فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا

[انور حافظ احمد]

آيات كافيات (16)

الآية السادسة عشر من سورة التغابن من الآيات الكافيات حيث قال تعالى ( فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) التغابن آية (16) .

فنحن نعلم من الفقه الإسلامي أن المنهيات جميعها في مقدور الناس جميعا، أما المأمورات فالعمل بها درجات يسبق كل من العباد فيها على قدر عمله وطاقته فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها .

- الأصفهاني وبيان التقوى:

- قال الراغب الأصفهاني رحمه الله في مفردات ألفاظ القرآن:

التقوى: جعل النفس في وقاية مما يخاف هذا تحقيقه ثم يُسمى الخوف تارة تقوى، والتقوى خوفا حسب تسمية مقتضى الشيء بمقتضيه، والمقتضى بمقتضاه، وصار التقوى في تعارف الشرع حفظ النفس عما يؤثم، وذلك بترك المحظور، ويتم ذلك بترك يعض المباحات...ثم قال:ويقال:اتقى فلان بكذا إذا جعله وقاية لنفسه، وقوله(أفمن يتقى بوجهه سوء العذاب يوم القيامة)الزمر آية(24)، تنبيه على شدة ما ينالهم وأن أجدر شيء يتقون به من العذاب يوم القيامة هو وجوههم فصار ذلك كقوله(وتغشى وجوههم النار)إبراهيم آية(50)، (يوم يسحبون في النار على وجوههم)القمر آية(48)(انتهى).

- والتقوى كما يقولون هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل .



- السعدي وتفسير الآية:

قال الشيخ عبد الرحمن بن السعدي رحمه الله في تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان عن تفسير هذه الآية:

"يأمر الله تعالى بتقواه، التي هي امتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وقيد ذلك بالاستطاعة والقدرة، فهذه الآية تدل على أن كل واجب عجز عنه العبد، يسقط عنه، وأنه إذا قدر على بعض الأمور وعجز عن بعضها، فإنه يأتي بما قدر عليه، ويسقط عنه ما يعجز عنه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "إذا أمرتكم فأتوا منه ما استطعتم"، ويدخل تحت هذه القاعدة الشرعية، من الفروع، مالا يدخل تحت الحصر.

وقولهواسمعوا):أي اسمعوا ما يعظكم الله به، وما يشرعه لكم، من الأحكام، واعلموا ذلك، وانقادوا له(وأطيعوا)الله ورسوله في جميع أموركم (انتهى).



- ابن كثير وتفسير الآية:

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير القرآن العظيم:

وقوله(فاتقوا الله ما استطعتم)، أي:جهدكم وطاقتكم كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فااجتنبوه).

وقد قال بعض المفسرين- كما رواه مالك- عن زيد بن أسلم- إن هذه الآية العظيمة ناسخة للتي في آل عمران وهي قوله(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون).قال ابن أبي حاتماتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون)قال:لما نزلت هذه الآية اشتد على القوم العمل، فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم فأنزل الله تخفيفا على المسلمين(فاتقوا الله ما استطعتم).

- وقوله(واسمعوا وأطيعوا)، أي كونوا منقادين لما يأمركم الله به ورسوله، لا تحيدوا عنه يمنه ولا يسرة، ولا تقدموا بين يدي الله ورسوله ولا تتخلفوا عما أُمرتم، ولا تركبوا ما عنه زُجرتم (انتهى).



- الأصفهاني ومعنى الاستطاعة:

قال الأصفهاني رحمه الله في مفردات القرآن الكريم:

الاستطاعة:استفالة من الطوع، وذلك وجود ما يصير به الفعل متأتيا، وهي عند المحققين اسم للمعاني التي بها يتمكن الإنسان مما يريده من إحداث الفعل وهي أربعة أشياء:بنية مخصوصة للفاعل وتصور للفعل، ومادة قابلة لتأثيره، وآلة إن كان الفعل آليا كالكتابة، فإن الكاتب يحتاج إلى هذه الأربعة في إيجاده للكتابة، وكذلك يقال:فلان غير مستطيع للكتابة:إذا فقد واحدا من هذه الأربعة فصاعدا، ويضاده العجز، وهو أن لا يجد أحد هذه الأربعة فصاعدا، ومتي وجد هذه الأربعة كلها فمستطيع مطلقا، ومتي فقدها فعاجز مطلقا، ومتي وجد بعضها دون بعض فمستطيع من وجه وعاجز من وجه ولأن يوصف بالعجز أولى (انتهى).



- الاستنتاج العام:

الآية الكريمة تطالب المسلمين بالتقوى قدر الاستطاعة ولو اتقى العبد ربه لانتهى عن المعاصي ولأتى من الطاعات ما استطاع ,وهنا تنصلح حال الأمة دون عنت أو تعب أو نصب مع مراعاة الفروق الفردية والقدرات الخاصة للأفراد وظروف كل عبد من عباد الله وفي هذا شفقه ورحمه بالمرضى والضعفاء والمشغولين وأصحاب المصالح الدنيوية الشاقة، وفي الآية تكليف للمسلم باستغلال الطاقة قدر الاستطاعة في الطاعة وفي هذا إصلاح حكيم لحال المسلمين.

- كما أن في الآية أمر بالسمع والطاعة قدر المستطاع والبعد عن التمرد والعصيان امتثالا لقوله تعالى(إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون*ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون )النور آية(51-52).

إعداد الأستاذ الدكتور نظمى خليل أبو العطا موسى