الإجراءات العملية لنصرة خير البرية

[انور حافظ احمد]

يأتينا كل يوم عبر شبكة الاتصالات الإلكترونية العديد من الكتابات المتجاوزة حدود الأدب والأخلاق مع خير خلق الله صلى الله عليه وسلم , كما تجرأت الدوائر الإعلامية العَلمانية (بفتح العين) الصليبية والصهيونية على خير البرية .

وهذا السلوك غير الأخلاقي مع أنبياء الله ورسله قديم قدم الصراع بين إبليس وأبينا آدم عليه السلام ، لذلك لن تنقطع هذه السلوكيات الشيطانية طالما بقى على الأرض مؤمن واحد ، لذلك وجب علينا التصدي لهذا السلوك الشيطاني بأسلوب إسلامي صحيح ، كما يجب على كل مسلم الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونصرته قدر طاقته واستطاعته كما قال تعالى : (( إلا تنصروه فقد نصره الله )) [التوبة: 30] .

والسؤال المنطقي كيف نَنْصُر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

نقول وبالله التوفيق :

هناك نوعان من النصرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هما النصرة العاجلة الآنية ، والنصرة الدائمة العلمية الطويلة الأمد والمؤثرة تأثيرًا متميزًا .

وتتم النصرة العاجلة بالكتابة الصحفية والإعلام عند حدوث ما ينال من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عالميًا ومحليًا ، ومنها المقاطعة الاقتصادية لأعداء الله ورسوله ، وعدم التعامل السياسي معهم ، ورد الشبهات على الشبكة العنكبوتية ، وتنظيم المظاهرات ، وعقد الندوات والمؤتمرات واللقاءات للتعبير عن الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والبث الإعلامي بلغات مختلفة ، واستغلال المنابر وأنشطة المدارس والجامعات والمجتمع وغير ذلك من الوسائل .

ومن مميزات هذا النوع من النصرة العاجلة الرد السريع على الإساءات والإهانات ، وتجميع الجماهير المسلمة , وشحذ الهمم , وبيان مكانة المصطفى صلى الله عليه وسلم في القلوب ، وإنزال الخوف والرعب في قلوب الأعداء وبيان عظم وكثرة أحبة المصطفى وأتباعه , والتأثير عليهم اقتصادياً وإيلامهم بذلك فهم ماديون ويغيظهم الخسارة المادية.

ولهذا النوع من النصرة بعض الخصائص السلبية ، فهي لا تؤدي إلى عملية تعليم وتعلم وتغير حقيقي دائم ، وتعمل على تفريغ طاقات الغضب وشحن النفوس ، وقد لا تؤلم العدو الإيلام الحقيقي ، وقد تؤدي إلى الاستخفاف بالمسلمين ، ويسمونها غضب القرود في أقفاصها المغلقة ، وقد تؤدي إلى مخالفات شرعية ومردود سلبي ، ومن هنا تتضح أهمية النصرة العلمية العملية والدائمة الطويلة الأمد والمؤثرة ، فهي نصرة علمية عملية ، ومؤثرة ورادعة ، وتحقق الأهداف العامة والخاصة للإسلام والمسلمين ، كما تؤدي إلى البناء الحضاري العلمي ، وهي النصرة الحقيقية المطلوبة والشرعية المستندة إلى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وسيرة الصحابة والتابعين ، وسيرة من تبعهم من المؤمنين الصادقين العالمين المخلصين , فهي نصرة تؤدي إلى تمكين المسلمين في الأرض ، ونشر دعوة التوحيد ، وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، وتحقق المصالح الحقيقية للعباد ، وكما قال ربعي بن عامر لرسم قائد الفرس : الله ابتعثنا ، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ؛ فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه . انتهى . وهي نصرة تؤدي إلى تعمير الكون بنواميس الله في الخلق كما قال تعالى : (( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً )) [الكهف: 7]

ومن الإجراءات العملية لنصرة خير البرية .

تعلم فقه التمكين العلمي الأخلاقي : وهذا التمكين العلمي بشقيه الكوني والشرعي يتم بالاهتمام بالتعليم والتعلم الحقيقيين وتعلم أن تحصيل وتطبيق العلم النافع عبادة ، مع الأخذ بالأسباب العلمية والتقنية في الحياة كما قال تعالى : (( ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكر ، إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببًا , فأتبع سببًا )) [الكهف: 83-85] . وعن داود عليه السلام قال الله تعالى : (( وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون )) [الأنبياء: 80] وعن يوسف عليه السلام قال تعالى : (( قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفظ عليم )) [يوسف: 55] . ومن الأحاديث النبوية المبينة لأهمية تعلم التمكين العلمي قوله صلى الله عليه وسلم : " إن مثل ما بعثني الله به عز وجل من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ أو العشب الكثير وكانت منها أجاذب أمسكت الماء فنفع الله منها الناس ، فشربوا منها وسقوا وزرعوا ، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله به ، فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به " رواه البخاري . فالأول عالم ومعلم وناصر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بصيرة والثاني حافظ ومؤد لما سمعه فهذا يحمل العلم لغيره وينصر رسول الله صلى اله عليه وسلم بنشر دينه ، والثالث لا هذا ولا ذاك ، وهذا لم يقبل هدى الله ولم يرفع به رأسًا وجرؤ على نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم وأساء إليه بجهله ، فالنصرة العلمية العملية أن نبحث عن المتميزين والموهوبين والفائقين من أبناء المسلمين ونهيئ لهم الفرص للتعليم والتعلم والإبداع والتفوق الحقيقي ، وعلينا الاهتمام بالعلوم النافعة خاصة العلوم الكونية والعلوم الشرعية فالنصرة الحقيقية لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي تعمير ديار المسلمين بنواميس الله في الخلق وفق شرع الله ومنهاجه .

ويأتي بعد ذلك التمكين السياسي ، وعدم فصل السياسة عن الدين ، وأن ننظف السياسة العلمانية (بفتح العين) بدين الله ، وهناك ألاف الأدلة على أن السياسة جزء من الدين . وهذا ما فصلناه في كتابنا ( مواقف سياسية من سيرة خير البرية ) الذي أصدرته جمعية الشورى الإسلامية في مملكة البحرين ويوزع على الراغبين وطلاب العلم مجانًا , وهذه هي النصرة الحقيقية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، نصرة التمكين السياسي لدين الله ونبذ العلمانية الرافضة للدين والداعية إلى عزل المسلمين عن معترك الحياة السياسية والتأثير في اتخاذ القرارات المصيرية .

ويأتي بعد ذلك تعلم التمكين الاجتماعي فقد آخى المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين المسلمين في المدينة ، وعمل على إزالة الجاهلية والشحناء والبغضاء من النفوس ، وزرع المحبة والأخوة بين الناس في المجتمع ، كما عمل المصطفى صلى الله عليه وسلم على الاستقرار والنمو الاقتصادي ببناء السوق ، وإنشاء وثيقة المدينة لتنظيم العلاقات في المجتمع المسلم ، وأمر بالأمر بالمعروف ( بالمعروف ) والنهي عن المنكر ( أيضًا بالمعروف ) ، وأسس المسجد لتقوية العلاقات الاجتماعية الدينية ، وعلمهم التربية للأمان الاجتماعي وإماطة الأذى عن الطريق فقال : " بينما رجل يمشي في الطريق وجد غصن شوك فأخره فشكر الله فغفر له " رواه البخاري . وأمر بحق الطريق من رد السلام وغض البصر وكف الأذى ، وتطبيق ذلك من النصرة الحقيقية والعلمية والعملية والدائمة لدين الله .

كما أن إعطاء المرأة المسلمة حقوقها الشرعية ، وتمكينها في الحياة على أسس شرعية ، كما بينا في كتابنا ( تمكين المرأة في الشريعة الإسلامية ) من إصدارات جمعية الشورى الإسلامية , هذا التمكين الاجتماعي والسياسي والتعليمي والاقتصادي والثقافي وإنصاف المرأة كما وصانا المصطفى صلى الله عليه وسلم نصرة حقيقية لرسول الله ، وترسيخ لدعائم الأسرة المسلمة ، والفرد المسلم ، والمجتمع المسلم وأمة الإسلام .

كما أن تعلم فقه العبادة الشامل لجميع مناشط الحياة هو نصرة لدين الله كما قال تعالى : (( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين 0لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين )) [الأنعام: 162-163] .

وعندما نصر المسلمون نبيهم ودينهم نصرة عملية علمية شرعية أقاموا دولة الإسلام القوية التي امتدت من مشارق الأرض إلى مغاربها ، كما علينا بتعلم فقه الأمة الواحدة ، والسفينة الواحدة ، والبعد عن الجاهلية المنتنة والعصبية الجاهلية ،والتنازع, وبذلك نحقق النصرة الحقيقية والعلمية والدائمة لخير البرية صلى الله عليه وسلم .

أ.د. نظمي خليل أبو العطا موسى

[SeNiOR_LAW]

مشكور يا غالى وبارك الله فيك