي سائر الأماكن فلا يعرفون طريقك ولا أحدٍ يخبرهم بخبرك، فقال له أبو صير: أما جئت إليك وعملتني لصاً وضربتني وهتكتني بين الناس فاغتم أبو قير وقال: أي شيءٍ هذا الكلام? هل أنت الذي ضربتك? فقال أبو صير: نعم هو أنا فحلف له أبو قير ألف يمينٍ أنه ما عرفه وقال: إنما كان واحدٌ شبيهك يأتي في كل يومٍ ويسرق قماش الناس فظننت أنك هو وصار يتندم ويضرب كفاً على كفٍ، ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قد أسأناك ولكن يا ليتك عرفتني بنفسك وقلت أنا فلان فالعيب عندك لكونك لم تعرفني خصوصاً وأنا مدهوش من كثرة الأشغال فقال له أبو صير: سامحك الله يا رفيقي وهذا الشيء كان مقداراً في الغيب والجبر على الله ادخل أقلع ثيابك واغتسل وانبسط فقال له: بالله عليك أن تسامحني يا أخي فقال له: أبرأ الله ذمتك وسامحك فأنه كان أمراً مقدراً علي في الأزل. ثم قال له أبو قير: ومن أين لك هذه السيادة? فقال له: الذي فتح عليك فتح علي فأني طلعت إلى الملك وأخبرته بشأن الحمام فأمر ببنائه فقال له: وكما أنه لك معرفةٌ بالملك فأنا الأخر عرفته.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الرابعة والثلاثين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أبا قير لما تعب هو وأبو صير قال له: كما أنت تعرف بالملك فأنا الآخر عرفته وإن شاء الله تعالى أنا أخليه يحبك ويكرمك زيادةً على هذا الإكرام من أجلي فإنه لم يعرف أنك رفيقي فأنا أعرفه بأنك رفيقي وأوصيه بك، فقال له: ما أحتاج إلى وصيةٍ فأن المحنن موجود وقد أحبني الملك هو وجميع رجال دولته وأعطاني كذا وكذا وأخبره بالخبر ثم قال: اقلع ثيابك خلف الصندوق وادخل الحمام وأنا أدخل معك لأجل أن أكبسك، فخلع ما عليه ودخل الحمام ودخل معه أبو صير وكبسه وصبنه وألبسه واشتغل له حتى خرج، فلما خرج أحضر له الغداء والشربات وصار جميع الناس يتعجبون من كثرة إكرامه له، ثم بعد ذلك أراد أبو قير أن يعطيه شيئاً فحلف أنه لا يأخذ منه شيئاً وقال له: استحي من هذا الأمر وأنت رفيقي وليس بيننا فرق.


ثم أن أبا قير قال لأبي صير: يا رفيقي والله أن هذا الحمام عظيمٌ ولكن صنعتك فيه ناقصةً فقال له: وما نقصها? فقال له: الدواء الذي هو عقد الزرنيخ والجير الذي يزيل الشعر بسهولة فاعمل هذا الدواء فإذا أتى الملك فقدمه إليه وعلمه كيف يسقط الشعر فيحبك حباً شديداً ويكرمك، فقال له: صدقت إن شاء الله أصنع ذلك.
ثم أن أبا قير خرج وركب بغلته وذهب إلى الملك ودخل عليه وقال له: أنا ناصح لك يا ملك الزمان فقال له: وما نصيحتك? فقال: بلغني خبراً وهو أنك بنيت حماماً، قال: نعم قد أتاني رجلٌ غريبٌ فأنشأته له كما أنشأت لك هذه المصبغة وهو حمامٌ عظيمٌ وقد تزينت مدينتي، وصار يذكر له محاسن ذلك الحمام، فقال أبو قير: وهل دخلته? قال: نعم، قال: الحمد لله الذي نجاك من شر هذا الخبيث عدو الدين وهو الحمامي، فقال له الملك: وما شأنه? قال له أبو قير: اعلم يا ملك الزمان أنك إن دخلته بعد هذا اليوم فأنك تهلك، فقال له: لأي شيءٍ? فقال له: إن الحمامي عدوك وعدو الدين فأنه ما حملك على إنشاء هذا الحمام إلا لأن مراده أن يدخل عليك فيه السم، فأنه صنع لك شيئاً وإذا دخلته يأتيك به ويقول لك: هذا دواء كل من دهن به نفسه يرمي الشعر منه بسهولةٍ وليس هو بدواء بل هو داءٌ عظيمٌ وسمٌ قاتلٌ وأن هذا الخبيث قد وعده سلطان النصارى أنه إن قتلك يفك له زوجته وأولاده من الأسر فإن زوجته وأولاده مأسورين عند سلطان النصارى وكنت مأسوراً معه في بلادهم ولكن أنا فتحت مصبغةً وصبغت لهم حوائجهم فاستعطفوا علي قلب الملك.
فقال الملك: أي شيءٍ تطلب? فطلبت العتق فأعتقني وجئت إلى هذه المدينة ورأيته في الحمام فسألته كيف كان خلاصك وخلاص زوجتك وأولادك فقال: لم أزل أنا وزوجتي وأولادي مأسورين حتى أن ملك النصارى عمل ديواناً فحضرت في جملة من حضر وكنت واقفاً من جملة الناس فسمعتهم فتحوا مذاكرة الملوك إلى أن يذكروا ملك هذه المدينة، فتأوه ملك النصارى وقال: ما قهرني في الدنيا إلا ملك المدينة الفلانية فكل من تحيل لي على قتله فأني أعطيه كل ما يتمنى، فتقدمت أنا إليه وقلت له: إذا تحيلت لك على قتله هل تعتقني أنا وزوجتي وأولادي? فقال له: نعم أعتقكم وأعطيك كل ما تتمنى ثم أني اتفقت وإياه على ذلك وأرسلني في غليون إلى هذه المدينة وطلعت إلى هذا الملك فبنى لي هذا الحمام وما بقي لي إلا أن أقتله وأروح إلى ملك النصارى وافدي أولادي وزوجتي وأتمنى عليه، فقلت وما الحيلة التي دبرتها في قتله حتى تقتله? قال لي: هي حيلة سهلة أسهل ما يكون، فأنه يأتي إلي في هذا الحمام وقد اصطنعت له شيئاً فيه سمٌ فإذا جاء أقول له: خذ هذا الدواء وادهن به تحتك فأنك يسقط الشعر فيأخذه ويدهن به تحته فيلعب السم فيه يوماً وليلةٍ حتى يسري إلى قلبه فيهلكه والسلام، فلما سمعت منه هذا الكلام خفت عليك لأن خيرك علي وقد أخبرتك بذلك.
فلما سمع الملك هذا الكلام غضب غضباً شديداً وقال للصباغ: اكتم هذا السر، ثم طلب الرواح إلى الحمام حتى يقطع الشك باليقين، فلما دخل الحمام تعرى أبو صير على جري عادته وتقيد بالملك وكبسه وبعد ذلك قال له: يا ملك الزمان إني عملت دواءً لتنظيف الشعر التحتاني فقال له: أحضره لي فأحضره بين يديه فرأى رائحته كريهة فصح عنده أنه سمٌ فغضب وصاح على الأعوان وقال: أمسكوه فقبض عليه الأعوان وخرج الملك وهو يشتعل بالغضب ولا أحدٌ يعرف سبب غضبه، ومع شدة غضب الملك لم يخبر أحداً ولم يتجاسر أحدٌ أن يسأله.
ثم أنه لبس وطلع الديوان ثم أحضر أبا صير بين يديه وهو مكتف ثم طلب القبطان فحضر، فلما دخل القبطان قال له: خذ هذا الخبيث وحطه في زكيبة وحط في الزكيبة قنطارين جيراً من غير طفء وأربط فمها عليه هو والجير ثم ضعها في الزورق وتعال تحت قصري فتراني جالساً في شباكي وقل لي: هل أرميه? فأقول لك: ارميه فإذا قلت لك ذلك فأرمه حتى ينطفئ الجير عليه لأجل أن يموت غريقاً، فقال سمعاً وطاعةً.
  رد مع اقتباس
قديم 28/1/2009, 04:31 PM   رقم المشاركة : ( 759 )
ساهر سات
استاذ فضائيات

الصورة الرمزية ساهر سات

الملف الشخصي
رقم العضوية : 125505
تاريخ التسجيل : Oct 2008
العمـر :
الجنـس :
الدولـة : المهندسين العرب
المشاركات : 11,668 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : ساهر سات يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

ساهر سات غير متصل

افتراضي رد: قصة الف ليله وليله

ثم أخذه من قدام الملك إلى جزيرةٍ قبال قصر الملك وقال لأبي صير: يا هذا أنا جئت عندك مرة واحدةً في الحمام فأكرمتني وقمت بواجبي وانبسطت منك كثيراً وحلفت أنك لم تأخذ مني أجرةً وأنا قد أحببتك محبةً شديدةً، فأخبرني ما قضيتك مع الملك وأي شيءٍ صنعت له من المكاره حتى غضب عليك وأمر أن تموت هذه الميتة الرديئة? فقال له: والله ما علمت شيئاً وليس عندي علمٌ بذنبٍ فعلته معه يستوجب هذا.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الخامسة والثلاثين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن القبطان لم سأل أبا صير عن سبب غضب الملك عليه قال له: والله يا أخي ما عملت شيئاً قبيحاً يستوجب هذا، فقال له القبطان: أن لك عند الملك مقاماً عظيماً ما ناله أحدٌ قبلك وكل ذي نعمةٍ محسودٍ، فلعل أحداً حسدك على هذه النعمة ورمى في حقك بعض الكلام عند الملك حتى أن الملك غضب عليك هذا الغضب، ولكن مرحباً بك وما عليك من بأسٍ فكما أنك أكرمتني من غير معرفةٍ بيني وبينك فأنا أخلصك ولكن إذا خلصتك تقيم عندي في هذه الجزيرة حتى يسافر من هذه المدينة غليون إلى ناحية بلادك فأرسلك معه، فقبل أبو صير يد القبطان وشكره على ذلك. ثم أنه أحضر الجير ووضعه في زبيكة ووضع فيها حجراً كبيراً قدر الرجل وقال: توكلت على الله، ثم أن القبطان أعطى أبا صير شبكةً وقال له: ارم هذه الشبكة في البحر لعلك تصطاد شيئاً من السمك لأن مطبخ الملك رتب علي في كل يومٍ وقد اشتغلت عن الصيد بهذه المصيبة التي أصابتك فأخاف أن تأتي غلمان الطباخ ليطلبوا السمك فلا يجدوه، فإن كنت تصطاد شيئاً فإنهم يجدونه حتى أروح أعمل الحيلة تحت القصر واجعل أني رميتك، فقال له أبو صير: أنا اصطاد وروح أنت والله يعينك.
فوضع الزبيكة في الزورق وسار إلى أن وصل تحت القصر فرأى الملك جالساً في الشباك فقال له: يا ملك الزمان هل أرميه? وأشار بيده وإذا بشيءٍ برق ثم سقط في البحر وإذا بالذي سقط في البحر خاتم الملك وكان مرصودا بحيث إذا غضب الملك على أحدٍ وأراد قتله يشير عليه باليد اليمنى التي فيها الخاتم فيخرج من الخاتم بارقةً فتصيب الذي يشير عليه فيقع رأسه من بين كتفيه، وما أطاعته العسكر ولا قهر الجبابرة إلا بسبب هذا الخاتم، فلما وقع الخاتم من إصبعه كتم أمره ولم يقدر أن يقول خاتمي وقع في البحر خوفاً من العسكر أن يقوموا عليه فيقتلوه فسكت. هذا ما كان من أمر الملك.
وأما ما كان من أمر أبو صير فإنه بعدما تركه القبطان أخذ الشبكة وطرحها في البحر وسحبها فطلعت ملآنة سمكاً ثم طرحها ثانيةً فطلعت ملآنه سمكاً أيضاً، ولم يزل يطرحها وهي تطلع ملآنه حتى صار قدامه كومةٌ كبيرةٌ من السمك، فقال في نفسه: والله أن لي مدة طويلة ما أكلت من السمك ثم أختار له سمكةً كبيرةً ثمينةً وقال: لما يأتي القبطان أقول له يقلي لي هذه السمكة لأتغدى، ثم أنه ذبحها بسكينٍ كانت معه فعلقت السكين في نخشوشها فرأى خاتم الملك فيه لأنها كانت ابتلعته ثم ساقها القدر إلى تلك الجزيرة ووقفت في الشبكة.
فتناول الخاتم ولبسه في خنصره وهو لا يعلم ما فيه من الخواص، وإذا بغلامين من خدام الطباخ أتيا لطلب السمك فلما صارا عند أبا صير قالا له: يا رجل أين راح القبطان? فقال: لا أدري وأشار بيده اليمنى وإذا برأسي الغلامين وقعا بين أكتافهما حين أشار إليهما وقال لا أدري، فتعجب أبو صير من ذلك وجعل يقول: يا هل ترى من قتلهما? وصعب عليه وصار يفكر في ذلك وإذا بالقبطان أقبل فرأى كوماً كبيراً من السمك ورأى الغلامين مقتولين ورأى الخاتم في إصبع أبي صير فقال له: يا أخي لا تحرك يدك التي فيها الخاتم فأنك أن حركتها قتلتني، فتعجب من قوله: لا تحرك يدك التي فيها الخاتم فأن حركتها قتلتني.

فلما وصل إليه القبطان قال: من قتل هذين الغلامين? قال له: والله يا أخي لا أدري، قال: صدقت ولكن أخبرني عن هذا الخاتم من أين وصل إليك? قال: رأيته في نخشوش هذه السمكة، قال: صدقت فإني رأيته نازلاً يبرق من قصر الملك حتى سقط في البحر وقت أن أشار إليك وقال لي: ارمه فأنه لما أشار رميت الزبيكة وكان سقط من إصبعه ووقع في البحر فابتلعته هذه السمكة وساقها الله إليك حتى اصطدتها فهذا نصيبك، ولكن هل تعرف خواص هذا الخاتم? قال أبو صير: لا أدري له خواصاً، قال القبطان: اعلم أن عسكر ملكنا ما أطاعوه إلا خوفاً من هذا الخاتم لأنه مرصودٌ فإذا غضب الملك على أحدٍ وأراد قتله يشير به عليه فيقع رأسه من بين كتفيه، فإن بارقةً تحرج من هذا الخاتم ويتصل شعاعها بالمغضوب عليه فيموت لوقته.
فلما سمع أبو قير هذا الكلام فرح فرحاً شديداً وقال للقبطان: ردني إلى المدينة، فقال له القبطان: أردك فأني ما بقيت أخاف عليك من الملك فأنك متى أشرت بيدك وأضمرت على قتله فإن رأسه يقع بين يديك ولو كنت تطلب قتل الملك وجميع عسكره فأنك تقتلهم من غير عاقة ثم أنزله في الزورق وتوجه به إلى المدينة.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السادسة والثلاثين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن القبطان لما أنزل أبا صير في الزورق توجه به إلى المدينة فلما وصل إليها طلع إلى قصر الملك ثم دخل الديوان فرأى الملك جالساً والعسكر بين يديه وهو في غمٍ عظيمٍ من شأن الخاتم ولم يقدر أن يخبر أحد من العسكر بضياع الخاتم.
فلما رآه الملك قال: أما رميناك في البحر كيف فعلت حتى خرجت منه? فقال له: يا ملك الزمان لما أمرت برميي في البحر أخذني قبطانك وسار بي إلى جزيرةٍ وسألني عن سبب غضبك علي وقال لي: أي شيءٍ صنعت مع الملك حتى أمر بموتك? فقلت له: والله ما أعلم أني عملت معه شيئاً قبيحاً فقال لي: إن لك مقاماً عظيماً عند الملك فلعل أحداً حسدك ورمى فيك كلاماً عند الملك حتى غضب عليك ولكن أنا جئتك في حمامك فأكرمتني ففي نظير إكرامك إياي في حمامك أنا أخلصك وأرسلك إلى بلادك.
ثم حط في الزورق حجراً عوضاً عني ورماه في البحر ولكن حين أشرت له علي وقع الخاتم من يدك في البحر فابتلعته سمكة وكنت أنا في الجزيرة اصطاد السمك فطلعت تلك السمكة في جملة السمكات فأخذتها وأردت أن أشويها فلما فتحت جوفها رأيت الخاتم فيه فأخذته وجعلته في إصبعي فأتاني اثنان من خدام المشايخ وطلبا السمكة فأشرت إليهما وأنا لا أدري خاصية الخاتم فوقع رأسيهما. ثم أتى القبطان فعرف الخاتم وهو في إصبعي وأخبرني برصده فأتيت به إليك لأنك عملت معي معروفا وأكرمتني غاية الإكرام وما عملته معي من الجميل لم يضع عندي وهذا خاتمك فخذه وإن كنت فعلت معك شيئاً يوجب القتل فعرفني بذنبي واقتلني وأنت في حلٍ من دمي.


ثم خلع الخاتم من إصبعه وناوله للملك فلما رأى الملك ما فعل أبو صير من الإحسان أخذ الخاتم منه وتختم به فردت له روحه وقام على أقدامه واعتنق أبا صير وقال: أنت يا رجل من خواص أولاد الحلال فلا تؤاخذني وسامحني عما صدر مني في حقك ولو كان أحدٌ غيرك ملك هذا الخاتم لما كان أعطاني إياه فقال: يا ملك الزمان أن أردت أن أسامحك فعرفني بذنبي الذي أوجب غضبك علي حتى أمرت بقتلي? فقال له: والله أنه ثبت عندي أنك بريءٌ وليس لك ذنبٌ في شيءٍ حيث فعلت هذا الجميل وإنما الصباغ قال لي كذا وكذا وأخبره بما قاله الصباغ فقال له أبو صير: والله يا ملك الزمان أنا لا أعرف ملك النصارى ولا عمري رحت بلاد النصارى ولا خطر ببالي أني أقتلك ولكن هذا الصباغ كان رفيقي وجاري في مدينة الإسكندرية وضاق بنا العيش هناك فخرجنا منها لضيق المعاش وقرأنا مع بعضنا فاتحة على أن العمال يطعم البطال وجرى لي معه كذا وكذا وأخبره بجميع ما جرى له مع أبي قير الصباغ وكيف أخذ دراهمه وتركه ضعيفاً في الحجرة التي في الخان وأن بواب الخان كان ينفق عليه وهو مريض حتى شفاه الله تم طلع وسرح في المدينة حسب العادة فبينما هو في الطريق إذا رأى مصبغة عليها ازدحام فنظر في باب المصبغة فرأى أبا قير جالساً على مصطبة هناك فدخل ليسلم عليه فوقع منه ما وقع من الضرب والإساءة وادعى عليه أنه حرامي وضربه ضرباً مؤلماً وأخبر الملك بجميع ما جرى من أوله إلى آخره.
ثم قال: يا ملك الزمان هو الذي قال لي اعمل الدواء وقدمه للملك فإن الحمام كاملٌ من جميع الأمور إلا أن هذا الدواء مفقود منه واعلم يا ملك الزمان إن هذا الدواء لا يضر ونحن نصنعه في بلادنا وهو من لوازم الحمام وأنا كنت نسيته فلما أتاني الصباغ وأكرمته ذكرني به وقال لي: اعمل الدواء وأرسل يا ملك الزمان هات بواب الخان الفلاني وصنايعية المصبغة فلما حضر الجميع سألهم فأخبروه بالواقع فأرسل إلى الصباغ وقال: هاتوه حافياً مكشوف الرأس مكتفاً وكان الصباغ جالساً في بيته مسروراً بقتل أبو صير فلم يشعر إلا وأعوان الملك هجموا عليه وأوقعوا الضرب في قفاه ثم كتفوه وحضروا به قدام الملك فرأى أبا صير جالساً جنب البواب وبواب الخان وصنايعية المصبغة واقفين أمامه، فقال بواب الخان: أما هذا رفيقك الذي سرقت دراهمه وتركته عندي في الحجرة ضعيفاً وفعلت معه ما كذا وكذا? وقال له صنايعية المصبغة: أما هذا الذي أمرتنا بالقبض عليه وضربناه فتبين للملك قباحة أبا قير وأنه يستحق ما هو أشد من تشديدٍ منكرٍ ونكير? فقال الملك: خذوه وجرسوه في المدينة.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السابعة والثلاثين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك لما سمع كلام بواب الخان وصنائعية المصبغة تحقق أنه عنده خبث أبي قير فأقام عليه النكير وقال لأعوانه: خذوه وجرسوه في المدينة وحطوه في زكيبة وارموه في البحر، فقال أبو صير: يا ملك الزمان شفعني فيه فأني سامحته من جميع ما فعل بي فقال الملك: إن كنت سامحته في حقك فأنا لا يمكن أن أسامحه في حقي، ثم صاح وقال: خذوه وجرسوه وبعد ذلك وضعوه في زكيبة ووضعوا معه الجير ورموه في البحر فمات غريقاً حريقاً وقال الملك: يا أبا صير تمن علي تعط، فقال له: تمنيت عليك أن ترسلني إلى بلادي فأني ما بقي لي رغبةٌ في القعود هنا فأعطاه شيئاً كثيراً زيادة على ماله ونواله ومواهبه ثم أنعم عليه بغلون مشحون بالخيرات وكان بحريته مماليك فوهبهم له أيضاً بعد أن عرض عليه أن يجعله وزيراً فما رضي ثم ودع الملك وسافر وجميع ما في الغليون ملكه حتى النوتية ملكه وما زال سائراً حتى وصل أرض الإسكندرية ورسوا على جانب إسكندرية وخرجوا إلى البر فرأى مملوكاً معه زكيبة في جانب البر. فقال: يا سيدي إن في جنب شاطئ البحر زكيبة ثقيلة وفما مربوط ولا أدري ما بها فأتى أبو صير وفتحها فرأى فيها أبو قير قد دفعه البحر إلى جهة إسكندرية فأخرجه ودفنه بالقرب من إسكندرية وعمل له مزاراً ووقف عليه أوقافاً ثم أن أبا صير أقام مدة وتوفاه الله فدفنوه بجوار قبر رفيقه أبي قير ومن أجل ذلك سمي هذا المكان بأبي قير وأبي صير واشتهر إلى الآن بأنه أبو قير، وهذا ما بلغنا من حكايتهما فسبحان الباقي على الدوام وبإرادته تصرف الليالي والأيام.
  رد مع اقتباس
قديم 28/1/2009, 04:39 PM   رقم المشاركة : ( 760 )
ساهر سات
استاذ فضائيات

الصورة الرمزية ساهر سات

الملف الشخصي
رقم العضوية : 125505
تاريخ التسجيل : Oct 2008
العمـر :
الجنـس :
الدولـة : المهندسين العرب
المشاركات : 11,668 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : ساهر سات يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

ساهر سات غير متصل

افتراضي رد: قصة الف ليله وليله

حكاية عبد الله البري مع عبد الله البحري
ومما يحكى أيضاً أنه كان رجلٌ صيادٌ اسمه عبد الله وكان كثير العيال وله تسعة أولادٍ وأمهم وكان فقير جداً لا يملك إلا الشبكة وكان يروح كل يومٍ إلى البحر ليصطاد فإذا اصطاد قليلاً يبيعه وينفقه على أولاده بقدر ما رزقه الله وإن اصطاد كثيراً يطبخ طبخةً طيبةً ويأخذ فاكهةً ولا يزال يصرف حتى لا يبقى معه شيءٌ ويقول في نفسه: رزق غدٍ يأتي غداً فلما وضعت زوجته صاروا عشرة أشخاصٍ وكان الرجل في ذلك اليوم لا يملك شيئاً أبدا فقالت زوجته: يا سيدي انظر لي شيئاً أتقوت به فقال لها: ها أنا سارحٌ على بركة الله تعالى إلى البحر في هذا اليوم على بخت هذا المولود الجديد حتى ننظر سعده.
فقالت له: توكل على الله فأخذ الشبكة وتوجه إلى البحر، ثم أنه رمى الشبكة على بخت ذلك الطفل الصغير وقال: اللهم أجعل رزقه يسيراً غير عسير وكثيراً وغير قليل وصبر عليهما مدةً سحبها فخرجت ممتلئةً عفشاً ورملاً وحشيشاً ولم ير فيها شيئاً من السمك لا كثيراً ولا قليلاً فرماها ثاني مرةٍ وصبر عليها ثم سحبها فلم ير فيها سمكاً فرمى ثالثاً ورابعاً وخامساً فلم يطلع فيها سمكاً فانتقل إلى مكان أخر وجعل يطلب رزقه من الله ولم يزل على هذه الحالة إلى آخر النهار فلم يصطد ولا سمكةً صغيرةً فتعجب في نفسه وقال: هل هذا المولود خلقه الله تعالى من غير رزقٍ فهذا لا يكون أبداً لأن الذي شق الأشداق تكفل لها بالأرزاق فالله تعالى كريمٌ رزاقٌ.
ثم أنه حمل الشبكة ورجع مكسور الخاطر وقلبه مشغولٌ بعياله فأنه تركهم بغير أكلٍ ولا سيما زوجته نفساء وما زال يمشي وهو يقول في نفسه: كيف العمل وماذا أقول للأولاد في هذه الليلة? ثم أنه وصل قدام فرن خبازٍ فرأى عليه زحمةً وكان وقت غلاءٍ وفي تلك الأيام لا يوجد عند الناس من المؤونة إلا القليل والناس يعرضون الفلوس على الخباز وهو لا ينتبه لأحد منهم من كثرة الزحام فوقف ينظر ويشم رائحة العيش السخن فصارت نفسه تشتهيه من الجوع فنظر إليه الخباز وصاح عليه وقال: تعال يا صياد فتقدم إليه وقال له أتريد عيشاً? فسكت وقال له: تكلم ولا تستح الله كريمٌ أن لم يكن معك دراهم فأنا أعطيك وأصبر عليك حتى يجيئك الخير فقال له: والله يا معلم أنا ما معي دراهم ولكن أعطني عيشاً كفاية عيالي وأرهن عندك هذه الشبكة إلى الغد. فقال له الخباز: يا مسكين أن هذه الشبكة دكانك وباب رزقك فإذا رهنتها بأي شيءٍ تصطاد فأخبرني بالقدر الذي يكفيك? قال: بعشرة أنصاف فضةٍ فأعطاه خبراً بعشرة أنصافٍ ثم أعطاه عشرة أنصافٍ فضةٍ وقال له: خذ هذه العشرة أنصاف وأطبخ لك بها طبخةً فيبقى عندك عشرون نصف فضةٍ وفي غدٍ هات لي بها سمكاً وأن لم يحصل لك شيءٌ تعال خذ عيشك وعشرة أنصافٍ وأنا أصبر عليك حتى يأتيك الخير.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثامنة والثلاثين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الخباز قال للصياد خذ ما تحتاج إليه وأنا أصبر عليك حتى يأتيك الخير وبعد ذلك هات لي بما استحقه عندك سمكاً فقال له الصياد: آجرك الله تعالى وجزاك عني كل خيرٍ ثم أخذ العيش والعشرة أنصاف فضة وراح مسروراً واشترى ما تيسر ودخل على زوجته فرآها قاعدةً تأخذ بخاطر الأولاد وهم يبكون من الجوع وتقول لهم: في هذا الوقت يأتي أبوكم بما تأكلونه فلما دخل عليهم حط لهم العيش فأكلوا وأخبر زوجته بما حصل له، فقالت له: الله كريم.
وفي ثاني يوم حمل شبكته وخرج من داره وهو يقول: اسألك يا رب أن ترزقني في هذا اليوم بما يبيض وجهي مع الخباز فلما وصل إلى البحر صار يطرح الشبكة فلا يخرج فيها سمكاً ولم يزل كذلك إلى أخر النهار فلم يحصل شيءً فرجع وهو في غمٍ عظيمٍ وكان طريق بيته على فرن الخباز، فقال في نفسه: من أين أروح إلى داري ولكن أسرع خطاي حتى لا يراني الخباز فلما وصل إلى فرن الخباز رأى زحمةً فأسرع في المشي من حيائه من الخباز حتى لا يراه وإذا بالخباز وقع بصره عليه فصاح وقال له: يا صياد تعال خذ عيشك ومصروفك فأنك نسيت.


قال: والله ما نسيت وإنما استحيت منك فأني لم أصطد سمكاً في هذا اليوم فقال له: لا تستح أما قلت لك على مهلك حتى يأتيك الخير، ثم أعطاه العيش والعشرة أنصاف وراح إلى زوجته وأخبرها بالخبر فقالت له الله كريم أن شاء الله يأتيك الخير وتوفيه حقه ولم يزل على هذه الحالة مدة أربعين يوماً وهو في كل يومٍ يروح إلى البحر من طلوع الشمس إلى غروبها ويرجع بلا سمكٍ ويأخذ عيشاً ومصروفاً من الخباز، ولم يذكر له السمك يوماً من الأيام ولم يمهله مثل الناس بل يعطيه العشرة أنصاف والعيش وكلما يقول له يا أخي حاسبني يقول له روح ما هذا وقت الحساب حتى يأتيك الحساب فأحاسبك، فيدعوا له ويذهب من عنده شاكراً له.
وفي اليوم الحادي والأربعون قال لامرأته: مرادي أن أقطع هذه الشبكة وأرتاح من هذه المعيشة، فقالت له: لأي شيءٍ? قال لها: كأن رزقي انقطع في البحر فإلى متى هذا الحال والله أني ذبت حياءً من الخباز فأنا ما بقيت أروح إلى البحر حتى لا أجوز على فرنه فأنه ليس لي طريقٌ إلا على فرنه وكلما جزت عليه يناديني ويعطيني العيش والعشرة أنصاف وإلى متى وأنا أتداين منه? قالت له: الحمد لله تعالى الذي عطف قلبه عليك فيعطيك القوت وأي شيءٍ تكره من هذا? قال: بقي له علي قدرٌ عظيمٌ من الدراهم ولا بد أنه يطلب حقه، قالت له زوجته: هل آذاك بكلامٍ? قال: لا ولا يرضى أن يحاسبني ويقول لي: حتى يأتيك الخير، قالت: فإذا طالبك قل له حتى يأتي الخير الذي نرتجيه أنا وأنت فقال لها: متى يجيء الخير الذي نرتجيه? قالت: الله كريم قال: صدقت، ثم حمل شبكته وتوجه إلى البحر وهو يقول: يا رب أرزقني ولو بسمكةٍ واحدةٍ حتى أهديها إلى الخباز ثم أنه رمى الشبكة في البحر وسحبها فوجدها ثقيلة فما زال يعالج فيها حتى تعب تعباً شديداً فلما أخرجها وجد فيها حماراً ميتاً منفوخاً ورائحته كريهةٌ فسئمت نفسه ثم خلصه من الشبكة وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قد عجزت وأنا أقول لهذه المرأة ما بقي لي رزقٌ في البحر، دعيني أترك هذه الصنعة وهي تقول لي: الله كريمٌ سيأتيك الخير فهل هذا الحمار الميت هو الخير? ثم أنه حصل له غمٌ شديدٌ وتوجه إلى مكانٍ آخر ليبعد عن رائحة الحمار وأخذ الشبكة ورماها وصبر عليها ساعةً زمانيةً، ثم جذبها فرآها ثقيلةً فلم يزل يعالج فيها حتى خرج الدم من كفيه فلما أخرج الشبكة رأى فيها آدميا فظن أنه عفريتٌ من عفاريت سيدنا سليمان الذي كان يحبسهم في قماقم النحاس ويرميهم في البحر فلما انكسر القمقم من طول السنين خرج منه ذلك العفريت وطلع في الشبكة فهرب منه وصار يقول: الأمان الأمان يا عفريت سليمان فصاح عليه الآدمي من داخل الشبكة وقال: تعالى يا صياد لا تهرب مني فأني آدمي مثلك فخلصني لتنال أجري فلما سمع الصياد اطمأن قلبه وجاءه وقال: أما أنت عفريتٌ من الجن? قال: لا وإنما أنا أنسيٌ مؤمن بالله ورسوله. قال له: ومن رماك في البحر? قال له: أنا من أولاد البحر كنت دائراً فرميت على الشبكة ونحن أقوامٌ مطيعون لأحكام الله ونشفق على خلق الله تعالى ولولا أني أخاف وأخشى أن أكون من العاصين لقطعت شبكتك ولكن رضيت بما قدر الله علي وأنت إذا خلصتني تصير مالكاً وأنا أصير أسيرك فهل لك أن تعتقني ابتغاءً لوجه الله تعالى وتعاهدني وتبقى صاحبي أجيئك كل يومٍ في هذا المكان وأنت تأتيني وتجيء لي معك بهديةٍ من ثمار البرفان عندكم عنباً وتيناً وبطيخاً وخوخاً ورماناً وغير ذلك وكل شيءٍ تجيء به إليَّ مقبولٌ منك ونحن عندنا مرجانٌ ولؤلؤٌ وزمردٌ وياقوتٌ وجواهرٌ فأنا أملأ لك المشنة التي تجيء لي فيها بالفاكهة معادن من جواهر البحر فما تقول يا أخي في هذا الكلام? قال له الصياد: الفاتحة بيني وبينك على هذا الكلام فقرأ كل منهما الفاتحة وخلصه من الشبكة ثم قال له الصياد: ما اسمك? قال له: اسمي عبد الله البحري فإذا أتيت إلى هذا المكان ولم ترني فناد وقل: أين أنت يا عبد الله يا بحري فأكون عندك في الحال.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح


قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن عبد الله البحري قال له: إذا أتيت إلى هذا المكان ولم ترني فناد وقل: أين أنت يا عبد الله يا بحري فأكون عندك في الحال وأنت ما اسمك? فقال الصياد: اسمي عبد الله قال أنت عبد الله البحري فقف هنا حتى أروح وآتيك بهديةٍ، فقال له: سمعاً وطاعةً فراح عبد الله البحري في البحر فعند ذلك ندم عبد الله البري على كونه خلصه من الشبكة وقال في نفسه: من أين أعرف أنأأنه يرجع إلي وإنما هو يضحك علي حتى خلصته ولو أبقيته كنت أفرج عليه الناس في المدينة وآخذ عليه الدراهم وأدخل به بيوت الأكابر فصار يتندم على إطلاقه ويقول في لنفسه: راح صيدك من يدك فبينما هو يتأسف على خلاصه من يده وإذا بعبد الله البحري رجع إليه ويداه مملوءتان لؤلؤاً ومرجاناً وزمرداً وياقوتاً وجواهر، وقال له: خذ يا أخي ولا تؤاخذني فأنه ما عندي مشنةٌ كنت أملؤها لك.
فعند ذلك فرح عبد الله البري وأخذ منه الجواهر وقال له: كل يوم تأتي إلى هذا المكان قبل طلوع الشمس ثم ودعه وانصرف ودخل البحر وأما الصياد فأنه دخل المدينة وهو فرحانٌ ولم يزل ماشياً حتى وصل إلى فرن الخباز وقال له: يا أخي قد أتانا الخير فحاسبني قال له: ما نحتاج إلى حسابٍ أن كان ما معك شيءٌ فخذ عيشك ومصروفك ورح إلى أن يأتيك الخير. فقال له: يا صاحبي قد أتاني الخير من فيض الله وقد بقي لك عندي جملةً كثيرةً ولكن خذ هذا وكبش له كبشةً من لؤلؤٍ ومرجانٍ وياقوتٍ وجواهرٍ وكانت تلك الكبشة نصف ما معه فأعطاها للخباز وقال له: أعطني شيئاً من المعاملة أصرفه في هذا اليوم حتى أبيع هذه المعادن فأعطاه كل ما كان تحت يده من الدراهم وجميع ما في المشنة التي كانت عنده من الخبز وفرح الخباز بتلك المعادن وقال للصياد: أنا عبدك وخدامك وجمع العيش الذي عنده على رأسه ومشى خلفه إلى البيت فأعطى العيش لزوجته وأولاده، ثم راح إلى السوق وجاء باللحم والخضار وسائر أصناف الفاكهة وترك الفرن وأقام طول ذلك اليوم وهو يعاطي خدمة عبد الله البري ويقضي له مصالحه.
فقال له الصياد: يا أخي أتعبت نفسك، قال له الخباز: هذا واجبٌ لأني صرت خدامك وإحسانك قد غمرني فقال له: أنت صاحب الإحسان علي في الضيق والغلاء وبات معه تلك الليلة على أحسن حال، ثم أن الخباز صار صديقاً للصياد أخبر زوجته بواقعته مع عبد الله البحري ففرحت وقالت: أكتم سرك لئلا تتسلط عليك الحكام فقال لها: أن كتمت سري عن جميع الناس فلا أكتمه عن الخباز، ثم أنه أصبح في ثاني يوم وكان قد ملأ مشنة فاكهة من سائر الأصناف في وقت المساء ثم حملها قبل الشمس وتوجه إلى البحر، وحطها على جانب الشاطئ وقال: أين أنت يا عبد الله يا بحري? وإذا به يقول له: لبيك وخرج إليه فقدم له الفاكهة فحملها ونزل بها وغطس في البحر وغاب ساعةً زمانيةً ثم خرج ومعه المشنة ملآنةً من جميع أصناف المعادن والجواهر فحملها عبد الله البري على رأسه وذهب بها، فلما وصل إلى فرن الخباز قال له: يا سيدي قد خبزت لك أربعين كف شريكٍ وأرسلتها إلى بيتك وها أنا أخبز العيش الخاص فمتى خلص أوصله البيت وأروح لك أجيء بالخضار واللحم فكبش له من المشنة ثلاث كبشاتٍ وأعطاه إياها وتوجه إلى البيت وحط المشنة وأخذ من كل صنفٍ من أصناف الجواهر فأخذ جواهر نفيسةً، ثم ذهب إلى سوق الجواهر ووقف على دكان شيخ السوق وقال: اشتر مني هذه الجواهر فقال له: أرني إياها فأراه فقال له: هل عندك غير هذا? قال: عندي مشنةً ممتلئةً، قال له: أين بيتك? قال: في الحارة الفلانية فأخذ منه الجواهر وقال لأتباعه: أمسكوه فأنه هو الحرامي الذي سرق مصالح الملكة زوجة السلطان ثم أمرهم أن يضربوه فضربوه وكتفوه وقام الشيخ هو وجميع أهل سوق الجواهر وصاروا يقولون: مسكنا الحرامي وبعضهم يقول: ما سرق متاع فلانٍ إلا هذا الخبيث وبعضهم يقول: ما سرق جميع ما في بيت فلانٍ، إلا هو وبعضهم يقول كذا وكذا كل ذلك وهو ساكت ولم يرد على أحدٍ منهم جواباً ولم يبدأ له خطابا حتى أوقفوه قدام الملك قال الشيخ: يا ملك الزمان لما سرق عقد الملكة أرسلت أعلمتنا وطلبت منا وقوع الغريم فاجتهدت أنا من دون الناس وأوقعت لك الغريم وها هو بين يديك وهذه الجواهر خلصناها من يده
  رد مع اقتباس
قديم 28/1/2009, 05:03 PM   رقم المشاركة : ( 761 )
ساهر سات
استاذ فضائيات

الصورة الرمزية ساهر سات

الملف الشخصي
رقم العضوية : 125505
تاريخ التسجيل : Oct 2008
العمـر :
الجنـس :
الدولـة : المهندسين العرب
المشاركات : 11,668 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : ساهر سات يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

ساهر سات غير متصل

افتراضي رد: قصة الف ليله وليله

فقال الملك للطواشي: خذ هذه المعادن وأرها للملكة وقل لها: هل هذا متاعك الذي ضاع من عندك? فأخذها الطواشي ودخل بها قدام الملكة فلما رأتها تعجبت منها وأرسلت تقول للملك: أني رأيت عقد في مكاني وهذا ما هو متاعي ولكن هذه الجواهر أحسن من جواهر عقدي فلا تظلم الرجل.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الأربعين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن زوجة الملك لما أرسلت تقول له: هذا ما هو متاعي ولكن هذه الجواهر أحسن من جواهر عقدي فلا تظلم الرجل وأن كان يبيعها فاشترها منه لبنتك أم السعود ليضعها لها في عقدٍ فلما رجع الطواشي وأخبر الملك بما قالته الملكة لعن شيخ الجواهرجية هو وجماعته لعنةً عادٍ وثمودٍ فقالوا: يا ملك الزمان أنا كنا نعرف أن هذا الرجل صيادٌ فقيرٌ فاستكثرنا ذلك عليه وقد ظننا أنه سرقها فقال: يا قبحاء أتستكثرون النعمة على مؤمنٍ فلا شيء لم يدر بما رزقه الله بها من حيث لا يحتسب فكيف تجعلونه حرامياً وتفضحونه بين العالم? اخرجوا لا بارك الله فيكم فخرجوا وهم خائفون. هذا ما كان من أمرهم.
وأما ما كان من أمر الملك فأنه قال له: يا رجل بارك الله لك فيما أنعم به عليك وعليك الأمان ولكن أخبرني بالصحيح من أين هذه الجواهر فأني ملكٌ ولا توجد عندي مثلها? فقال: يا ملك الزمان أنا عندي مشنةً ممتلئةً منها وهو أن الأمر كذا وكذا وأخبره بصحبته لعبد الله البحري وقال له: أنه قد صار بيني وبينه عهدٌ على أنني كل يوم أملأ له المشنة فاكهةً وهو يملؤها لي من هذه الجواهر، فقال له: يا رجل هذا نصيبك ولكن المال يحتاج إلى الجاه فأنا أدفع عنك تسلط الناس عليك في هذه الأيام ولكن ربما عزلت أو مت وتولى غيري فأنه يقتلك من أجل حب الدنيا


ثم أن الملك قال: خذوا هذا الرجل وأدخلوه الحمام فأخذوه وغسلوا جسده وألبسوه ثياباً من الملوك وأخرجوه قدام الملك فجعله وزيراً له ثم أرسل إلى زوجته ملابس نساء الملوك هي وأولادها وأركبوها في تختروان ومشت قدامها جميع النساء الأكابر والعساكر والسعاة وأصحاب النوبة وأتوا بها إلى بيت الملك والطفل الصغير في حضنها وأدخلوا أولادها الكبار على الملك فأكرمهم وأخذهم على حجره وأجلسهم في جانبه وهم تسعة أولادٍ ذكورٍ وكان الملك معدوم الذرية، ما رزق غير تلك البنت التي اسمها أم السعود وأما الملكة فأنها أكرمت زوجة عبد الله البري وأنعمت عليها وجعلتها وزيرةً وأرسل السعاة وأصحاب النوبة وجميع نساء الأكابر إلى بيته فألبسوا عندها وأمر الملك يكتب عبد الله البري على ابنته وجعل مهرها جميع ما كان عنده من الجواهر والمعادن، وفتحوا باب الفرح وأمر الملك أن ينادي بزينة المدينة من أجل فرح ابنته وفي اليوم الثاني بعد أن دخل على بنت الملك وأزال بكارتها طل الملك من الشباك فرأى عبد الله حاملاً على رأسه مشنةً ممتلئةً فاكهةً، فقال له: ما هذا الذي معك يا نسيبي وإلى أين تذهب? فقال: إلى صاحبي عبد الله البحري فقال له: يا نسيبي ما هذا وقت الرواح إلى صاحبك فقال: أخاف أن أخلف معه المعاد فيعدني كذاباً ويقول لي أن الدنيا الهتك عني قال: صدقت رح إلى صاحبك أعانك الله فمشى في البلد وهو متوجهٌ إلى صاحبه وكانت الناس قد عرفته فصار يسمع الناس يقولون: هذا نسيب الملك رائحٌ يبدل الأثمار بالجواهر والذي يكون جاهلا به ولا يعرفه يقول: يا رجل بكم الرطل? تعالي بعني فيقول له: انتظرني حتى أرجع إليك ولا يغم أحداً، ثم راح واجتمع بعبد الله البحري وأعطاه الفاكهة وأبدلها له بالجواهر ولم يزل على هذه الحالة وفي كل يومٍ يمر على الخباز فيراه مقفولاً ودام على ذلك مدة عشرة أيامٍ، فلما لم ير الخباز ورأى فرنه مقفولا قال في نفسه: أن هذا شيءٌ عجيبٌ يا ترى أين راح الخباز? ثم أنه سأل عنه جارٌ له يا أخي أين جارك الخباز? فما فعل الله به? قال له: يا سيدي أنه مريض لا يخرج من بيته قال له: أين بيته? قال له: في الحارة الفلانية فعمد إليه وسأل عنه فلما طرق الباب طل الخباز من الطاقة فرأى صاحبه الصياد وعلى رأسه مشنةً ممتلئةً فنزل إليه وفتح له الباب ورمى روحه عليه وعانقه وقال له: كيف حالك يا صاحبي فأن كان من أمر على الفرن فأراه مقفولاً ثم سألت جارك فأخبرني بأنك مريضٌ فسألت عن البيت لأجل أن أراك فقال له الخباز: جزاك الله عني كل خير فليس بي مرضٌ، وإنما بلغني أن الملك أخذك لأن بعض الناس كذب عليك وادعى أنك حرامي فخفت أنا وقفلت الفرن واختفيت.
قال: صدقت ثم أنه أخبره بقضيته وما وقع له مع الملك وشيخ سوق الجواهرجية وقال له: أن الملك قد زوجني ابنته وجعلني وزيره ثم قال له: خذ من المشنة نصيبك ولا تخف، ثم خرج من عنده بعد أن ذهب عنه الخوف وراح إلى الملك بالمشنة فارغةً فقال له الملك: يا نسيبي كأنك ما اجتمعت برفيقك عبد الله البحري في هذا اليوم? فقال: رحت له والذي أعطاه لي أعطيته إلى صاحبي الخباز فأن له علي جميلاً قال: من يكون هذا الخباز? قال: أنه رجلٌ صاحبٌ معروفٌ وجرى لي معه في أيام الفقر ما هو كذا وكذا ولم يهملني يوما ولا كسر خاطري قال الملك: ما اسمه? قال: عبد الله الخباز وأنا اسمي عبد الله البري وصاحبي اسمه عبد الله البحري قال الملك: وأنا اسمي عبد الله وعبيد الله كلهم أخوان فأرسل إلى صاحبك الخباز هاته لتجعله وزير ميسرة، فأرسل إليه، فلما حضر بين يدي الملك ألبسه بدلة وزيرٍ وجعله وزير الميسرة وجعل عبد الله البري وزير الميمنة.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الحادية والأربعين بعد التسعمائة


قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك جعل عبد الله البري نسيبه وزير الميمنة وعبد الله الخباز وزير الميسرة واستمر عبد الله على تلك الحالة سنةً كاملةً وهو في كل يوم يأخذ المشنة ممتلئةً فاكهةً ويرجع بها ممتلئةً جواهر ومعادن ولما فرغت الفواكه من البساتين صار يأخذ زبيباً ولوزاً وبندقاً وجوزاً وتيناً وغير ذلك وجميع ما يأخذه له يقبله منه ويرد له المشنة ممتلئةً جواهر على عادته فاتفق يوماً من الأيام أنه أخذ المشنة ممتلئةً نقلاً على عادته فأخذها منه وجلس عبد الله البري على الشاطئ وجلس عبد الله البحري في الماء قرب الشاطئ وصارا يتحدثان مع بعضهما ويتداولان الكلام بينهما حتى أنجرا إلى ذكر المقابر فقال البحري: يا أخي أنهم يقولون في أن النبي صلى الله عليه وسلم مدفونٌ عندكم في البر فهل تعرف قبره? قال نعم قال له: في أي مكانٍ هو? قال له: في مدينةٍ يقال لها مدينة طية فقال: وهل تزوره الناس أهل البر? قال: نعم قال: هنيئا لكم يا أهل البر بزيارة هذا النبي الكريم الرؤوف الرحيم الذي من زاره استوجب شفاعته، وهل أنت زرته يا أخي? قال: لا لأني كنت فقيرٌ ولا أجد ما أنفقه في الطريق وما استغنيت إلا من حين عرفتك وتصدقت علي بهذا الخير، ولكن قد وجبت عليَّ زيارته بعد أن أحج بيت الله الحرام وما منعني من ذلك إلا محبتك فأني لا أقدر أن أفارقك يوماً واحداً.
فقال له: وهل تقدم محبتي على زيارة قبر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي يشفع فيك يوم العرض على الله وينجيك من النار وتدخل الجنة بشفاعته? وهل من أجل حب الدنيا تترك زيارة قبر نبيك محمد صلى الله عليه وسلم? فقال: لا والله إن زيارته مقدمةٌ عندي على كل شيءٍ ولكن أريد منك إجازة أن أزوره في هذا العام، قال: أعطيك الإجازة بزيارته وإذا وقفت على قبره فاقرئه مني السلام، وعندي أمانةً فأدخل معي البحر حتى آخذك إلى مدينتي وأدخلك بيتي وأضيفك وأعطيك أمانةً لتضعها على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقل له يا رسول الله أن عبد الله البحري يقرئك السلام وقد أهدى إليك هذه الهدية وهو يرجو منك الشفاعة من النار. فقال له عبد الله البري: يا أخي أنت خلقت من الماء ومسكنك الماء وهولا يضرك فهل إذا خرجت منه إلى البر يحصل لك ضررٌ? قال: نعم ينشف بدني وتهب علي نسمات البر فأموت، قال له: وأنا كذلك خلقت في البر ومسكني البر فإذا دخلت البحر يدخل الماء في جوفي ويخنقني فأموت. قال له: لا تخف من ذلك فأني آتيك بدهنٍ تدهن به جسمك فلا يضرك الماء ولو كنت تقضي بقية عمرك وأنت دائرٌ في البحر وتنام وتقوم في البحر ولا يضرك شيءٌ، قال: إذا كان الأمر كذلك لا بأس هات لي الدهان حتى أجربه قال: وهو كذلك ثم أخذ المشنة ونزل في البحر وغاب قليلاً ثم رجع ومعه شحمٌ مثل شحم البقر لونه أصفر كلون الذهب ورائحته زكيةٌ، فقال له عبد الله البري: ما هذا يا أخي? فقال: شحم كبد صنفٍ من أصناف السمك يقال له الدندان وهو أعظم أصناف السمك خلقةً وهو أشد أعدائنا علينا وصورته أكبر صورةٍ توجد عندكم من دواب البر، ولو رأى الجمل والفيل لابتلعه.
فقال له: يا أخي وما يأكل هذا المشؤوم? فقال: يأكل من دواب البحر أما سمعت أنه يقال في المثل: مثل سمك البحر القوي يأكل الضعيف? قال: صدقت ولكن هل عندكم من هذا الدندان في البحر كثيرٌ? قال: عندنا شيءٌ لا يحصيه إلا الله تعالى. قال عبد الله البري: أني أخاف إذا نزلت معك أن يصادفني هذا النوع فيأكلني، قال عبد الله البحري: لا تخف فإنه متى رآك عرف أنك ابن آدمٍ فيخاف منك ويهرب ولا يخاف من أحدٍ في البحر مثل ما يخاف من ابن آدم لأنه متى أكل ابن آدم مات من وقته وساعته فأن شحم ابن آدم قاتلٌ لهذا النوع ونحن ما نجمع شحم كبده إلا بواسطة ابن آدمٍ إذا وقع في البحر غريقاً فإنه تتغير صورته وربما تمزق لحمه فيأكله الدندان لظنه أنه من حيوان البحر فيموت فنعثر به ميتاً فنأخذ شحم كبده وندهن به أجسامنا وندور في البحر فأي مكانٍ كان فيه ابن آدم إذا كان فيه مائة أو مائتان أو أكثر من هذا النوع وسمعوا صيحة ابن آدم فإن الجميع يموتون لوقتهم من صيحةٍ واحدةٍ.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثانية والأربعين بعد التسعمائة
  رد مع اقتباس
قديم 28/1/2009, 05:08 PM   رقم المشاركة : ( 762 )
ساهر سات
استاذ فضائيات

الصورة الرمزية ساهر سات

الملف الشخصي
رقم العضوية : 125505
تاريخ التسجيل : Oct 2008
العمـر :
الجنـس :
الدولـة : المهندسين العرب
المشاركات : 11,668 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : ساهر سات يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

ساهر سات غير متصل

افتراضي رد: قصة الف ليله وليله

فعند ذلك أجابه الوزير قائلاً: أيها الملك العزيز الشأن الرأي عندي أنك قبل كل شيءٍ تتبدئ بقطع أمر المعاصي من قلبك وتترك ما كنت فيه من اللهو والعسف والإشتغال بالنساء لأنك إن رجعت إلى أصل المعاصي تكون الضلالة الثانية أشد من الأول فقال الملك: وما هي أصل المعاصي التي ينبغي أن أقلع عنها? فأجابه ذلك الوزير الصغير السن الكبير العقل قائلاً: أيها الملك الكبير اعلم أن أصل المعصية اتباع هوى النساء والميل إليهن وقبول رأيهن وتدبيرهن لأن محبتهن تغير العقول الصافية وتفسد الطباع السليمة والشاهد على قولي من دلائل واضحة لو تفكرت فيها وتتبعت وقائعها بإمعان النظر لوجدت لك ناصحاً من نفسك واستغنيت عن قولي جملةً، فلا تشغل قلبك بذكرهن واقطع من ذهنك رسمهن لأن الله تعالى أمر بعدم الإكثار منهن على يد نبيه موسى حتى قال بعض الملوك الحكماء لولده: يا ولدي إذا استقمت في الملك من بعدي فلا تكثر من النساء لئلا يضل قلبك ويفسد رأيك بالجملة فالإستكثار منهم يفضي إلى حبهن وحبهن يفضي إلى فساد الرأي والبرهان على ذلك ما جرى لسيدنا سليمان بن دواد عليهما السلام الذي خصه الله بالعلم والحكمة والملك العظيم ولم يعط أحدٌ من الملوك الذين تقدموا مثل ما أعطاه فكانت النساء سبباً لهفوة والده ومثل هذا كثير أيها الملك وإنما ذكرت لك سليمان لتعرف أنه ليس لأحد أن يملك مثل ما ملك حتى إطاعة جميع ملوك الأرض واعلم أيها الملك أن محبة النساء أصل كل شر وليس لأحداهن رأي فينبغي للإنسان أن يقتصر منهن على قدر الضرورة ولا يميل إليهن كل الميل فإن ذلك يوقعة في الفساد والهلكة فأن أطعت قولي أيها الملك استقامت لك جميع أمورك وإن تركته ندمت حيث لا ينفعك الندم فأجابه الملك قائلاً: لقد تركت ما كنت فيه من فرط الميل إليهن.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الخامسة والعشرين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك وردخان لما قال لوزيره أني قد تركت ما كنت فيه من الميل إليهن وأعرضت عن الإشغال بالنساء جميعاً ولكن ماذا أصنع إليهن جزاء ما فعلن لأن قتل شماس والدك كان من كيدهن ولم يكن ذلك مرادي ولا عرفت كيف جرى لي في عقلي حتى وافقتهن على قتله، ثم تأوه وصاح قائلاً وأسفاه على فقد وزيري وسداد رأيه وحسن تدبيره وعلى فقد نظرائه من الوزراء ورؤساء المملكة وحسن آرائهم الرشيد فأجابه الوزير قائلاً اعلم أيها الملك أن الذنب ليس للنساء وحدهن لأنهن مثل بضاعة مستحسنةٍ تميل إليها شهوات الناظرين فمن اشتهى واشترى باعوه ومن لم يشتر لم يجبره أحدٌ على الشراء ولكن الذنب لمن اشترى وخصوصاً إذا كان عارفاً بمضرة تلك البضاعة وقد حذرتك ووالدي من قبلي كان يحذرك ولم تقبل منه نصيحةً فأجابه الملك أنني أوجبت على نفسي الذنب كما قلت أيها الوزير ولا عذر لي إلى التقادير الإلهية.
فقال الوزير اعلم أيها الملك أن الله تعالى خلقنا وخلق لنا استطاعة وجعل لنا إرادة واختياراً فإن شئنا فعلنا وإن شئنا لم نفعل ولم يأمرنا الله بفعل ضرار لئلا يلزمنا ذنبٌ فيجب علينا حساب فيما يكون لله صواباً لأنه تعالى لا يأمرنا إلا بالخير على سائر الأحوال وإنما ينهانا عن الشر ولكن نحن بإرادتنا نفعل ما نفعله صواباً كان أو خطأ فقال له الملك صدقت وإنما كان خطئي من الميل إلى الشهوات وقد حذرت نفسي من ذلك مراراً وحذرني والدك شماس مرار فغلبت نفسي على عقلي فهل عندك شيءٌ يمنعني عن ارتكاب هذا الخطأ حتى يكون عقلي غالباً على شهوات نفسي.
فأجاب الوزير نعم إني أرى شيئاً يمنعك عن ارتكاب هذا الخطأ وهو أنك تنزع عنك ثوب الجهل وتلبس ثوب العدل وتعصى هواك وتطيع مولاك وترجع إلى سيرة الملك العادل أبيك وتعمل ما يجب عليك من حقوق الله وحقوق رعيتك وتحافظ على دينك وعلى رعيتك وعلى سياسة نفسك وعلى عدم قتل رعيتك وتنظر في عواقب الأمور وتنزل عن الظلم والجور والبغي والفساد وتستعمل العدل والإنصاف والخضوع وتمتثل أوامر الله تعالى وتلازم الشفقة على خليقته الذين استخلفك عليهم وتواظب على ما يوجب دعاءهم لك لأنك إذا أدام لك ذلك صفا وقتك وعفا الله برحمته عنك وجعلك مهاباً عند كل من يراك وتتلاشى أعداؤك ويهزم الله جيوشهم وتصير عند الله مقبولاً وعند خلقه مهاباً محبوباً.


فقال له الملك لقد أحييت فؤادي ونورت قلبي بكلامك الحلو وجلوت عين بصيرتي بعد العمى وأنا عازمٌ على أن أفعل جميع ما ذكرته لي بمعونة الله تعالى وأترك ما كنت عليه من البغي والشهوات وأخرج نفسي من الضيق إلى السعة ومن الخوف إلى الأمن وينبغي أن تكون بذلك فرحاً مسروراً لأني صرت لك ابنا مع كبر سني وصرت لي أنت والداً حبيباً على صغر سنك وصار من الواجب علي بذل المجهود فيما تأمرني به وأنا أشكر فضل الله تعالى وفضلك فإن الله تعالى أولاني بك من النعم وحسن الهداية وسداد الرأي ما يدفع همي وغمي وقد حصلت سلامة رعيتي على يديك بشرف معرفتك وحسن تدبيرك فأنت الآن مدبراً لملكي لا أتشرف عليك بسوى الجلوس على الكرسي وكل ما تفعله جائزٌ علي ولا أرد لكلمتك وليس يفصلني منك إلا الموت وجميع ما تملكه يدي لك التصرف فيه وإن لم يكن لي خلف تجلس علي تختي عوضاً عني فأنت أولى من جميع ما في مملكتي فأوليك ملكي وأشهد على ذلك أكابر مملكتي، أجعلك ولي عهدي من بعدي إن شاء الله تعالى.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السادسة والعشرين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك وردخان قال لابن شماس الوزير سوف أستخلفك عني وأجعلك ولي عهدي من بعدي وأشهد علي ذلك أكابر مملكتي بعون الله تعالى، ثم بعد ذلك دعا بكاتبه فحضر بين يديه فأمره أن يكتب إلى سائر كبراء دولته بالحضور إليه وجهر بالنداء في مدينته للحاضرين الخاص والعام وأمر أن يجتمع الأمراء والقواد والحجاب وسائر أرباب الخدم أن حضرة الملك وكذلك العلماء والحكماء وعمل الملك ديواناً عظيماً وسماطاً لم يعمل مثله قط وعزم جميع الناس من الخاص والعام فاجتمع الجميع على حظ وأكل وشرب مدة شهرٍ وبعد ذلك كسا جميع حاشيته وفقراء مملكته وأعطى العلماء عطايا وافره فاختار جملةً من العلماء والحكماء بمعرفة ابن شماس وأدخلهم عليه وأمره أن ينتخب منهم سبعةً ليجعلهم وزراء من تحت كلمته ويكون هو الرئيس عليهم فعند ذلك اختار الغلام ابن شماس منهم أكبرهم سناً وأكملهم عقلاً وأكثرهم درايةً وأشرعهم حفظاً ورأى من بهذه الصفات ستة أشخاصٍ فقدمهم إلى الملك وألبسهم ثياب الوزراء وكلمهم قائلاً أنتم تكونون ورائي تحت طاعة ابن شماس وجميع ما يقوله لكم أو يأمركم به وزيري هذا ابن شماس لا تخرجوا عنه أبداً ولو كان هو أصغركم سناً لأنه أكبركم عقلاً، ثم أن الملك أجلسهم على كراسي مزركشة على عادة الوزراء وأجرى عليهم الأرزاق والنفقات ثم أمرهم أن ينتخبوا من أكابر الدولة الذين اجتمعوا عنده في الوليمة من يصلح لخدمة المملكة من الأجناد ليجعل منهم رؤساء ألوف ورؤساء خمسين ورؤساء عشرات ورتب لهم المرتبات وأجرى عليهم الأرزاق على عادة الكبراء ففعلوا ذلك في أسرع وقتٍ وأمرهم أيضاً أن ينعموا على بقية من حضر بالإنعامات الجزيلة وأن يصرفوا كل واحدٍ إلى أرضه بعزٍ وإكرامٍ وأمر عماله بالعدل في الرعية وأوصاهم بالشفقة على الفقراء والأغنياء وأمر بإسعافهم من الخزنة على قدر درجاتهم فدعا له الوزير بدوام العز والبقاء ثم أنه أمر بزينة المدينة ثلاثة أيامٍ شكر الله تعالى على ما حصل له من التوفيق هذا ما كان من أمر الملك ووزيره ابن شماس في ترتيب المملكة وأمرائها وعمالها.
وأما ما كان من أمر النساء المحظيات من السراري وغيرهن اللاتي كن سبباً لقتل الوزراء وفساد المملكة بحياتهن وخداعهن فأنه لما انصرف جميع من كان في الديوان من المدينة والقرى إلى محله واستقامت أمورهم أمر الملك الوزير الصغير السن الكبير العقل الذي هو ابن شماس أن يحضر بقية الوزراء.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السابعة والعشرين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك أمر وزيره ابن شماس أن يحضر بقية الوزراء فلما حضروا جميعاً بين يدي الملك اختلى بهم وقال لهم اعلموا أيها الوزراء أني كنت حائداً عن الطريق المستقيم مستغرقاً في الجهل معرضاً عن النصيحة ناقضاً للعهود والمواثيق مخالفاً لأهم


النصح وسبب ذلك كله ملاعبة هؤلاء النساء وخداعهن إياي، وزخرفة كلامهن وباطلهن لي وقبولي لذلك لأني كنت أظن أن كلامهن نصحٌ بسبب عذوبته ولينه فإذا هو سمٌ قاتلٌ والآن قد تقرر عندي أنهن يردن لي الهلاك والتلف فقد استحقين العقوبة والجزاء مني لكن على جهة العدل حتى أجعلهن عبرة لمن اعتبر فما الرأي السديد في أهلاكهن فأجابه الوزير ابن شماس قائلاً أيها الملك العظيم الشأن إنني قلت لك أولاً الذنب ليس مختصاً بالنساء وحدهن بل هو مشترك بينهن وبين الرجال الذين يطيعونهن لكن النساء يستوحين الجزاء على كل حال لأمرين الأول تنفذ قولك لكونك الملك الأعظم والثاني لتجاسرهن عليك وخداعهن لك ودخولهن فيما بينهن وحالاً يصلحن للتكلم فيه فهن أحقٌ بالهلاك ولكن كفاهن ما هو نازلٌ بهن ومن الآن اجعلهن بمنزلة الخدم والأمر إليك في ذلك غيره.
ثم أن بعض الوزراء أشار على الملك بما قاله ابن شماس وبعض الوزراء تقدم إلى الملك وسجد له وقال أدام الله أيام الملك إن كان لا بد أن تفعل بهن فعلة لهلاكهن فافعل ما أقوله لك فقال الملك ما الذي تقوله لي فقال له أن تأمر إحدى محاظيك بأن تأخذ النساء اللاتي خدعنك وتدخلهن البيت الذي حصل فيه قتل الوزراء والحكماء وتسجنهن هناك وتأمر أن يعطى لهن قليلٌ من الطعام والشراب بقدر ما يمسك أبدانهن ولا يؤذن إليهن في الخروج من ذلك الموضع أصلاً وكل من ماتت بنفسها تبقى بينهن على حالها إلى أن يمتن عن آخرهن وهذا أقل جزائهن لأنهن كن سبباً لهذه الفتنة العظيمة بل واصل جميع البلايا والفتن التي وقعت في هذا الزمان وصدق عليهن قول القائل إن من حفر بئراً لأخيه وقع فيها وما طالت سلامته فقبل الملك رأيه وفعل كما قال له وأرسل خلف أربع محظيات جبارات وسلم إليهن النساء وأمرهن أن يدخلن في محل القتلى ويسجنهن فيه وأجرى لهن طعاماً نيئاً قليلاً وشراباً قليلاً فكان من أمرهن أنهن حزن حزناً عظيماً وندمن على ما فرط منهن وتأسفن تأسفاً كثيراً وأعطاهن الله جزاهن في الدنيا من الخزي وأعدلهن العذاب في الآخرة ولم يزلن في ذلك الموضع المظلم المنتن الرائحة وفي كل يوم تموت ناس منهن حتى هلكن عن آخرهن وشاع خبر هذه الواقعة في جميع البلاد والأقطار وهذا ما انتهى إليه أمر الملك ووزرائه ورعيته والحمد لله مفني الأمم ومحيي الرمم المستحق للتجليل والإعظام والتقديس على الدوام.

حكاية أبي قير وأبي صير
ومما يحكى أيضاً: أن رجلين كانا في مدينة الإسكندرية وكان أحدهما صباغاً واسمه أبو قير وكان الثاني مزيناً واسمه أبو صير وكانا جارين لبعضهما في السوق وكان المزين في جانب دكان الصباغ نصاباً كذاباً صاحب شر قوي كأنما صدغه منحوتٌ من الجلموت أو مشتقٌ من عتبة كنيسة اليهود لا يستحي من عيبة يفعلها بين الناس وكان من عادته أنه إذا أعطاه أحدٌ قماشاً لصبغه يطلب منه الكراء أولاً ويوهمه أنه يشتري به أجزاءً ليصبغ بها، فيعطيه الكراء مقدماً فإذا أخذه منه يصرفه على أكلٍ وشربٍ.
ثم يبيع القماش الذي أخذه بعد ذهاب صاحبه ويصرف ثمنه في الأكل والشرب وغير ذلك ولا يأكل إلا طيباً من أفخر المأكول ولا يشرب إلا من أجود ما يذهب العقول فإذا أتاه صاحب القماش يقول له في غدٍ تجيء لي من قبل طلوع الشمس فتلقى حاجتك مغبونةً فيروح صاحب الحاجة ويقول في نفسه يوم من يومٍ قريب ثم يأتيه في ثاني يوم على الميعاد فيقول له تعال في غدٍ فأني أمس ما كنت فاضياً لأنه كان عندي ضيوف فقمت بواجبهم حتى راحوا وفي غدٍ قبل الشمس تعال خذ قماشك مصبوغاً فيروح ويأتيه في ثالث يوم فيقول له أني كنت أمس معذوراً لأن زوجتي ولدت بالليل وطول النهار وأنا أقضي مصالح ولكن في غد من كل بد تعال خذ حاجتك مصبوغة فيأتي له على الميعاد فيطلع له بحيلةٍ أخرى من حيث كان ويحلف له.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثامنة والعشرين بعد التسعمائة
  رد مع اقتباس
قديم 28/1/2009, 05:11 PM   رقم المشاركة : ( 763 )
ساهر سات
استاذ فضائيات

الصورة الرمزية ساهر سات

الملف الشخصي
رقم العضوية : 125505
تاريخ التسجيل : Oct 2008
العمـر :
الجنـس :
الدولـة : المهندسين العرب
المشاركات : 11,668 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : ساهر سات يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

ساهر سات غير متصل

افتراضي رد: قصة الف ليله وليله

إلى كم ذا التأني عن سرورٍ أفق ما العمر إلا مستعار
فخذها من يدي ظبيٍ غريرٍ بجفنيه فتورٌ وانكـسـار
زرعت بخده ورداً طـرياً فأثمر في السوالف جلنار
وتحسب موضع التخمـيس فيه رمادا خامداً والخدنار
يقول لي العزول تسل عنه فما عذري وقد تم العـذار
فلما سمع الخليفة هذا الصوت قال: يا جعفر ما أحسن هذا الصوت قال جعفر: يا مولانا ما طرق سمعي أطيب ولا أحسن من هذا الغناء ولكن يا سيدي أن السماع من وراء جدارٍ نصف سماعٍ فكيف بالسماع من خلف سترٍ فقال: انهض بنا يا جعفر حتى نتطفل على صاحب هذه الدار لعلنا نرى المغنية عياناً، قال جعفر: سمعاً وطاعةً فصعدوا من الكوكب واستأذنوا في الدخول وإذا بشابٍ مليح المنظر عذب الكلام فصيح اللسان خرج إليهم وقال: أهلاً وسهلاً يا سادتي المنعمين علي أدخلوا بالرحب والسعة فدخلوا وهو بين أيديهم فرأوا الدار بأربعة أوجهٍ وسقفها بالذهب وحيطانها منقوشةٌ بالأزورد وفيها إيوانٌ به سدبةٌ جميلةٌ وعليها مائة جاريةٍ كأنهن أقمار فصاح عليهن فنزلن عن أسرتهن ثم التفت رب المنزل إلى جعفر وقال: يا سيدي أنا ما أعرف منكم الجليل من الأجل بسم الله ليتفضل منكم من هو أعلى في الصدر ويجلس أخوانه كل واحد في مرتبته فجلس كل واحدٍ في منزلته وقام مسرورٌ في الخدمة بين أيديهم، ثم قال لهم صاحب المنزل عن أذنكم هل أحضر لكم شيئاً من المأكول? قالوا له: نعم. فأمر الجواري بإحضار الطعام فأقبل أربع جوارٍ مشدودات الأوساط بين أيديهن مائدةٌ وعليها من غرائب الألوان مما درج وطار وسبح في البحار من قطاً وسماني وأفراخ وحمام ومكتوب على حواشي السفرة من الأشعار ما يناسب المجلس فأكلوا على قدر كفايتهم ثم غسلوا أيديهم فقال الشاب: يا سادتي أن كان لكم حاجةٌ فأخبرونا بها حتى نتشرف بقضائها قالوا: نعم فأننا ما جئنا منزلك إلا لأجل صوت سمعناه من وراء حائط دارك فاشتهينا أن نسمعه ونعرف صاحبته فأن رأيت أن تنعم علينا بذلك كان من مكارم أخلاقك ثم نعود من حيث جئنا. فقال: مرحبا بكم. ثم التفت إلى جاريةٍ سوداءٍ وقال: أحضري سيدتك فلانةٌ. فذهبت الجارية ثم جاءت ومعها كرسي فوضعته ثم ذهبت ثانيةٍ وأتت جاريةٌ كأنها البدر في تمامه فجلست على الكرسي أمام الجارية السوداء وناولتها خرقة من أطلسٍ فأخرجت منها عوداً مرصعاً بالجواهر واليواقيت وملأوا من الذهب.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الخامسة والأربعين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما أقبلت جلست على كرسي وأحرجت العود من الخريطة وإذا هو مرصع بالجوهر واليواقيت وملاويه من الذهب فشدت أوتاره لرناتٍ المزاهر وهي كما قال فيها وفي عودها الشاعر: حضنته كالأم الشفيقة بابـنـهـا في حجرها وجلت عليه ملاويه
ما حركت يدها اليمـين لـجـه إلا وأصلحت اليسـار مـدويه
ثم ضمت العود إلى صدرها وانحنت عليه انحناء الوالدة على ولدها وجست أوتاره فاستغاث كما يستغيث الصبي بأمه، ثم ضربت عليه وجعلت تنشد هذه الأبيات: جاد الزمان بمن أحب فاعـتـبـا يا صاحبي فأدر كؤوسك واشربا
من خمرةٍ ما مازحت قلب امريءٍ إلا وأصبح بالمسرة مـطـربـا
قام النسيم يحملها في كـأسـهـا أرايت بدر الثم يحمل كـوكـبـا
كم ليلةٍ سامرت فيهـا بـدرهـا من فوق دجلة قد أضاء الغيهبـا
والبدر يجنح للغـروب كـأنـمـا قد مد فوق الماء سيفاً مذهـبـا



فلما فرغت من شعرها بكت بكاءً شديداً وصاح كل من في الدار من البكاء حتى كادوا أن يهلكوا وما منهم أحدٌ إلا وغاب عن وجوده ومزق أثوابه ولطم على وجهه لحسن غنائها فقال الرشيد: أن غناء هذه الجارية يدل على أنها عاشقةٌ مفارقةٌ فقال سيدها: أنها ثاكلةٌ لأمها وأبيها فقال الرشيد: ما هذا بكاء من فقد أباه وأمه وإنما هو شجو من فقد محبوبه وطرب الرشيد من غنائها وقال لأبي اسحق: والله ما رأيت مثلها فقال أبو اسحق: يا سيدي أني لأعجب منها غاية العجب ولا أملك نفسي من الطرب وكان الرشيد مع ذلك كله ينظر إلى صاحب الدار ويتأمل في محاسنه وظرف شمائله فرأى في وجهه اصفرارا فالتفت إليه وقال: يا فتى فقال: لبيك يا سيدي فقال له: هل تعلم من نحن? قال: لا فقال له جعفر: أتحب أن نخبرك عن كل واحدٍ باسمه? فقال: نعم فقال جعفر: هذا أمير المؤمنين وابن عم سيد المرسيلين وذكر له بقية أسماء الجماعة وبعد ذلك قال الرشيد: أشتهي أن تخبرني عن هذا الاصفرار الذي في وجهك هل هو مكتسبٌ أو أصلي من حين ولادتك? قال: يا أمير المؤمنين أن حديثي غريب وأمري عجيب لو كتب بالإبر على أماق البصر لكان عبرةً لمن أعتبر.
قال: أعلمني به لعل شفاءك يكون على يدي قال: يا أمير المؤمنين أعرني سمعك، وأخلي لي ذرعك قال: هات فحدثني فقد شوقتني إلى سماعه.
فقال: اعلم يا أمير المؤمنين أني رجلٌ تاجرٌ من تجار البحر، وأصلي من مدينة عمان وكان أبي تاجرا كثير المال وكان له ثلاثون مركباً تعمل في البحر أجرتها في كل عام ثلاثون ألف دينارٍ وكان رجلاً كريماً وعلمني الخط وجميع ما يحتاج إليه الشخص فلما حضرته الوفاة دعاني وأوصاني بما جرت به العادة ثم توفاه الله تعالى إلى رحمته وأبقى الله أمير المؤمنين وكان لأبي شركاءٌ يتجرون في ماله ويسافرون في البحر فاتفق في بعض الأيام أني كنت قاعداً في منزلي مع جماعةٍ من التجار إذ دخل علي غلامٌ من غلماني وقال: يا سيدي أن بالباب رجلاً يطلب الإذن في الدخول عليك فأذنب له فدخل وهو حامل على رأسه شيئاً مغطى فوضعه بين يدي وكشفه فإذا فيه فواكه بغير أوانٍ وملح وطرائف ليست في بلادنا فشكرته على ذلك وأعطيته مائة دينارٍ وانصرف شاكراً، ثم فرقت ذلك على كل من كان حاضراً من الأصحاب.
ثم سألت التجار: من أين هذا? فقالوا: أنه من البصرة وأثنوا عليه وصاروا يصفون حسن البصرة وأجمعوا على أنه ليس في البلاد أحسن من مدينة بغداد ومن أهلها وصاروا يصفون بغداد وحسن أخلاقها وأهلها وطيب هوائها وحسن تركيبها فاشتاقت نفسي إليها وتعلقت آمالي برؤيتها فقمت وبعت العقار والأملاك وبعت المراكب بمائة ألف دينارٍ وبعت العبيد والجواري وجمعت مالي فصار ألف ألف دينارٍ غير المعادن والجواهر وأكتريت مركباً وشحنتها بأموالي وسائر متاعي وسافرت بها أياماً وليالي حتى جئت إلى البصرة فأقمت بها مدةً ثم استأجرت سفينةً وأنزلت مالي فيها وسرنا منحدرين أياماً قلائل حتى وصلنا إلى بغداد فسألت أين تسكن التجار وأي موضعٍ أطيب للسكان? فقالوا: في حارة الكرح فجئت إليها واستأجرت داراً في درب يسمى درب الزعفران ونقلت جميع مالي إلى تلك الدار وأقمت بها مدةً.
ثم توجهت في بعض الأيام إلى الفرجة ومعي شيءٌ من المال وكان ذلك اليوم يوم الجمعة فأتيت إلى جامعٍ يسمى جامع المنصور تقام فيه الجمعة وبعد أن خلصنا من الصلاة خرجت مع الناس إلى موضعٍ يسمى قرن الصراط فرأيت في ذلك المكان موضعاً عالياً جميلاً وله روشنٌ مطلٌ على الشاطئ وهناك شباك فذهبت من جملة الناس إلى ذلك المكان فرأيت شيخاً جالساً وعليه ثيابٌ جميلةٌ وتفوح منه رائحةٌ طيبةٌ وقد شرح لحيته فافترقت على صدره فرقتين كأنها قضيبٌ من لجين وحوله أربع جوارٍ وخمسة غلمانٍ فقلت لشخصٍ ما اسم هذا الشيخ وما صنعته? فقال: هذا طاهر ابن العلاء وهو صاحب الفتيان وكل من دخل عنده يأكل ويشرب وينظر إلى الملاح فقلت له: والله أن لي زماناً وأنا أدور على مثل هذا.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السادسة والأربعين بعد التسعمائة


قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب لما قال: والله أن لي زماناً وأنا أدور على مثل هذا، ثم قال: فتقدمت إليه يا أمير المؤمنين وسلمت عليه، وقلت له: يا سيدي أن لي عندك حاجة، فقال: ما حاجتك? قلت: أشتهي أن أكون ضيفك في هذه الليلة فقال: حباً وكرامةً ثم قال: يا ولدي عندي جوارٌ كثيرةٌ منهن من ليلتها بعشرة دنانيرٍ ومنهن من ليلتها بأكثر فاختر من تريد فقلت: أختار التي ليلتها بعشرة دنانيرٍ، ثم وزنت له ثلثمائة دينارٍ عن شهرٍ فسلمني لغلامٍ فأخذني ذلك الغلام وذهب بي إلى حمام القصر وخدمني خدمةً حسنةً فخرجت من الحمام وأتى بي إلى مقصورةٍ وطرق الباب فخرجت له جاريةٌ فقال له: خذي ضيفك فتلقتني بالرحب والسعة ضاحكةً مستبشرةً وأدخلتني داراً عجيبةً مزركشةً بالذهب فتأملت في تلك الجارية فرأيتها كالبدر ليلة تمامه وفي خدمتها جاريتان كأنهم كوكبان ثم أجلستني وجلست بجانبي ثم أشارت إلى الجواري فأتين بمائدةٍ فيها من أنواع اللحوم من دجاجٍ وسماني وقطاً وحمامٍ فأكلنا حتى اكتفينا وما رأيت في عمري ألذ من ذلك الطعام، فلما أكلنا رفعت تلك المائدة وأحضرت مائدة الشراب والمشموم والحلوى والفواكه وأقمت عندها شهراً على هذا الحال، فلما فرغ الشهر دخلت الحمام وجئت إلى الشيخ وقلت له: يا سيدي أريد التي ليلتها بعشرين ديناراً فقال: أرني الذهب فمضيت وأحضرت الذهب فوزنت له ستمائة دينارٍ عن شهرٍ فنادى غلاماً وقال لله: خذ سيدك فأخذني وأدخلني الحمام فملا خرجت أتى بي إلى باب مقصورةٍ وطرقه فخرجت جارية، فقال لها: خذي ضيفك فتلقتني بأحسن ملتقى وإذا حولها أربع جوارٍ ثم أمرت بإحضار الطعام فحضرت مائدة عليها من سائر الأطعمة فأكلت ولما فرغت من الأكل ورفعت المائدة فأخذت العود وغنت بهذه الأبيات: أيا نفحات المسك من أرض بابلٍ بحق غرامي أن تؤدي رسائلي
عهدت بهاتيك الأراضي منازلاً لأحبابنا أكرم بها من مـنـازل
وفيها التي ما حبها كل عاشـقٍ تغني ولم يرتد منهـا بـطـائلٍ
فأقمت عندها شهراً ثم جئت إلى الشيخ وقلت: أريد صاحبة الأربعين ديناراً فقال: أزن لي الذهب فوزنت له عن شهرٍ ألفا ومائتي دينارٍ ومكثت عندها شهراً كأنه يومٌ واحدٌ لما رأيت من حسن المنظر وحسن العشرة.
ثم جئت إلى الشيخ وكنا قد أمسينا فسمعت ضجةً عظيمةً وأصواتاً عاليةً فقلت له: ما الخبر? فقال لي الشيخ: أن هذه الليلة عندنا أشهر الليالي وجميع الخلائق يتفرجون على بعضهم فيها فهل لك أن تصعد على السطح وتتفرج على الناس فقلت: نعم وطلعت على السطح فرأيت ستارةً حسنةً ووراء الستارة محلٌ عظيمٌ وفيه سدلةً وعليها فرشٌ مليحٌ وهناك صبيةٌ تدهش الناظرين حسناً وجمالاً وقداً واعتدالاً وبجانبها غلاماً يده على عنقها وهو يقبلها فلما رأيتهما يا أمير المؤمنين لم أملك نفسي ولم أعرف أين أنا لما بهرني من حسن صورتها فلما نزلت الجارية التي أنا عندها وأخبرتها بصفتها فقالت: ما لك وما لها? فقلت: والله أنها أخذت عقلي فتبسمت وقالت: يا أبا الحسن ألك فيها غرضٌ? فقلت: أي والله فأنها تملكت قلبي ولبي فقالت: هذه ابنة طاهر بن العلاء وهي سيدتنا وكلنا جواريها أتعرف يا أبا الحسن بكم ليلتها ويومها: قلت: لا قالت: بخمسمائة دينارٍ وهي حسرةٌ في قلوب الملوك فقلت: والله لأذهبن مالي كله على هذه الجارية وبت أكابد الغرام وطول ليلي فلما أصبحت دخلت الحمام ولبست أفخر ملبوس من ملابس الملوك وجئت إلى أبيها وقلت: يا سيدي أريد التي ليلتها بخمسمائة دينارٍ فقال: زن الذهب فوزنت له عن كل شهرٍ عشرة آلاف دينارٍ فأخذها ثم قال للغلام: أعمد به إلى سيدتك فلانة فأخذني وأتى بي إلى دارٍ لم تر عيني أظرف منها على وجه الأرض.
فلما دخلت رأيت الصبية جالسةً فلما رأيتها اندهش عقلي بحسنها يا أمير المؤمنين وهي كالبدر في ليلة أربعة عشر ذات حسنٍ وجمالٍ وقدٍ واعتدالٍ وألفاظ تفضح رنات المزاهر كأنها المقصود الشاعر: قالت وقد لعب الغرام بعطفهـا في جنح ليلٍ سابـل الأحـلاك
يا هل ترى لي في دجاك مسامرٌ أو هل لهذا الكس مـن نـياك
ضربت عليه بكفها وتنـهـدت كتنهد الآسف الحزين البـاكـي


والثغر بالمسواك يظهر حسنه والأير للاكساس كالمسـواك
يا مسلمون أما تقوم أيوركـم ما فيكم أحد يغيث الشاكـي
فانفض من تحت الغلائل قائماً أيري وقال لها أتـاك أتـاك
وحللت عقد أزارها فتفزعت من أنت قلت فتىً أجاب نداك
وغدوت أرهزها بمثل ذراعها رهز اللطيف يضر بالأوراك
حتى إذا ما قمت بعـد ثـلاثةٍ قالت هناك النيك قلت هناك
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السابعة والأربعين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب لما حدث أمير المؤمنين بصفات الجارية وأنشد في حسنها الأبيات المتقدمة ثم أنشد هذه الأبيات: ولو أنها للمشركين تـعـرضـت لبلوائها من دون أصنامهـم ربـا
ولو تفلت في البـحـر مـالـح لأصبح ماء البحر من ريقها عذبا
ولو أنها في الشرق لاحت لراهبٍ لخلي سبيل الشرق وأتبع الغربـا
وما أحسن قول الآخر: نظرت إليها نظرةً فتغـيرت دقائق فكري في بديع صفاتها
فأوحى إليهم الوهم أني أحبها فأثر ذاك الوهم في جناتهـا
فسلمت عليها فقالت: أهلاً وسهلاً ومرحباً وأخذت بيدي يا أمير المؤمنين وأجلستني إلى جانبها فمن فرط الإشتياق بكيت حماقة الفراق وأسبلت دمع العين وأنشدت هذين البيتين: أحب ليالي الهجر لا فرحاً بهـا عسى الدهر يأتي بعدها بوصال
وأكره أيام الوصـال لأنـنـي أرى كل شيءٍ معقبـاً بـزوال
ثم أنها صارت تؤانسني بلطف وأنا غريقٌ في بحر الغرام خائف في القرب ألم الفراق من فرط الوجد والإشتياق وتذكرت لوعة النوى والبين فأنشدت هذين البيتين: فكرت ساعة وصلها في هجرها فجرت مدامع مقلتي كالعنـدم
فطفقت أمسح مقلتي في جيدها من عادة الكافور إمساك الـدم
ثم أمرت بإحضار الأطعمة فأقبلت أربع جوار نهد أبكار فوضعن بين أيدينا من الأطعمة والفاكهة والحلوى والمشموم والمدام ما يصلح للملوك فأكلنا يا أمير المؤمنين وجلسنا على المدام وحولنا الرياحين في مجلسٍ لا يصلح إلا للملك ثم جاءتها يا أمير المؤمنين جاريةٌ بخريطةٍ من الابرسيم فأخذتها وأخرجت منها عوداً فوضعته في حجرها وجست أوتاره فاستغاث كما يستغيث الصبي بأمه وأنشدت هذين البيتين: لا تشرب الراح إلا من يدي رشأ تحيكه في رقة المعنى ويحيكها
أن المدامة لا يلتـذ شـاربـهـا حتى يكون نقي الخد ساقيهـا.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثامنة والأربعين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال: لما أنشدت هذين البيتين فأقمت يا أمير المؤمنين عندها على هذه الحالة مدةً من الزمان حتى نفذ جميع مالي فتذكرت وأنا جالسٌ معها مفارقتها فنزلت دموعي على خدي كالأنهار وصرت لا أعرف الليل من النهار فقالت: لأي شيءٍ تبكي? فقلت لها: يا سيدتي من حين جئت إليك وأبوك يأخذ مني في كل ليلةٍ خمسمائة دينارٍ وما بقي عندي شيءٌ من المال وقد صدق قول الشاعر حيث قال: الفقر في أوطاننا غـربةٌ والمال في الغربة أوطان
فقالت: أعلم أن أبي من عادته أنه إذا كان عنده تاجرٌ وافتقر فأنه يضيفه ثلاثة أيامٍ ثم بعد ذلك يخرجه فلا يعود إلينا أبداً ولكن أكتم سرك وأخف أمرك وأنا أعمل حيلةً في اجتماعي بك إلى ما شاء الله فأن لك في قلبي محبةً عظيمةً وأعلم أن جميع مال أبي تحت يدي وهو لا يعرف قدره فأنا أعطيك في كل يوم كيساً فيه خمسمائة دينارٍ وأنت تعطيه لأبي وتقول له: ما بقيت أعطي الدراهم إلا يوماً بيومٍ وكل ما دفعته إليه فأنه يدفعه إلى وأنا أعطيه لك وتستمر هكذا إلى أن شاء الله فشكرتها على ذلك وقبلت يدها
  رد مع اقتباس
قديم 28/1/2009, 05:15 PM   رقم المشاركة : ( 764 )
ساهر سات
استاذ فضائيات

الصورة الرمزية ساهر سات

الملف الشخصي
رقم العضوية : 125505
تاريخ التسجيل : Oct 2008
العمـر :
الجنـس :
الدولـة : المهندسين العرب
المشاركات : 11,668 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : ساهر سات يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

ساهر سات غير متصل

افتراضي رد: قصة الف ليله وليله

ثم أقمت عندها يا أمير المؤمنين على هذه الحالة مدة سنةٍ كاملةٍ فاتفق في بعض الأيام أنها ضربت جاريتها ضرباً وجيعاً فقالت لها: والله لأوجعن قلبك كما أوجعتيني ثم مضت تلك الجارية إلى أبيها وأعلمته بأمرنا من أوله إلى أخره فلما سمع طاهر بن العلاء كلام الجارية قام من وقته وساعته ودخل علي وأنا جالسٌ مع ابنته وقال لي: فلان قلت له: لبيك قال: عادتنا انه إذا كان عندنا تاجر وافتقر أننا نضيفه عندنا ثلاثة أيامٍ وأنت لك عندنا سنةً تأكل وتشرب وتفعل ما تشاء.
ثم التفت إلى غلمانه وقال: اخلعوا ثيابه ففعلوا وأعطوني ثياباً رديئةً قيمتها خمسة دراهمٍ ودفعوا إلي عشرة دراهمٍ ثم قال له: أخرج فأنا لا أضربك ولا أشتمك واذهب إلى حال سبيلك وأن أقمت في هذه البلدة كان دمك هدارٌ فخرجت يا أمير المؤمنين رغم أنفي ولا أعلم أين أذهب وحل قلبي كل همٍ في الدنيا وشغلني الوسواس وقلت في نفسي كيف أجيء في البحر بألف ألف من جملتها ثمن ثلاثين مركباً ويذهب هذا كله في دار هذا الشيخ النحس وبعد ذلك أخرج من عنده عريانا مكسور القلب? فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم أقمت في بغداد ثلاثة أيامٍ لم أذق طعاماً ولا شراباً وفي اليوم الرابع رأيت سفينةً متوجهةً إلى البصرة فنزلت واستكريت مع صاحبها إلى أن وصلت إلى البصرة فدخلت السوق وأنا في شدة الجوع فرآني رجل بقال فقام إلي وعانقني لأنه كان صاحباً لي ولأبي من قبلي وسألني عن حالي فأخبرته بجميع ما جرى لي فقال لي: والله ما فعال عاقلٍ ومع هذا الذي جرى لك فأي شيءٌ في ضميرك تريد أن تفعله? فقلت له: لا أدري ماذا أفعل فقال: أتجلس عندي وتكتب خرجي ودخلي ولك في كل يومٍ درهم زيادةً على أكلك وشربك? فأجبته وأقمت عنده يا أمير المؤمنين سنةً كاملةً أبيع واشتري إلى أن صار معي مائة دينارٍ فاستأجرت غرفةً على شاطئ البحر لعل مركباً تأتي ببضاعةٍ فاشتري بالدنانير بضاعةً وأتوجه إلى بغداد فاتفق في بعض الأيام أن المراكب جاءت وتوجهت إليها جميع التجار يشترون فرحت معهم وإذا برجلين قد خرجا من بطن المركب ونصبا لهما كرسيين وجلسا عليهما ثم أقبل التجار عليها لأجل الشراء فقال لبعض الغلمان: أحضروا البساط فأحضروه وجاء واحدٌ بخرجٍ منه جراباً وفتحه وكبه على البساط وإذا به يخطف البصر لما فيه من الجواهر واللؤلؤ والمرجان والعقيق من سائر الألوان.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة التاسعة والأربعين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب لما أخبر الخليفة بقضية التجار وبالجراب وما فيه من سائر أنواع الجواهر قال: يا أمير المؤمنين ثم أن واحداً من الرجلين الجالسين على الكراسي التفت إلى التجار وقال لهم: يا معشر التجار أنا ما أبيع في يومي هذا لأني تعبان فتزايدت التجار في الثمن حتى بلغ مقداره أربعمائة دينارٍ فقال لي صاحب الجراب وكان بيني وبينه معرفةً قديمةً لماذا لم تتكلم ولم تزود مثل التجار? فقلت له: والله يا سيدي ما بقي عندي شيءٌ من الدنيا سوى مائة دينارٍ واستحيت منه ودمعت عيناي فنظر إلي وقد عسر عليه حالي، ثم قال للتجار: أشهدوا على أني بعت جميع ما في الجراب من أنواع الجواهر والمعادن لهذا الرجل بمائة دينار وأنا أعرف أنه يساوي كذا وكذا ألف دينارٍ وهو هديةٌ مني إليه فأعطاني الخرج والجراب والبساط وجميع ما عليه من الجواهر فشكرته على ذلك وجميع من حضر من التجار أثنوا عليه ثم أخذت ذلك ومضيت به إلى سوق الجواهر وقعدت أبيع واشتري وكان من جملة هذه المعادن قرص تعويذ صنعه المعلمين وزنته نصف رطلٍ وكان أحمر شديد الحمرة وعليه أسطر مثل دبيب النمل من الجانبين ولم أعرف منفعته فبعت واشتريت مدة سنةٍ كاملةٍ ثم أخذت قرص التعويذ وقلت: هذا له عندي مدة لا أعرفه ولا أعرف منفعته فدفعته إلى الدلال فأخذه ودرا به ثم عاد وقال: ما دفع واحدٌ من التجار سوى عشرة دراهمٍ فقلت له: ما أبيعه بهذا القدر فرماه في وجهي وانصرف.


فعرضته للبيع يوماً أخر فلبغ ثمنه خمسة عشر درهماً فأخذته من الدلال مغضباً ورميته عندي فبينما أنا جالس يوماً إذ أقبل علي رجل فسلم علي وقال لي: عن أذنك هل أقلب ما عندك من البضائع? قلت: نعم وأنا يا أمير المؤمنين مغتاظٌ من كساد قرص التعويذ فقلب الرجل البضاعة ولم يأخذ منها سوى قرص التعويذ فلما رآه يا أمير المؤمنين قبل يده وقال: الحمد لله ثم قال: يا سيدي أتبيع هذا? فازداد غيظي وقلت له: نعم فقال لي: كم ثمنه? فقلت له: كم تدفع فيه أنت? قال عشرين ديناراً، فتوهمت أنه يستهزيء بي فقلت: اذهب إلى حال سبيلك فقال لي هو: أبخمسين ديناراً فلم أخاطبه فقال: ألف دينارٍ هذا كله يا أمير المؤمنين وأنا ساكتٌ ولم أجبه وهو يضحك من سكوتي ويقول: لأي شيءٍ لم ترد علي? فقلت له: اذهب إلى حال سبيلك وأردت أن أخاصمه وهو يزيد ألفاً بعد ألفٍ ولم أرد عليه حتى قال: أتبيعه بعشرين ألف دينارٍ? وأنا أظن أنه يستهزيء بي فاجتمع علينا الناس كلٌ منهم يقول بعد وأن لم يشتر فنحن الكل عليه ونضربه ونخرجه من البلد فقلت له: هل أنت تشتري أو تستهزيء? قلت له: أبيع قال: هو بثلاثين ألف دينارٍ وخذها وأمضي البيع وأنا أخبرك بفائدته ونفعه فقلت: بعتك فقال: الله على ما تقول وكيل.
ثم أخرج الذهب وأقبضني إياه وأخذ قرص التعويذ ووضعه في جيبه ثم قال لي: هل رضيت? قلت: نعم فقال أشهدوا عليه أنه أمضى البيع وقبض الثمن ثلاثين ألف دينارٍ ثم إنه التفت إلى وقال: يا مسكين والله لو أخرت البيع لزدناك إلى مائة ألف دينارٍ بل إلى مائة ألف ألف دينارٍ، فلما سمعت يا أمير المؤمنين هذا الكلام نفر الدم من وجهي وعلا عليه هذا الاصفرار الذي أنت تنظره من ذلك اليوم ثم قلت له: أخبرني ما سبب ذلك وما نفع هذا القرص? فقال: اعلم أن ملك الهند له بنت لم ير أحسن منها وبها داء الصداع فأحضر الملك أرباب الأقلام وأهل العلوم والكهان فلم يرفعوا عنها ذلك فقلت له وكنت حاضراً بالمجلس: أيها الملك أنا أعرف رجلاً يسمى سعد الله البابلي ما على وجه الأرض أعرف منه بهذه الأمور فإن رأيت أن ترسلني إليه فأفعل فقال: اذهب إليه فقلت له: أحضر إلي قطعةً كبيرةً من العقيق ومعها ألف دينارٍ وهديةٍ فأخذت ذلك وتوجهت إلى بلاد بابلٍ فسألت عن الشيخ فدلوني عليه ودفعت له المائة ألف دينارٍ والهدية فأخذ ذلك مني ثم أخذ قطعة العقيق وأحضر حكاكاً فعملها هذا التعويذ ومكث الشيخ سبعة أشهرٍ يرصد النجم حتى اختار وقتاً لكتابته وكتب عليه هذه الطلاسم التي تنظرها ثم جئت به إلى الملك.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الخمسين بعد التسعمائة



قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لأمير المؤمنين: إن الرجل قال لي: أخذت هذا التعويذ وجلت به إلى الملك فلما وضعه على ابنته برنت من ساعتها وكانت مربوطةً في أربع سلاسلٍ وكل ليلةٍ تبيت عندها جاريةٌ فتصبح مذبوحةً فمن حين وضع عليها هذا التعويذ برنت لوقتها ففرح الملك فرحاً شديداً وخلع علي وتصدق بمالٍ كثيرٍ ثم وضعه في عقدها فاتفق أنها نزلت يوماً في مركب هي وجواريها تتنزه في البحر فمدت جاريةٌ يدها إليها لتلاعبها فانقطع العقد وسقط في البحر فعاد من ذلك الوقت العارض لابنة الملك فحصل ما حصل للملك من الحزن فأعطاني مالاً كثيراً وقال لي: اذهب إلى الشيخ ليعمل لها تعويذةً عوضاً عنها فسافرت إليه فوجدته قد مات فرجعت إلى الملك وأخبرته فبعثني أنا وعشرة أنفسٍ نطوف في البلاد لعلنا نجد لها دواء فأوقعني الله به عندك فأخذه مني يا أمير المؤمنين وانصرف فكان ذلك الأمر سبباً للاصفرار الذي في وجهي ثم أني توجهت إلى بغداد ومعي جميع مالي وسكنت في الدار التي كنت فيها فلما أصبح الصباح لبست ثيابي وجئت إلى بيت طاهر بن العلاء لعلي أرى من أحبها فإن حبها لم يزل يتزايد في قلبي فلما وصلت إلى داره رأيت الشباك قد انهدم فسألت غلاماً وقلت له: ما فعل الله بالشيخ? فقال: يا أخي أنه قدم عليه في سنة من السنين رجلٌ تاجرٌ يقال له أبو الحسن العماني فأقام مع ابنته مدةً من الزمان ثم بعد أن ذهب ماله أخرجه الشيخ من عنده مكسور الخاطر وكانت الصبية تحبه حباً شديداً فلما فارقها مرضت مرضاً شديداً حتى بلغت الموت وعرف أباها بذلك فأرسل خلفه في البلاد وقد ضمن لمن يأتي به مائة ألف دينارٍ فلم يره أحد ولم يقع له على أثرٍ وهي الآن مشرفة على الموت قلت: وكيف حال أبيها? قال: باع الجواري من عظم ما أصابه فقلت له: هل أدلك على أبي الحسن العماني? فقال: وبالله عليك يا أخي أن تدلني عليه فقلت له: اذهب إلى أبيها وقل له: لي البشارة عندك فإن أبا الحسن العماني واقفٌ على الباب.
فذهب الرجل يهرول كأنه بغلٌ انطلق من طاحونٍ ثم غاب ساعةٍ وجاء وصحبته الشيخ فلما رأني رجع إلى داره وأعطى الرجل مائة ألف دينارٍ فأخذها وانصرف وهو يدعو لي ثم أقبل الشيخ وعانقني وبكى وقال: يا سيدي أين كنت في هذه الغيبة هلكت ابنتي من أجل فراقك فأدخل معي إلى المنزل فلما دخلت سجد شكراً لله تعالى وقال الحمد لله الذي جمعنا بك ثم دخل لابنته وقال لها شفاك الله من هذا المرض فقالت يا أبت ما أبرا من مرضي إلا إذا نظرت وجه أبي الحسن فقال إذا أكلت أكله ودخلت الحمام جمعت بينكما فلما سمعت كلامه قالت أصحيحٌ ما تقول قال لها والله العظيم أن الذي قلته صحيحٌ فقالت والله إن نظرت وجهاً ما أحتاج إلى أكلٍ فقال لغلامه: أحضر سيدك فدخلت فلما نظرت إلى أمير المؤمنين وقعت مغشياً عليها فلما أفاقت أنشدت هذا البيت: وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
ثم استوت جالسةً وقالت: يا سيدي ما كنت أظن أني أرى وجهك إلا أن كان مناماً، ثم أنها عانقتني وبكت وقالت يا أبا الحسن الآن آكل وأشرب فأحضروا الطعام والشراب، ثم صرت عندهم يا أمير المؤمنين مدةً من الزمان وعادت كما كانت عليه من الجمال، ثم أن أباها استدعى بالقاضي والشهود وكتب كتابها علي وعمل وليمةً عظيمةً وهي زوجتي إلى الآن.
ثم أن ذلك الفتى قام من عند الخليفة ورجع إليه بغلامٍ بديع الجمال بقدٍ ذي رشاقةٍ واعتدالٍ وقال له قبل الأرض بين يدي أمير المؤمنين فقبل الأرض بين يدي الخليفة فتعجب الخليفة من حسنه وسبح خالقه، ثم أن الرشيد انصرف هو وجماعته وقال يا جعفر مما هذا إلا شيءٌ عجيبٌ ما رأيت ولا سمعت بأغرب منه. فلما جلس الرشيد في دار الخلافة قال: يا مسرور قال: لبيك يا سيدي قال أجمع في هذا الإيوان خراج البصرة وخراج بغداد وخراج خراسان فجمعه فصار مالاً عظيماً لا يحصى عدده إلا الله تعالى
  رد مع اقتباس
قديم 28/1/2009, 05:23 PM   رقم المشاركة : ( 765 )
ساهر سات
استاذ فضائيات

الصورة الرمزية ساهر سات

الملف الشخصي
رقم العضوية : 125505
تاريخ التسجيل : Oct 2008
العمـر :
الجنـس :
الدولـة : المهندسين العرب
المشاركات : 11,668 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : ساهر سات يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

ساهر سات غير متصل

افتراضي رد: قصة الف ليله وليله

ثم قال الخليفة: يا جعفر قال لبيك قال أحضر لي أبا الحسن قال سمعاً وطاعةً ثم أحضره فلما حضر قبل الأرض بين يدي الخليفة وهو خائفٌ أن يكون طلبه بسبب خطأ وقع منه وهو عنده بمنزله فقال الرشيد: يا عماني قال له لبيك يا أمير المؤمنين خلد الله نعمه عليك، فقال له اكشف هذه الستارة، وكان الخليفة أمرهم أن يضعوا مال الأقاليم ويسلبوا عليه الستارة، فلما كشف العماني الستارة عن الإيوان اندهش عقله من كثرة المال فقال الخليفة يا أبا الحسن أهذا المال أكثر أم الذي فاتك من قرص التعويذ فقال له بل هذا يا أمير المؤمنين أكثر بأضعافٍ كثيرة.
قال الرشيد: أشهدوا يا من حضر أني وهبت هذا المال لهذا الشاب، فقبل الأرض واستحى وبكى من شدة الفرح بين يدي الرشيد، فلما بكى جرى الدمع من عينيه على خده فرجع الدم إلى محله فصار وجهه كالبدر ليلة تمامه، فقال الخليفة لا آله إلا الله سبحان من يغير حالاً بعد حال وهو باقٍ لا يتغير، ثم أتى بمرآة وأراه وجهه فيها فلما رآه سجد شكراً لله تعالى، ثم أمر الخليفة يحمل إليه المال وسأله أنه لا ينقطع عنه لأجل المنادمة فصار يتردد إليه إلى أن توفى الخليفة إلى رحمة الله تعالى، فسبحان الحي الذي لا يموت ذي الملك والملكوت.

حكاية إبراهيم بن الخصيب
مع جميلة بنت أبي الليث عامل البصرة
ومما يحكى أيضاً أيها الملك السعيد أن الخصيب صاحب مصر كان له ولدٌ ولم يكن في زمانه أحسن منه وكان من خوفه عليه لا يمكنه من الخروج إلا لصلاة الجمعة، فمر وهو خارجٌ من صلاة الجمعة على رجلٌ كبيرٌ وعنده كتب كثيرة فنزل عن فرسه وقعد عنده وقلب الكتب وتأملها فرأى فيها صورة امرأةٍ تكاد أن تنطق ولم ير أحسن منها على وجه الأرض فسلبت عقله وأذهلت لبه.
فقال له: يا شيخ بغني هذه الصورة، فقبل الأرض بين يديه ثم قال له يا سيدي بغير ثمن فدفع له مائة دينارٍ وأخذ الكتاب الذي به الصورة وصار ينظر إليها ويبكي ليله ونهاره وامتنع عن الأكل والشراب والمنام، فقال في نفسه، لو سألت الكتبي عن صانع هذه الصورة من هو ربما أخبرني فإن كانت صاحبتها في الحياة توصلت إليها وإن كانت صورة مطلقةٍ تركت التولع بها ولا أعذب نفسي بشيءٍ لا حقيقة له.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الواحدة والخمسين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب لما قال في نفسه لو سألت الكتبي عن هذه الصورة ربما أخبرني فإن كانت صورة مطلقة تركت التولع بها لا أعذب نفسي بشيءٍ لا حقيقة له. فلما كان يوم الجمعة مر على الكتبي فنهض إليه قائماً فقال له يا عم أخبرني من صنع هذه الصورة قال: يا سيدي صنعها رجل من أهل بغداد يقال له أبو القاسم الصندلاني في حارةٍ تسمى حارة الكرح ولا أعلم من هي.
فقام الغلام من عنده ولم يعلم أحداً من أهل مملكته، ثم صلى الجمعة وعاد إلى البيت فتناول جراباً وملأه من الجواهر والذهب وقيمة الجواهر ثمانون ألف دينارٍ، ثم صبر إلى الصباح وخرج ولم يعلم به أحدٌ ولحق قافلةً فرأى بدوياً فقال له يا عم كم بيني وبين بغداد فقال له يا ولدي أين أنت وأين بغداد إن بينك وبينها مسيرة شهرين فقال له يا عم إن أوصلتني إلى بغداد أعطيك مائة دينارٍ وهذه الفرس التي تحتي وقيمتها ألف دينارٍ.
فقال له البدوي الله على ما تقول وكيل ولكن لا ننزل في هذه الليلة إلا عندي، فأجابه إلى قوله وبات عنده، فلما لاح الفجر رافقه البدوي وسار به سريعاً في طريقٍ قريبٍ طمعاً في تلك الفرس التي وعده بها، وما زالا سائرين حتى وصلا إلى حيطان بغداد فقال له البدوي الحمد لله على السلامة يا سيدي هذه بغداد، ففرح الغلام فرحاً شديداً ونزل عن الفرس وأعطاها للبدوي هي والمائة دينار.


ألف ليلة وليلة مؤلف ألف ليلة وليلة الصفحة : 916


ثم تناول الجراب ومضى يسائل عن حارة الكرح وعن محل التجار فساقه القدر إلى دربٍ فيه خمسه عشر ججر تقاتل وفي صدر الدار بابٌ بمصراعين له حلقة من فضة وفي الباب مصطبتان من الرخام مفروشتان بأحسن الفرش وفي أحدهما رجلٌ جالسٌ وهو مهابٌ حسن الصورة وعليه ثيابٌ فاخرةٌ وبين يديه خمس مماليك كأنهم أقمارٌ، فلما رأى الغلام ذلك عرف العلامة التي ذكرها له الكتبي فسلم على الرجل فرد عليه السلام ورحب به وأجلسه وسأله عن حاله فقال له الغلام: أنا رجلٌ غريبٌ وأريد من إحسانك أن تنظر لي في هذا الدرب داراً لأسكن فيها.
فصاح الرجل وقال: يا غزالة، فخرجت إليه جارية وقالت لبيك يا سيدي فقال: خذي معك بعض خدم واذهبوا إلى حجرة ونظفوها وافرشوها وحطوا فيها جميع ما يحتاج من آنية وغيرها لأجل هذا الشاب الحسن الصورة، فخرجت الجارية وفعلت ما أمرها به، ثم أخذه الشيخ وأراه الدار فقال له الغلام يا سيدي كم أجرة هذا الدار? فقال له يا جميل أنا ما آخذ منك أجرةً ما دمت هنا، فشكره على ذلك.
ثم أن الشيخ نادى جاريةً ثانيةً فخرجت إليه جاريةٌ كأنها الشمس فقال لها هات الشطرنج فأتت له، ففرش المملوك الرقعة وقال الشيخ للغلام: أتلعب معي قال نعم فلعب معه مراتٍ والغلام يغلبه، فقال أحسنت يا غلام لقد كملت صفاتك والله ما في بغداد من يغلبني وقد غلبتني أنت، ثم بعد أن هيأوا الدار بالفراش وسائر ما يحتاج إليه وسلمه المفاتيح وقال يا سيدي إلا تدخل منزلي وتأكل عيشي فنتشرف بك فأجابه الغلام إلى ذلك ومشى معه فلما وصلا إلى الدار حسنةً جميلةً مزركشةً بالذهب وفيها من جميع التصاوير ومن أنواع الفرش والأمتعة ما يعجز عن شرحه اللسان، ثم صار يحييه وأمر بإحضار الطعام فأتوا بمائدة من شغل صنعاء اليمن فوضعت وأتوا بالطعام ألواناً غريبةً لا يوجد أفخر منها ولا ألذ.
فأكل الغلام حتى اكتفى ثم غسل يديه، وصار الغلام ينظر إلى الدار والفرش، ثم التفت إلى الجراب الذي كان معه فلم يره فقال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أكلت لقمةً تساوي درهماً أو درهمين فذهب مني جراب فيه ثلاثون ألف دينارٍ ولكنه استعان بالله ثم سكت ولم يقدر أن يتكلم.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثانية والخمسين بعد التسعمائة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الغلام لما رأى الجراب مفقودٌ حصل له غمٌ كبيرٌ فسكت ولم يقدر أن يتكلم، فقدم الشيخ الشطرنج وقال للغلام: هل تلعب معي? فقال: نعم فغلبه الشيخ فقال الغلام: أحسنت: ثم ترك اللعب وقام فقال له: ما لك يا غلام? فقال: أريد الجراب، فقام وأتى به وقال: ها هو يا سيدي هل ترجع إلى اللعب معي? قال: نعم فلعب معه فغلبه الغلام، فقال الرجل: لما اشتغل فكرك بالجراب غلبتك فلما جئت به إليك غلبتني.
ثم قال له: يا ولدي أخبرني من أي البلاد أنت? فقال: من مصر، فقال له: وما سبب مجيئك إلى بغداد? فأخرج له الصورة وقال: يا عم إني ابن الخصيب صاحب مصر وقد رأيت هذه الصورة عند رجل كتبي فسلبت عقلي فسألت عن صانعها فقيل لي: إن صانعها رجل من بغداد بحارة الكرح يقال له أبو القاسم الصندلاني بدرب الزعفران فأخذت معي شيئاً من المال وجئت وحدي ولم يعلم بحالي أحدٌ وأريد من تمام إحسانك أن تدلني عليه حتى أسأله عن سبب تصويره لهذه والصورة من هي ومهما أراده مني فإني أعطيه إياه فقال: والله يا ابني إني أنا أبو القاسم الصندلاني وهذا أمرٌ عجيب كيف ساقتك المقادير إلي.


فلما سمع الغلام كلامه قام إليه وعانقه وقبل رأسه ويديه وقال له: بالله عليك أن تخبرني صورة من هي، فقال سمعاً وطاعةً، ثم قام وفتح خزانةً وأخرج منها عدة كتبٍ كان صور فيها هذه الصورة وقال له: اعلم يا ولدي أن صاحبة هذه الصورة ابنة عمي وهي في البصرة وأبوها حاكم البصرة يقال له: أبو الليث وهي يقال لها جميلة وما على وجه الأرض أجمل منها ولكنها زاهدةٌ في الرجال ولا تقدر أن تسمع ذكر رجلٍ في مجلسها وقد ذهبت إلى عمي بقصد أنه يزوجني بها وبذلت له الأموال فلم يجيبني إلى ذلك فلما علمت ابنته بذلك اغتاظت وأرسلت إلي كلاماً من جملته أنها قالت: إن كان لك عقلٌ فلا تقم بهذه البلدة وإلا تهلك ويكون ذنبك في عنقك وهي جبارةٌ من الجبابرة فخرجت من البصرة وأنا منكسر الخاطر وعملت هذه الصورة في الكتب وفرقتها في البلاد لعلها تقع في يد غلامٍ حسن الصورة مثلك فيتحيل في الوصول إليها لعلها تعشقه وأكون قد أخذت عليه العهد أنه إذا تمكن منها يريني إياها ولو نظرةً من بعيد، فلما سمع إبراهيم ابن الخصيب كلامه أطرق برأسه ساعةً وهو يتفكر فقال له الصندلاني: يا ولدي إني ما رأيت ببغداد أحسن منك وأظن أنها إذا نظرتك تحبك فهل يمكنك إذا اجتمعت بها أن تريني إياها ولو نظرةً من بعيد? فقال: نعم فقال: إذا كان الأمر كذلك فأقم عندي إلى أن تسافر فقال: لا أقدر على المقام فإن في قلبي من عشقها ناراً زائدةً، فقال له: اصبر حتى أجهز لك مركبا في ثلاثة أيام لنذهب فيها إلى البصرة فصبر حتى جهز له مركباً ووضع فيها كل ما يحتاج إليه من المأكولٍ ومشروبٍ وغير ذلك وبعد ثلاثة أيامٍ قال للغلام تجهز للسفر فقد جهزت لك مركباً فيها سائر ما تحتاج إليه والمركب ملكي والملاحون من أتباعي وفي المركب ما يكفيك إلى أن تعود وقد أوصيت الملاحين أن يخدموك إلى أن ترجع بالسلامة.
فنهض الغلام ونزل في المركب وودعه وسار حتى وصل إلى البصرة فأخرج الغلام مائة دينارٍ للملاحين فقالوا له: نحن أخذنا الأجرة من سيدنا، فقال لهم: خذوها إنعاماً وأنا لا أخبره بذلك فأخذوها منه ودعوا له، ثم دخل الغلام البصرة وسأل: أين مسكن التجار? فقالوا له: في خان يسمى خان حمدان فمشى حتى وصل إلى السوق الذي فيه الخان فامتدت إليه الأعين بالنظر من فرط حسنه وجماله ثم دخل الخان مع رجلٌ ملاحٍ وسأل عن البواب فدلوه عليه فرآه شيخاً كبيراً مهاباً فسلم عليه فرد عليه السلام فقال: يا عم هل عندك حجرةً ظريفةً? قال: نعم.
ثم أخذه هو والملاح وفتح لهما حجرةً ظريفةً مزركشةً بالذهب، وقال يا غلامٍ أن هذه الحجرة تصلح لك فأخرج الغلام دينارين وقال له: خذ هذين حلوان المفتاح فأخذهما ودعا له وأمر الغلام الملاح بالذهاب إلى المركب ثم دخل الحجرة فاستمر عند بواب الخان وخدمه وقال له: يا سيدي حصل لنا بك السر فأعطاه الغلام ديناراً وقال له: هات لنا به خبزاً ولحماً وحلوى وشراباً فأخذه وذهب به إلى السوق ورجع إليه وقد اشترى ذلك بعشرة دراهم وأعطاه الباقي فقال الغلام: اصرفه على نفسك ففرح البواب بذلك فرحاً عظيماً ثم أن الغلام أكل مما طلبه قرصاً واحداً بقليل من الآدم وقال لبواب الخان: خذ هذا إلى أهل منزلك فأخذه وذهب به إلى أهل منزله وقال لهم: ما أظن أن أحداً على وجه الأرض أكرم من الغلام الذي سكن عندنا في هذا اليوم ولا أحلى منه فإن دام عندنا حصل لنا الغنى.
ثم أن بواب الخان دخل على إبراهيم فرآه يبكي فقعد وصار يكبس رجليه ثم قبلهما وقال: يا سيدي لأي شيءٍ تبكي لا أبكاك الله? فقال: يا عم أريد أن أشرب أنا وأنت في هذه الليلة فقال سمعاً وطاعةً فأخرج له خمسة دنانيرٍ وقال له: اشتر لنا بها فاكهةً وشراباً ثم دفع له خمسة دنانيرٍ أخرى وقال له: اشتر لنا بهذه نقلاً ومشموماً وخمس فراخٍ سمان وأحضر لي عوداً فخرج واشترى له ما أمره به وقال لزوجته: ضعي هذا الطعام وصفي لنا هذا الشراب وليكن ما تصنعينه جيداً فإن هذا الغلام قد عمنا بإحسانه فصنعت زوجته ما أمرها به على غاية المراد. ثم أخذه ودخل على إبراهيم ابن السلطان.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثالثة والخمسين بعد التسعمائة
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:23 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Google Adsense Privacy Policy | سياسة الخصوصية لـ جوجل ادسنس

الساده الاعضاء و زوار منتديات المهندسين العرب الكرام , , مشاهده القنوات الفضائيه بدون كارت مخالف للقوانين والمنتدى للغرض التعليمى فقط

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

^-^ جميع آلمشآركآت آلمكتوبهـ تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكلـ من آلأشكآل عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى ~