جرائم الاحتيال وأبرز أحكامها

[مدحت مرعبي]

جرائم الاحتيال وأبرز أحكامها

من بين الجرائم الجزائية التي تقع على الأموال والممتلكات, تبرز جريمة "الاحتيال" على أنها الأكثر شيوعاً؛ وقد خصّها قانون العقوبات اللبناني بالمادتين 655 و656 منه, ومن ثمّ عالج, في المواد 657 الى 660 منه, جريمة " إستغلال احتياجات القاصر" , والجرائم المسماة بـ" ما جرى مجرى الإحتيال ".
نستعرض في ما يلي أبرز أحكام جريمة الإحتيال, من حيث عناصر التجريم والعقاب, ونتطرّق بإيجاز الى جريمة " استغلال احتياجات القاصر" , والجرائم المعروفة بـ" ما جرى مجرى الاحتيال ".

التمييز بين الاحتيال والسرقة وإساءة الأمانة

الإحتيال هو فعل كلّ من يحمل الغير, بالمناورات الإحتيالية, على تسليمه مالاً منقولاً أو غير منقول أو أسناداً تتضمن تعهداً أو إبراءً أو منفعة, ويستولي عليها.
ولكن قبل البدء باستعراض شروط وعناصر جريمة الإحتيال, لا بد من لفت الإنتباه الى أهمّ ما يميز هذه الجريمة عن كلّ من جريمتي السرقة وإساءة الأمانة.
فالواقـع أنه في جريمـة الإحتيال, يتـم تسلـيم الشيء أو المـال, من قـبل صاحـبه, الى الجاني (المُحتـال), على أثر ما يلـجأ إليه هذا الأخير من وسائل إحتـيالية تُقـنعه بالتسليم. أما في جريمـة السـرقة, فالمـال أو الشيء يُوخـذ من قبل الجاني (السارق) خفية, أي بدون علم صاحبه, أو عنـوة, أي بالرغم من إرادته المخالفة. وفي جريمة إساءة الأمانة, يتـمّ تسليم الشيء أو المـال, في البدء, الى الجاني (مُسيء الأمانة), بصورة رضائية, من قبل صاحبه, لغـرض ما, وبنـاءً على عـقد معـيّن يربطـه به, مـع النية باستـرداد هذا الشـيء أو ما يماثـله, إلاّ أنه يحصل ما يحول دون هذه الإستعادة.
مع الإشارة الى أننا لسنا هنا في صدد معالجة " الغش المدني" (أو الخداع *-Le Dol Civil ) الذي يُعيب الرضى ويحمل الشخص على التعاقد على غير ما كان ليفعل لولا وقوعه في الغلط الناتج عن الخداع, والذي يؤدي الى قابلية العقد للإبطال, والى التعويض عند الإقتضاء؛ إنما موضوع هذه الدراسة هو جريمة الإحتيال , أي ما يُعرف بـ" الغشّ الجنائي" (Le Dol Criminel) , وهي جريمة جزائية لا تقوم إلا إذا توفّرت لها الشروط المفروضة في قانون العقوبات (وفقاً لما سيأتي بيانه), فتؤدي الى فرض عقوبات جزائية, إضافة الى التعويضات المدنية عند الإقتضاء, وسواها...

عناصر جرم الاحتيال

نبدأ باستعراض شروط وعناصر جرم الإحتيال, وهي الآتية:
• الفعل المادي أو الوسائل الإحتيالية:
تُعتبر من المناورات الإحتيالية, وفقاً لتعداد المادة 655 ق. ع.:
-* الأعمال التي من شأنها إيهام المُجنى عليه بوجود مشروع وهمي, أو التي تخلق في ذهنه أملاً بربح أو تخوّفاً من ضرر.
بمعنى أن يتوافر شرطان, أولهما أن يتولى الجاني القيام بأعمال معينة أو تلفيق بيانات غير صحيحة, بوسيلة من الوسائل, مهما كان نوعها, وثانيهما أن يكون من شأن هذه الأعمال أو البيانات أن توحي الى المُجنى عليه بالثقة, وأن توقعه في الغلط بوجود مشروع وهمي, أو أمل بربح, أو تخوف من ضرر.
-* تلفيق أُكذوبة يصدّقها المجنى عليه, نتيجة تأييد شخص ثالث (غير الجاني والمجنى عليه), ولو عن حُسن نية, أو نتيجة ظرف مهدّ له الجاني أو ظرف استفاد منه.
بمعنى أن تتوافر شروط ثلاثة, أولها أن يلجأ الفاعل الى اختراع أُكذوبة, وثانيها أن يصدّقها المُجنى عليه, وثالثها أن يكتمل التصديق نتيجة أحداث معينة, متمثلة بتأييد شخص ثالث, ولو عن حُسن نية, أو بظرف مُعيّن مهّد له الفاعل, أو ظرف اكتفى بالإستفادة منه.
مثال على ذلك أن يعمد شخص الى إقناع آخر بشراء قطعة أرض معيّنة يملكها, بعد أن سلّمه خريطة عنها, مخالفة للواقع ولقيود المساحة, مُستعيناً بتأييد شاهدين يتعاطيان تجارة العقارات.
من الجلي إذن أن الأُكذوبة لوحدها لا تكفي لتكوين جرم الإحتيال, ذاك أن المناورة الإحتيالية أو الإخراج الذي سيُعطى لها هو الأساس لاكتمال هذا الجرم. فعلى المرء ألا يستسلم لمجرّد زعم صادر عن شخص آخر, وإلا كان مقصّراً, ولا يلومنّ إلا نفسه إذا وقع ضحية الأكذوبة.
كذلك, لا إحتيال إذا كان من اليسير إكتشاف الخداع لو توخى المجنى عليه القليل من الحيطة والحذر.
-* التصرّف بأموال منقولة أو غير منقولة ممن ليس له حق أو صفة, أو ممّن له حق وصفة للتصرّف, فأساء استعمال حقه, توصلاً لابتزاز المال.
والمقصود بالتصرّف هنا هو القيام بأعمال قانونية ينتج عنها إنشاء أو نقل أو تعديل أو إسقاط حقوق عينية, كالبيع والرهن والإيصاء والهبة وغيرها.
-* استعمال الفاعل إسماً مستعاراً أو صفة كاذبة للمخادعة والتأثير.
هذه الوسيلة تكفي بذاتها لقيام جرم الإحتيال, وإن لم يرافقها أي ظرف خارج مؤيّد لها.
ينشأ الإسم المستعار عن استعمال الشخص لنفسه هوية, غير هويته الحقيقية, فينتحل لنفسه إسماً ليس له. أما الصفة الكاذبة, فتنشأ عن انتحال لقب أو وظيفة أو مهنة أو قرابة, أو غير ذلك, خلافاً للواقع.
مثال على ذلك أن يتمسك شخص بصفة ليست له, أو كانت له في السابق, وفقدها, للتأثير على الغير والمخادعة.
تجدر الإشارة الى أن الاجتهاد يعتبر أن إساءة استعمال صفة حقيقية تدخل كذلك في عداد الوسائل الإحتيالية.
• موضوع الإحتيال:
يقع جرم الإحتيال على أي من المواضيع الآتية:
-* الأموال المنقولة, وهي الأشياء القابلة للنقل من مكان الى آخر, والقابلة للتملك, بمعزل عن قيمتها الحقيقية أو المعنوية, وبمعزل عن كون اقتناؤها شرعياً أم لا.
* الأموال غير المنقولة, أي العقارات. ويحصل الإحتيال في هذه الحالة بصورة غير مباشرة, أي عن طريق الحصول (بوسائل إحتيالية) على المستندات اللازمة لتملّك هذه العقارات, أو لإنشاء حقوق عليها.
-* الأسناد التي تتضمن تعهداً أو إبراءً أو منفعة:
المقصود بـ "التعهد" هنا هو كل عمل قانوني من شأنه أن ينشئ, عن خطأ, لصالح الجاني, موجباً على عاتق المُجنى عليه (فيصبح الجاني دائناً والمجنى عليه مديناً).
أما المقصود بـ" الإبراء" , فهو كل عمل قانوني من شأنه أن يُبرّئ ذمة الجاني (المدين) خطأ, بمعنى أن يتوهّم المُجنى عليه (الدائن) بأنه استوفى حقه.
وأخيراً, يُقصد بـ "المنفعة" أي نوع من أنواع الاستفادة, مادية كانت أو غير مادية (معنوية