ماشاء الله تبارك الله ماشاء الله لاقوة الا بالله , اللهم اني اسالك الهدى والتقى والعفاف والغنى
" قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ *مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ". صدق الله العظيم
الساده الاعضاء و زوار منتديات المهندسين العرب الكرام , , مشاهده القنوات الفضائيه بدون كارت مخالف للقوانين والمنتدى للغرض التعليمى فقط
   
Press Here To Hidden Advertise.:: إعلانات منتديات المهندسين العرب لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم الشكاوي ::.

 IPTV Reseller

  لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم طلبات الاعلانات اسفل المنتدى لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم طلبات الاعلانات اسفل المنتدى لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم طلبات الاعلانات اسفل المنتدى

Powerd By : Mohandsen.com

العودة   المهندسين العرب > المنتدى الادبى > المنتديات الادبيه العامه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 9/2/2009, 01:38 PM
الصورة الرمزية جنات فلسطين
 
جنات فلسطين
بـاشـمهندس

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  جنات فلسطين غير متصل  
الملف الشخصي
رقم العضوية : 136480
تاريخ التسجيل : Dec 2008
العمـر :
الـجنـس :
الدولـة :
المشاركـات : 62 [+]
آخــر تواجـد : ()
عدد الـنقـاط : 10
قوة التـرشيـح : جنات فلسطين يستاهل التميز
افتراضي جدليّات النص الإبداعي

جدليّات النص الإبداعي

إن نص المبدع معملُ الحياة الذي تجري فيه سائر عمليات الامتزاج والتنافر والتصالح والتحالف بين مختلف عناصره ومكوناته، سواء كان النص مسطّحاً أو معقداً أو حداثياً.‏

ونقرّ مسبقاً بأن بحثنا هذا يتعارض مع النظريات والمدارس التي تفصل النص عن مبدعه، وتفصل الإبداع عن حاضنته الاجتماعية (بيئته).‏

فالفنان في نصه مشتبك لا محالة مع عنصري الزمان والمكان.. الزمان بما يمدّه من معارف تحمل خلاصة ما وصل إليه تطور البنية البشرية، والمكان بما يتيح للمبدع كمنتج فكري داخل الحاضنة الاجتماعية، فرصَ التعبير عمّا توصل إليه.. وما دام الفنان إنساناً متطور الحس والحاسية، فسيظل يتداول هذه العملة ويتعامل بها مع كل ما هو خارج ذاته أكثر من غيره. رغم إدراكنا مسبقاً، أن الحساسية لا تعني بالضرورة -الوعي الاجتماعي.‏

ولكنها على أية حال، تدل بما لا يقبل الشك، على أن المبدع قد ادّخر في ذاته أكبر قدر من الطاقات التوترية، واهتدى إلى سبيل تصريفها بواسطة إبداعه. بينما وجد غيره ميادين أخرى لتفريغ هذه الطاقات، فانخرط في نضال سياسي أو اجتماعي أو فكري، أو آثر التصالح والتبسيط في التعامل مع مصادر قلقه شأن الناس العاديين..‏

لقد وطن المبدع نفسه على التفاعل مع الخارج بحرارة، واستقبلَ باستمرار- ما يحيط به بحساسية وتعمّق في الغالب أكثر من الناس العاديين. حتى أصبحت الحساسية صفة له، طَبَعت لغة التعامل القائمة بينه وبين الظروف المحيطة بها بهذا الطابع. وهو بطبيعة الحال يطور حرفته هذه كلما تتابعت تجاربه مضيفة إليه المزيد من الاستعداد واليقظة والتأهب لما يجري خارج ذاته.‏

إنه إذن، إنسان عادي، رأس ماله الحسّ المرهف.. وقد تربى على التعبير عن إحساساته دونما مباشرة أو خطابية مسرفة شأنه شأن الناس العاديين، حيث لجأ إلى الفن للتعبير عن وجهة نظره وموقفه تجاه الواقع، فكان الأقدر على الإيحاء وعلى تقديم خلاصة تفاعلاته ومجموع إحساساته، بسلوك فني..‏

فالإبداع الفني إذن، ترجمة متطورة، متقدمة راقية، معبرة عن الأحاسيس الإنسانية تجاه الخارج. والمقصود بالخارج هنا كل ما يحيط بذات المبدع من ظروف وعندنا أنه لا شيء غير الواقع المادي المحسوس خارج المبدع كما يراه ويحس به هو، لا كما هو عليه بالفعل، وبهذا المعنى، فإن الإبداع يأتي حصيلة تفاعل المؤثرات الخارجية مع وعي الذات الإنسانية وارثها المختزن.. وبنتيجة التفاعل بين الذات والمحيط، تنشأ في ذات المبدع طاقات توترية نشطة تخرج على شكل رد سلوكي تجاه الخارج، يأخذ طريقه- عند المبدع -عبر التجربة الإبداعية والنوع الفني الذي اختاره الفنان، ليحمل خلاصة تلاقح المؤثرات الخارجية مع الذات، بما تحتويه الأخيرة من مواقف مسبقةٍ وأحكامٍ ومعارف تحدد شكل رؤية الفنان الجديدة للعالم.‏

إذن، فوراء العمل الإبداعي عاملان: خارجي متمثل في موضوع خارج الذات. وداخلي متمثل في موقف الذات من هذا الموضوع! أما العمل الفني نفسه، فهو حصيلة المعالجات والتأثيرات المتبادلة بين هذين العنصرين. وهو الصياغة النهائية والشكل الأخير لاتفاق هذين الشريكين على الصياغة النهائية للمولود الإبداعي وهكذا، فإن بين الذات والموضوع، علاقة جدلية قسرية لا بد منها لإتمام المهمة الإبداعية. حيث يؤثر كل منهما على الآخر بشكل متبادل، ويترك تأثيراً ما فيه.. فالموضوع يترك تأثيره في الذات، والذات تترك تأثيرها في الموضوع! ويبدو ذلك جلياً من خلال الصياغة النهائية للقضية، ومن خلال تسويتها في العمل الإبداعي نفسه.‏

إن تجربة الإبداع الفني الواحدة، والتي تنتج نصاً إبداعياً، لوحة، أو قصة، أو قصيدة، أو تحفة، تضاف بدورها لترفد -في محصلتها- الذات بخبرة جديدة وإغناء وتعميق جديدين، فتطور الفنان، وتؤهلّه في المرة القادمة لإعطاء رؤية أكثر عمقاً وأشد حرارة من وجهة نظره للعالم- كما تعطي صورته المقبلة بريقاً أكثر، وتكسيها الألوان الأزهى، وتضيف إليها المزيد من الحرارة والحميمية، إلى جانب ترويض النفس على الإبداع، مما يدفعها إلى المضي قدماً في محاولة استكشاف العالم الخارجي، وإدراك طبيعته بالحاح مطرد!‏

والمبدع -عموماً- هو ذلك الإنسان الذي يطور نفسه، ويتفاعل مع التجربة التي ترفع -في كل مرة- من درجة الحرارة في المواجهة المقبلة مع العالم، حيث تسمو هذه المواجهة لتصل إلى درجة التوحد التام بين الفنان وفنه! وربما بين الفنان وموضوعه ومحيطه.‏

وإذا آمنا بأن التجربة الفنية، هي محصلة التفاعل بين مدخرات الذات الإنسانية- بما لديها من مواقف وخبرات -مع المحيط، وهي ثمرة هذا التفاعل، فإننا نَخْلُص إلى أن هذه التجربة، تمثل رؤية الفنان الجديد للعالم. وقد جاءت هذه الرؤية نتيجة استفزاز (المثير) الخارجي، وتحدّيه -سلباً أو إيجاباً- لمكنونات الذات الإنسانية وتصدي هذه الذات- بمخزوناتها- لمعالجة مركبات هذا المثير، وطرحه أو الإيحاء بطرحه من جديد، كما ينبغي أن يكون عليه من وجهة نظر المبدع.‏

نحن إذن مع التجربة الفنية أمام محاولة لإعادة ترتيب الواقع (الخارج) من جديد من قبل الفنان فالشاعر الذي ينشد الحرية في قصيدته، يعي تماماً حقيقة القهر المحدق به في الخارج! وقد دفع به هذا (المثير) الاستفزازي السلبي، إلى التصدي لمركبات هذا الخارج، وفك عناصره وتركيبها من جديد! ويبدو الأمر أكثر جلاءً في النصوص المسطحة، حيث نرى المنتج الإبداعي يحاول إعادة ترتيب عناصر الخارج من جديد، فيضع الحرية مكان القهر، والشبع مكان الجوع! وربما يشتم الاستعمار والطبقات الاجتماعية ومسميات أخرى بفجاجة ليست أقل من فجاجة السياسيين المتخلفين مع فارق أنه صب مثل تلك المضامين المسطحة في (قوالب) فنية وليس عبر منشور سياسي.‏

فالفن إذن تجسيد ملموس ناتج عن مجموعة من عمليات الفكّ والتركيب، وتغيير المواقع في عناصر الخارج... حيث ينطوي العمل الفني عادة على تفكيك لعناصر الموضوع! أيّ (الخارج) بالنسبة لذات الفنان، وإعادة ترتيبها من جديد - بما يتناسب مع الرؤية الخاصة بالفنان- كما أشرنا.‏

ويمكننا القول: إن أي عمل فني شعراً كان أم نثراً.. رسماً أو نحتاً.. وحتى الموسيقى وغيرها من الفنون، تنطوي على عمليات الفكّ والتركيب هذه، والرغبة في صيانة عناصر الواقع.. وتنظيمها من جديد. ثم إضافة عناصر أخرى متخيله.‏

إن الفنان الإسباني (غويا)، بعد أن أُدخل أقبية محاكم التفتيش الكنسي، ورأى المشوهين والدماء والمنبوذين والمعتوهين، خرج لتوه يرسم الخيول الجامحة، والأفواه الفاغرة، والقبضات الملوّحة، والعيون المحملقة في الفراغ، موحياً بذلك للعالم الذي ينشده.. عالم الرفض والوعيد والثورة‍.. مستبدلاً الإشارات الكنسية المشروطة بفن ذلك العصر، بكل ما ورد‍‍!! لقد جحظت عيون لوحاته بعد أن كانت عيون أبناء القصر الجميلة! وارتفعت القبضات الضخمة المتحدية، بعد أن كانت أصابع رقيقة. ودوّت الأفواه المكمومة بالصرخات!!‏

باختصار، فإن العمل الإبداعي، ترجمة لموقف مبدعه يمثل بكل بساطة وجهة نظر المبدع في الموقع الذي توقف عنده النص الإبداعي من مجالات الواقع الغني.‏

إن مثل هذه القراءة، تُسقِط بالضرورة مقولة (أفلاطون) القديمة، التي تؤكد أن الفن ليس إلا محاولة لتقليد المحيط، ورسماً أميناً له!! إذ لم يكن الفن يوماً كذلك حتى في عصر (أفلاطون) نفسه!‍!‏

ولو أمعنا النظر فيما ذهب إليه (أفلاطون). لو جدنا أن الرجل نفسه، قد حاول التدخل في الواقع وزحزحته عما هو عليه، حين حاول في (جمهوريته) أن ينظّر. لمجتمع الرق المتطور نسبيا في (أثينا). ولكنه فشل كما فشل كل المثاليين من بعده، لأن الولادة لم تستكمل شروطها المادية التاريخية ولأنهم ظلوا يعتقدون أن الفكر يسبق التغير الاجتماعي ويُمهّد له. ونسوا أن الفكر أساساً ثمرة الواقع المادي، وأن التغيير الفكري يتأخر عادة عن التغيرات الاقتصادية الاجتماعية، التي تملي وضعا مستجداً مستمر الحركة، يستحيل معه استمرار الفكر القديم ويصبح من الضروري أن يستجد في المجتمع فكرٌ جديدٌ لمواكبة الواقع المادي المتحرك، رغم أن الأفكار القديمة تصرُّ على البقاء أحياناً، مع انتفاء أيّ أساس مادي يحمي استمراريتها، ولكن إلى حين..‏

والمبدع إنسان يعيش في مجتمع متحرك تتصارع فيه أفكار ونماذج وقيم واتجاهات وطبقات وشرائح..‏

إن صراع المركّبات الاجتماعية يتبدى للفنان حينما نظر إلى الجسد العام لأي تشكيلة اجتماعية استغلالية تناحرية عبر التاريخ، ولا داعيَ لأن ينظر الفنان إلى غير نفسه ليرى ذلك. يكفي أن يقيّم الأمور من خلال وضعه كمبدع.. ففي المجتمعات الرأسمالية (أحدث المجتمعات الاستغلالية وأرقاها بعد الرق والاقطاع) يرى الفنان نفسه على الطبيعة كيف يتحول فنه الهدف إلى وسيلة. فالمبدع الذي يشبه حاله حالة دودة القزّ التي تفرز الحرير من فمها !! إنها تفرزه لأن هذه هي حالتها، وطبيعتها، وهي لا تستطيع إلا أن تفرز -لا تعرف من سيلبس هذا الحرير؟ وبكم سيباع؟ ومن الذي سيشتري- تخضع مادة إبداعه تماماً لظروف السلعة وتقلبات السوق واحتكار المحكترين. فمسرحيته تخضع للعرض والطلب، ولوحته كذلك، وأغنيته،وقصيدته، وروايته، وفيلمه، ولن يتم ترخيصها أو طباعتها أو تسويقها أو ترويجها أو تبنيها ، وحتى لن يقبض حصته من ريعها، إلاّ بقدر ما تستجيب للوفاء بمتطلبات السوق وذوق المحتكرين والمستفيدين والاستجابة لمتطلبات الثقافة السائدة (السيّدة) ولن يستطيع أن يحرر فنه ويسمو بإبداعه خارج المؤثرات المادية التي تعكس الفكر الاجتماعي السائد والثقافة السائدة، إلاّ إذا تخلّص من منطق التعامل مع فنه على أنه سلعة سوق اجتماعية!! ولهذا فإن تاريخ تطور الفن والإبداع العالمي، هو تاريخ صراعه مع معيقات تحريره وخروجه من عباءآت الثقافات والأنماط الاجتماعية الحاضنة.‏

ولقد حاولت الاشتراكية كنظام اجتماعي ثوري تحرير الفن والفنان من عبودية السوق الاستغلالي والثقافة الاستغلالية، لكنها ما لبثت أن عادت لامتطاء الفنان وفنه من جديد في مناخات الحرب الحامية في الأجواء الدولية حين طالبت بالالتحاق بمنظومة أسلحتها الأيديولوجية.. وهكذا خسر المبدع انعتاقه الإبداعي في غياب النمط الاجتماعي الاستغلالي. وخسر فرصته التاريخية. أما الرأسمالية فإنها تجرد الفنان من حريته، رغم الأكذوبة الكبرى التي تلفقها كشعارات لهذه المجتمعات وهي (الحرية) في مواجهة الالتزام الاشتراكي الذي حاول استثمار الإبداع هو الآخر.. فالعامل (الحر) والفنان (الحر) والفلاح (الحر) والمفكر (الحر). يصبحون جميعاً أمام السوق ومتطلباته، وأمام مبدأ الربح، ومقتضيات الترويج ودور النشر والعرض والطلب والرقابة وضغط الفكر والثقافة السائدين، عبيدا للتاجر (الحر) ويتحول عمل الفنان إلى سلعة يهم التاجر ترويجها وتحقيق الربح من ورائها.‏

إن عبودية الفنان التي تسعى لاستغلال نصه واستثماره في المجتمعات الاستغلالية لا مجال لاخفائها. ولم يحدث أن نَصَبَتْ الرأسمالية للفنان تمثالاً أوسمّت مدينة باسمه، إلا بقدر ما ترك وراءه من أملاك وأموال ومصالح ومؤسسات. أو، لأن التطور فرض على الواقع إحياء هذا الفنان الذي طالما صوره في حياته أو لأن رؤآه كانت تسبق عصره. فحين تمّ التقدم، وحدثت المعجزة وتحققت النبوءة، بُعِث من جديد بعد محاربة وتشكيك. أما الفنانون الكبار في مجتمع الرأسمالية، فيظلون كباراً طالما استمروا يحققون الربح لأصحاب المسارح ودور النشر وصالات العروض.. وعندما ينتهي دورهم، يحالون إلى التقاعد بكل قسوة. ويُستغلون في الدعاية والإعلان من خلال ظهورهم على شاشات التلفزيون، وهم يشربون (البيبسي كولا)، ويحلقون ذقونهم بمبتكرات التكنولوجيا العصرية!! ويرشون على أنفسهم العطور الفاخرة ويروجون للمولينكس وسائر مبتكرات فرم اللحوم بما فيها اللحم البشري وليس ثمة إذلال أكثر من هذا.‏

إن الفنان الذي يتحدث عن الحرية في المجتمع الرأسمالي ويتبجح بها، إنما يكذب على نفسه في حقيقة الأمر، لأنه لا يعدو عند اشتداد وتائر الإتجار- منتجاً عادياً يعتاش من وراء إبداعه الذي يلبي متطلبات السوق. وبمثل هذه الصراحة، يكشف (بيرانجيه) شاعر الجماهير الفرنسية، والذي قيل عنه: (إنه الخالد إلى الأبد، لأنه الذي تغنى بتحالف الشعوب، وأن الشعب الفرنسي يحق له أن يفخر به.. يقول (بيرانجيه):‏

(إني لا أعيش لكي أكتب الأغاني‏

وإذا ما نازعتني يا سيدتي مكاني‏

فلسوف أكتب أغانيَّ لأعيش).‏

ولعمري فإن هذه العبارات الصادقة، تكشف بمرارة عن طبيعة المعركة التاريخية التي يخوضها الفعل الإبداعي بصدد تحرير نفسه من الاستغلال. ورغم أن طبيعة الفنان مستمرة، تلك الطبيعة التي لا يستطيع معها إلا أن يبدع، رغم كل الظروف، ولكنها في الوقت نفسه، تطرح مسألة تحرير المبدع وإبداعه، وتؤكد أن تحرير الإبداع لا يتم إلا بتحرير المبدع ولن يكون ذلك إلا باختفاء العوامل المناهضة للإبداع عموماً. حيث لا يعود المُنْتَجُ الإبداعي يخضع لفرص العرض والطلب والاتجار والاستحواذ الأيديولوجي!! ولن يتم إلا بتحرير الإنسان عموماً من سطوة رأس المال الحرّ أولاً، أو الاستحواذ (الثوري) الاشتراكي للفنان ثانياً، وتوقفه عن مطالبته الانضمام إلى منظومته الأيديولوجية في صراعه مع خصومه الطبقيين لأنهم بهذا الطرح إنما يكذبون على المبدع، ويعيدون القيود إلى يديه من جديد.. عبر الطرح الواقعي والاشتراكي الساذج، الذي ساد في عقود سابقة واستثمر كافة طاقات المبدعين، بعيداً عن أية مؤثرات ناتجة عن محبطات طبقية.‏

إن الثقافة السائدة كائنة ما كانت، لا بد أن تنيخ بثقلها كوجود اجتماعي مادي ضاغط على المبدع، وتتربّع في كيانه الاجتماعي والإبداعي بهذا القدر أو ذاك، شاء المبدع أم أبى، معبّرة عن نفوذها كبناء فوقي يستجيب لطبيعة البنية التحتية للمجتمع.. ولهذا، فإن نصوص البدعين عبر التاريخ، لا تخلو من هذا القدر -من الممالأة أو الركوع والنفاق الاجتماعي- أو ذاك.. ولهذا تخلد لنا من النصوص عبر تاريخ الإبداع البشري ما جاء منها في لحظات العناق المحايد للمبدع مع بشريته خارج أشكال الاستلاب والاستقطاب الاجتماعي. وتلك هي اللقطات الخالدة التي تركت نصاً خالداً أيضاً.. أما الكثرة الكاثرة من النصوص، فتدخل في باب تأريخ الأدب. إذ يمكننا من خلال فحصها وامتحانها وتحليلها، أن نتحدث عن جوانب تكشف لنا عن أشكال عبودية المبدع وإبداعه عبر الأنماط والتشكيلات الاجتماعية في الحضارة البشرية، ومن خلال القيم الجمالية والمضمونية التي ينطوي عليها النص الإبداعي، نتحدث أيضاً عن قوانين علم الجمال والمجتمع، ونشير إلى القيود الداخلية وغير المعلنة، التي قيدّت النص وحالت دون عناق المبدع بشريته، ليترك وراءه النص الخالدَ المتخلص من أية قيود تمليها طبيعة التكوين الاجتماعي.‏

بعد تلك الجدليات التي أشرنا إليها، هل بقي بمقدورنا القبول بمناهج تلك المدارس التي تعتمد التفكيك والتجزئة لدى وقوفها على النص الإبداعي، وتجاهلها لتلك الجدليات التي يقوم عليها النص، وهي تفصل بينه وبين مبدعه وبين المبدع ومحيطه الاجتماعي في الزمان والمكان، بحثاً عن اكتشافات جديدة والأدهى أنها تتوقف عند تلك المهمات التفكيكية الأولية، ولا تواصل خطوة إلى الأمام، وتزعم أن ذلك العلمُ كلُّه..‏

إن التطور التقني الذي حققه النظام الرأسمالي، يساهم في تسريع دفع الأوضاع العامة في مجتمعات العالم كافة، إلى مزيد من التأزم. لأن هذه التقنية تسهل على الرأسمالية سبل الاستغلال والاستعباد للقوى المنتجة، بما يجعل البشرية جمعاء، في وضع مقلق ملغوم. ولهذا جاز لـ (ماياكوفسكي) أن يصرخ بأعلى صوته: (ما لم نلجم هذه التكنولوجيا بكابح أخلاقي، فلسوف تلحق هذه التكنولوجيا الأذى بالجنس البشري كافة، وسيكون من الصعب أكثر لجمُ العلم بمثل هذا الكابح الأخلاقي. فالعلم نفسه عليه إدراك مدى الخيار الأخلاقي في كل موقف يقرره)..‏

إن الإبداع كفلسفة في حيويته ومسؤوليته.. كلاهما وجهة نظر إلى العالم، ورأي وموقف في مركبات الخارج! وليست مهمة الفنان رصد الواقع الخارجي وتصويره كما هو عليه، بحيث يظل فوتوغرافيا، يرسل ويستقبل بفتور يشبه بلادة البقر.. ويهدر دور الذات في هضم الموضوع الخارجي، ومعاينته ومعايشته ومعاناته، والمساهمة بفك وتركيب عناصره من جديد، ومن ثم، دفعة عبر العمل الفني.‏

إن سر الإبداع الفني، يكمن في عملية الفن والتركيب هذه. حيث تتجلى بوضوح صلة الفنان بموضوعه كما تتجلى وجهة نظره وآراؤه في العالم الخارجي، من خلال تحطيمه لنظام عناصر هذا العالم، وإعادته صياغتها من جديد.. ومن خلال الصياغة النهائية. نحاكم المبدع أي من خلال إبداعه الذي يكشف عن فهمه الخاص لطبيعة الصراع بين الخير والشر لأن النص الإبداعي موقف صانعه وصورةٌ عن نظرتة لبشريته..‏

وهنا نقف عند حقيقة موضوعية وهي: أن (المثير) الخارجي، أي الموضوع- قبل تدخل المبدع فيه- لا بد أن ينطوي على استفزاز وتحدّ ما لذات المبدع. وغالباً ما يكون الموضوع الخارجي في وضع غير ما ينبغي أن يكون عليه- من وجهة نظر المبدع- مما يشكل دافعاً أكيداً لعنايته به. ومعالجته إياه وإبداء الرأي فيه.‏

وقد يكون المثير الخارجي مركّبا بشكل مقبول لدى المبدع.. بمعنى أنه لا ينطوي على مثير سلبي، يستدعي من الفنان إعادة النظر بصياغة هذا (المركب).. وعندها يأتي احتفاء الفنان بهذا الوضع بنتيجة الإعجاب الذي يعتبر استفزازاً إيجابياً لذاته.‏

إن تناسق وترتيب وتضافر عناصر الواقع (الموضوع الخارجي). التي تشاركت جميعاً وتعاونت لصياغة الوضع الرائع، هي (المثير) في هذه الحالة. إن وقوف الفنان عند هذه الروعة يضعنا أمام احتمالين: فإما أن نكون أمام فنان فوتوغرافي يكرر لنا صياغة وضع جميل -كما هو موجود خارج الفنان -أو أن نكون أمام مبدع يؤكد لنا من جديد هذا التناغم والترتيب والتناسق الرائع فيما بين عناصر الموضوع، ويعرض بالرفض والإدانة والتعرية لأي موضوع مغلوط آخر..‏

ويأتي تفكيك عناصر الخارج من قبل الفنان، وعدم طرحها كما هي عليه، اصراراً على ضرورة إجراء تغيير ما في الخارج.. وهذا بالتالي، يتضمن محاولة وضع الأمور في نصابها، وقلبها على رجليها بدلاً من رأسها حسبما يرى الفنان كما يتضمن تصدياً حقيقياً، لما يحتوي عليه الخارج من اختلالات في مجمل تركيبه. إضافة إلى ما تعنيه عملية الإبداع الفني عموماً بالنسبة للفنان. من معاني الاهتمام والمسؤولية تجاه ما يدور حوله. فالإبداع الفني ينم والحالة هذه عن سلوك الفنان الجاد في معالجة ما يراه مغلوطاً، أو مختلاً أو سليماً يجب التأكيد عليه والتعريض بنقيضه، وهكذا يأتي النص الإبداعي ليعكس نظرة المبدع المحددة إلى العالم، في عملية تشكل محاولة لإعادة الاتزان والتوازن، لكل من المبدع وموضوعه.. فالمبدع يعيد لنفسه التوازن وهو يفرغ في التجربة الفنية كل أفكاره وهمومه وأحماله وتوتراته.. لأن الإبداع الفني عملية اعتداء مشروعة من قبل الفنان على الخارج. وإن جاز لنا استعمال التعبير السيكولوجي، فإن الإبداع عدوان بمعناه الواسع، والذي يعني (سلوكاً نشطاً فعالاً، تهدف العضوية من ورائه إلى سد حاجاتها الأساسية، أو غرائزها، وتنحية كل ما قد يحول دون تحقيق اتزان الذات! ذلك أن هذا الذي سميناه (عدواناً)، يعود في أساسه إلى صراع طرفاه الفنان والمحيط، يعقبه انفعال فاحباط فقلق لا يهدأ إلاّ بتنفيذ ذلك العدوان الأخلاقي الذي يمارسه المبدع من خلال النص الإبداعي.‏

أما كيفية تنفيذ هذا العدوان المشروع، فيتحكم فيها عاملان: داخلي وخارجي. أما الداخلي فيعود إلى المهارة والاحتراف والدربة وتوفر الأدوات التعبيرية. وهي مسألة ذاتية خاصة تتوقف على الفنان نفسه وأما الخارجي، فهو الحاضنة الاجتماعية والثقافية التي تحتضن النص الإبداعي بما لديها من مواقف مسبقة تجاه الموضوع، وحسب معطيات الزمان والمكان والمستوى الحضاري الذي يستقبل النص الإبداعي.. ولأن الزمان والمكان متحركان لاثابتين عند موقع معين من مواقع التاريخ، فإن علم الجمال متطور متحرك هو الآخر، ومقاييس الجمال كذلك، فهي محكومة بحركة المجتمع.. وحركة المجتمع ومزاجة محكومان بمستوى التطور الاجتماعي ودرجة انضباطيه رأس المال الأخلاقية، فهو الذي يحدد مدى ديمقراطية الخطاب الثقافي عبر النص الإبداعي، وهو الذي يحدد درجة وقوع النص الإبداعي، تحت هيمنته ونفوذه، كما يحدد بحسب المرحلة التاريخية -قدرة النص الإبداعي على التحرّر من شروط استثماره والخروج من منطق السوق الطاغي للرأس مال الاستثماري، الذي وسع ميادين استثماره حتى شملت الإبداع، وأصبح النص جزءاً منها.‏

تلك هي جدليات النص الإبداعي، وذلك هو تاريخ معاناته.‏
رد مع اقتباس
قديم 10/2/2009, 11:54 AM   رقم المشاركة : ( 2 )
هشام زايد
صديق المهندسين

الصورة الرمزية هشام زايد

الملف الشخصي
رقم العضوية : 112242
تاريخ التسجيل : Aug 2008
العمـر :
الجنـس :
الدولـة : البحــــيرة
المشاركات : 3,022 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : هشام زايد يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

هشام زايد غير متصل

افتراضي رد: جدليّات النص الإبداعي

تسلم ايدك غاليتى
توقيع » هشام زايد

 

  رد مع اقتباس
قديم 10/2/2009, 05:21 PM   رقم المشاركة : ( 3 )
alimahmed
مـهـند س مـاسـي

الصورة الرمزية alimahmed

الملف الشخصي
رقم العضوية : 42639
تاريخ التسجيل : Dec 2006
العمـر : 38
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 4,496 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 60
قوة الترشيـح : alimahmed يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

alimahmed غير متصل

افتراضي رد: جدليّات النص الإبداعي

مشكوررررررررررررررة يا غاليه
توقيع » alimahmed
فارس بلا جواد فى زمن الاهات تخونة حبيبتة بارخص ثمن لاهثة وراء الراحة تاركة حبيبها يعانى من الالم فاصبح فارس بلا سيف ولا جواد

 

  رد مع اقتباس
قديم 12/2/2009, 01:12 PM   رقم المشاركة : ( 4 )
عمرالفولي
مـهـند س مـاسـي

الصورة الرمزية عمرالفولي

الملف الشخصي
رقم العضوية : 58139
تاريخ التسجيل : Apr 2007
العمـر :
الجنـس :
الدولـة : سوهاج،،،،مصراوى
المشاركات : 3,307 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : عمرالفولي يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

عمرالفولي غير متصل

افتراضي رد: جدليّات النص الإبداعي



مشكووووووووووووووووورة
سلمت يداك واصلى ابداعك
توقيع » عمرالفولي





تكلمت كثيرا فندمت


واما عن السكوت فلم اندم قط

دعوته فرزقني

وشكرته فذادني

الدنيا مسألة ...... حسابية..... خذ من اليوم......... عبرة


ومن الامس ..........خبرة..........واطرح منها التعب والشقاء

واجمع لهن الحب والوفاء..........واترك الباقى لرب السماء

 

  رد مع اقتباس
قديم 5/7/2011, 07:19 AM   رقم المشاركة : ( 5 )
الكنج ميدو
مـهـند س مـمـيـز

الصورة الرمزية الكنج ميدو

الملف الشخصي
رقم العضوية : 161949
تاريخ التسجيل : Jul 2009
العمـر : 33
الجنـس :
الدولـة : مصر المنوفيه شبين
المشاركات : 825 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : الكنج ميدو يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

الكنج ميدو غير متصل

افتراضي رد: جدليّات النص الإبداعي

  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:03 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Google Adsense Privacy Policy | سياسة الخصوصية لـ جوجل ادسنس

الساده الاعضاء و زوار منتديات المهندسين العرب الكرام , , مشاهده القنوات الفضائيه بدون كارت مخالف للقوانين والمنتدى للغرض التعليمى فقط

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

^-^ جميع آلمشآركآت آلمكتوبهـ تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكلـ من آلأشكآل عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى ~