مصنع لا يتجاوز مساحته 400سم2..!!

[ايهاب هاشم]

قد يلوح لك عند قراءة العنوان أنك أمام مقال يتكلم عن مصنع ، و عمال ، و

آلات إنتاج ، و خسارة ، و فوائد ، و ما إلى ذلك من تصورات ، و تقديرات...!!

و لكن الأمر يتعلق ببطن صغير لا تتجاوز مساحته 400سم2..!! ترعرع في

أحشائه عشرة رجال خرجوا من مصنع واحد أصيل ؛ لبناته محكمة ، سقيت

طينته بماء الوصال ، و جففت بأنوار الكمال ..عشرة أبطال رضعوا من لبن واحد

، نشروا أريج التوحيد بألوان مختلفة في ربوع هذا الكون الذي كان يعيش في

دياجير الهوى ، تتقاذفه أمواج عاتية لا يكاد يرى الواحد منهم في مرآته روحه

الشفافة..!!! هذا المصنع هو : " لبابة بنت الحارث " زوجة " العباس بن عبد

المطلب " عم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أما إنتاجها فأبناؤها

العشرة " الفضل " ، " عبد الله " ، " عبيد الله " ، " كثير " ، " عبد الرحمن "

، " معبد " ، " قثم " ، " الحارث " ، " عون " ، " تمام " .... و كل واحد من

هؤلاء استشهد بعيدا عن مكان باقي إخوانه باستثناء " معبد ، و عبد الرحمن "

الذين استشهدا بأفريقيا ، و أما الباقون فأماكن استشهادهم مختلفة ، و متباعدة ،

فالفضل استشهد ب " أجنادين " ، و " عبد الله " بالطائف ، و " عبيد الله "

باليمن ، و بعض الروايات تقول بالشام ، و " قثم " بسمرقند ، و في أماكن أخرى

استشهد الآخرون ، و لم يكن هؤلاء الأبناء شهداء فحسب ؛ بل اعتلوا مناصب

في الدولة الإسلامية ، و جمعوا بين العلم و السياسة ، فعبيد الله ولاّه الخليفة

علي بن أبي طالب رضي الله عنه على اليمن ، و عبد الله كان راسخا في العلم

حتى لقبوه ب " الحبر البحر " لكونه عالما بالقرآن و تفسيره ، و عالما بالحديث

و فنونه ، حتى أن عمر بن الخطاب كان عندما يراه يقول : " جاء الفتى الكهول

ذو اللسان السؤول ، و القلب العقول ." ، و ابن هذا العالم الجليل ؛ هو الذي أقام

الخلافة العباسية ، و باقي إخوته حدث و لا حرج ، كل منهم كان مدرسة قائمة

بذاتها في التضحية ، و تخريج الرجال..!!!! .. و لقد قال مسلم بن حماد المكي

مولى بني مخزوم في مقولته المشهورة الدالة على عمق التضحية : " ما رأيت

بني امرأة واحدة أشراف ولدوا في دار واحدة ابعد قبور من بني أم الفضل ..!" و

معنى هذا ؛ أنه من بطن واحدة استطاعت هذه الأسرة ان تتواجد في جميع

القارات المكتشفة آنذاك ، و لو كانت أمريكا ، و استراليا مكتشفتين لوصلها أحد

الإخوة العشرة ، وما أثناه عن ذلك شيء..!

و لو تأملنا حال الأمهات اليوم لوجدنا حب الدنيا ، و زهرتها ..قد تعلقت

بأرواحهن ، و شربن من سوالفها إلى حد الهُيام ..! فأخرجن للأمة أنصافا من

الرجال كربّات الأحلام ، باعوا دينهم لحثالة من اللئام ...يُسمّون الانبطاح و

الاستسلام بالسلام العالمي..!!!

فالغرب ما أبدع ، و أكتشف إلا بالتضحية من أجل إرساء أفكاره والسهر على

تثبيتها بالردع النووي ، و بكل الأسلحة المتاحة..! في الوقت الذي يتنافس فيه

أبناء حكامنا على إشتراء أندية لكرة القدم بملايير الدولارات..!! بدلا من أن

ينفقونها في تطوير رباط الخيل الذي أمرهم به الله عالم الغيب ، و الشهادة ،

الكبير المتعال..!!

[الفيلسوف]

تسلم ايدك

أ . أيهاب هاشم
على الطرح المميز ده

[انور حافظ احمد]

[ايهاب هاشم]

تشرفت بمروركم العطر

جزاكم الله خيرا