ماشاء الله تبارك الله ماشاء الله لاقوة الا بالله , اللهم اني اسالك الهدى والتقى والعفاف والغنى
" قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ *مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ". صدق الله العظيم
الساده الاعضاء و زوار منتديات المهندسين العرب الكرام , , مشاهده القنوات الفضائيه بدون كارت مخالف للقوانين والمنتدى للغرض التعليمى فقط
   
Press Here To Hidden Advertise.:: إعلانات منتديات المهندسين العرب لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم الشكاوي ::.

 IPTV Reseller

  لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم طلبات الاعلانات اسفل المنتدى لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم طلبات الاعلانات اسفل المنتدى لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم طلبات الاعلانات اسفل المنتدى

Powerd By : Mohandsen.com

العودة   المهندسين العرب > المنتدى الادبى > المنتديات الادبيه العامه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 9/2/2009, 01:44 PM
الصورة الرمزية جنات فلسطين
 
جنات فلسطين
بـاشـمهندس

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  جنات فلسطين غير متصل  
الملف الشخصي
رقم العضوية : 136480
تاريخ التسجيل : Dec 2008
العمـر :
الـجنـس :
الدولـة :
المشاركـات : 62 [+]
آخــر تواجـد : ()
عدد الـنقـاط : 10
قوة التـرشيـح : جنات فلسطين يستاهل التميز
افتراضي الحكاية في الشعر الحديث


الحكاية في الشعر الحديث

إذا كنا نقول: "لكل شيء بداية ونهاية، أفلا نستطيع أن نردف ولو من قبيل التسجيع على الأقل: "ولكل شيء حكاية"؟

لكننا لن نطرح المسألة من قبيل التسجيع، فالأمر في منتهى الجد.

بلى... لكل شيء حكاية، والمسألة أرحب وأعمق من أن تحصر أو تحدد، وهي لهذا تحديداً واضحة جداً وبسيطة....

فللفلسفة حكايتها، وفي الحكاية شيء من الفلسفة

وللتاريخ حكايته وفي الحكاية شيء من التاريخ.

وللتصوير حكايته وفي الحكاية شيء من التصوير.

ونوجز فنقول: للكون حكايته، وفي الحكاية صور للكون بكل علومه، وفنونه، وكائناته، وكواكبه..

قد يقول قائل: هذه مبالغة، فثمة أشياء وعناصر، بل ثمة كواكب ومجرات بأسرها لم تكتشف بعد ولا نعرف عنها شيئاً.

وهذا صحيح لكنه....لا ينفي أن تكون لهذه الأشياء والعناصر والكواكب والمجرات جميعاً حكاياتها التي لم نكتشفها بعد... ولقد اكتشفت البارحة هذه الحكاية:

في ليالي الصيف الصافية تتمرأى النجوم بمياه الغدير، تمر ريح عابثة على صفحة الغدير، يتجعد خد الماء ويرتعش، ترتعش النجوم وتضطرب، ثم تعود للنجوم ابتسامتها.

وتتكرر الحكاية.. ومن له اذنان للسمع فليسمع!

وتنداح الحكايات على امتداد الكون، بل هو الكون بأسره حكاية مستمرة تحكي أخبار الأشياء التي تولد والأشياء التي تموت، إن كان في الكون مايولد وما يموت، وقد يتاح لنا أن نسمع بعض الحكايات، ولكن مالا يتاح لنا أن نسمعه أكثر مما يتاح لنا.

أما كيف يحكي الكون حكاياه فتلك مسألة أخرى، فقد تكون العلوم والفنون والفلسفات المظهر الخارجي لجوهر الحكاية...

وإذا كنا لا نعرف كيف، فهل يحق لنا أن ننفي الواقعة؟

إن الأشجار تنمو كل يوم والثمار تنضج فمن رأى الشجرة وهي تنمو، أو الثمرة وهي تنضج؟

بلى، بلى، لقد وجدت الحكاية مذ وجد الإنسان وستبقى مابقي الإنسان....

وما عمر الإنسان؟ لقد رافقت الحكاية الكون منذ الأزل، وسوف ترافقه إلى الأبد..

فكيف نبدأ حكاية الحكاية؟

تقول إحدى الحكايات: إن أحد الملوك طلب يوماً من مؤرخي مملكته أن يكتبوا له حكاية الإنسان على الأرض فانطلق العلماء وراحوا يؤلفون المجلدات الضخمة، وبعد سنوات عديدة رجعوا إليه بجمال تحمل ماكتبوا فقال لهم الملك:

تقدمت بي السن فكيف أقرأ هذه الكتب كلها، ألا أوجزوا مافيها وعودوا إليَّ.

ورجع العلماء من حيث أتوا وعملوا سنواتٍ عديدة على اختصار الكتب الكثيرة في كتاب واحد.

وكان الكتاب كبير الحجم فطلب الملك اختصاره، وراح العلماء يعملون جادين على اختصاره.. لكن الموت لم يمهل الملك...

وبينما هو على فراشه دخل عليه أحد الحكماء وانحنى أمامه وقال:

- هل ألخص لك يامولاي سيرة الإنسان على الأرض؟

أشار الملك برأسه الموهن أن افعل.

قال الحكيم: ولد، وعاش، ثم مات، تلك الحكاية يامولاي...

ابتسم الملك الشيخ راضياً ثم أغمض عينيه إلى الأبد.

ذكرتني هذه الحكاية قصيدة لشاعر الحداثة المعروف أدونيس:

تقول الحكاية- القصيدة:

لأنني أمشي

أدركني نعشي

وإذا كان أدونيس قد أوجز هنا ولم يُخرج إيجازُه الرائعُ الحكاية عن كونها حكايةً فقد أطال وأسهب في أماكن أخرى من شعره، وليست قصيدته "الصقر" الحكاية الطويلة الوحيدة في ذلك الشعر.

والحكاية موجودة في الشعر قبل أدونيس ورعيله وسوف تبقى بعده وبعدهم، فهل نبدأ سفرنا مع الشعر والحكاية؟

هل نبدأ بملحمة جلجامش، أو الإلياذة؟ نحن نعلم أن الحكاية قد وجدت قبل هذه وتلك، وليس في ذلك شك، المسألة هي: هل يخفى على أحد السلك الذي هو المحور الناظم لهاتين الملحمتين، سلك الحكاية؟

ونصل إلى الجاهلية العربية ونقف مع الحطيئة قليلاً فيتلو علينا:

وطاوي ثلاثٍ عاصبِ البطنِ مرملٍ

ببيداء لم يعرف بها ساكن رسما




فنجد أنفسنا أمام حكاية "تامة الأركان" ولكنها نظمت فصارت شعراً...

وقد يخطر لزاعم أن يزعم أن من الطبيعي أن تكون الحكاية بارزة القسمات والملامح في شعر الحطيئة وامرئ القيس وعنترة وسواهم لقرب عهدهم بزمن ازدهار الحكاية، ثم إن هذه القسمات والملامح قد اختفت أو تلاشت، أو هي تختفي و تتلاشى مع انسياب الزمن بعيداً.. وأنّى للحكاية أن تجد مكاناً في زمن الكمبيوتر؟

ونتابع خط سير الشعر العربي، والعالمي في حدود اطلاعنا على خط تطوره التاريخي فنجد أن ملامح الحكاية قد تختفي حيناً ولكنها لا تتلاشى، ثم نراها في الفترة الزمانية ذاتها، ولدى شاعر بعينه تقفز إلى السطح وتبدو واضحة كل الوضوح... فوضوحها وغموضها، وبروزها واختباؤها يرجعان إلى عوامل ذاتية، مرتبطة بطبيعة هذه القصيدة أو تلك ولا رابطة مباشرة تربطها بالزمن، وفي شعر أبي تمام أمثلة كثيرة على ذلك وهي تكون شديدة الوضوح في قصيدته "السيف أصدق أنباءً".

لن نقف طويلاً مع المتنبي الذي حكى لنا حكاية بدر بن عمار الذي "عفّر الليث الهزبر بسوطه" وحكايات البطولة في معارك سيف الدولة وصولاً إلى الزمن الكافوري... وقد يكون يسيراً تجاوز رؤية الخيل وهي تدوس "الوكور على الذرا" بسيف الدولة حتى:

إذا زلقت مشيّتها ببطونها

كما تتمشى في الصعيد الأراقم




أما أن نتجاوز حكايته الرائعة التي حكى فيها حكاية الإنسان في زمنه وفي كل الأزمنة فأمر في منتهى العسر:

كلما أنبت الزمانُ قناةً

ركبَّ المرء في القناة سنانا


ومرادُ النفوس أحقرُ من أن

نتعادى فيه وأن نتفانى


غير أن الفتى يلاقي المنايا

كالحات ولا يلاقي الهوانا.




قد يعترض معترض فيقول: المتنبي هنا يعرض فلسفة الحياة وأنت تزعم أنه يحكي حكاية.

وإنني لأزعم أكثر من ذلك، فالفيلسوف الذي يلبس فلسفته ثوب الحكاية قد يقدم لنا مادة جافة ليست بالفلسفة الجيدة، ولا بالحكاية الجيدة... أما حين تنبثّق الفلسفة من نسيج الحكاية الحي، من لحم الحكاية ودمها، فإننا نكون أمام الفلسفة والحكاية في أحسن صورهما... فانبثاق الفلسفة من الحكاية لا يعني انفصالها عنها.

قد يكون أساس مسألة الفن هو شعورنا الملّح بأننا محتاجون إلى أن نحكي، أن نقول شيئاً... وحين نسأل كيف؟ تولد مسألة أجناس التعبير، فتكون القصيدة، أو الرواية، أو المسرحية، أو اللوحة‍‍‌!

أجل، حتى اللوحة... فاللوحة التي لا تقول شيئاً قد تكون الأفقر فناً.

وأمرُّ مستعجلاً بحكايات ابن الرومي في شعره، ويتلفت قلبي مع قلب الشريف الرضي وهو يحكي أو ينشد:

ولقد مررت على ديارهم

وطلولها بيد البلى نهب....


وتلفتت عيني فمذ خفيت

عنّي الطلول تلفت القلوب




ثم أصل إلى عهد النهضة لاقف عند مسألة طرحها نفر من دارسي الأدب، وكادوا يجمعون على صحتها، وهي أن من عناصر التجديد في شعر خليل مطران نظمه الشعر القصصي، وقد عنوا بذلك تلك القصص التي صاغها خليل مطران بأسلوب قصصي ظاهر مثل "فتاة الجبل الأسود" وغيرها.

إن تلك القصص، على جمالها، وقد أكسبتها الجمال موهبة خليل مطران، لا كونها قصصاً، هي من أقل قصائده قيمة فنية من الناحية القصصية والتجديدية (أقصد قصائده الجيدة) ولعل أجمل حكاياته أو قصصه، إن شئتم، هي تلك التي حكاها بالطريقة غير المباشرة، والقصائد التي تشهد بذلك أكثر من أن تحصر... فمسألة التجديد والحداثة ليست في غياب الراوي أو حضوره على المسرح، وليست في موضوع القصيدة، بل في بنيتها... وكثيراً ما اعتبر النقاد غياب الراوي خيراً من حضوره.

ونصل إلى القصيدة الحديثة، فما صلة الحكاية القديمة قدم العالم بها؟ إن بعضاً ممن يفلسفون الحداثة يزعمون أنها انفصام كامل عن كل ماسبقها، والانفصام بين شيء وآخر يعني وجود فراغ بينهما، وهذا يعني أن فراغاً قد نشأ بين مرحلتين من مراحل التطور، ولا فراغ في الطبيعة، فهل الشعر غير الطبيعة؟ أو هل الشعر لا يخضع للقوانين التي تخضع لها الطبيعة؟ وهل ثمة مكان للفراغ في التطور الشعري؟

قد ترى جماعة في ربط الشعر عامة والشعر الحديث خصوصاً بالحكاية حطاً من مكانة الشعر، والشعر "ديوان العرب" قديماً، وهو اليوم روح جمال الكلمات التي تجوب العالم مكافحة في سبيل إنقاذه من القبح.... أنا لا أرى في ربطه بالحكاية حطاً من مكانته بل إعادته إلى النبع ونفياً للانفصام في ثقافات الأمم، وللفراغ في تطور الفنون. أنا أعرف أيَّ ثورة أحدثت الحداثة في بنية القصيدة العربية. وما قصدت إلى التشكيك بضرورتها ولا إلى التقليل من قيمتها، كل ماقصدت إليه هو أن ألفت النظر إلى مسألة، قد يكون الالتفات إليها كابحاً لشيء من الشطط الذي يظهر هنا أو هناك أحياناً.

أشرت، بداية، إلى عناصر من الحكاية في شعر واحد من كبار شعراء الحداثة. فهل كان ماذكرته استنثاء في شعره؟ ألا مثيل له في قصائد الآخرين؟ بل الأمثلة كثيرة.

قيل منذ القدم " في البدء كانت الكلمة"... وأزعم: "في البدء كانت الحكاية"... ولا أرى تناقضاً في الجوهر... فالكائنات كلها تحكي وإن كانت لا تتكلم، ولقد حكى الإنسان قبل أن يتعلم الكلام، وقد نحكي حتى اليوم أجمل الحكايات، أو أخطرها من غير أن نتكلم... إن للجسد حكايته.... وقد تكون أفصح من حكايات تحكى بالكلمات...

وقد يكون أجمل مافي الشعر مالا نقوله بل نومئ إليه وتبقى الحكاية حكاية في كل حال.

وشعراء الحداثة لا يحكون لنا الحكايات الحديثة وحسب بل نراهم في أحيان كثيرة يحيلوننا إلى الحكايات القديمة ليشرحوا لنا بها أو عن طريقها حكايات عصرنا.. ولقد صار ظاهرة بارزة اتكاء الشعر الحديث على الحكايات والأساطير العربية والعالمية وعلى الفلكلور عامة.

قد يكون مثال السياب هو المثال الأوضح في هذا المنحى، لكن أحداً لا يستطيع أن يزعم أنه المثال النادر: فالجميع، من غير استثناء، قد فعلوا ذلك، وإلى هذا الحد أو ذاك، وسأبدأ بشعر السياب.

بين يدي ديواناه "أنشودة المطر" الصادر عن دار مجلة شعر في بيروت عام 1960، و"المعبد الغريق" الصادر عن دار "العلم للملايين" في بيروت عام 1962.

في"أنشودة المطر" يتكئ اتكاء مباشراً على الأسطورة وفي "المعبد الغريق" ينقل لنا الإحساس الشعري بالأسطوري، وفي الكتابين يحكي لنا حكايته مع الحياة، وقد يكون من أبرز سمات شعره أننا نرى شيئاً من سيرته الذاتية في كل ماكتب.

سأبدأ بقصيدة السياب الأولى في "أنشودة المطر" وعنوانها "غريب على الخليج"، وسأقف وقفات قصيرة عند قصائد أخرى إلى أن أصل إلى حكاية "المومس العمياء" إذ أن الوقوف طويلاً عند كل قصيدة سيجعل الموضوع أكبر من الكتاب حجماً.

أسلوب الحكاية هنا يكاد يكون تقليدياً، والسياب أحد الشعراء الذين أتقنوا فن الرواية، وإتقانه لهذا الفن لا يلغي الأسلوب التقليدي بل يغنيه.

الريحُ تلهثُ بالهجيرة، كالجثام، على الأصيلِ

وعلى الثلوج تظل تطوى أو تُنشّر للرحيلِ

ثم يقول:

جلس الغريب، يسرح البصر المحيَّر في الخليجِ

ويهدُّ أعمدة الضياء بما يصعّد من نشيج:

"أنشودة المطر " ص 11.

ثم يحكي لنا كيف صار يرى العراق في كل شيء، وكيف صار يسمع اسم العراق في هدير البحر، وفي صراخ الريح والموج وكل ذي صوت حوله.

وحكاية الاغتراب عن العراق تستدعي حكايات القرية التي اغترب عنها، فها هو ذا صوت أمه ووجهها، وهاهو ذا النخيل المكتظ بالأشباح، والمفلّيه العجوز تحكي حكاية "حزام" وحبه لعفراء... ونرى تنورهم الوهاج "تزحمه أكف المصطلين، وحديث عمتي الخفيضَ عن الملوك الغابرين" (ص12).

ويحكي لنا حكاية شوقه، ويستخلص منها هذا السؤال:

أيخون إنسان بلاده؟

إن خان معنى أن يكون، فكيف يمكن أن يكون؟

ألشمس أجمل في بلادي من سواها، والظلامْ

- حتى الظلام- هناك أجمل، فهو يحتضن العراق.

(أنشودة المطر ص 14).

ويحمل تربة الوطن الحبيبة "فأنا المسيح يجر في المنفى صليبه". ويواجه احتقار الآخرين له وإشفاقهم عليه ثم يصور لنا الحلم بالعودة ثم يحبط الحلم:

" واحسرتاه ... فلن أعود إلى العراقِ!

وهل يعودُ

من كان تُعْوزُه النقود؟ وكيف تُدّخرُ النقودُ

وأنت تأكل اذ تجوع؟ وأنت تنفق مايجودُ

به الكرام، على الطعام؟

وفي "مرحى غيلان" نسمع حكاية ظله الممتد حين يموت، وميلاد عمره الجديد... ونرى الغد يورق في دمائه!

أما "أغنيه في شهر آب" فهي حكاية مرجانة الفقيرة وسيدتها الغنية، هي اختصار لكل الحكايات التي تحكي قصة "النهار المسدود" حيث "الذئب يدّثر إنسانه"، و"الضيفة تضحك وهي تقول: خطيب سعادْ جافاها، وانطوت الخطبة! الكلب تنكر للكلبة..."

وتتوالى الحكايات "المخبر" "عرس في القرية" "مرثية الآلهة" "من رؤيا فوكاي" وفي كل منها حكايات صغيرة تغني موضوع الحكاية الأساسية، فكأنها الجداول تصب في مجرى النهر فتزيده عنفاً...

في "قافلة الضياع"، نسمع حكاية المشردين وضياع الأمل.. ويتكرر السؤال القديم:

"قابيل، أين أخوك؟ أين أخوك؟" .....ويجهض الليل "

"والسفائن مثقلاث بالغزاة: بالفاتحين من اليهود

يلقين في حيفا مراسيهنّ - كابوس تراه

تحت التراب محاجر الموتى فتجحظ في اللحود..

(أنشودة المطر ص 59-60)

ويؤكد إيمانه بنا:

"سنظل نضرب كالمجوس نجسّ ميلاد النهار!

ونمر بالرموز المسيحية والإسلامية واليونانية وكلها تلخص الحكايات القديمة التي نفسر بها حكايات العصر الحديث، ثم يختصر لنا حكاية "الحضارة الرأسمالية" وضياع القيم الإنسانية أو اختصارها في قيمة وحيدة:

"والذي حارت البرية فيه بالتآويل، كائن ذو نقودِ! "

وفي قصائده في بلدته "جيكور" نسمع حكايات كثيرة... لقد تحولت إلى مدينة وخسرت براءتها.. وتصير المراثي حكايات... بل هي الحكايات تلبس لباس المراثي... ونراه يهرب منها:

على جواد الحلُم الأشهب

أسريت عبر التلالْ

أهرب منها من ذراها الطوالْ.

ويحل "ربيع الوباء" و"ينخذل الموكب" ويهتف الشاعر:

"ياشمس أيامي أما من رجوع"

(ص 108 وص 115).

ويختصر في "ثعلب الموت" صور الموت المتعددة في صورة أخيرة:

"هكذا نحن، حينما يُقبل الصيادُ عزريلُ:

رجفةُ فاغتيالُ.

قصيدة السياب "المسيح بعد الصلب" هي حكاية معاصرة، أسلوباً ومحتوى.. والصياغة الشعرية هي عناصر تزيينية لا أكثر... ولكنها حكاية يحكيها الشاعر السياب.. والإشارة هنا تكفي إذ نجد فيها كل سمات شعره الجمالية.

ونصل إلى "أنشودة المطر" ونقرأ حكاية العراق التي حاولت أن تختبئ وراء هذا المطلع الجميل:

عيناك غابتا نخيل ساعةَ السحرْ

أو شرفتان رأح ينأى عنهما القمر.

والعراق حكاية تختصر حكايات كثيرة أو تتوالد فيها حكايات كثيرة.. ونقرأ في كل مقطع أكثر من حكاية أو نرى أكثر من إشارة إلى حكاية أو أسطورة:

وينثر الخليج من هباته الكثارْ،

على الرمال : رغوه الأُجاج، والمحار

وما تبقى من عظام بائس غريق

من المهاجرين يشرب الردى

من لجَّة الخليج والقرار

وفي العراق ألفُ أفعى تشرب الرحيقْ

من زهرة يربُّها الفراتُ بالندى

واسمع الصدى

يرن في الخليج

"مطر....

مطر....

مطر....

في كل قطرة من المطر

حمراء أو صفراء من أجنّة الزَّهرْ..

وكل دمعة من الجياع والعراه

وكل قطرة تُراق من دم العبيدْ

فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد

أو حُكمةٌ تورّدت على فم الوليد

في عالم الغد الفتيّ، واهبّ الحياة،

ويهطل المطر...

(أنشودة المطر ص160-166-167).

ونقرأ نهايات سعيدة لقصائد أخرى "سيولد الضياء.. من رحم ينز بالدماء"(ص 171) أو "لنعلم أن بابل سوف تغسل من خطاياها" فلا نخرج من جو الحكايات القديمة.

ويحكي لنا حكاية نضال بور سعيد في قصيدة "بور سعيد" ونشاركه شعوره الحار وهو ينشد:

أحسست بالذُّلّ، أن يلقاك دون دمي

شعر، وأني بما ضحيّتِ أنتصرُ

لكنها باقة أسعى إليك بها

حمراء يخضّلُ فيها من دمي زهَر!

و "المومس العمياء" قصيدة طويلة وقد تكون من أجمل القصائد الطوال، وهي حكاية، وقد تكون من أكثر الحكايات إيلاماً للنفس، فهي تضج بالمأساوية. العرض الثمين يباع في سبيل اللقمة، والعراق بلد الخيرات، ثم تبقى اللقمة عزيزة المنال.. وتظل المومس العمياء تمضغ ذلها وتزداد جوعاً. ونشعر أن مهانتها توجع ضمائرنا، وأن ذلها هو ذل للعرب جميعاً وللبشرية بأسرها، تبدأ القصيدة بكلمة الليل.. وتأتي بصيغة أخبارية.

الليل يُطبق مرة أخرى، فتشربه المدينة...

والعابرون إلى القرارة... مثلُ أغنية حزينة..

وتأتي كلمة الليل في السطر الأول من المقطع الثاني بصيغة إنشائية:

من أي غاب جاء هذا الليل؟ من أي الكهوف...

ونمضي في الليل مع الشاعر فنراه يسهب ثم يوجز:

موتى تخاف من النشور

قالوا سنهرب، ثم لاذوا بالقبور من القبور!

...

من هؤلاء العابرون؟

أحفاد "أوديبَ " الضريرِ ووارثوه المبصرون..".

ثم يعود إلى الإسهاب فيصف حارس المبغى والمومسات:

جيف تسَّتر بالطلاء، يكاد ينكر من رآها

أن الطفولة فجرّتها، ذات يوم بالضياء.

ويورد تنويعات لهذه الفكرة ثم يلخص حكاية سقوط آدم، وحواء تلخيصاً معاصراً:

والحية الرقطاء ظل من سياط الظالمين"

أجل.. وهانحن نرى وجه المال "المال، شيطان المدينة" ونرى في وجوه المومسات وجه "فاوست" فهو قد باع مثلهن جسده للشيطان، وأما "شيطان المدينة فقد "جارت على الأثمان وفرة مالديه من العبيد، الخبز والأسمال حظ عبيده المتذليين"(ص 202-203).

وندخل لب المأساة:

" والريح صرٌّ، والبغيُّ بلا زبائنَ منذ حينْ

إن لم تضاجعها وصدَّ سواك عنها معرضينَ

فكيف تحيا ؟ وهي، مثلك، لا تعيشُ بلا طعام؟

ويوغل في أيلامنا:

وأنت ويحك يا أخاها

ماذا تريد، وعم تبحث في الوجوه؟ ويا أباها

إطعن بخنجرك الهواء... فأنتما لن تقتلاها..

هي لن تموتْ:

سيظل غاصبها يطاردها وتلفظها البيوت"

وأصلُ مأساتنا في كونها لن تموت.. وفي كون غاصبها سيظل يطاردها.

وتستمر الصور "ويمر عملاق يبيع الطير" وتدعوه إليها:

عمياء تطفئُ مقلتاها شهوةَ الدم في الرجال

وتحسسته كأن باصرة تهمُّ ولا تدور

في الراحتين وفي الأنامل وهي تعثر بالطيور،

وتوسلته: فدى لعينك- خلّني بيدي أراها".

ويكادُ يهتُكُ مايغلّفُ ناظريها من عماها

قلبٌ تحرق في المحاجر وأشرأب يريد نور!

وتمس أجنحه مرقطه فتنشرها يداها،

وتظل تذكر -وهي تمسحهن- أجنحة سواها

كانت تراها وهي تخفق... ملءَ عينيها تراها:

سربٌ من البط المهاجر، يستحثُ إلى الجنوب

أعناقه الجذلى.. تكاد تزيد من صمت الغروب

صيحاته المتقطعاتُ، ويهمس البُرديُّ بالرجع الكئيب

ويرج وشوشة السكونْ

طلق .. فيصمتُ كلُّ شيءٍ.. ثم يلغطُ في جنون".

وتتمنى أن يكون أبوها هو الذي أطلق النار.. فإذا صادَ بطة فسوف يشبعون.. ولكنها تجده: "وقد تضرج بالدماء..هو والسنابل والمساء...!" لقد رأوه يسرق بعض القمح فقتلوه:

"وتحس بالدم وهو ينزف من مكان في عماها

كالماء من خشب السفينة، والصديد من القبور

وبأدمع من مقلتيها كالنمال على الصخور"

ويطرح الشاعر أسئلة على لسان المومس منها:

"ومن الذي جعل النساءْ

دون الرجال، فلا سبيل إلى الرغيف سوى البغاء؟"

لقد استغلوا فقرها فاغتصبوها وكانت تتمنى:

"ياليت حمالاً تزوجها يعود مع المساء

بالخبز في يده اليسار وبالمحبة في اليمين..."

وينقل لنا حكايات نساء أخريات فتضيق بنا الدنيا كما تضيق بالمومس العمياء الجائعة.. وتفكر بالانتحار ولكنها تخشى عقاب الآخرة:

"لو أستطيع قتلت نفسي"

وتوسوس أخرى: "والجحيم؟ أتصبرين على لظاها؟" لا، هي لا تستطيع. ولقد غيرت حتى اسمها:

"وهي -منذ أن عميت- "صباحُ" فأي سخرية مريرة!

أين الصباح من الظلام تعيش فيه بلا نهار.

ويكبر شعورها بالمأساة فيجسده الشاعر في سؤال:

"لم تستباح وتستباح على الطوى؟ لِمَ تستباح؟

كالدرب تذرعه القوافل والكلاب إلى الصباح؟"

وتحلم بالثأر.. من الرجال:

وتلقفوها يعبثون بها، وما رحموا صباها.

وتمر في بالها وجوه أبناء بلدتها الطيبين:

هم مثلها -وهم الرجال- ومثل آلاف البغايا

بالخبز والأطمار يؤتجرون، والجسدُ المهين

هو كل مايتملكون، هم الخطاةُ بلا خطايا

ويتوغل الشاعر عميقاً في قرارة مشاعرها:

"لِمَ يُعرِضُ الزانون عنها وحدها؟ لم يُعرضِون

وهي الفقيرة فقر شحاذ؟ أما هي كالنساء؟

أو مالها جسد كناضجة الثمار؟"

وتتذكر بالأمس:

"بالأمس، إذ كانت بصيرة،

كان الزبائن بالمئات..."

وتتمنى أن يعود نظرها لحظة لترى:

"كيف هو الطلاء؟

وكيف أبدو...؟ "

وتخبو الأمنية، وتندثر ثم تتحول إلى صرخة:

"لا تتركوني يا سُكارى

للموت جوعاً، بعد موتي -ميتة الأحياء- عارا".

وتؤكد لهم أنها ماتزال امرأة تعرف مايطلب منها:

مازلت أعرف كل ذاك فجربوني يا سُكارى!

من ضاجع العربية السمراء لا يلقى خسارا.."

ويكاد دمي يجمد في عروقي:

"لاتتركوني... فالضحى نسبي؟

من فاتح، ومجاهد، ونبي!

عربية أنا: أُمتّي دمها

خير الدماء... كما يقول أبي

في موضع الإرجاس في جسدي وفي الثدي المذال

تجري دماء الفاتحين..فلوّثوها يارجال"

ونسمع صوت الشاعر حاداً كالمبضع:

"ويحَ العراقِ! أكان عدلاً فيه أنك تدفعينَ

سُهادَ مقلتِكِ الضريرةْ

ثمناً لملء يديك زيتاً من منابعه الغزيرة؟

كي يثمر المصباحُ بالنورِ الذي لا تبصرين؟"

ويمضي الليل... وتوصد أبواب المبغى وهي تنتظر جائعة:

"الباب أوصد.

ذاك ليل مرّ..

فانتظري سواه".

أعرف أنني أسهبتُ، وقد أكون خرجت عن الموضوع.. ولكن هذه القصيدة الحكاية تطرح أكثر من مسألة هامة من مسائل تحديث شعرنا العربي ومن مسائل الحداثة الشعرية عموماً، ومن مسائل الشكل والمحتوى وغيرها من المسائل التي لا تزال شائكة وحادة على كثرة ما اقتلع الدارسون من شوكها وكثرة ماأزالوا من حدتها.,

قد يقول قائل: قصائد السياب في "أنشودة المطر" هي جسر إلى الحداثة وليست الحداثة نفسها.. ونسأل بدورنا: وأين هي الحداثة التي مابعدها حداثة؟ إن كل حداثة ستكون جسراً إلى حداثة تليها.. فلن يتوقف التحديث أبداً.. والتطور لن ينقطع.. ولنتذكر أن خط التطور الحداثوي واضح جداً لدى كل شاعر من شعراء الحداثة فكيف يمكن أن يكون طفرة لدى جيل أو أجيال؟

وما يعنينا الآن هو أن الحكاية مازالت ظاهرة في الشعر.. لقد غيرت شكلها، كما غيرت شكلها الأجناس الفنية الأخرى، ولكنها لم تندثر، لقد أثبتت قدرة خارقة على البقاء وعلى التكيف مع الظروف الجديدة، وأزعم أنها ستبقى في الشعر والفنون مابقي الشعر، ومابقيت الفنون.

في "حفار القبور" أيضاً يحكي لنا السياب حكاية صغيرة في إطار الحكاية الكبيرة.. ولن أتوقف عند هذه القصيدة فثمة قصائد أخرى وشعراء آخرون.

في "المعبد الغريق" وهو الكتاب الثاني للسياب بعد "أنشودة المطر" نرى انتقالاً ملحوظاً من العام إلى الخاص... ونرى اقتضاباً في الوصف وفي الاتكاء على التاريخ والأسطورة، ونرى جهداً لاخفاء الحكاية وراء الغنائية، ولكنها تطل علينا من كل قصيدة، وتطل أحياناً، من كل مقطع.. ولا أرى حاجة للإكثار من الأمثلة من شعر السياب فلننتقل إلى شعر شاعر آخر.

ينتقل خليل حاوي بخطا واسعة من شعر اللفظ نحو شعر الفكر، فيتوارى الكثير من الوصف غير الموظف في بنية القصيدة، ومع ذلك يبقى وجه الحكاية سافراً سفوراً شبه كامل في ديوانه الأول "نهر الرماد" (- منشورات مجلة شعر-1957)، ثم نراه يتقنّع بشتى الأقنعة في ديوانه "الناي والريح" (دار الطليعة -بيروت 1961) ومن ثم نراه يعود إلى الظهور الشفاف في قصائده الأخرى.

ها أنا ذا أقلب صفحات "نهر الرماد" فأي حكاية أختار؟ ثم أقف عند هذه الحكاية من "جحيم بارد" (ص 42).

"ليته مالمنّي من وحلةِ الشارعِ،

ماعودني دفءَ البيوتْ

ويداً تمسحُ عاري وشحوبي

ليت ماسلفنّي ثوباً وقوتْ..

ونعمنا بعضَ ليلاتٍ... تلاها:

هذيانٌ، سأمٌ، رعبٌ، سكوتْ.."

ثم أسمع حكاية السجين الذي يدعو السجان قائلاً:

"رد باب السجن في وجه النهار

كان قبل اليومِ

يُغري العفو أو يغري الفرار

(ص 56).

وفي قصيدة المجوس في أوروبا نقرأ حكاية الحضارة الحديثة ونرى إله المتعبين والضائعين:

" يا إلهاً هارباً من صرعةِ الشمسِ

ومن رعبِ اليقينْ

يتخفى في المغارة:

في كهوف العالم السفلي

من أرض الحضارة" (ص 70).

وندرك أن العالم قد ضيع براءته إلى الأبد، ونتذكر مع الشاعر:

"وتذكرت قتال الغول والتنين

في أرضي وكانت وادعه.." (ص 90).

ثم ننتقل إلى قصيدة "الجسر" فنسمع حكايتنا نحن:

"ماله ينشق فينا البيت بيتين

ويجري البحرُ مابين قديم وجديد!

صرخةٌ، تمزيقُ أرحامٍ، وتقطيعُ وريدْ،

كيف نبقى تحت سقفٍ واحدٍ

وبحارٌ بيننا... سورٌ عنيدْ؟

ومتى نطفرُ، نشتدّ ونبني

بيدينا بيتنا الحر الجديد؟..(ص 97).

أما من "الناي والريح" فأنقل لكم حكاية واحدة كي لا أطيل... من منا لا يعرف حكايات القرى حيث يخطب الشاب الفتاة ثم يهاجر، وتبقى منذورة له... اسمعوا الحكاية ذاتها من خليل حاوي:

ولربَّما ماتت غداً

تلك التي يبست على إسمي

ومصّ دماءها شبحي

وما احتفلتْ بلذاتِ الدماءْ

ماتت مع الناي الذي تهواهُ

يسحبُ حزنه عَبْرَ المساءْ

ومع الورود متى التوتْ

بيضاءَ، ينسجَ عرسَها ثلجُ الشتاءْ

طول النهار

مدى النهارْ

تنحّلُ في عصبي جنازَتُها

يحزُّ النايُ فيهِ

وما يزيحُ عن القرار:

ماتت وما احتفلتْ وما عرَفَتْ

رفاهَ يدٍ تُظللُها ودارْ

وأدع خليل حاوي لا لقلةِ حكاياه، بل لضيق الوقت...

عند أدونيس نقف أمام شعر شاعرجله حكايات، شاعر أتقن فن الحكي ولم يوارب.. قد يغضب شعراء الحداثة والمنظرون لهذا..لابأس... قصائد أدونيس حكايات متطورة بل هي حكايات حديثة.. فهل يرضيكم هذا؟ أم أنكم لا تريدون أن تصبح الحكاية حديثة كما أصبح الشعر حديثاً؟

وأقف محتاراً ! فهل أنقل لكم كل حكاياته ؟ مستحيل .

وأفتح المجلد الثاني من أعمال أدونيس الكاملة الصادرة عن دار العودة وتقع عينيَّ على "شجرة النار" وها أنا أنقلها كاملة:

عائلة من ورقِ الأشجارْ

تجلس قربَ النبعْ

تجرح أرضَ الدمعْ

تقرأ للماء كتاب النار

...

عائلتي لم تنتظر مجيئي

راحتْ

فلا نارٌ ولا آثار.

(ص 18).

وأقلب صفحات ثم أقف فأنا في "إقليم البراعم":

مرَّ هنا إيكار

خيمَّ تحت الورق الشاحب شمّ النارْ

في غُرفِ الخُضرةِ في البراعمِ الوديعة

وهزَّ،

هزّ الجذعَ واستجار

والتفَّ كالوشيعة

ثم انتشى وطار

...

لم يحترق -لما يَعُدْ إيكار ( ص 24).

وأعيد أعمال أدونيس الشعرية الكاملة إلى مكانها من المكتبة، وأهم بأخذ أعمال شاعر آخر ثم أحجم.. فمن منكم لم يقرأ تلك الأعمال؟ وهل من الضروري أن أذكركم بقصائد أمل دنقل، أو البياتي، أو عبد الصبور، أو شوقي بغدادي، أومحمد عمران، أو فائز خضور، أو محمود درويش، وسواهم؟

قد يقول قائل: الشعر جنس مستقل من الأجناس الأدبية، وقد يقول متحمس للشعر: إن الشعر أرقى الأجناس الأدبية فكيف تقارنه بالحكاية أو تقرنه إليها؟

واضرب لهذا وذاك المثال التالي: أنا ابن أمي... وهي امرأة وأنا رجل، وكانت أميّة، وأنا أقرأ وأحاول أن أكتب، ومع ذلك أفخر بأن أفضل مافيَّ من صفات قد ورثته عنها.

وإضافة إلى ذلك إليكم ما تقوله فتاة في إحدى الحكايات الهندية القديمة جداً:

"إن مايعيش مني على هذه الأرض ظاهراً للآخرين، ليس سوى جسدي، أمّا نفسي الحقّةُ فهي تستريح في بلاد عجيبة، ولا يحق لي أن أتبع سوى الشخص الذي يعثرُ على روحي" (الحكاية الخرافية، ص 77، تأليف فردريش فون دير لاين، ترجمة الدكتورة نبيلة إبراهيم) هلا تأملتم عمق هذه الفكرة، ورحابة شاعريتها، وجمال رمزها؟ هل هي فلسفة؟ نعم وهي شعر وهي حكاية قبل كل شيء، وبعد كل شيء.

نعم.. وهي رمز إلى عبادة قديمة، عبادة متصلة بحياة الناس اليومية وبأشواقهم، يوم لم تكن عبادتهم وطقوسها منفصلة عن حياتهم وأشواقهم.

وأما الشعر الصافي، الشعر المطلق فلم يوجد بعد ولن يوجد، ولا توجد كلمات شعرية وأخرى غير شعرية، ولا توجد موضوعات شعرية خاصة وأخرى غير شعرية، إن الشاعر الحق يتكئ على الموضوعات التي تثيره، ويصنع منها شعراً بالكلمات.. وذاك سر الموهبة.. وقبل ذلك لا يكون شعر.

قد لايكون في الحكاية شعر، وليس كل الشعر شعراً، فالشعر جنس رفيع من أجناس التعبير، ولكن الحكاية تصبح عنصراً مكوناً للشعر حين يستخدمها الشاعر ببراعة، ومع ذلك فهي لا تفقد سماتها كحكاية إذا صارت شعراً حقيقياً... فهل الشعر نوع راق وممتاز من أنواع الحكايات؟ أم أن إقامة سور كتيم بين الأجناس الأدبية هي مسألة نظرية الى حد ما؟

قد تكون أمثال هذين السؤالين أسئلة ساذجة... هذا صحيح.. وتكاد الإجابة عنها تكون بدهية... وهذا ماقد يزعج النقاد الصارمين والمنظرين لشعر الحداثة عموماً.. لقد وضع الناقدون نواظم ومعادلات شبه رياضية وحبسوا النقد داخلها، أي جعلوا منها أصولاً للعبة يخسرها من لا يتقنها... واكتسب النقد مزيداً من الصرامة.

تقول الحكاية إن جماعة من كبار الباحثين اجتمعوا ليضعوا قواعد علمية للفرح وتحديد مفهومه وبواعثه وأسبابه الفيزيولوجية والاجتماعية والنفسية... وراحوا يعملون، يحللون ويعللون بصرامة وتجهم.... وفي اليوم العاشر دخل إلى حيث يجتمعون طفل فأشار إشارات خرقاء وبسيطة، ولثغ ببضع كلمات ثم تعثر فتأرجح ووقع أرضاً، ثم نهض معتمداً على ركبة أحدهم فضحكوا بعد تجهم.. وحين أخرج الطفل عادوا إلى الجد والصرامة وقد فاتهم أن الفرح أبسط من كل المعادلات التي وضعوها، وأنه موجود في أشياء كثيرة حولنا، كثيراً ما تحجبها عنا هذه المعادلات التي نضعها من أجل البحث عنها.

ونخلص إلى القول: حيث بسقت شجرة الحكاية راح بستانيو الثقافة يطعمون فروعها، فصرنا نقطف منها الأسطورة، والمسرحية، والملحمة، والرواية، وشتى الفنون.....

ومما يثير فضولي أن الحكاية التي رافقت الإنسانية منذ طفولتها لا تزال حبيبة الأطفال الأثيرة... ولولاهم لضاع الكثير من الحكايات....

وأعترف بأنني بدأت أترجم للأطفال حين نفد ماكان لديَّ من حكايات حكيتها لأولادي يوم كانوا صغاراً.. وقد شرعوا يطلبون مني المزيد.

فهل حب الأطفال للحكاية شكل من أشكال غريزة البقاء شاءت الحياة البشرية بواسطته أن تحتفظ بذكرى طفولتها؟ أم أن الطفولة تبقى في لا شعور الفنان وتبقى معها الحكاية... فإذا أبدع عملاً أطلت منه الطفولة والحكاية بصور شتى؟

من يدري.؟ قد يكون الأمر كذلك.

...

وختاماً: قد يسأل سائل: وما خلاصة هذا الكلام كله؟

الخلاصة هي أن التجديد لن يتوقف والتواصل لن ينقطع، وقد يقول قائل: فكرة قديمة وساذجة.

وأقول: أجل.. ولكن ألا ننسى أحياناً، الكثير من الحقائق البسيطة والساذجة والقديمة؟

لقد جاءت القوانين العلمية المعقدة لتغني الحقائق البسيطة وهي لا تستطيع أن تلغيها.

والحكاية التي هي مادة الفنون الأولى، هي كالمادة في الطبيعة، تتحول وتبدل صورها، ولكنها لا تفنى.

قد يرى الصارمون في ماقلته ضرباً من المزاح... نعم، هو نوع من المزاح، إن شاؤوا، وفي كثير من المزاح كثير من الجد أحياناً، وقد يكون الكثير منالجد مزاحاً صرفاً... فلا تأخذوا كل مايقال مأخذ الجد، ولا تأخذوا كل مايقال مأخذ المزاح.... إننا نكتب أحياناً لنتسلى، وتستمعون إلينا أحياناً لتتسلوا.. وقد تبكون حين نضحك، وقد نضحكك حين تبكون.. ويصدف أحياناً أن نبكي معاً، أو أن نضحك معاً.. وتتصل الحياة... ولكل ظرف حكايته، وكم سوف تغتني الحياة إذا ترك كل منا للحياة حكاية قصيدة..أو قصيدة - حكاية.
رد مع اقتباس
قديم 10/2/2009, 11:56 AM   رقم المشاركة : ( 2 )
هشام زايد
صديق المهندسين

الصورة الرمزية هشام زايد

الملف الشخصي
رقم العضوية : 112242
تاريخ التسجيل : Aug 2008
العمـر :
الجنـس :
الدولـة : البحــــيرة
المشاركات : 3,022 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : هشام زايد يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

هشام زايد غير متصل

افتراضي رد: الحكاية في الشعر الحديث

شكراااااااااااااااااااااااااا
توقيع » هشام زايد

 

  رد مع اقتباس
قديم 10/2/2009, 05:12 PM   رقم المشاركة : ( 3 )
alimahmed
مـهـند س مـاسـي

الصورة الرمزية alimahmed

الملف الشخصي
رقم العضوية : 42639
تاريخ التسجيل : Dec 2006
العمـر : 38
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 4,496 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 60
قوة الترشيـح : alimahmed يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

alimahmed غير متصل

افتراضي رد: الحكاية في الشعر الحديث

مشكورررررررررررررررررة
توقيع » alimahmed
فارس بلا جواد فى زمن الاهات تخونة حبيبتة بارخص ثمن لاهثة وراء الراحة تاركة حبيبها يعانى من الالم فاصبح فارس بلا سيف ولا جواد

 

  رد مع اقتباس
قديم 12/2/2009, 01:13 PM   رقم المشاركة : ( 4 )
عمرالفولي
مـهـند س مـاسـي

الصورة الرمزية عمرالفولي

الملف الشخصي
رقم العضوية : 58139
تاريخ التسجيل : Apr 2007
العمـر :
الجنـس :
الدولـة : سوهاج،،،،مصراوى
المشاركات : 3,307 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : عمرالفولي يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

عمرالفولي غير متصل

افتراضي رد: الحكاية في الشعر الحديث



مشكووووووووووووووووورة
سلمت يداك واصلى ابداعك
توقيع » عمرالفولي





تكلمت كثيرا فندمت


واما عن السكوت فلم اندم قط

دعوته فرزقني

وشكرته فذادني

الدنيا مسألة ...... حسابية..... خذ من اليوم......... عبرة


ومن الامس ..........خبرة..........واطرح منها التعب والشقاء

واجمع لهن الحب والوفاء..........واترك الباقى لرب السماء

 

  رد مع اقتباس
قديم 12/2/2009, 05:22 PM   رقم المشاركة : ( 5 )
SeNiOR_LAW
Banned


الملف الشخصي
رقم العضوية : 74232
تاريخ التسجيل : Aug 2007
العمـر :
الجنـس :
الدولـة : EgYpT
المشاركات : 1,983 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : SeNiOR_LAW يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

SeNiOR_LAW غير متصل

افتراضي رد: الحكاية في الشعر الحديث

بارك الله فيك
  رد مع اقتباس
قديم 20/2/2009, 07:38 PM   رقم المشاركة : ( 6 )
Mr.Mostafa
استاذ فضائيات

الصورة الرمزية Mr.Mostafa

الملف الشخصي
رقم العضوية : 91494
تاريخ التسجيل : Mar 2008
العمـر : 43
الجنـس :
الدولـة : MoHaNdSeN.CoM
المشاركات : 9,537 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : Mr.Mostafa يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mr.Mostafa غير متصل

افتراضي رد: الحكاية في الشعر الحديث

  رد مع اقتباس
قديم 10/3/2009, 03:03 AM   رقم المشاركة : ( 7 )
انور حافظ احمد
نـجـم الـنجوم الـمـميز بـالـمهندسين الـعرب

الصورة الرمزية انور حافظ احمد

الملف الشخصي
رقم العضوية : 35687
تاريخ التسجيل : Oct 2006
العمـر :
الجنـس :
الدولـة : الاسماعيلية
المشاركات : 10,233 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 25
قوة الترشيـح : انور حافظ احمد يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

انور حافظ احمد غير متصل

new رد: الحكاية في الشعر الحديث

  رد مع اقتباس
قديم 12/3/2009, 04:16 PM   رقم المشاركة : ( 8 )
سميرعبدالتواب
مـهـند س مـاسـي

الصورة الرمزية سميرعبدالتواب

الملف الشخصي
رقم العضوية : 61964
تاريخ التسجيل : May 2007
العمـر :
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 3,057 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : سميرعبدالتواب يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

سميرعبدالتواب غير متصل

افتراضي رد: الحكاية في الشعر الحديث

توقيع » سميرعبدالتواب

 

  رد مع اقتباس
قديم 12/5/2009, 09:14 AM   رقم المشاركة : ( 9 )
eldemery
Guest


الملف الشخصي
رقم العضوية :
تاريخ التسجيل :
العمـر :
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : n/a [+]
آخر تواجـد : ()

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو


افتراضي رد: الحكاية في الشعر الحديث

مشكور بارك الله فيك
  رد مع اقتباس
قديم 25/6/2009, 05:58 PM   رقم المشاركة : ( 10 )
فادي الترك
مـهـند س مـاسـي


الملف الشخصي
رقم العضوية : 138261
تاريخ التسجيل : Dec 2008
العمـر : 37
الجنـس :
الدولـة : سوريــــــــا=حماه
المشاركات : 3,609 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 34
قوة الترشيـح : فادي الترك يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

فادي الترك غير متصل

افتراضي رد: الحكاية في الشعر الحديث

مشكورررررررررررررررررر
  رد مع اقتباس
قديم 28/6/2009, 02:36 PM   رقم المشاركة : ( 11 )
سعودى سرحان
مـهـند س فـعال

الصورة الرمزية سعودى سرحان

الملف الشخصي
رقم العضوية : 60834
تاريخ التسجيل : May 2007
العمـر :
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 199 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : سعودى سرحان يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

سعودى سرحان غير متصل

افتراضي رد: الحكاية في الشعر الحديث

مشكور بارك الله فيك
  رد مع اقتباس
قديم 1/7/2009, 04:06 PM   رقم المشاركة : ( 12 )
نماء الحبيب
مـهـند س نـشـيط

الصورة الرمزية نماء الحبيب

الملف الشخصي
رقم العضوية : 101005
تاريخ التسجيل : Jun 2008
العمـر :
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 397 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : نماء الحبيب يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

نماء الحبيب غير متصل

افتراضي رد: الحكاية في الشعر الحديث

يسلمووووووووووووو
  رد مع اقتباس
قديم 2/7/2009, 04:20 PM   رقم المشاركة : ( 13 )
مودريتش
مـهـند س مـحـتـرف


الملف الشخصي
رقم العضوية : 123454
تاريخ التسجيل : Sep 2008
العمـر : 26
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 1,302 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : مودريتش يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

مودريتش غير متصل

افتراضي رد: الحكاية في الشعر الحديث

تســـــــــــــــــــلم يديك
  رد مع اقتباس
قديم 5/7/2011, 07:30 AM   رقم المشاركة : ( 14 )
الكنج ميدو
مـهـند س مـمـيـز

الصورة الرمزية الكنج ميدو

الملف الشخصي
رقم العضوية : 161949
تاريخ التسجيل : Jul 2009
العمـر : 33
الجنـس :
الدولـة : مصر المنوفيه شبين
المشاركات : 825 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : الكنج ميدو يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

الكنج ميدو غير متصل

افتراضي رد: الحكاية في الشعر الحديث

  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:17 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Google Adsense Privacy Policy | سياسة الخصوصية لـ جوجل ادسنس

الساده الاعضاء و زوار منتديات المهندسين العرب الكرام , , مشاهده القنوات الفضائيه بدون كارت مخالف للقوانين والمنتدى للغرض التعليمى فقط

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

^-^ جميع آلمشآركآت آلمكتوبهـ تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكلـ من آلأشكآل عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى ~