|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الأخذ بالأسباب في حياتنا المعاصرة بين الواقع والمأمول -
لقد ترك الكثير من الناس –إلا من رحم الله– سنة الأخذ بالأسباب في الحياة العملية والكسب والاحتراف؛ مما أدى إلى تفاقم مشكلة البطالة؛ فالذى ينام فى بيته ويريد أن يرزقه الله دون أدنى تعب أو أخذ بأسباب الرزق مخالف لمنهج الأنبياء والصالحين، بل إن هذا المذهب كان له تأثيره السلبي على الإسلام والمسلمين فى عصور الضعف؛ حيث قعد بهم عن الأخذ بأسباب القوة والتفوق على الأعداء وقد كان يُرجى منهم أن يكونوا محركين العالم فى تفوقه ورفعته، ولكن ما هم فيه أكبر دليل على تخلفهم عن الأخذ بالأسباب!! فلا يجوز للمؤمن أن يعطل الأسباب، بل لا يكون متوكلاً على الحقيقة إلا بتعاطي الأسباب، ولهذا شرع النكاح لحصول الولد، وأمر بالجماع، فلو قال أحد من الناس: أنا لا أتزوج وأنتظر ولداً من دون زواج، لعُدَّ من المجانين، فليس هذا من أمر العقلاء!! وكذلك لا يجلس في البيت أو في المسجد يتحرى الصدقات ويتحرَّى الأرزاق تأتيه، بل يجب عليه أن يسعى ويعمل ويجتهد في طلب الرزق الحلال. أحبتي في الله: إن أجسام الناس ما هي إلا آلات يجب إعمالها وعدم تعطيلها وإلا دمرها العجز والخور والشلل ، وصارت إلى الموت البطئ والاسترخاء والصدأ، وتحولت إلى أداة تعويق للحياة الاجتماعية ونموها، بدلاً من أن تكون أداة قوة ونماء وازدهار، وهذا ما كان يغرسه الرسول صلى الله عليه وسلم في نفوس أصحابه حينما يتوجع أحدهم أو يتمارض أو يركن إلى الخمول والكسل، دون الأخذ بالأسباب؛ معتمدا في ذلك على صدقات المحسنين، مع قدرته على الكسب والعمل، فإذا جاءَ أحدُهم إليه صلى الله عليه وسلم يسألُه مالاً، وكانَ قوياً على العملِ وجهَّه إلى العملِ وحثَّه عليه، وأمره بالأخذ بالأسباب؛ وبيَّن له أن العملَ مهما كانَ محتقراً في أعينِ الناسِ فهو أشرفُ للإنسانِ من التسولِ والمسألةِ، ومما يُروى في ذلكَ أن رجلاً من الأنصارِ أتى النبيَ صلى الله عليه وسلم يسألُه، فقال: «أما في بيتك شيءٌ؟» قال: بلى، حِلسٌ نلبسُ بعضَه، ونبسُط بعضَه، وقَعبٌ نَشربُ فيه الماءَ، قال: «ائتني بهما»، قالَ: فأتاه بهما، فأخذَهما رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بيده، وقالَ: «من يشتري هذين؟» قالَ رجلٌ: أنا آخذهما بدرهمٍ، قالَ: «من يزيدُ على درهمٍ؟» -مرتينِ أو ثلاثاً-، قالَ رجلٌ: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري وقالَ: «اشتر بأحدهما طعاماً فأنبذه إلى أهلك، واشتر بالآخرِ قَدوماً فأتني به»، فأتاه به، فشدَّ فيه صلى الله عليه وسلم عوداً بيده، ثم قالَ: «اذهب فاحتطِب وبع، ولا أرينَّكَ خمسةَ عشرَ يوماً»، فذهبَ الرجلُ يَحتطبُ ويبيعُ، فجاءَ وقد أصابَ عشرةَ دراهمٍ، فاشترى ببعضِها ثوباً وببعضِها طعاماً، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «هذا خيرٌ لك من أن تجيءَ المسألةُ نكتةً في وجهكَ يومَ القيامةِ، إن المسألةَ لا تصلحُ إلا لثلاثةٍ، لذي فقرٍ مُدقِعٍ، أو لذي غُرمٍ مُفظِعٍ، أو لذي دَمٍ مُوجعٍ» (رواه أبو داودَ والترمذيِّ وحسنَّه) . فالرسول صلى الله عليه وسلم لقن هذا الرجل درساً لا ينساه ، وبهذا سد الرسول صلى الله عليه وسلم باباً من أبواب الكسل والتواكل، فلو أن الرسول أعطاه من الصدقة لفتح بذلك الباب على مصراعيه للكسالى والمتواكلين، ولأصبحت هذه مهنتهم كما هي مهنة الكثيرين في هذا العصر، وما يرى – من أمثال هؤلاء – في الموصلات والشوارع والطرقات لأقوى دليل على ذلك، لهذا كله حرم الإسلام البطالة والكسل والركود لأن ذلك يؤدي إلى انحطاط في جميع مجالات الحياة، فإنه يؤدي إلى هبوط الإنتاج، وتخلف الأمة، وانتشار الفوضي، وكثرة المتواكلين، إضافة إلى المذاق الغير الطبيعي للقمة العيش وخاصة إذا حصل عليها الكسول من عرق جبين غيره، فينبغي على الفرد أن يعمل ليأكل من كسب يده لأنه أفضل أنواع الكسب، فقد أخرج البخاري عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ما أكل أحدٌ طعامًا قطّ خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبي الله داود كان يأكل من عمل يده”. عباد الله: إن القلب ليحزن حينما يري الشباب وهم في أعز قواهم العقلية والجسدية ومع ذلك يفني الشباب قوته وشبابه في الفراغ وفي كل ما حرم الله تبارك وتعالي من ملاهٍ ومشارب وخمور ومجون وغير ذلك؛ ولو لم يكن الإنسان في حاجة للعمل، لا هو ولا أسرته، لكان عليه أن يعمل للمجتمع الذي يعيش فيه فإن المجتمع يعطيه، فلابد أن يأخذ منه، على قدر ما عنده. يُروى أن رجلاً مر على أبي الدرداء الصحابي الزاهد – رضي الله عنه- فوجده يغرس جوزة، وهو في شيخوخته وهرمه، فقال له: أتغرس هذه الجوزة وأنت شيخ كبير، وهي لا تثمر إلا بعد كذا وكذا عاماً ؟! فقال أبو الدرداء: وما عليَ أن يكون لي أجرها ويأكل منها غيري!! وأكثر من ذلك أن المسلم لا يعمل لنفع المجتمع الإنساني فحسب، بل يعمل لنفع الأحياء، حتى الحيوان والطير، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ” مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ” [البخاري]، وبذلك يعم الرخاء ليشمل البلاد والعباد والطيور والدواب. أحبتى في الله: وفي الختام أسوق لكم قصة جميلة عن سلفنا الصالح في الأخذ بالأسباب وعدم الكسل والركود والاعتماد على صدقات المحسنين: يروى أن شقيقاً البلخي، ذهب في رحلة تجارية، وقبل سفره ودع صديقه إبراهيم بن أدهم حيث يتوقع أن يمكث في رحلته مدة طويلة، ولكن لم يمض إلا أيام قليلة حتى عاد شقيق ورآه إبراهيم في المسجد، فقال له متعجباً: ما الذي عجّل بعودتك؟ قال شقيق: رأيت في سفري عجباً، فعدلت عن الرحلة، قال إبراهيم: خيراً ماذا رأيت؟ قال شقيق: أويت إلى مكان خرب لأستريح فيه، فوجدت به طائراً كسيحاً أعمى، وعجبت وقلت في نفسي: كيف يعيش هذا الطائر في هذا المكان النائي، وهو لا يبصر ولا يتحرك؟ ولم ألبث إلا قليلاً حتى أقبل طائر آخر يحمل له العظام في اليوم مرات حتى يكتفي، فقلت: إن الذي رزق هذا الطائر في هذا المكان قادر على أن يرزقني، وعدت من ساعتي، فقال إبراهيم: عجباً لك يا شقيق، ولماذا رضيت لنفسك أن تكون الطائر الأعمى الكسيح الذي يعيش على معونة غيره، ولم ترض أن تكون الطائر الآخر الذي يسعى على نفسه وعلى غيره من العميان والمقعدين؟ أما علمت أن اليد العليا خير من اليد السفلى؟ فقام شقيق إلى إبراهيم وقبّل يده، وقال: أنت أستاذنا يا أبا إسحاق، وعاد إلى تجارته!! هؤلاء قد فهموا الإسلام، عملاً وتعباً، جهداً وبذلاً، لم يفهموا الإسلام تقاعساً ولا كسلاً، ولا دعة ولا خمولاً، وذلك لأن الإسلام رفع من شأن صاحب اليد العليا، ولا يريد لأتباعه أن يكونوا عالة على غيرهم. عباد الله: أما آن الأوان أن نأخذ بالأسباب في جميع مجالات الحياة؛ في التعليم ؛ في التداوي ؛ في الكسب ……..إلخ وبالمثال يتضح المقال: لو أن الابن مرض، آخذه إلى أفضل طبيب، أشرف بنفسي على الدواء، وأتصدق، وفي أعماق أعماق قلبي أقول: يارب أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، فهنا تستطيع أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، هذا ما ينقص المسلمين اليوم، لا يأخذون بالأسباب أبداً، العالم الغربي أخذ بها، واعتمد عليها، وألّهها ، فوقع في وادي الشرك، والعالم الشرقي لم يأخذ بها أصلاً فوقع في وادي المعصية، أي الطريق القويم؟! طريق على يمينه وادٍ سحيق، وعلى يساره وادٍ سحيق، على يمينه وادي الشرك إن أخذت بالأسباب، واعتمدت عليها، ونسيت الله عز وجل وقعت في وادي الشرك، وإن لم تأخذ بها أصلاً وقعت في وادي المعصية، والموقف الكامل أن تأخذ بها كأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء. أيها الأخوة، أعداء المسلمين يتهمون المسلمين بأنهم متواكلون، بأنهم حالمون، بأنهم عاطفيون، بأنهم يثارون لأتفه الأسباب، تضعف همتهم لأتفه الأسباب، هذا الوضع هو الذي ضعضع مكانة المسلمين في العالم، الطرف الآخر يعمل بعقله، يأخذ بالأسباب، لا يثور ولا يهوج، نحن نهوج ولا نفعل شيئاً بالنهاية، لكن العالم الآخر يستغل هذا الهياج وهذه الانفلاتات ويتهمنا بالتخلف، فلذلك آن الأوان أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم نتوكل على الله وكأنها ليست بشيء. أيها المسلمون: من آداب الأخذ بالأسباب الدعاء والتضرع إلى الله تعالى مع الأخذ بالأسباب؛ فإن الدعاء من أعظم الأسباب التي تعين على تحقيق المطلوب، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية:” الأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدره الله وكتبه، فإن كان قد تقدم بأنه يرزق العبد بسعيه واكتسابه، ألهمه السعي والاكتساب، وذلك الذي قدره له بالاكتساب لا يحصل بدون الاكتساب وما قدره له بغير اكتساب كموت مورثه يأتيه به بغير اكتساب، والسعي سعيان: سعي فيما نصب للرزق كالصناعة والزراعة والتجارة، وسعي بالدعاء والتوكل والإحسان إلى الخلق ونحو ذلك، فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.” اهـ. ويشرع فعل الدعاء قبل السبب وأثناءه وبعده وآكده قبله، لما في ذلك من الاستعانة بالله في البداية؛ فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم ببدر قبل وقت المعركة؛ وأمر من هم بأمر بالاستخارة وسؤال الله التيسير قبل الإقدام على الفعل الذي يريده!! أيها المسلمون: آمل أن يترجم هذا الكلام إلى سلوك عملي، حتى يقوى المسلمون، حتى يقفوا أمام أعدائهم، لأن الأخذ بالأسباب مع الإيمان بالله أساس النجاح، وسنلخص من هذا اللقاء بهذه المقولة التي ما زلت أرددها كثيراً : ينبغي أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم نتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
|
21/10/2015, 10:08 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
كبير مراقبين عـام منتديات المهندسين العرب
|
رد: الأخذ بالأسباب في حياتنا المعاصرة بين الواقع والمأمول -
بارك الله فيك اخي الكريم
وجازاك خير الجزاء |
||||
25/10/2015, 09:59 AM | رقم المشاركة : ( 4 ) | |||
كبار الشخصيات
|
رد: الأخذ بالأسباب في حياتنا المعاصرة بين الواقع والمأمول -
الف شكر لك اخي
|
|||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
Google Adsense Privacy Policy | سياسة الخصوصية لـ جوجل ادسنس
^-^ جميع آلمشآركآت آلمكتوبهـ تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكلـ من آلأشكآل عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى ~