ماشاء الله تبارك الله ماشاء الله لاقوة الا بالله , اللهم اني اسالك الهدى والتقى والعفاف والغنى
" قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ *مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ". صدق الله العظيم
الساده الاعضاء و زوار منتديات المهندسين العرب الكرام , , مشاهده القنوات الفضائيه بدون كارت مخالف للقوانين والمنتدى للغرض التعليمى فقط
   
Press Here To Hidden Advertise.:: إعلانات منتديات المهندسين العرب لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم الشكاوي ::.

 IPTV Reseller

  لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم طلبات الاعلانات اسفل المنتدى لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم طلبات الاعلانات اسفل المنتدى لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم طلبات الاعلانات اسفل المنتدى

Powerd By : Mohandsen.com

العودة   المهندسين العرب > اسلاميات ( حبا في رسول الله ) > المنتدي الاسلامي > المكتبه الاسلاميه

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27/9/2008, 10:39 AM   رقم المشاركة : ( 46 )
gmm12
Banned


الملف الشخصي
رقم العضوية : 35271
تاريخ التسجيل : Oct 2006
العمـر :
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 732 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : gmm12 يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

gmm12 غير متصل

افتراضي رد: رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }

عبادة بن الصامت

( نقيب في حزب الله )



إنه واحد من الأنصار الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" لو أن الأنصار سلكوا واديا أو شعبا, لسلكت وادي الأنصار وشعبهم, ولولا الهجرة لكنت من أمراء الأنصار".. وعبادة بن الصامت بعد كونه من الأنصار, فهو واحد من زعمائهم الذين اتخذهم نقباء على أهليهم وعشائرهم...

وحينما جاء وفد الأنصار الأول إلى مكة ليبايع الرسول عليه السلام, تلك البيعة المشهورة بـبيعة العقبة الأولى, كان عبادة بن الصامت رضي الله عنه أحد الاثني عشر مؤمنا, الذين سارعوا إلى الإسلام, وبسطوا أيمانهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مبايعين, وشدّوا على يمينه مؤازرين ومسلمين...



وحينما كان موعد الحج في العام التالي, يشهد بيعة العقبة الثانية يبايعها وفد الأنصار الثاني, مكّونا من سبعين مؤمنا ومؤمنة, كان عبادة أيضا من زعماء الوفد ونقباء الأنصار..



وفيما بعد والمشاهد تتوالى.. ومواقف التضحية والبذل, والفداء تتابع, كان عبادة هناك لم يتخلف عن مشهد ولم يبخل بتضحية...

ومنذ اختار الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقوم على أفضل وجه بتبعات هذا الاختيار..

كل ولائه لله, وكل طاعته لله, وكلا علاقته بأقربائه بحلفائه وبأعدائه إنما يشكلها إيمانه ويشكلها السلوك الذي يفرضه هذا الإيمان..

كانت عائلة عبادة مرتبطة بحلف قديم مع يهود بني قينقاع بالمدينة..



ومنذ هاجر الرسول وأصحابه إلى المدينة, ويهودها يتظاهرون بمسالمته.. حتى كانت الأيام التي تعقب غزوة بدر وتسبق غزوة أحد, فشرع يهود المدينة يتنمّرون..

وافتعلت إحدى قبائلهم بنو قينقاع أسبابا للفتنة وللشغب على المسلمين..

ولا يكاد عبادة يرى موقفهم هذا, حتى ينبذ إلى عهدهم ويفسخ حلفهم قائلا:

" إنما أتولى الله, ورسوله, والمؤمنين...

فيتنزل القرآن محييا موقفه وولاءه, قائلا في آياته:

( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) المائدة{56}



لقد أعلنت الآية الكريمة قيام حزب الله..

وحزب الله, هم أولئك المؤمنون الذين ينهضون حول رسول الله صلى الله عليه وسلم حاملين راية الهدى والحق, والذين يشكلون امتدادا مباركا لصفوف المؤمنين الذين سبقوهم عبر التاريخ حول أنبيائهم ورسلهم, مبلّغين في أزمانهم وأعصارهم كلمة الله الحي القيّوم..



ولن يقتصر حزب الله على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, بل سيمتد عبر الأجيال الوافدة, والأزمنة المقبلة حتى يرث الله الأرض ومن عليها, ضمّا إلى صفوفه كل مؤمن بالله وبرسوله..



وهكذا فان الرجل الذي نزلت هذه الآية الكريمة تحيي موقفه وتشيد بولائه وإيمانه, لن يظل مجرّد نقيب الأنصار في المدينة, بل سيصير نقيبا من نقباء الدين الذي ستزوى له أقطار الأرض جميعا.

أجل لقد أصبح عبادة بن الصامت نقيب عشيرته من الخزرج, رائدا من روّاد الإسلام, وإمام من أئمة المسلمين يخفق اسمه كالراية في معظم أقطار الأرض لا في جبل, ولا في جبلين, أو ثلاثة بل إلى ما شاء الله من أجيال.. ومن أزمان.. ومن آماد..!!



سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يتحدث عن مسؤولية الأمراء والولاة..

سمعه يتحدث عليه الصلاة والسلام, عن المصير الذي ينتظر من يفرّط منهم في الحق, أو تعبث ذمته بمال, فزلزل زلزالا, وأقسم بالله ألا يكون أميرا على أثنين أبدا..

ولقد برّ بقسمه..

وفي خلافة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه, لم يستطع الفاروق أن يحمله على قبول منصب ما, إلا تعليم الإنس وتفقيههم في الدين.

أجل هذا هو العمل الوحيد الذي آثره عبادة, مبتعدا بنفسه عن الأعمال الأخرى, المحفوفة بالزهو وبالسلطان وبالثراء, والمحفوفة أيضا بالأخطار التي يخشاها على مصيره ودينه

وهكذا سافر إلى الشام ثالث ثلاثة: هو ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء.. حيث ملؤوا البلاد علما وفقها ونورا...

وسافر عبادة إلى فلسطين حيث ولي قضاءها بعض الوقت وكان يحكمها باسم الخليفة آنذاك, معاوية..



كان عبادة بن الصامت وهو ثاو في الشام يرنو ببصره إلى ما وراء الحدود.. إلى المدينة المنورة عاصمة الإسلام ودار الخلافة, فيرى فيها عمر ابن الخطاب..رجل لم يخلق من طرازه سواه..!!

ثم يرتد بصره إلى حيث يقيم, في فلسطين.. فيرى معاوية بن أبي سفيان..رجل يحب الدنيا, ويعشق السلطان...

وعبادة من الرعيل الأول الذي عاش خير حياته وأعظمها وأثراها مع الرسول الكريم.. الرّعيل الذي صهره النضال وصقلته التضحية, وعانق الإسلام رغبا لا رهبا.. وباع نفسه وماله...

عبادة من الرعيل الذي رباه محمد بيديه, وأفرغ عليه من روحه ونوره وعظمته..

وإذا كان هناك من الأحياء مثل أعلى للحاكم يملأ نفس عبادة روعة, وقلبه ثقة, فهو ذلك الرجل الشاهق الرابض هناك في المدينة.. عمر بن الخطاب..

فإذا مضى عبادة يقيس تصرّفات معاوية بهذا المقياس, فستكون الشقة بين الاثنين واسعة, وسيكون الصراع محتوما.. وقد كان..!!



يقول عبادة رضي الله عنه:

" بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا نخاف في الله لومة لائم"..

وعبادة خير من يفي بالبيعة. وإذن فهو لن يخشى معاوية بكل سلطانه, وسيقف بالمرصاد لكل أخطائه..

ولقد شهد أهل فلسطين يومئذ عجبا.. وترامت أنباء المعارضة الجسورة التي يشنّها عبادة على معاوية إلى أقطار كثيرة من بلاد الإسلام فكانت قدوة ونبراسا..

وعلى الرغم من الحلم الواسع الرحيب الذي اشتهر به معاوية فقد ضاق صدره بمواقف عبادة ورأى فيها تهديدا مباشرا لهيبة سلطانه..

ورأى عبادة من جانبه أن مسافة الخلف بينه وبين معاوية تزداد وتتسع, فقال لمعاوية:" والله لا أساكنك أرضا واحدة أبدا".. وغادر فلسطين إلى المدينة..



كان أمير المؤمنين عمر, عظيم الفطنة, بعيد النظر.. وكان حريصا على ألا يدع أمثال معاوية من الولاة الذين يعتمدون على ذكائهم ويستعملونه بغير حساب دون أن يحيطهم بنفر من الصحابة الورعين الزاهدين والنصحاء المخلصين, كي يكبحوا جماح الطموح والرغبة لدى أولئك الولاة, وكي يكونوا لهم وللناس تذكرة دائمة بأيام الرسول وعهده..



من أجل هذا لم يكد أمير المؤمنين يبصر عبادة بن الصامت وقد عاد إلى المدينة حتى سأله:" ما الذي جاء بك يا عبادة"...؟؟ ولما قصّ عليه ما كان بينه وبين معاوية قال له عمر:

" ارجع إلى مكانك, فقبّح الله أرضا ليس فيها مثلك..!!

ثم أرسل عمر إلى معاوية كتابا يقول فيه:

" لا امرة لك على عبادة"..!!

أجل إن عبادة أمير نفسه..

وحين يكرّم عمر الفاروق رجلا مثل هذا التكريم, فانه يكون عظيما..

وقد كان عبادة عظيما في إيمانه, وفي استقامة ضميره وحياته...



وفي تمام عام الهجري الرابع والثلاثين, توفي بالرملة في أرض فلسطين هذا النقيب الراشد من نقباء الأنصار والإسلام, تاركا في الحياة عبيره وشذاه....]
 
قديم 27/9/2008, 10:41 AM   رقم المشاركة : ( 47 )
gmm12
Banned


الملف الشخصي
رقم العضوية : 35271
تاريخ التسجيل : Oct 2006
العمـر :
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 732 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : gmm12 يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

gmm12 غير متصل

افتراضي رد: رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }

أسيد بن خضير

( بطل يوم السقيفة )


ورث المكارم كابرا عن كابر..

فأبوه خضير الكتائب كان زعيم الأوس, وكان واحدا من كبار أشراف العرب في الجاهلية, ومقاتليهم الأشداء..

وفيه يقول الشاعر:


لو أن المنايا حدن عن ذي مهابة **** لهبن خضيرا يوم غلّق واقما

يطوف به, حتى إذا الليل جنّــــه **** تبوأ منـــــــه مقعدا متناغما




وورث أسيد عن أبيه مكانته, وشجاعته وجوده, فكان قبل أن يسلم, واحدا من زعماء المدينة وأشراف العرب, ورماتها الأفذاذ..

فلما اصطفاه الإسلام, وهدي إلى صراط العزيز الحميد, تناهى عزه.

وتسامى شرفه, يوم أخذ مكانه, وأخذ واحدا من أنصار الله وأنصار رسوله, ومن السابقين إلى الإسلام العظيم..



ولقد كان إسلامه يوم أسلم سريعا, وحاسما وشريفا..

فعندما أرسل الرسول عليه السلام مصعب بن عمير إلى المدينة ليعلم ويفقه المسلمين من الأنصار الذين بايعوا النبي عليه السلام عل الإسلام بيعة العقبة الأولى, وليدعو غيرهم إلى دين الله.

يومئذ, جلس أسيد بن خضير, وسعد بن معاذ, وكانا زعيمي قومهما, يتشاوران في أمر هذا الغريب الذي جاء من مكة يسفّه دينهما, ويدعو إلى دين جديد لا يعرفونه..

وقال سعد لأسيد:" انطلق إلى هذا الرجل فازجره"..

وحمل أسيد حربته, وأغذ السير إلى حيث كان مصعب في ضيافة أسعد بن زرارة من زعماء المدينة الذين سبقوا إلى الإسلام.

وعند مجلس مصعب وأسعد بن زرارة رأى أسيد جمهرة من الناس تصغي في اهتمام للكلمات الرشيدة التي يدعوهم بها إلى الله, مصعب بن عمير..

وفاجأهم أسيد بغضبه وثورته..

وقال له مصعب:

" هل لك في أن تجلس فتسمع.. فان رضيت أمرنا قبلته, وإن كرهته, كففنا عنك ما تكره"..؟؟



كان أسيد رجلا.. وكان مستنير العقل ذكيّ القلب حتى لقبه أهل المدينة بالكامل.. وهو لقب كان يحمله أبوه من قبله..

فلما رأى مصعبا يحتكم به إلى المنطق والعقل, غرس حربته في الأرض, وقال لمصعب:

لقد أنصفت: هات ما عندك..

وراح مصعب يقرأ عليه من القرآن, ويفسّر له دعوة الدين الجديد. الدين الحق الذي أمر محمد عليه الصلاة والسلام بتبليغه ونشر رايته.

ويقول الذين حضروا هذا المجلس:

" والله لقد عرفنا في وجه أسيد الإسلام قبل أن يتكلم..

عرفناه في إشراقه وتسهّله"..!!



لم يكد مصعب ينتهي من حديثه حتى صاح أسيد مبهورا:

" ما أحسن هذا الكلام وأجمله..

كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين".؟

قال له مصعب:

" تطهر بدنك, وثوبك, وتشهد شهادة الحق, ثم تصلي"..

إن شخصية أسيد شخصية مستقيمة قوية مستقيمة وناصعة, وهي إذ تعرف طريقها , لا تتردد لحظة أمام إرادتها الحازمة..

ومن ثمّ, قام أسيد في غير إرجاء ولا إبطاء ليستقبل الدين الذي انفتح له قلبه, وأشرقت به روحه, فاغتسل وتطهر, ثم سجد لله رب العالمين, معلنا إسلامه, مودّعا أيام وثنيّته, وجاهليته..!!

كان على أسيد أن يعود لسعد بن معاذ, لينقل إليه أخبار المهمة التي كلفه بها.. مهمة زجر مصعب بن عمير وإخراجه..

وعاد إلى سعد..

وما كاد يقترب من مجلسه, حتى قال سعد لمن حوله:

" أقسم لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به".!!

أجل..

لقد ذهب بوجه طافح بالمرارة, والغضب والتحدي..

وعاد بوجه تغشاه السكينة والرحمة والنور..!!



وقرر أسيد أن يستخدم ذكاءه قليلا..

إنه يعرف أن سعد بن معاذ مثله تماما في صفاء جوهره ومضاء عزمه, وسلامة تفكيره وتقديره..

ويعلم أنه ليس بينه وبين الإسلام سوى أن يسمع ما سمع هو من كلام الله, الذي يحسن ترتيله وتفسيره سفير الرسول إليهم مصعب بن عمير..

لكنه لو قال لسعد: إني أسلمت, فقم وأسلم, لكانت مجابهة غير مأمونة العاقبة..

إذن فعليه أن يثير حميّة سعد بطريقة تدفعه إلى مجلس مصعب حتى يسمع ويرى..

فكيف السبيل لهذا..؟

كان مصعب كما ذكرنا من قبل ينزل ضيفا على أسعد بن زرارة..

وأسعد بن زرارة هو ابن خالة سعد بن معاذ..

هنالك قال أسيد لسعد:

" لقد حدّثت أن بين الحارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه, وهم يعلمون أنه ابن خالتك"..

وقام سعد, تقوده الحميّة والغضب, وأخذ الحربة, وسار مسرعا إلى حيث أسعد ومصعب, ومن معهما من المسلمين..

ولما اقترب من المجلس لو يجد ضوضاء ولا لغطا, وإنما هي السكينة تغشى جماعة يتوسطهم مصعب بن عمير, يتلو آيات الله في خشوع, وهم يصغون إليه في اهتمام عظيم..

هنالك أدرك الحيلة التي نسجها له أسيد لكي يحمله على السعي إلى هذا المجلس, وإلقاء السمع لما يقوله سفير الإسلام مصعب بن عمير.

ولقد صدقت فراسة أسيد في صاحبه, فما كاد سعد يسمع حتى شرح الله صدره للإسلام, وأخذ مكانه في سرعة الضوء بين المؤمنين السابقين..!!



كان أسيد يحمل في قلبه إيمانا وثيقا ومضيئا..

وكان إيمانه بفيء عليه من الأناة والحلم وسلامة التقدير ما يجعله أهلا للثقة دوما..

وفي غزوة بني المصطلق تحركت مغايظ عبدالله بن أبيّ فقال لمن حوله من أهل المدينة:

" لقد أحللتمومهم بلادكم, وقاسمتموهم أموالكم..

أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا إلى غير دياركم..

أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل"..

سمع الصحابي الجليل زيد بن الأرقم هذه الكلمات, بل هذه السموم المنافقة المسعورة, فكان حقا عليه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم..

وتألم رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا, وقابله أسيد فقال له النبي عليه السلام:

أوما بلغك ما قال صاحبكم..؟؟

قال أسيد:

وأيّ صاحب يا رسول الله..؟؟

قال الرسول:

عبدالله بن أبيّ!!

قال أسيد:

وماذا قال..؟؟

قال الرسول:

زعم انه إن رجع إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل.

قال أسيد:

فأنت والله, يا رسول الله, تخرجه منها إن شاء الله.. هو والله الذليل, وأنت العزيز..

ثم قال أسيد:

" يا رسول الله أرفق به, فوالله لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه على المدينة ملكا, فهو يرى أن الإسلام قد سلبه ملكا"..

بهذا التفكير الهادئ العميق المتزن الواضح, كان أسيد دائما يعالج القضايا ببديهة حاضرة وثاقبة..



وفي يوم السقيفة, اثر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أعلن فريق من الأنصار, وعلى رأسهم سعد بن عبادة أحقيتهم بالخلافة, وطال الحوار, واحتدمت المناقشة, كان موقف أسيد, وهو كما عرفنا زعيم أنصاري كبير, كان موقفه فعالا في حسم الموقف, وكانت كلماته كفلق الصبح في تحديد الاتجاه..

وقف أسيد فقال مخاطبا فريق الأنصار من قومه:

" تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين..

فخليفته إذن ينبغي أن يكون من المهاجرين..

ولقد كنا أنصار رسول الله..

وعلينا اليوم أن نكون أنصار خليفته"..

وكانت كلماته, بردا, وسلاما..



ولقد عاش أسيد بن خضير رضي الله عنه عابدا, قانتا, باذلا روحه وماله في سبيل الخير, جاعلا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار نصب عينيه:

" اصبروا.. حتى تلقوني على الحوض"..

ولقد كان لدينه وخلقه موضع تكريم الصدّيق حبّه, كذلك كانت له نفس المكانة والمنزلة في قلب أمير المؤمنين عمر, وفي أفئدة الصحابة جميعا.

وكان الاستماع لصوته وهو يرتل القرآن إحدى المغانم الكبرى التي يحرص الأصحاب عليها..

ذلك الصوت الخاشع الباهر المنير الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أن الملائكة دنت من صاحبه ذات ليلة لسماعه..

وفي شهر شعبان عام عشرين للهجرة, مات أسيد..

وأبى أمير المؤمنين عمر إلا أن يحمل نعشه فوق كتفه..

وتحت ثرى البقيع وارى الأصحاب جثمان مؤمن عظيم..

وعادوا إلى المدينة وهم يستذكرون مناقبه ويرددون قول الرسول الكريم عنه:

" نعم الرحل.. أسيد بن خضير"..]
 
قديم 27/9/2008, 10:43 AM   رقم المشاركة : ( 48 )
gmm12
Banned


الملف الشخصي
رقم العضوية : 35271
تاريخ التسجيل : Oct 2006
العمـر :
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 732 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : gmm12 يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

gmm12 غير متصل

افتراضي رد: رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }

عثمان بن مظعون

( راهب صومعته الحياة )



إذا أردت أن ترتب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفق سبقهم الزمني إلى الإسلام فاعلم إذا بلغت الرقم الرابع عشر أن صاحبه هو عثمان بن مظعون..

واعلم كذلك أن ابن مظعون هذا, كان أول المهاجرين وفاة بالمدينة.. كما كان أول المسلمين دفنا بالبقيع..

واعلم أخيرا أن هذا الصحابي الجليل الذي تطالع إلان سيرته كان راهبا عظيما.. لا من رهبان الصوامع, بل من رهبان الحياة...!!

أجل.. كانت الحياة بكل جيشانها, ومسؤولياتها, وفضائلها هي صومعته..

وكانت رهبانيته عملا دائبا في سبيل الحق, وتفانيا مثابرا في سبيل الخير والصلاح...



عندما كان الإسلام يتسرّب ضوؤه الباكر االنديّ من قلب الرسول صلى الله عليه عليه وسلم.. ومن كلماته , عليه الصلاة والسلام, التي يلقيها في بعض الأسماع سرا وخفية..

كان عثمان بن معظون هناك, وحدا من القلة التي سارعت إلى الله والتفت حول رسوله..

ولقد نزل به من الأذى والضر, ما كان ينزل يومئذ بالمؤمنين الصابرين الصامدين..

وحين آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه القلة المؤمنة المضطهدة بالعافية. آمرا إيّاها بالهجرة إلى الحبشة. مؤثرا أن يبقى في مواجهة الأذى وحده, كان عثمان بن مظعون أمير الفوج الأول من المهاجرين, مصطحبا معه ابنه السائب موليّا وجهه شطر بلاد بعيدة عن مكايد عدو الله أبي جهل. وضراوة قريش, وهو عذابها....



وكشأن المهاجرين إلى الحبشة في كلتا الهجرتين... الأولى والثانية, لم يزدد عثمان بن مظعون رضي الله عنه إلا استمساكا بالإسلام. واعتصاما به..

والحق أن هجرتي الحبشة تمثلان ظاهرة فريدة, ومجيدة في قضية الإسلام..

فالذين آمنوا بالرسول صلى الله وصدّقوه, واتبعوا النور الذي أنزل معه, كانوا قد سئموا الوثنية بكل ضلالاتها وجهالاتها, وكانوا يحملون فطرة سديدة لم تعد تسيغ عبادة أصنام منحوتة من حجارة أو معجونة من صلصال..!!

وحين هاجروا إلى الحبشة واجهوا فيها دينا سائدا, ومنظما.. له مناسكه وأحباره ورهبانه..

وهو, مهما تكن نظرتهم إليه, بعيد عن الوثنية التي ألفوها في بلادهم, وعن عبادة الأصنام بشكلها المعروف وطقوسها التي خلفوها وراء ظهورهم..

ولا بدّ أن رجال الكنيسة في الحبشة قد بذلوا جهودا لاستمالة هؤلاء المهاجرين لدينهم, وإقناعهم بالمسيحية دينا...

ومع هذا كله نرى أولئك المهاجرين يبقون على ولائهم العميق للإسلام ولمحمد صلى الله عليه وسلم.. مترقبين في شوق وقلق, ذلك أن اليوم القريب الذي يعودون فيه إلى بلادهم الحبيبة, ليعبدوا الله وحده, وليأخذوا مكانهم خلف رسولهم العظيم.. في المسجد أيام السلام.. وفي ميدان القتال, إذا اضطرتهم قوى الشرك للقتال..



في الحبشة إذن عاش المهاجرون آمنين مطمئنين.. وعاش معهم عثمان بن مظعون الذي لم ينس في غربته مكايد ابن عمّه أمية بن خلف, وما ألحقه به وبغيره من أذى وضرّ, فراح يتسلى بهجائه ويتوعده:

تريش نبالا لا يواتيك ريشها ***** وتبري نبالا, ريشها لك أجمع

وحاربت أقواما مراما أعزة ***** وأهلكت أقواما بهم كنت تزغ

ستعلم إن نابتك يوما ملمّة ***** وأسلمك الأوباش ما كنت تصنع




وبينما المهاجرون في دار هجرتهم يعبدون الله, ويتدارسون ما معهم من القرآن, ويحملون برغم الغربة توهج روح منقطع النظير.. إذ الأنباء تواتيهم أن قريش أسلمت, وسجدت عم الرسول لله الواحد القهار..

هنالك حمل المهاجرون أمتعتهم وطاروا إلى مكة تسبقهم أشواقهم, ويحدوهم حنينهم..

بيد أنهم ما كادوا يقتربون من مشارفها حتى تبيّنوا كذب الخبر الذي بلغهم عن إسلام قريش..

وساعتئذ سقط في أيديهم, ورأوا أنهم قد عجلوا.. ولكن أنّى يذهبون وهذه مكة على مرمى البصر..!!

وقد سمع مشركو مكة بمقدم الصيد الذي طالما ردوه ونصبوا شباكهم لاقتناصه.. ثم ها هو ذا الآن, تحيّن فرصته, وتأتي به مقاديره..!!



كان الجوّار يومئذ تقليدا من تقاليد العرب ذات القداسة والإجلال, فإذا دخل رجل مستضعف جوار سيّد قرشي, أصبح في حمى منيع لا يهدر له دم, ولا يضطرب منه مأمن...

ولم يكن العائدون سواء في القدرة على الظفر بجوار..

من أجل ذلك ظفر بالجوار منهم قلة, كان من بين أفرادها عثمان بن مظعون الذي دخل في جوار الوليد بم المغيرة.

وهكذا دخل مكة آمنا مطمئنا, ومضى يعبر دربها, ويشهد ندواتها, لا يسام خسفا ولا ضيما.



ولكن ابن مظعون.. الرجل الذي يصقله القرآن, ويربيه محمد صلى الله عليه وسلم, يتلفت حوإليه, فيرى إخوانه المسلمين من الفقراء والمستضعفين, الين لم يجدوا لهم جوارا ولا مجيرا.. يراهم والأذى ينوشهم من كل جانب.. والبغي يطاردهم في كل سبيل.. بينما هو آمن في سربه, بعيد من أذى قومه, فيثور روحه الحر, ويجيش وجدانه النبيل, ويتفوق بنفسه على نفسه, ويخرج من داره مصمما على أن يخلع جوار الوليد, وأن ينضو عن كاهله تلك الحماية التي حرمته لذة تحمل الأذى في سبيل الله, وشرف الشبه بإخوانه المسلمين, طلائع الدنيا المؤمنة, وبشائر العالم الذي ستتفجر جوانبه غدا إيمانا, وتوحيدا, ونورا..



ولندع شاهد عيان يصف لنا ما حدث:

" لما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاء. وهو يغدو ويروح في أمان الوليد بن المغيرة, قال: والله إن غدوّي ورواحي آمنا بجوار رجل من أهل الشرك, وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى ما لايصيبني, لنقص كبير في نفسي..

فمشى إلى الوليد بن المغيرة فقال له:

يا أبا عبد شمس وفت ذمتك. وقد ردت إليك جوارك..

فقال له:

لم يا ابن أخي.. لعله إذاك أحد من قومي..؟

قال.. لا. ولكني أرضى بجوار الله, ولا أريد أن أستجير بغيره...

فانطلق إلى المسجد فاردد عليّ جواري علانية ..

فانطلقا حتى أتيا المسجد, فقال الوليد: هذا عثمان..

قد جاء يردد عليّ جواري..

قال عثمان: صدق.. ولقد وجدته وفيّا كريما الجوار, ولكنني أحببت إلا أستجير بغير الله..

ثم انصرف عثمان, ولبيد بن ربيعة في مجلس من مجالس قريش ينشدهم, فجلس معهم عثمان فقال لبيد:

ألا كل شيء ما خلا الله باطل

فقال عثمان: صدقت..

قال لبيد:

وكل نعيم لا محالة زائل

قال عثمان: كذبت.. نعيم الجنة لا يزول..

فقال لبيد: يا معشر قريش, والله ما كان يؤذي جليسكم, فمتى حدث هذا فيكم..؟

فقال رجل من القوم: إن هذا سفيه فارق ديننا.. فلا تجدنّ في نفسك من قوله..

فرد عليه عثمان بن مظعون حتى سري أمرهما. فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فأصابا, والوليد بن المغيرة قريب, يرى ما يحدث لعثمان, فقال: أما والله يا بن أخي إن كانت عينك عمّا أصابها لغنيّة, لقد كانت في ذمة منيعة..

فال عثمان: بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله.. واني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس..!!

فقال له الوليد: هلم يا بن أخي, إن شئت فعد إلى جواري..

قال ابن مظعون: لا...

وغادر ابن مظعون هذا المشهد وعينه تضجّ بالألم, ولكن روحه تتفجر عافية, وصلابة, وبشرا..

ولقد مضى في الطريق إلى داره يتغنى بشعره هذا:

فإن تك عيني في رضا الله نالها يدا ملحدا في الدين ليس بمهتدي

فقد عوّض الرحمن منها ثوابـه ومن يرضـه الرحمن يا قوم يسعد

فاني وإن قلتـــــــم غويّ مضلل لأحيـــــــا على دين الرسول محمد

أريد بذاك الله, والحق ديننــــــا على رغـم من يبغي علينا ويعتدي



هكذا ضرب عثمان بن مظعون مثلا, هو له أهل, وبه جدير..

وهكذا شهدت الحياة إنسانا شامخا يعطّر الوجود بموقفه الفذ هذا..

وبكلماته الرائعة الخالدة:

" والله إن عيني الصحيحة, لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله.. واني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر"..!!

ولقد ذهب عثمان بن مظعون بعد ردّ جوار الوليد يتلقى من قريش إذاها, وكان بهذا سعيدا جدّ سعيد.. فقد كان ذلك الأذى بمثابة النار التي تنضج الإيمان وتصهره وتزكّيه..

وهكذا سار مع إخوانه المؤمنين, لا يروعهم زجر.. وبل يصدّهم إثخان..!!



ويهاجر عثمان إلى المدينة, حيث لا يؤرّقه أبو جهل هناك, ولا أبو لهب.... ولا أميّة.. ولا عتبة, ولا شيء من هذه الغيلان التي طالما أرّقت ليلهم, وأدمت نهارهم..

يذهب إلى المدينة مع أولئك الأصحاب العظام الذين نجحوا بصمودهم وبثباتهم في امتحان تناهت عسرته ومشقته ورهبته, والذين لم يهاجروا إلى المدينة ليستريحوا ويكسروا.. بل لينطلقوا من بابها الفسيح الرحب إلى كل أقطار الأرض حاملين راية الله, مبشرين بكلماته وآياته وهداه..

وفي دار الهجرة المنوّرة, يتكشفّ جوهر عثمان بن مظعون وتستبين حقيقته العظيمة الفريدة, فإذا هو العابد, الزاهد, المتبتل, الأواب...

وإذا هو الراهب الجليل, الذكي الذي لا يأوي إلى صومعة يعتزل فيها الحياة..

بل يملأ الحياة بعمله, وبجهاده في سبيل الله..

أجل..

راهب الليل فارس النهار, بل راهب الليل والنهار, وفارسهما معا..

ولئن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا سيّما في تلك الفترة من حياتهم, كانوا جميعا يحملون روح الزهد والتبتل, فان ابن مظعون كان له في هذا المجال طابعه الخاص.. اذ أمعن في زهده وتفانيه إمعانا رائعا, أحال حياته كلها في ليله ونهاره إلى صلاة دائمة مضيئة, وتسبيحة طويلة عذبة..!!

وما إن ذاق حلاوة الاستغراق في العبادة حتى همّ بتقطيع كل الأسباب التي تربط الناس بمناعم الحياة..

فمضى لا يلبس إلا الملبس الخشن, ولا يأكل إلا الطعام الجشب..

دخل يوما المسجد, ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه جلوس, وكان يرتدي لباسا تمزق, فرقّعه بقطعة من فروة.. فرق له قلب الرسول صلى الله عليه وسلم, ودمعت عيون أصحابه, فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:

" كيف أنتم يوم يغدو أحدكم في حلة, ويروح في أخرى.. وتوضع في قصعة. وترفع أخرى.. وسترتم بيوتكم كما تستر الكعب..؟!"..

قال الأصحاب:

" وددنا أن يكون ذلك يا رسول الله, فنصيب الرخاء والعيش"..

فأجابهم الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا:

" إن ذلك لكائن.. وأنتم اليوم خير منكم يومئذ"..

وكان بديهيا, وابن مظعون يسمع هذا, أن يزداد إقبالا على الشظف وهربا من النعيم..!!

بل حتى الرفث إلى زوجته نأى عنه وانتهى, لولا أن علم أن رسول الله عليه السلام علم عن ذلك فناداه وقال له:

" إن لأهلك عليك حقا"..



وأحبّه الرسول صلوات الله وسلامه عليه حبّا عظيما..

وحين كانت روحه الطاهرة تتهيأ للرحيل ليكون صاحبها أول المهاجرين وفاة بالمدينة, وأولهم ارتياد لطريق الجنة, كان الرسول عليه الصلاة والسلام, هناك إلى جواره..

ولقد أكبّ على جبينه يقبله, ويعطّره بدموعه التي هطلت من عينيه الودودتين فضمّخت وجه عثمان الذي بدا ساعة الموت في أبهى لحظات إشراقه وجلاله..

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم يودّع صاحبه الحبيب:

" رحمك الله يا أبا السائب.. خرجت من الدنيا وما أصبت منها, ولا أصابت منك"..



ولم ينس الرسول الودود صاحبه بعد موته, بل كان دائم الذكر له, والثناء عليه..

حتى لقد كانت كلمات وداعه عليه السلام لابنته رقيّة, حين فاضت روحها:

" الحقي بسلفنا الخيّر, عثمان بن مظعون"..!!!
 
قديم 27/9/2008, 10:45 AM   رقم المشاركة : ( 49 )
gmm12
Banned


الملف الشخصي
رقم العضوية : 35271
تاريخ التسجيل : Oct 2006
العمـر :
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 732 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : gmm12 يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

gmm12 غير متصل

افتراضي رد: رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }

أسامة بن زيد

( الحبّ بن الحبّ )



جلس أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقسّم أموال بيت المال على المسلمين..

وجاء دور عبدالله بن عمر, فأعطاه عمر نصيبه.

ثم جاء دور أسامة بن زيد, فأعطاه عمر ضعف ما أعطى ولده عبدالله..

وإذا كان عمر يعطي الناس وفق فضلهم, وبلائهم في الإسلام, فقد خشي عبدالله بن عمر إن يكون مكانه في الإسلام آخرا, وهو الذي يرجو بطاعته, وبجهاده, وبزهده, وبورعه,إن يكون عند الله من السابقين..

هنالك سأل أباه قائلا:" لقد فضّلت عليّ أسامة, وقد شهدت مع رسول الله ما لم يشهد"..؟

فأجابه عمر:

" إن أسامة كان أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك..

وأبوه كان أحب إلى رسول الله من أبيك"..!

فمن هذا الذي بلغ هو وأبوه من قلب الرسول وحبه ما لم يبلغه ابن عمر, وما لم يبلغه عمر بذاته..؟؟

إنه أسامة بن زيد.

كان لقبه بين الصحابة: الحبّ بن الحبّ..

أبوه زيد بن حارثة خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي آثر الرسول على أبيه وأمه وأهله, والذي وقف به النبي على جموع أصحابه يقول:

" أشهدكم إن زيدا هذا ابني, يرثني وأرثه"..

وظل اسمه بين المسلمين زيد بن محمد حتى أبطل القرآن الكريم عادة التبنّي..

أسامة هذا ابنه..

وأمه هي أم أيمن, مولاة رسول الله وحاضنته,

لم يكن شكله الخارجي يؤهله لشيء.. أي شيء..

فهو كما يصفه الرواة والمؤرخون: أسود, أفطس..

أجل.. بهاتين الكلمتين, لا أكثر يلخص التاريخ حديثه عن شكل أسامة..!!

ولكن, متى كان الإسلام يعبأ بالأشكال الظاهرة للناس..؟

متى.. ورسوله هو الذي يقول:

" ألا ربّ أشعث, أعبر, ذي طمرين لا يؤبه له, لو أقسم على الله لأبرّه"..

فلندع الشكل الخارجي لأسامة إذن..

لندع بشرته السوداء, وأنفه الأفطس, فما هذا كله في ميزان الإسلام مكان..

ولننظر ماذا كان في ولائه..؟ ماذا كان في افتدائه..؟ في عظمة نفسه, وامتلاء حياته..؟!

لقد بلغ من ذلك كله المدى الذي هيأه لهذا الفيض من حب رسول الله عليه الصلاة والسلام وتقديره:

" إن أسامة بن زيد لمن أحبّ الناس إليّ, وإني لأرجو إن يكون من صالحيكم, فاستوصوا به خيرا".



كان أسامة رضي الله عنه مالكا لكل الصفات العظيمة التي تجعله قريبا من قلب الرسول.. وكبيرا في عينيه..

فهو ابن مسلمين كريمين من أوائل المسلمين سبقا إلى الإسلام, ومن أكثرهم ولاء للرسول وقربا منه.

وهو من أبناء الإسلام الحنفاء الذين ولدوا فيه, وتلقوا رضعاتهم الأولى من فطرته النقية, دون إن يدركهم من غبار الجاهلية المظلمة شيء..



وهو رضي الله عنه على حداثة سنه, مؤمن, صلب, ومسلم قوي, يحمل كل تبعات إيمانه ودينه, في ولاء مكين, وعزيمة قاهرة..

وهو مفرط في ذكائه, مفرط في تواضعه, ليس لتفانيه في سبيل الله ورسوله حدود..

ثم هو بعد هذا, يمثل في الدين الجديد, ضحايا الألوان الذين جاء الإسلام ليضع عنهم أوزار التفرقة وأوضارها..

فهذا الأسود الأفطس يأخذ في قلب النبي, وفي صفوف المسلمين مكانا عليّا, لأن الدين الذي ارتضاه الله لعباده قد صحح معايير الآدمية والأفضلية بين الناس فقال:

( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {13}الحجرات)..

وهكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل مكة يوم الفتح العظيم ورديفه هذا الأسود الأفطس أسامة بن زيد..

ثم رأيناه يدخل الكعبة في أكثر ساعات الإسلام روعة, وفوزا, وعن يمينه ويساره بلال, وأسامة.. رجلان تكسوهما البشرة السوداء الداكنة, ولكن كلمة الله التي يحملانها في قلبيهما الكبيرين قد أسبغت عليهما كل الشرف وكل الرفعة..



وفي سن مبكرة, لم تجاوز العشرين, أمر رسول الله أسامة بن زيد على جيش, بين أفراده وجنوده أبو بكر وعمر..!!

وسرت همهمة بين نفر من المسلمين تعاظمهم الأمر, واستكثروا على الفتى الشاب, أسامة بن زيد, إمارة جيش فيه شيوخ الأنصار وكبار المهاجرين..

وبلغ همسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فصعد المنبر, وحمد الله وأثنى عليه, ثم قال:

" إن بعض الناس يطعنون في إمارة أسامة بن زيد..

ولقد طعنوا في إمارة أبيه من قبل..

وإن كان أبوه لخليقا للإمارة..

وإن أسامة لخليق لها..

وإنه لمن أحبّ الناس إليّ بعد أبيه..

وإني لأرجو أن يكون من صالحيكم..

فاستوصوا به خيرا"..

وتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل إن يتحرّك الجيش إلى غايته ولكنه كان قد ترك وصيته الحكيمة لأصحابه:

" أنفذوا بعث أسامة..

أنفذوا بعث أسامة.."



وهكذا قدّس الخليفة أبو بكر هذه الوصاة, وعلى الرغم من الظروف الجديدة التي خلفتها وفاة الرسول, فإن الصدّيق أصرّ على إنجاز وصيته وأمره, فتحرّك جيش أسامة إلى غايته, بعد إن استأذنه الخليفة في إن يدع عمر ليبقى إلى جواره في المدينة.

وبينما كان إمبراطور الروم هرقل, يتلقى خبر وفاة الرسول, تلقى في نفس الوقت خبر الجيش الذي يغير على تخوم الشام بقيادة أسامة بن زيد, فحيّره إن يكون المسلمون من القوة بحيث لا يؤثر موت رسولهم في خططهم ومقدرتهم.

وهكذا انكمش الروم, ولم يعودوا يتخذون من حدود الشام نقط وثوب على مهد الإسلام في الجزيرة العربية.

وعاد الجيش بلا ضحايا.. وقال عنه المسلمون يومئذ:

" ما رأينا جيشا أسلم من جيش أسامة"..!!



وذات يوم تلقى أسامة من رسول الله درس حياته.. درسا بليغا, عاشه أسامة, وعاشته حياته كلها منذ غادرهم الرسول إلى الرفيق الأعلى إلى أن لقي أسامة ربه في أواخر خلافة معاوية.



قبل وفاة الرسول بعامين بعثه عليه السلام أميرا على سريّة خرجت للقاء بعض المشركين الذين يناوئون الإسلام والمسلمين.

وكانت تلك أول إمارة يتولاها أسامة..

ولقد أحرز في مهمته النجاح والفوز, وسبقته إنباء فوزه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرح بها وسر.



ولنستمع إلى أسامة يروي لنا بقية النبأ:

".. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم, وقد أتاه البشير بالفتح, فإذا هو متهلل وجهه.. فأدناني منه ثم قال:

حدّثني..

فجعلت أحدّثه.. وذكرت إنه لما انهزم القوم أدركت رجلا وأهويت إليه بالرمح, فقال لا اله إلا الله فطعنته وقتلته.

فتغيّر وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال:

ويحك يا أسامة..!

فكيف لك بلا اله إلا الله..؟

ويحك يا أسامة..

فكيف لك بلا اله إلا الله..؟

فلم يزل يرددها عليّ حتى لوددت إني انسلخت من كل عمل عملته. واستقبلت الإسلام يومئذ من جديد.

فلا والله لا أقاتل أحدا قال لا اله إلا الله بعدما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم".



هذا هو الدرس العظيم الذي وجّه حياة أسامة الحبيب بن الحبيب منذ سمعه من رسول الله إلى أن رحل عن الدنيا راضيا مرضيّا.

وإنه لدرس بليغ.

درس يكشف عن إنسانية الرسول, وعدله, وسموّ مبادئه, وعظمة دينه وخلقه..

فهذا الرجل الذي أسف النبي لمقتله, وأنكر على أسامة قتله, كان مشركا ومحاربا..

وهو حين قال: لا اله إلا الله.. قالها والسيف في يمينه, تتعلق به مزغ اللحم التي نهشها من أجساد المسلمين.. قالها لينجو بها من ضربة قاتلة, أو ليهيئ لنفسه فرصة يغير فيها اتجاهه ثم يعاود القتال من جديد..

ومع هذا, فلأنه قالها, وتحرّك بها لسانه, يصير دمه حراما وحياته آمنة, في نفس اللحظة, ولنفس السبب..!

ووعى أسامة الدرس إلى منتهاه..

فإذا كان هذا الرجل, في هذا الموقف, ينهى الرسول عن قتله لمجرّد إنه قل: لا اله إلا الله.. فكيف بالذين هم مؤمنون حقا, ومسلمون حقا..؟

وهكذا رأيناه عندما نشبت الفتنة الكبرى بين الإمام علي وأنصاره من جانب, ومعاوية وأنصاره من جانب آخر, يلتزم حيادا مطلقا.

كان يحبّ عليّا أكثر الحب, وكان يبصر الحق إلى جانبه.. ولكن كيف يقتل بسيفه مسلما يؤمن بالله وبرسله, وهو لذي لامه الرسول لقتله مشركا محاربا قال في لحظة انكساره وهروبه: لا اله إلا الله..؟؟!!

هنالك أرسل إلى الإمام علي رسالة قال فيها:

" إنك لو كنت في شدق الأسد,

لأحببت أن أدخل معك فيه.

ولكن هذا أمر لم أره"..!!

ولزم داره طوال هذا النزاع وتلك الحروب..

وحين حاءه بعض أصحابه يناقشونه في موقفه قال لهم:

" لا أقاتل أحدا يقول لا اله إلا الله أبدا".

قال أحدهم له: ألم بقل الله: ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ {193}البقرة)..؟؟

فأجابهم أسامة قائلا:

" أولئك هم المشركون, ولقد قاتلناهم حتى لم تكن فتنة وكان الدين كله لله"..



وفي العام الرابع والخمسين من الهجرة.. اشتاق أسامة للقاء الله, وتلملمت روحه بين جوانحه, تريد إن ترجع إلى وطنها الأول..

وتفتحت أبواب الجنان, لتستقبل واحدا من الأبرار المتقين.
 
قديم 27/9/2008, 10:46 AM   رقم المشاركة : ( 50 )
gmm12
Banned


الملف الشخصي
رقم العضوية : 35271
تاريخ التسجيل : Oct 2006
العمـر :
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 732 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : gmm12 يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

gmm12 غير متصل

افتراضي رد: رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }

سعد بن معاذ

( هنيئا لك يا أبا عمرو )



في العام الواحد والثلاثين من عمره, أسلم..

وفي السابع والثلاثين مات شهيدا..

وبين يوم إسلامه, ويوم وفاته, قضى سعد بن معاذ رضي الله عنه أياما شاهقة في خدمة الله ورسوله..



انظروا..

أترون هذا الرجل الوسيم, الجليل, الفارع الطول, المشرق الوجه, الجسيم, الجزل.؟؟

انه هو..

يقطع الأرض وثبا وركضا إلى دار أسعد بن زرارة فيرى هذا الرجل الوافد من مكة مصعب بن عمير الذي بعث به محمدا عليه الصلاة والسلام إلى المدينة يبشّر فيها بالتوحيد والإسلام..

أجل.. هو ذاهب إلى هناك ليدفع بهذا الغريب خارج حدود المدينة, حاملا معه دينه.. وتاركا للمدينة دينها..!!



ولكنه لا يكاد يقترب من مجلس مصعب في دار ابن خالته أسيد بن زرارة, حتى ينتعش فؤاده بنسمات حلوة هبّت عليه هبوب العافية..

ولا يكاد يبلغ الجالسين, ويأخذ مكانه بينهم, ملقيا سمعه لكلمات مصعب حتى تكون هداية الله قد أضاءت نفسه وروحه..

وفي إحدى مفاجآت القدر الباهرة المذهلة, يلقي زعيم الأنصار حبته بعيدا, ويبسط يمينه مبايعا رسول الله صلى الله عليه وسلم..

وبإسلام سعد بن معاذ تشرق في المدينة شمس جديدة, ستدور في فلكها قلوب كثيرة تسلم مع حمد لله رب العالمين..!!

أسلم سعد.. وحمل تبعات إسلامه في بطولة وعظمة..

وعندما هاجر رسول الله وصحبه إلى المدينة كانت دور بني عبد الأشهل قبيلة سعد مفتحة الأبواب للمهاجرين, وكانت أموالهم كلها تحت تصرّفهم في غير منّ, ولا أذى.. ولا حساب..!!



وتجيء غزوة بدر..

ويجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين والأنصار, ليشاورهم في الأمر.

وييمّم وجهه الكريم شطر الأنصار ويقول:

" أشيروا عليّ أيها الناس.."

ونهض سعد بن معاذ قائما كالعلم.. يقول:

" يا رسول الله..

لقد آمنا بك, وصدّقناك, وشهدنا أن ما جئت به هو الحق, وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا..

فامض يا رسول الله لما أردت, فنحن معك..

ووالذي بعثك بالحق, لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك, وما تخلف منا رجل واحد, وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا..

إنا لصبر في الحرب, صدق في اللقاء..

ولعلّ الله يريك ما تقرّ به عينك...

فسر بنا على بركة الله"...



أهلت كلمات سعد كالبشريات, وتألق وجه الرسول رضا وسعادة وغبطة, فقال للمسلمين:

" سيروا وأبشروا, فان الله وعدني إحدى الطائفتين.. والله لكأني أنظر إلى مصرع القوم"..

وفي غزوة أحد, وعندما تشتت المسلمون تحت وقع الباغتة الداهمة التي فاجأهم بها جيش المشركين, لم تكن العين لتخطئ مكان سعد بن معاذ..

لقد سمّر قدميه في الأرض بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم, يذود عنه ويدافع في استبسال هو له أهل وبه جدير..



وجاءت غزوة الخندق, لتتجلى رجولة سعد وبطولته تجليا باهرا ومجيدا..

وغزوة الخندق هذه, آية بينة على المكايدة المريرة الغادرة التي كان المسلمون يطاردون بها في غير هوادة, من خصوم لا يعرفون في خصومتهم عدلا ولا ذمّة..

فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يحيون بالمدينة في سلام يعبدون ربهم, ويتواصون بطاعته, ويرجون أن تكف قريش عن إغارتها وحروبها, إذا فريق من زعماء اليهود يخرجون خلسة إلى مكة محرّضين قريشا على رسول الله, وباذلين لها الوعود والعهود أن يقفوا بجانب القرشيين إذا هم خرجوا لقتال المسلمين..

واتفقوا مع المشركين فعلا, ووضعوا معا خطة القتال والغزو..

وفي طريقهم وهم راجعون إلى المدينة حرّضوا قبيلة من أكبر قبائل العرب, هي قبيلة غطفان واتفقوا مع زعمائها على الانضمام لجيش قريش..

وضعت خطة الحرب, ووزعت أدوارها.. فقريش وغطفان يهاجمان المدينة بجيش عرمرم كبير..

واليهود يقومون بدور تخريبي داخل المدينة وحولها في الوقت الذي يباغتها فيه الجيش المهاجم..

ولما علم النبي عليه الصلاة والسلام بالمؤامرة الغادرة راح يعدّ لها العدّة.. فأمر بحفر خندق حول المدينة ليعوق زحف المهاجمين.

وأرسل سعد بن معاذ وسعد بن عبادة إلى كعب بن أسد زعيم يهود بني قريظة, ليتبيّنا حقيقة موقف هؤلاء من الحرب المرتقبة, وكان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يهود بني قريظة عهود ومواثيق..

فلما التقى مبعوثا الرسول بزعيم بني قريظة فوجئا يقول لكم:

" ليس بيننا وبين محمد عهد ولا عقد"..!!



عز على الرسول عليه الصلاة والسلام أن يتعرض أهل المدينة لهذا الغزو المدمدم والحصار المنهك, ففكر في أن يعزل غطفان عن قريش, فينقض الجيش المهاجم بنصف عدده, ونصف قوته, وراح بالفعل يفاوض زعماء غطفان على أن ينفضوا أيديهم عن هذه الحرب, ولهم لقاء ذلك ثلث ثمار المدينة, ورضي قادة غطفان, ولم يبق إلا أن يسجل الاتفاق في وثيقة ممهورة..

وعند هذا المدى من المحاولة, وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم ير من حقه أن ينفرد بالأمر, فدعا إليه أصحابه رضي الله عنهم ليشاورهم..

واهتم عليه الصلاة والسلام اهتماما خاصا برأي سعد بن معاذ, وسعد بن عبادة.. فهما زعيما المدينة, وهما بهذا أصحاب حق أول في مناقشة هذا الأمر, واختيار موقف تجاهه..



قصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما حديث التفاوض الذي جرى بينه وبين زعماء غطفان.. وأنبأهما أنه إنما لجأ إلى هذه المحاولة, رغبة منه في أن يبعد عن المدينة وأهلها هذا الهجوم الخطير, والحصار الرهيب..

وتقدم السعدان إلى رسول الله بهذا السؤال:

" يا رسول الله..

أهذا رأي تختاره, أم وحي أمرك الله به"؟؟

قال الرسول:

" بل أمر أختاره لكم..

والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة, وكالبوكم من كل جانب, فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم إلى أمر ما"..

وأحسّ سعد بن معاذ أن أقدارهم كرجال ومؤمنين تواجه امتحانا, أي امتحان..

هنالك قال:

" يا رسول الله..

قد كنا وهؤلاء على الشرك وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه, وهم لا يطمعون أن يأكلوا من مدينتنا تمرة, إلا قرى, أي كرما وضيفة, أ, بيعا..

أفحين أكرمنا الله بالإسلام, وهدانا له, وأعزنا بك وبه, نعطيهم أموالنا..؟؟

والله ما لنا بهذا من حاجة..

ووالله لا نعطيهم إلا السيف.. حتى يحكم الله بيننا وبينهم"..!!

وعلى الفور عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رأيه, وأنبأ زعماء غطفان أن أصحابه رفضوا مشروع المفاوضة, وأنه أقرّ رأيهم والتزم به..



وبعد أيام شهدت المدينة حصارا رهيبا..

والحق أنه حصار اختارته هي لنفسها أكثر مما كان مفروضا عليها, وذلك بسبب الخندق الذي حفر حولها ليكون جنّة لها ووقاية..

ولبس المسلمون لباس الحرب.

وخرج سعد بن معاذ حاملا سيفه ورمحه وهو ينشد ويقول:

لبث قليلا يشهد الهيجا الجمل ما أجمل الموت إذا حان الأجل

وفي إحدى الجولات تلقت ذراع سعد سهما وبيلا, قذفه به أحد المشركين..

وتفجّر الدم من وريده وأسعف سريعا إسعافا مؤقتا يرقأ به دمه, وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحمل إلى المسجد, وأن تنصب له به خيمة حتى يكون على قرب منه دائما أثناء تمريضه..

وحمل المسلمون فتاهم العظيم إلى مكانه في مسجد الرسول..

ورفع سعد بصره إلى السماء وقال:

" اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها... فانه لا قوم أحب إليّ أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك, وكذبوه, وأخرجوه..

وان كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم, فاجعل ما أصابني اليوم طريقا للشهادة..

ولا تمتني حتى تقرّ عيني من بني قريظة"..!



لك الله يا سعد بن معاذ..!

فمن ذا الذي يستطيع أن يقول مثل هذا القول, في مثل هذا الموقف سواك..؟؟

ولقد استجاب الله دعاءه..

فكانت إصابته هذه طريقه إلى الشهادة, إذ لقي ربه بعد شهر, متأثرا بجراحه..

ولكنه لم يمت حتى شفي صدرا من بني قريظة..

ذلك أنه بعد أن يئست قريش من اقتحام المدينة, ودبّ في صفوف جيشها الهلع, حمل الجميع متاعهم وسلاحهم, وعادوا مخذولين إلى مكة..

ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ترك بني قريظة, يفرضون على المدينة غدرهم كما شاؤوا, أمر لم يعد من حقه أن يتسامح تجاهه..

هنالك أمر أصحابه بالسير إلى بني قريظة.

وهناك حاصروهم خمسة وعشرين يوما..

ولما رأى هؤلاء ألا منجى لهم من المسلمين, استسلموا, وتقدموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجاء أجابهم إليه, وهو أن يحكم فيهم سعد بن معاذ.. وكان سعد حليفهم في الجاهلية..



أرسل النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه من جاؤوا بسعد بن معاذ

من مخيمه الذي كان يمرّض فيه بالمسجد..

جاء محمولا على دابة, وقد نال منه الإعياء والمرض..

وقال له الرسول:

" يا سعد احكم في بني قريظة".

وراح سعد يستعيد محاولات الغدر التي كان آخرها غزوة الخندق والتي كادت المدينة تهلك فيها بأهلها..

وقال سعد:

" إني أرى أن يقتل مقاتلوهم..

وتسبى ذراريهم..

وتقسّم أموالهم.."

وهكذا لم يمت سعد حتى شفي صدره من بني قريظة..



كان جرح سعد يزداد خطرا كل يوم, بل كل ساعة..

وذات يوم ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعيادته, فألفاه يعيش في لحظات الوداع فأخذ عليه الصلاة والسلام رأسه ووضعه في حجره, وابتهل إلى الله قائلا:

" اللهم إن سعدا قد جاهد في سبيلك, وصدّق رسولك وقضى الذي عليه, فتقبّل روحه بخير ما تقبّلت به روحا"..!

وهطلت كلمات النبي صلى الله عليه وسلم على الروح المودّعة بردا وسلاما..

فحاول في جهد, وفتح عينيه راجيا أن يكون وجه رسول الله آخر ما تبصرانه في الحياة وقال:

" السلام عليك يا رسول الله..

أما إني لأشهد أنك رسول الله"..

وتملى وجه النبي وجه سعد آن ذاك وقال:

" هنيئا لك يا أبا عمرو".



يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه:

" كنت ممن حفروا لسعد قبره..

وكنا كلما حفرنا طبقة من تراب, شممنا ريح المسك.. حتى انتهينا إلى اللحد"..

وكان مصاب المسلمين في سعد عظيما..

ولكن عزاءهم كان جليلا, حين سمعوا رسولهم الكريم يقول:

" لقد اهتز عرش الرحمن لموت يعد بن معاذ"..
 
قديم 27/9/2008, 10:48 AM   رقم المشاركة : ( 51 )
gmm12
Banned


الملف الشخصي
رقم العضوية : 35271
تاريخ التسجيل : Oct 2006
العمـر :
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 732 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : gmm12 يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

gmm12 غير متصل

افتراضي رد: رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }

سعيد بن عامر

( العظمة تحت الأسمال )
أيّنا سمع هذا الاسم, وأيّنا سمع به من قبل..؟

أغلب الظن أن أكثرنا, إن لم نكن جميعا, لم نسمع به قط.. وكأني بكم إذ تطالعونه الآن تتساءلون: ومن يكون عامر هذا..؟؟

أجل سنعلم من هذا السعيد..!!



إنه واحد من كبار الصحابة رضي الله عنهم, وان لم يكن لاسمه ذلك الرنين المألوف لأسماء كبار الصحابة.

انه واحد من كبار الأتقياء الأخفياء..!!

ولعل من نافلة القول وتكراره, أن ننوه بملازمته رسول الله في جميع مشاهده وغزواته.. فذلك كان نهج المسلمين جميعا. وما كان لمؤمن أن يتخلف عن رسول الله في سلم أو جهاد.

أسلم سعيد قبيل فتح خيبر, ومنذ عانق الإسلام وبايع الرسول, أعطاهما كل حياته, ووجوده ومصيره.

فالطاعة, والزهد, والسمو.. والإخبات, والورع, والترفع.

كل الفضائل العظيمة وجدت في هذا الإنسان الطيب الطاهر أخا وصديقا كبيرا..

وحين نسعى للقاء عظمته ورؤيتها, علينا أن نكون من الفطنة بحيث لا نخدع عن هذه العظمة وندعها تفلت منا وتتنكر..

فحين تقع العين على سعيد في الزحام, لن ترى شيئا يدعوها للتلبث والتأمل..

ستجد العين واحدا من أفراد الكتيبة .. أشعث أغبر. . ليس في ملبسه, ولا في شكله الخارجي, ما يميزه عن فقراء المسلمين بشيء.!!

فإذا جعلنا من ملبسه ومن شكله الخارجي دليلا على حقيقته, فلن نبصر شيئا, فان عظمة هذا الرجل أكثر أصالة من أن تتبدى في أيّ من مظاهر البذخ والزخرف.

إنها هناك كامنة مخبوءة وراء بساطته وأسماله.

أتعرفون اللؤلؤ المخبوء في جوف الصدف..؟ إنه شيء يشبه هذا..



عندما عزل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب معاوية عن ولاية الشام, تلفت حواليه يبحث عن بديل يوليه مكانه.

وأسلوب عمر في اختيار ولاته ومعاونيه, أسلوب يجمع أقصى غايات الحذر, والدقة, والأناة.. ذلك أنه كان يؤمن أن أي خطأ يرتكبه والٍ في أقصى الأرض سيسأل عنه الله اثنين: عمر أولا.. وصاحب الخطأ ثانيا..

ومعاييره في تقييم الناس واختيار الولاة مرهفة, ومحيطة,وبصيرة, أكثر ما يكون البصر حدة ونفاذا..

والشام يومئذ حاضرة كبيرة, والحياة فيها قبل دخول الإسلام بقرون, تتقلب بين حضارات متساوقة.. وهي مركز هام لتجارة. ومرتع رحيب للنعمة.. وهي بهذا, ولهذا درء إغراء. ولا يصلح لها في رأي عمر إلا قديس تفر كل شياطين الإغراء أمام عزوفه.. وإلا زاهد, عابد, قانت, أواب..

وصاح عمر: قد وجدته, إليّ بسعيد بن عامر..!!

وفيما بعد يجيء سعيد إلى أمير المؤمنين ويعرض عليه ولاية حمص..

ولكن سعيدا يعتذر ويقول: " لا تفتنّي يا أمير المؤمنين"..

فيصيح به عمر:

" والله لا أدعك.. أتضعون أمانتكم وخلافتكم في عنقي.. ثم تتركوني"..؟؟!!



واقتنع سعيد في لحظة, فقد كانت كلمات عمر حريّة بهذا الإقناع.

أجل. ليس من العدل أن يقلدوه أمانتهم وخلافتهم, ثم يتركوه وحيدا..وإذا انفض عن مسؤولية الحكم أمثال سعيد بن عامر, فأنّى لعمر من يعينه على تبعات الحكم الثقال..؟؟

خرج سعيد إلى حمص ومعه زوجته, وكانا عروسين جديدين, وكانت عروسه منذ طفولتها فائقة الجمال والنضرة.. وزوّده عمر بقدر طيّب من المال.

ولما استقرّا في حمص أرادت زوجته أن تستعمل حقها كزوجة في استثمار المال الذي زوده به عمر.. وأشارت عليه بأن يشتري ما يلزمهما من لباس لائق, ومتاع وأثاث.. ثم يدخر الباقي..

وقال لها سعيد: ألا أدلك على خير من هذا..؟؟ نحن في بلاد تجارتها رابحة, وسوقها رائجة, فلنعط المال من يتاجر لنا فيه وينمّيه..

قالت: وإن خسرت تجارته..؟

قال سعيد: سأجعل ضمانا عليه..!!

قالت: فنعم إذن..

وخرج سعيد فاشترى بعض ضروريات عيشه المتقشف, ثم فرق جميع المال في الفقراء والمحتاجين..



ومرّت الأيام.. وبين الحين والحين تسأله زوجه عن تجارتهما وأيّان بلغت من الأرباح..

ويجيبها سعيد: إنها تجارة موفقة.. وإن الرباح تنمو وتزيد.

وذات يوم سألته نفس السؤال أمام قريب له كان يعرف حقيقة الأمر فابتسم. ثم ضحك ضحكة أوحت إلى روع الزوجة بالشك والريب, فألحت عليه أن يصارحها الحديث, فقال لها: لقد تصدق بماله جميعه من ذلك اليوم البعيد.

فبكت زوجة سعيد, وآسفها أنها لم تذهب من هذا المال بطائل فلا هي ابتاعت لنفسها ما تريد, وإلا المال بقي..

ونظر إليها سعيد وقد زادتها دموعها الوديعة الآسية جمالا وروعة.

وقبل أن ينال المشهد الفاتن من نفسه ضعفا, ألقى بصيرته نحو الجنة فرأى فيها أصحابه السابقين الراحلين فقال:

" لقد كان لي أصحاب سبقوني إلى الله... وما أحب أن أنحرف عن طريقهم ولو كانت لي الدنيا بما فيها"..!!



وإذ خشي أن تدل عليه بجمالها, وكأنه يوجه الحديث إلى نفسه معها:

" تعلمين أن في الجنة من الحور العين والخيرات الحسان, ما لو أطلت واحدة منهن على الأرض لأضاءتها جميعا, ولقهر نورها نور الشمس والقمر معا.. فلأن أضحي بك من أجلهن, أحرى أولى من أن أضحي بهن من أجلك"..!!

وأنهى حديثه كما بدأه, هادئا مبتسما راضيا..

وسكنت زوجته, وأدركت أنه لا شيء أفضل لهما من السير في طريق سعيد, وحمل النفس على محاكاته في زهده وتقواه..!!



كانت حمص أيامئذ, توصف بأنها الكوفة الثانية وسبب هذا الوصف, كثرة تمرّد أهلها واختلافهم على ولاتهم.

ولما كانت الكوفة في العراق صاحبة السبق في هذا التمرد فقد أخذت حمص اسمها لما شابهتها...

وعلى الرغم من ولع الحمصيين بالتمرّد كما ذكرنا, فقد هدى الله قلوبهم لعبده الصالح سعيد, فأحبوه وأطاعوه.

ولقد سأله عمر يوما فقال: " إن أهل الشام يحبونك".؟

فأجابه سعيد قائلا:" لأني أعاونهم وأواسيهم"..!

بيد أن مهما يكن أهل حمص حب لسعيد, فلا مفر من أن يكون هناك بعض التذمر والشكوى.. على الأقل لتثبت حمص أنها لا تزال المنافس القوي لكوفة العراق...

وتقدم البعض يشكون منه, وكانت شكوى مباركة, فقد كشفت عن جانب من عظمة الرجل, عجيب عجيب جدا..

طلب عمر من الزمرة الشاكية أن تعدد نقاط شكواها, واحدة واحدة..

فنهض المتحدث بلسان هذه المجموعة وقال: نشكو منه أربعا:

" لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار..

ولا يجيب أحدا بليل..

وله في الشهر يومان لا يخرج فيهما إلينا ولا نراه,

وأخرى لا حيلة له فيها ولكنها تضايقنا, وهي أنه تأخذه الغشية بين الحين والحين"..

وجلس الرجل:

وأطرق عمر مليا, وابتهل إلى الله همسا قال:

" اللهم إني أعرفه من خير عبادك..

اللهم لا تخيّب فيه فراستي"..

ودعاه للدفاع عن نفسه, فقال سعيد:

أما قولهم إني لا أخرج إليهم حتى يتعالى النهار..

" فوالله لقد كنت أكره ذكر السبب.. انه ليس لأهلي خادم, فأنا أعجن عجيني, ثم أدعه يختمر, ثم اخبز خبزي, ثم أتوضأ للضحى, ثم أخرج إليهم"..

وتهلل وجه عمر وقال: الحمد لله.. والثانية..؟!

وتابع سعيد حديثه:

وأما قولهم: لا أجيب أحدا بليل..

فوالله, لقد كنت أكره ذكر السبب.. إني جعلت النهار لهم,والليل لربي"..

أما قولهم: إن لي يومين في الشهر لا أخرج فيهما...

" فليس لي خادم يغسل ثوبي, وليس بي ثياب أبدّلها, فأنا أغسل ثوبي ثم أنتظر أن يجف بعد حين.. وفي آخر النهار أخرج اليهم ".

وأما قولهم: إن الغشية تأخذني بين الحين والحين..

" فقد شهدت مصرع خبيب الأنصاري بمكة, وقد بضعت قريش لحمه, وحملوه على جذعه, وهم يقولون له: أحب أن محمدا مكانك, وأنت سليم معافى..؟ فيجيبهم قائلا: والله ما أحب أني في أهلي وولدي, معي عافية الدنيا ونعيمها, ويصاب رسول الله بشوكة..

فكلما ذكرت ذلك المشهد الذي رأيته أنا يومئذ من المشركين, ثم تذكرت تركي نصرة خبيب يومها, أرتجف خوفا من عذاب الله, ويغشاني الذي يغشاني"..

وانتهت كلمات سعيد التي كانت تغادر شفتيه مبللة بدموعه الورعة الطاهرة..

ولم يمالك عمر نفسه ونشوه, فصاح من فرط حبوره.

" الحمد لله الذي لم يخيّب فراستي".!

وعانق سعيدا, وقبّل جبهته المضيئة العالية...



أي حظ من الهدى ناله هذا الطراز من الحق..؟

أي معلم كان رسول الله..؟

أي نور نافذ, كان كتاب الله..؟؟

وأي مدرسة ملهمة ومعلمة, كان الإسلام..؟؟

ولكن, هل تستطيع الأرض أن تحمل فوق ظهرها عددا كثيرا من هذا الطراز..؟؟

انه لو حدث هذا, لما بقيت أرضا, إنها تصير فردوسا..

أجل تصير الفردوس الموعود..

ولما كان الفردوس لم يأت زمانه بعد فان الذين يمرون بالحياة ويعبرون الأرض من هذا الطراز المجيد الجليل.. قليلون دائما ونادرون..

وسعيد بن عامر واحد منهم..

كان عطاؤه وراتبه بحكم عمله ووظيفته, ولكنه كان يأخذ منه ما يكفيه وزوجه.. ثم يوزع باقيه على بيوت أخرى فقيرة...

ولقد قيل له يوما:

" توسّع بهذا الفائض على أهلك وأصهارك"..

فأجاب قائلا:

" ولماذا أهلي وأصهاري..؟

لا والله ما أنا ببائع رضا الله بقرابة"..



وطالما كان يقال له:

" توسّع وأهل بيتك في النفقة وخذ من طيّبات الحياة"..

ولكنه كان يجيب دائما, ويردد أبدا كلماته العظيمة هذه:

" ما أنا بالمتخلف عن الرعيل الأول, بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يجمع الله عز وجل الناس للحساب, فيجيء فقراء المؤمنين يزفون كما تزف الحمام, فيقال لهم: قفوا للحساب, فيقولون: ما كان لنا شيء نحاسب عليه.. فيقول الله: صدق عبادي.. فيدخلون الجنة قبل الناس"..



وفي العام العشرين من الهجرة, لقي سعيد ربه أنقى ما يكون صفحة, وأتقى ما يكون قلبا, وأنضر ما يكون سيرة..

لقد طال شوقه إلى الرعيل الأول الذي نذر حياته لحفظه وعهده, وتتبع خطاه..

أجل لقد طال شوقه إلى رسوله ومعلمه.. والى رفاقه الأوّابين المتطهرين..

واليوم يلاقيهم قرير العين, مطمئن النفس, خفيف الظهر..

ليس معه ولا وراءه من أحمال الدنيا ومتاعها ما يثقل ظهره وكاهله,,

ليس معه إلا ورعه, وزهده, وتقاه, وعظمة نفسه وسلوكه..

وفضائل تثقل الميزان, ولكنها لا تثقل الظهور..!!

ومزايا هز بها صاحبها الدنيا, ولم يهزها غرور..!!



سلام على سعيد بن عامر..

سلام عليه في محياه, وأخراه..

وسلام.. ثم سلام على سيرته وذكراه..

وسلام على الكرام البررة.. أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 
قديم 27/9/2008, 10:49 AM   رقم المشاركة : ( 52 )
gmm12
Banned


الملف الشخصي
رقم العضوية : 35271
تاريخ التسجيل : Oct 2006
العمـر :
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 732 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : gmm12 يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

gmm12 غير متصل

افتراضي رد: رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }

سالم مولى أبي حذيفة

( بل نعم حامل القرآن )



أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه يوما، فقال:

" خذوا القرآن من أربعة:

عبدالله بن مسعود

وسالم مولى أبي حذيفة..

وأبيّ بن كعب..

ومعاذ بن جبل.."

ولقد التقينا من قبل بابن مسعود, وأبيّ,ومعاذ..

فمن هذا الصحابي الرابع الذي جعله الرسول حجّة في تعليم القرآن ومرجعا..؟؟

انه سالم، مولى أبي حذيفة..

كان عبدا رقيقا، رفع الإسلام من شأنه حتى جعل منه ابنا لواحد من كبار المسلمين كان قبل إسلامه شريفا من أشراف قريش، وزعيما من زعمائها..

ولما أبطل الإسلام عادة التبني، صار أخا ورفيقا، ومولى للذي كان يتبناه وهو الصحابي الجليل: أبو حذيفة بن عتبة..

وبفضل من الله ونعمة على سالم بلغ بين المسلمين شأوا رفيعا وعاليا، أهّلته له فضائل روحه، وسلوكه وتقواه.. وعرف الصحابي الجليل بهذه التسمية: سالم مولى أبي حذيفة.

ذلك أنه كان رقيقا وأعتق..

وآمن باله إيمانا مبكرا..

وأخذ مكانه بين السابقين الأولين..

وكان حذيفة بن عتبة، قد باكر هو الآخر وسارع إلى الإسلام تاركا أباه عتبة بن ربيعة يجتر مغايظه وهموهه التي عكّرت صفو حياته، بسبب إسلام ابنه الذي كان وجيها في قومه، وكان أبوه يعدّه للزعامة في قريش..

وتبنى أبو حذيفة سالما بعد عتقه، وصار يدعى بسالم بن أبي حذيفة..

وراح الاثنان يعبدان ربهما في إخبات, وخشوع.. ويصبران أعظم الصبر على أذى قريش وكيدها..

وذات يوم نزلت آية القرآن التي تبطل عادة التبني..

وعاد كل متبني ليحمل اسم أبيه الحقيقي الذي ولده وأنجبه..



فـزيد بن حارثة مثل، الذي كان النبي عليه الصلاة والسلام قد تبناه، وعرف بين المسلمين بزيد بن محمد، عاد يحمل اسم أبيه حارثة فصار زيد بن حارثة ولكنّ سالما لم يكن يعرف له أب, فوإلى أبا حذيفة، وصار يدعى سالم مولى أبي حذيفة..

ولعل الإسلام حين أبطل عادة التبني، إنما أراد أن يقول للمسلمين لا تلتمسوا رحما، ولا قربى، ولا صلة تؤكدون بها إخاءكم، أكبر ولا أقوى من الإسلام نفسه.. والعقيدة التي يجعلكم بها إخوانا..!!

ولقد فهم المسلمون الأوائل هذا جيدا..

فلم يكن شيء أحب إلى أحدهم بعد الله ورسوله، من إخوانهم في الله وفي الإسلام..

ولقد رأينا كيف استقبل الأنصار إخوانهم المهاجرين، فشاطروهم أموالهم، ومساكنهم، وكل ما يملكون..!!

وهذا هو الذي رأينا يحدث بين أبي حذيفة الشريف في قريش، مع سالم الذي كان عبدا رقيقا، لا يعرف أبوه..

لقد ظلا إلى آخر لحظة من حياتهما أكثر من اخوين شقيقين حتى عند الموت ماتا معا.. الروح مع الروح.. والجسد إلى جوار الجسد..!!

تلك عظمة الإسلام الفريدة..

بل تلك واحدة من عظائمه ومزاياه..!!



لقد آمن سالم إيمان الصادقين..

وسلك طريقه إلى الله سلوك الأبرار المتقين..

فلم يعد لحسبه، ولا لموضعه من المجتمع أي اعتبار..

لقد ارتفع بتقواه وإخلاصه إلى أعلى مراتب المجتمع الجديد الذي جاء الإسلام يقيمه وينهضه على أساس جديد عادل عظيم...

أساس تلخصه الآية الجليلة:

" إن أكرمكم عند الله أتقاكم"..!!

والحديث الشريف:

" ليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى"..

و" ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى"..



في هذا المجتمع الجديد الراشد، وجد أبو حذيفة شرفا لنفسه أن يوالي من كان بالأمس عبدا..

بل ووجد شرفا لأسرته، أن يزوج سالما ابنه أخيه فاطمة بنت الوليد بنت عتبة..!!

وفي هذا المجتمع الجديد، والرشيد، الذي هدّم الطبقية الظالمة، وأبطل التمايز الكاذب، وجد سالم بسبب صدقه، وإيمانه، وبلائه، وجد نفسه في الصف الأول دائما..!!

أجل.. لقد كان إماما للمهاجرين من مكة إلى المدينة طوال صلاتهم في مسجد قباء..

وكان حجة في كتاب الله، حتى أمر النبي المسلمين أن يتعلموا منه..!!

وكان معه من الخير والتفوق ما جعل الرسول عليه السلام يقول له:

" الحمد لله، الذي جعل في أمتي مثلك"..!!

وحتى كان إخوانه المؤمنين يسمونه:

" سالم من الصالحين"..!!

ان قصة سالم كقصة بلال وكقصة عشرات العبيد، والفقراء الذين نفض عنهم عوادي الرق والضعف، وجعلهم في مجتمع الهدى والرشاد أئمة، وزعماء وقادة..

كان سالم ملتقى لكل فضائل الإسلام الرشيد..

كانت الفضائل تزدحم فيه وحوله.. وكان إيمانه العميق الصادق ينسقها أجمل تنسيق.

وكان من أبرز مزاياه الجهر بما يراه حقا..

انه لا يعرف الصمت تجاه كلمة يرى من واجبه أن يقولها..

ولا يخون الحياة بالسكوت عن خطأ يؤدها..

بعد أن فتحت مكة للمسلمين، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض السرايا إلى ما حول مكة من قرى وقبائل، وأخبرهم أنه عليه السلام، إنما يبعث بهم دعاة لا مقاتلين..

وكان على رأس إحدى هذه السرايا خالد بن الوليد..

وحين بلغ خالد وجهته، حدث ما جعله يستعمل السيوف، ويرق الدماء..

هذه الواقعة التي عندما سمع النبي صلى الله عليه وسلم نبأها، اعتذر إلى ربه طويلا، وهو يقول:

" اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد"..!!

والتي ظل أمير المؤمنين عمر يذكرها له ويأخذها عليه, ويقول:

" إن في سيف خالد رهقا"..

وكان يصحب خالد في هذه السرية سالم مولى أبي حذيفة مع غيره من الأصحاب..

ولم يكد سالم يرى صنيع خالد حتى واجهه بمناقشة حامية، وراح يعدّد له الأخطاء التي ارتكبت..



وخالد البطل القائد، والبطل العظيم في الجاهلية، والإسلام، ينصت مرة ويدافع عن نفسه مرة ثانية ويشتد في القول مرة ثالثة وسالم مستمسك برأيه يعلنه في غير تهيّب أو مداراة..

لم يكن سالم آنئذ ينظر إلى خالد كشريف من أشراف مكة.. بينما هو من كان بالأمس القريب رقيقا.

لا.. فقد سوّى الإسلام بينهما..!!

ولم يكن ينظر إليه كقائد تقدّس أخطاؤه.. بل كشريك في المسؤولية والواجب..

ولم يكن يصدر في معارضته خالدا عن غرض, أو سهوه, بل هي النصيحة التي قدّس الإسلام حقها، والتي طالما سمع نبيه عليه الصلاة والسلام يجعلها قوام الدين كله حين يقول:

" الدين النصيحة..

الدين النصيحة..

الدين النصيحة".



ولقد سأل الرسول عليه السلام، عندما بلغه صنيع خالد بن الوليد..

سأل عليه السلام قائلا:

" هل أنكر عليه أحد"..؟؟

ما أجله سؤالا، وما أروعه..؟؟!!

وسكن غضبه عليه السلام حين قالوا له:

" نعم.. راجعه سالم وعارضه"..

وعاش سالم مع رسوله والمؤمنين..

لا يتخلف عن غزوة ولا يقعد عن عبادة..

وكان إخاؤه مع أبي حذيفة يزداد مع الأيام تفانيا وتماسكا..



وانتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى..

وواجهت خلافة أبي كبر رضي الله عنه مؤامرات المرتدّين..

وجاء يوم اليمامة..

وكانت حربا رهبة، لم يبتل الإسلام بمثلها..

وخرج المسلمون للقتال..

وخرج سالم وأخوه في الله أبو حذيفة..

وفي بدء المعركة لم يصمد المسلمون للهجوم.. وأحسّ كل مؤمن أن المعركة معركته، والمسؤولية مسؤوليته..

وجمعهم خالد بن الوليد من جديد..

وأعاد تنسيق الجيش بعبقرية مذهلة..

وتعانق الأخوان أبو حذيفة وسالم وتعاهدا على الشهادة في سبيل الدين الحق الذي وهبهما سعادة الدنيا والآخرة..

وقذفا نفسيهما في الخضمّ الرّهيب..!!

كان أبو حذيفة ينادي:

" يا أهل القرآن..

زينوا القرآن بأعمالكم".

وسيفه يضرب كالعاصفة في جيش مسيلمة الكذاب.

وكان سالم يصيح:

" بئس حامل القرآن أنا..

لو هوجم المسلمون من قبلي"..!!

حاشاك يا سالم.. بل نعم حامل القرآن أنت..!!

وكان سيفه صوّال جوّال في أعناق المرتدين، الذين هبوا ليعيدوا جاهلية قريش.. ويطفؤا نور الإسلام..

وهوى سيف من سيوف الردة على يمناه فبترها.. وكان يحمل بها راية المهاجرين بعد أن سقط حاملها زيد بن الخطاب...

ولما رأى يمناه تبتر، التقط الراية بيسراه وراح يلوّح بها إلى أعلى وهو يصيح تاليا الآية الكريمة:



( وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ {146}آل عمران)...

ألا أعظم به من شعار.. ذلك الذي اختاره يوم الموت شعارا له..!!



وأحاطت به غاشية من المرتدين فسقط البطل.. ولكن روحه ظلت تتردد في جسده الطاهر، حتى انتهت المعركة بقتل مسيلمة الكذاب واندحار جيش مسيلمة وانتصار المسلمين..

وبينما المسلمون يتفقدون ضحاياهم وشهداءهم وجدوا سالما في النزع الأخير..



وسألهم:

ما فعل أبو حذيفة..؟؟

قالوا: استشهد..

قال: فأضجعوني إلى جواره..

قالوا: إنه إلى جوارك يا سالم.. لقد استشهد في نفس المكان..!!

وابتسم ابتسامته الأخيرة..

ولم يعد يتكلم..!!

لقد أدرك هو وصاحبه ما كانا يرجوان..!!

معا أسلما..

ومعا عاشا..

ومعا استشهدا..

يا لروعة الحظوظ، وجمال المقادير..!!

وذهب إلى الله، المؤمن الكبير الذي قال عنه عمر بن الخطاب وهو يموت:

" لو كان سالم حيّا، لوليته الأمر من بعدي"..!!
 
قديم 27/9/2008, 10:50 AM   رقم المشاركة : ( 53 )
gmm12
Banned


الملف الشخصي
رقم العضوية : 35271
تاريخ التسجيل : Oct 2006
العمـر :
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 732 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : gmm12 يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

gmm12 غير متصل

افتراضي رد: رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }

سلمة بن الأكوع

( بطل المشاة )





أراد ابنه أيّاس أن يلخص فضائله في عبارة واحدة.

فقال:

" ماكذب أبي قط"..!!

وحسب إنسان أن يحرز هذه الفضيلة, ليأخذ مكانه العالي بين الأبرار والصالحين.

ولقد أحرزها سلمة بن الأكوع وهو جدير بها..

كان سلمة من رماة العرب المعدودين, وكان كذلك من المبرزين في الشجاعة والكرم وفعل الخيرات.

وحين أسلم نفسه للإسلام, أسلمها صادقا منيبا, فصاغها الإسلام على نسقه العظيم.

وسلمة بن الأكوع من أصحاب بيعة الرضوان.



حين خرج الرسول وأصحابه عام ست من الهجرة, قاصدين زيارة البيت الحرام, وتصدّت لهم قريش تمنعهم.

أرسل النبي إليهم عثمان بن عفان ليخبرهم أن النبي جاء زائرا لا مقاتلا..

وفي انتظار عودة عثمان, سرت إشاعة بأن قريشا قد قتلته,وجلس الرسول في ظل الشجرة يتلقى بيهة أصحابه واحدا واحدا على الموت..

يقول سلمة:

" بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الموت تحت الشجرة,. ثم تنحيّت, فلما خف الناس قال يا سلمة مالك لا تبايع..؟

قلت: قد بايعت ي رسول الله, قال: وأيضا.. فبايعته".

ولقد وفى بالبيعة خير وفاء.

بل وفى بها قبل أن يعطيها, منذ شهد أن لا اله إلا الله, وأن محمدا رسول الله..

يقول:

" غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع زيد بن حارثة تسع غزوات".



كان سلمة من أمهر الذين يقاتلون مشاة, ويرمون بالنبال والرماح,

وكانت طريقته تشبه طريقة بعض حروب العصابات الكبيرة التي تتبع اليوم.. فكان إذا هاجمه عدوه تقهقر دونه, فإذا أدبر العدو أو وقف يستريح هاجمه في غير هوادة..

وبهذه الطريقة استطاع أن يطارد وحده, القوة التي أغارت على مشارف المدينة بقيادة عيينة بن حصن الفزاري في الغزوة المعروفة بغزو ذي قرد..

خرج في أثرهم وحده, وظل يقاتلهم ويراوغهم, ويبعدهم عن المدينة حتى أدركه الرسول في قوة وافرة من أصحابه..

وفي هذا اليوم قال الرسول لأصحابه:

" خير رجّالتنا , أي مشاتنا, سلمة بن الأكوع"!!



ولم يعرف سلمة الأسى والجزع إلا عند مصرع أخيه عامر بن الأكوع في حرب خيبر..

وكان عامر يرتجز أمام جيش المسلمين هاتفا:

لا همّ لولا أنت ما اهتدينا

ولا تصدّقنا ولا صلّينا

فأنزلن سكينة علينا

وثبت الأقدام ان لاقينا

في تلك المعركة ذهب عامر يضرب بسيفه أحد المشركين فانثنى السيف في يده وأصابت ذوّابته منه مقتلا.. فقال بعض المسلمين:

" مسكين عامر حرم الشهادة"

عندئذ لا غير جزع سلمة جزعا شديدا, حين ظنّ كما ظن غيره أن أخاه وقد قتل نفسه خطأ قد حرم أجر الجهاد, وثواب الشهادة.

لكن الرسول الرحيم سرعان ما وضع الأمور في نصابها حين ذهب إليه سلمة وقال له:

أصحيح يا رسول الله أن عامرا حبط عمله..؟

فأجابه الرسول عليه السلام:

" إنه قتل مجاهدا

وإن له لأجرين

وإنه الآن ليسبح

في أنهار الجنة"..!!

وكان سلمة على جوده المفيض أكثر ما يكون جوادا إذا سئل بوجه الله..

فلو أن إنسانا سأله بوجه الله أن يمنحه حياته, لما تردد في بذلها.

ولقد عرف الناس منه ذلك, فكان أحدهم إذا أراد أن يظفر منه بشيء قال له:

" من لم يعط بوجه الله, فبم يعطي"..؟؟



ويوم قتل عثمان, رضي الله عنه, أدرك المجاهد الشجاع أن أبواب الفتنة قد فتحت على المسلمين.

وما كان له وهو الذي قضى عمره يقاتل بين إخوانه أن يتحول إلى مقاتل ضد إخوانه..

أجل إن الرجل الذي حيّا الرسول مهارته في قتال المشركين, ليس من حقه أن يقاتل بهذه المهارة مسلما..

ومن ثمّ, فقد حمل متاعه وغادر المدينة إلى الربدة.. نفس المكان الذي اختاره أبو ذر من قبل مهاجرا له ومصيرا.

وفي الرّبدة عاش سلمة بقية حياته, حتى كان يوم عام أربعة وسبعين من الهجرة, فأخذه السوق إلى المدينة فسافر إليها زائرا, وقضى بها يوما, وثانيا..

وفي اليوم الثالث مات.

وهكذا ناداه ثراها الحبيب الرطيب ليضمّه تحت جوانحه ويؤويه مع من آوى قبله من الرفاق المباركين, والشهداء الصالحين.
 
قديم 27/9/2008, 10:52 AM   رقم المشاركة : ( 54 )
gmm12
Banned


الملف الشخصي
رقم العضوية : 35271
تاريخ التسجيل : Oct 2006
العمـر :
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 732 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : gmm12 يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

gmm12 غير متصل

افتراضي رد: رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }

سعد بن عبادة

( حامل راية الأنصار )



لا يذكر سعد بن معاذ إلا ويذكر معه سعد بن عبادة..

فالاثنان زعيما أهل المدينة..

سعد بن معاذ زعيم الأوس..

وسعد بن عبادة زعيم الخزرج..

وكلاهما أسلم مبكرا, وشهد بيعة العقبة, وعاش إلى جوار رسول الله صلى اله عليه وسلم جنديا مطيعا, ومؤمنا صدوقا..

ولعلّ سعد بن عبادة ينفرد بين الأنصار جميعا بأنه حمل نصيبه من تعذيب قريش الذي كانت تنزله بالمسلمين في مكة..!!

لقد كان طبيعيا أن تنال قريش بعذابها أولئك الذين يعيشون بين ظهرانيها, ويقطنون مكة..

أما أن يتعرض لهذا العذاب رجل من المدينة.. وهو ليس بمجرد رجل.. بل زعيم كبير من زعمائها وساداتها, فتلك ميّزة قدّر لابن عبادة أن ينفرد بها..

وذلك بعد أن تمت بيعة العقبة سرا, وأصبح الأنصار يتهيئون للسفر, علمت قريش بما كان من مبايعة الأنصار واتفاقهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الهجرة إلى المدينة حيث يقفون معه ومن ورائه ضد قوى الشرك والظلام..

وجنّ جنون قريش فراحت تطارد الركب المسافر حتى أدركت من رجاله سعد بن عبادة فأخذه المشركون, وربطوا يديه إلى عنقه بشراك رحله وعادوا به إلى مكة, حيث احتشدوا حوله يضربونه وينزلون به ما شاءوا من العذاب..!!

أسعد بن عبادة يصنع به هذا..!؟

زعيم المدينة, الذي طالما أجار مستجيرهم, وحمى تجارتهم, وأكرم وفادتهم حين يذهب منهم إلى المدينة ذاهب..؟؟

لقد كان الذين اعتقلوه, والذين ضربوه لا يعرفونه ولا يعرفون مكانته في قومه..

ولكن, أتراهم كانوا تاركيه لو عرفوه..؟

ألم ينالوا بتعذيبهم سادة مكة الذين أسلموا..؟؟

إن قريشا في تلك الأيام كانت مجنونة, ترى كل مقدرات جاهليتها تتهيأ للسقوط تحت معاول الحق, فلم تعرف سوى إشفاء أحقادها نهجا وسبيلا..



أحاط المشركون بسعد بن عبادة ضاربين ومعتدين..

ولندع سعدا يحكي لنا بقيّة النبأ:

".. فوالله إني لفي أيديهم إذ طلع عليّ نفر من قريش, فيهم رجل وضيء, أبيض, شعشاع من الرجال..

فقلت في نفسي: إن يك عند أحد من القوم خير, فعند هذا.

فلما دنا مني رفع يده فلكمني لكمة شديدة..

فقلت في نفسي: لا والله, ما عندهم بعد هذا من خير..!!

فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذ أوى إليّ رجل ممن كان معهم فقال: ويحك, أما بينك وبين أحد من قريش جوار..؟

قلت: بلى.. كنت أجير لجبير بن مطعم تجارة, وأمنعهم ممن يريد ظلمهم ببلادي, وكنت أجير للحارث بن حرب بن أميّة..

قال الرجل: فاهتف باسم الرجلين, واذكر ما بينك وبينهما من جوار, ففعلت..

وخرج الرجل إليهما, فأنبأهما أن رجلا من الخزرج يضرب بالأبطح, وهو يهتف باسميهما, ويذكر أن بينه وبينهما جوارا..

فسألاه عن اسمي.. فقال سعد بن عبادة..

فقالا: صدقا والله, وجاءا فخلصاني من أيديهم".



غادر سعد بعد هذا العدوان الذي صادفه في أوانه ليعلم كم تتسلح قريش بالجريمة ضدّ قوم عزل, يدعون إلى الخير, والحق والسلام..

ولقد شحذ هذا العدوان, وقرر أن يتفانى في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم, والأصحاب والإسلام..



ويهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.. ويهاجر قبله أصحابه..

وهناك سخّر سعد أمواله لخدمة المهاجرين..

كان سعد جوادا بالفطرة وبالوراثة..

فهو ابن عبادة بن دليم بن حارثة الذي كانت شهرة جوده في الجاهلية أوسع من كل شهرة..

ولقد صار جود سعد في الإسلام آية من آيات إيمانه القوي الوثيق..

قال الرواة عن جوده هذا:

" كانت جفنة سعد تدور مع النبي صلى اله عليه وسلم في بيوته جميعا"..

وقالوا:

" كان الرجل من الأنصار ينطلق إلى داره, بالواحد من المهاجرين, أو بالاثنين, أو بالثلاثة.

وكان سعد بن عبادة ينطلق بالثمانين"..!!

من أجل هذا, كان سعد يسأل ربه دائما المزيد من خره ورزقه..

وكان يقول:

" اللهم إنه لا يصلحني القليل, ولا أصلح عليه"..!!

وإنه من أجل هذا كان خليقا بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له:

" اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة"..



ولم يضع سعد ثروته وحدها في خدمة الإسلام الحنيف, بل وضع قوته ومهارته..

فقد كان يجيد الرمي إجادة فائقة.. وفي غزواته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت فدائيته حازمة وحاسمة.

يقول ابن عباس رضي الله عنهما:

" كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المواطن كلها رايتان..

مع علي ابن أبي طالب راية المهاجرين..

ومع سعد بن عبادة, راية الأنصار"..



ويبدو أن الشدّة كانت طابع هذه الشخصية القوية..

فهو شديد في الحق..

وشديد في تشبثه بما يرى لنفسه من حق..

وإذا اقتنع بأمر نهض لإعلانه في صراحة لا تعرف المداراة, وتصميم لا يعرف المسايرة..

وهذه الشدة, أوهذا التطرّف, هو الذي دفع زعيم الأنصار الكبير إلى مواقف كانت عليه أكثر مما كانت له..



فيوم فتح مكة, جعله الرسول صلى الله عليه وسلم أميرا على فيلق من جيوش المسلمين..

ولم يكد يشارف أبواب البلد الحرام حتى صاح:

" اليوم يوم الملحمة..

اليوم تستحل الحرمة"..

وسمعها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسارع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا:

" يا رسول الله..

اسمع ما قال سعد بن عبادة..

ما نأمن أن يكون له في قريش صولة"..

فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عليّا أن يدركه, ويأخذ الراية منه, ويتأمّر مكانه..

إن سعدا حين رأى مكة مذعنة مستسلمة لجيش الإسلام الفاتح.. تذكّر كل صور العذاب الذي صبّته على المؤمنين, وعليه هو ذات يوم..

وتذكر الحروب التي سنتها على قوم ودعاة.. كل ذنبهم أنهم يقولون: لا اله إلا الله, فدفعته شدّته إلى الشماتة بقريش وتوعدها يوم الفتح العظيم..



وهذه الشدة نفسها,أو قل هذا التطرّف الذي كان يشكل جزءا من طبيعة سعد هو الذي جعله يقف يوم السقيفة موقفه المعروف..

فعلى أثر وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام, التف حوله جماعة من الأنصار في سقيفة بني ساعدة منادين بأن يكون خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار..

كانت خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم شرفا لذويه في الدنيا والآخرة..

ومن ثم أراد هذا الفريق من الأنصار أن ينالوه ويظفروا به..

ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استخلف أبا بكر على الصلاة أثناء مرضه, وفهم الصحابة من هذا الاستخلاف الذي كان مؤيدا بمظاهر أخرى أضفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر.. ثاني اثنين إذ هما في الغار..

نقول: فهموا أن أبا بكر أحق بالخلافة من سواه..

وهكذا تزعّم عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا الرأي واستمسك به في حين تزعم سعد بن عبادة رضي الله عنه, الرأي الآخر واستمسك به, مما جعل كثيرين من الصحابة رضي الله عنهم يأخذون عليه هذا الموقف الذي كان موضع رفضهم واستنكارهم..



ولكن سعد بن عبادة بموقفه هذا, كان يستجيب في صدق لطبيعته وسجاياه..

فهو كما ذكرنا شديد التثبت باقتناعه, وممعن في الإصرار على صراحته ووضوحه..

ويدلنا على هذه السجيّة فيه, موقفه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيد غزوة حنين..

فحين انتهى المسلمون من تلك الغزوة ظافرين, راح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوزع غنائمها على المسلمين.. واهتم يومئذ اهتماما خاصا بالمؤلفة قلوبهم, وهم أولئك الأشراف الذين دخلوا الإسلام من قريب, ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يساعدهم على أنفسهم بهذا التآلف, كما أعطى ذوي الحاجة من المقاتلين.

وأما أولو الإسلام المكين, فقد وكلهم إلى إسلامهم, ولم يعطهم من غنائم هذه الغزوة شيئا..

كان عطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم, مجرّد عطائه, شرفا يحرص عليه جميع الناس..

وكانت غنائم الحرب قد أصبحت تشكّل دخلا هاما تقوم عليه معايش المسلمين..

وهكذا تساءل الأنصار في مرارة: لماذا لم يعطهم رسول الله حظهم من الفيء والغنيمة..؟؟

وقال شاعرهم حسان بن ثابت:

وأت الرسول فقل يا خير مؤتمن ***** للمؤمنين إذا ما عدّد البشر

علام تدعى سليم, وهي نازحة ***** قدّام قوم, هموا آووا وهم نصروا

سمّاهم الله الأنصار بنصرهم ***** دين الهدى, وعوان الحرب تستعير

وسارعوا في سبيل الله واعترفوا ***** للنائبات, وما جاموا وما ضجروا



ففي هذه الأبيات عبّر شاعر الرسول والأنصار عن الحرج الذي أحسّه الأنصار, إذ أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة, ولم يعطهم شيئا.

ورأى زعيم الأنصار سعد بن عبادة.. وسمع قومه يتهامس بعضهم بهذا الأمر, فلم يرضه هذا الموقف, واستجاب لطبيعته الواضحة المسفرة الصريحة, وذهب من فوره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:

" يا رسول الله..

إن هذا الحيّ من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم, لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت..

قسمت في قومك, وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب, ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء"..

هكذا قال الرجل الواضح كل ما في نفسه, وكل ما في أنفس قومه.. وأعطى الرسول صورة أمينة عن الموقف..

وسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" وأين أنت من ذلك يا سعد"..؟؟

أي إذا كان هذا رأي قومك, فما رأيك أنت..؟؟

فأجاب سعد بنفس الصراحة قائلا:

" ما أنا إلا من قومي"..

هنالك قال له النبي:" إذن فاجمع لي قومك"..

ولا بدّ لنا من أن نتابع القصة إلى نهايتها, فان لها روعة لا تقاوم..!

جمع سعد قومه من الأنصار..

وجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فتملّى وجوههم الآسية. وابتسم ابتسامة متألقة بعرفان جميلهم وتقدير صنيعهم..

ثم قال:

" يا معشر الأنصار..

مقالة بلغتني عنكم, وجدة وجدتموها عليّ في أنفسكم..؟؟

ألم آتكم ضلالا فهداكم الله..؟؟

وعالة, فأغناكم الله..؟

وأعداء, فألف الله بين قلوبكم..؟؟"

قالوا:

" بلى الله ورسوله أمنّ وأفضل..

قال الرسول:

ألا تجيبونني يا معشر الأنصار..؟

قالوا:

بم نجيبك يا رسول الله..؟؟

لله ولرسوله المن والفضل..

قال الرسول:

أما والله لو شئتم لقلتم, فلصدقتم وصدّقتم:

أتيتنا مكذوبا, فصدّقناك..

ومخذولا, فنصرناك...

وعائلا, فآسيناك..

وطريدا, فآويناك..

أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا, ووكلتم إلى إسلامكم..؟؟

ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير, وترجعوا أنتم برسول الله إلى رحالكم..؟؟

فوالذي نفسي بيده, لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار..

ولو سلك الناس شعبا لسلكت شعب الأنصار..

اللهم ارحم الأنصار..

وأبناء الأنصار..

وأبناء أبناء الأنصار"...!!

هنالك بكى الأنصار حتى أخضلوا لحاهم.

فقد ملأت كلمات الرسول الجليل العظيم أفئدتهم سلاما, وأرواحهم ثراء, وأنفسهم عافية..

وصاحوا جميعا وسعد بن عبادة معهم:

" رضينا برسول الله قسما وحظا"..



وفي الأيام الأولى من خلافة عمر ذهب سعد إلى أمير المؤمنين, وبنفس صراحته المتطرفة قال له:

" كان صاحبك أبو بكر,والله, أحب إلينا منك..

وقد ,والله, أصبحت كارها لجوارك"..!!

وفي هدوء أجابه عمر:

" إن من كره جوار جاره, تحوّل عنه"..

وعاد سعد فقال:

" إني متحوّل إلى جوار من هو خير منك"..!!



ما كان سعد رضي الله عنه بكلماته هذه لأمير المؤمنين عمر ينفّس عن غيظ, أو يعبّر عن كراهية..

فان من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما وحظا, لا يرفض الولاء لرجل مثل عمر, طالما رآه موضع تكريم الرسول وحبّه..

إنما أراد سعد وهو واحد من الأصحاب الذين نعتهم القرآن بأنهم رحماء بينهم..

ألا ينتظر ظروفا, قد تطرأ بخلاف بينه وبين أمير المؤمنين, خلاف لا يريده, ولا يرضاه..



وشدّ رحاله إلى الشام..

وما كاد يبلغها وينزل أرض حوران حتى دعاه أجله, وأفضى إلى جوار ربه الرحيم..
 
قديم 27/9/2008, 10:53 AM   رقم المشاركة : ( 55 )
gmm12
Banned


الملف الشخصي
رقم العضوية : 35271
تاريخ التسجيل : Oct 2006
العمـر :
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 732 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : gmm12 يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

gmm12 غير متصل

افتراضي رد: رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }

سعد بن أبي وقاص
( الأسد في براثنه )



أقلقت الأنباء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب, عندما جاءته تترى بالهجمات الغادرة التي تشنها قوات الفرس على المسلمين.. وبمعركة الجسر التي ذهب ضحيتها في يوم واحد أربعة آلاف شهيد.. وبنقض أهل العراق عهودهم, والمواثيق التي كانت عليهم.. فقرر أن يذهب بنفسه ليقود جيوش المسلمين, في معركة فاصلة ضد الفرس.

وركب في نفر من أصحابه مستخلفا على المدينة علي ابن أبي طالب كرّم الله وجهه..

ولكنه لم يكد يمضي عن المدينة حتى رأى بعض أصحابه أن يعود, وينتدب لهذه الهمة واحدا غيره من أصحابه..



وتبنّى هذا الرأي عبد الرحمن بن عوف, معلنا أن المخاطرة بحياة أمير المؤمنين على هذا النحو والإسلام يعيش أيامه الفاصلة, عمل غير سديد..



وأمر عمر أن يجتمع المسلمون للشورى ونودي:_الصلاة جامعة_ واستدعي علي ابن أبي طالب, فانتقل مع بعض أهل المدينة إلى حيث كان أمير المؤمنين وأصحابه.. وانتهى الرأي إلى ما نادى به عبد الرحمن بن عوف, وقرر المجتمعون أن يعود عمر إلى المدينة, وأن يختار للقاء الفرس قائدا آخر من المسلمين..

ونزل أمير المؤمنين على هذا الرأي, وعاد يسأل أصحابه:

فمن ترون أن نبعث إلى العراق..؟؟

وصمتوا قليلا يفكرون..

ثم صاح عبد الرحمن بن عوف: وجدته..!!

قال عمر: فمن هو..؟

قال عبد الرحمن: "الأسد في براثنه.. سعد بن مالك الزهري.."



وأيّد المسلمون هذا الاختيار, وأرسل أمير المؤمنين إلى سعد بن مالك الزهري "سعد بن أبي وقاص" وولاه إمارة العراق, وقيادة الجيش..

فمن هو الأسد في براثنه..؟

من هذا الذي كان إذا قدم على الرسول وهو بين أصحابه حياه وداعبه قائلا:

"هذا خالي.. فليرني امرؤ خاله"..!!



إنه سعد بن أبي وقاص.. جده أهيب بن مناف, عم السيدة آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم..

لقد عانق الإسلام وهو ابن سبع عشرة سنة, وكان إسلامه مبكرا, وانه ليتحدث عن نفسه فيقول:

" .. ولقد أتى عليّ يوم, واني لثلث الإسلام"..!!

يعني أنه كان ثالث أول ثلاثة سارعوا إلى الإسلام..



ففي الأيام الأولى التي بدأ الرسول يتحدث فيها عن الله الأحد, وعن الدين الجديد الذي يزف الرسول بشراه, وقبل أن يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم من دار الأرقم ملاذا له ولأصحابه الذين بدءوا يؤمنون به.. كان سعد ابن أبي وقاص قد بسط يمينه إلى رسول الله مبايعا..

وانّ كتب التاريخ والسّير لتحدثنا بأنه كان أحد الذين أسلموا بإسلام أبي بكر وعلى يديه..

ولعله يومئذ أعلن إسلامه مع الذين أعلنوه بإقناع أبي بكر ايّاهم, وهم عثمان ابن عفان, والزبير ابن العوّام, وعبد الرحمن بن عوف, وطلحة بن عبيد الله.

ومع هذا لا يمنع سبقه بالإسلام سرا..

وان لسعد بن أبي وقاص لأمجاد كثيرة يستطيع أن يباهي بها ويفخر..

بيد أنه لم يتغنّ من مزاياه تلك, إلا بشيئين عظيمين..

أولهما: أنه أول من رمى بسهم في سبيل الله, وأول من رمي أيضا..

وثانيهما: أنه الوحيد الذي افتداه الرسول بأبويه فقال له يوم أحد:

" ارم سعد فداك أبي وأمي"..



أجل كان دائما يتغنى بهاتين النعمتين الجزيلتين, ويلهج يشكر الله عليهما فيقول:

" والله إني لأوّل رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله".

ويقول علي ابن أبي طالب:

" ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي أحدا بأبويه إلا سعدا, فاني سمعته يوم أحد يقول: ارم سعد.. فداك أبي وأمي"..

كان سعد يعدّ من أشجع فرسان العرب والمسلمين, وكان له سلاحان رمحه ودعاؤه..



إذا رمى في الحرب عدوّا أصابه.. وإذا دعا الله دعاء أجابه..!!

وكان, وأصحابه معه, يردّون ذلك إلى دعاء الرسول له.. فذات يوم وقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم منه ما سرّه وقرّ عينه, دعا له هذه الدعوة المأثورة..

" اللهم سدد رميته.. وأجب دعوته".



وهكذا عرف بين إخوانه وأصحابه بأن دعوته كالسيف القاطع, وعرف هو ذلك نفسه وأمره, فلم يكن يدعو على أحد إلا مفوّضا إلى الله أمره.



من ذلك ما يرويه عامر بن سعد فيقول:

" رأى سعد رجلا يسب عليا, وطلحة والزبير فنهاه, فلم ينته, فقال له: إذن أدعو عليك, فقال الرجل: أراك تتهددني كأنك نبي..!!

فانصرف سعد وتوضأ وصلى ركعتين, ثم رفع يديه وقال: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الرجل قد سبّ أقواما سبقت لهم منك الحسنى, وأنه قد أسخطك سبّه إيّاهم, فاجعله آية وعبرة..

فلم يمض غير وقت قصير, حتى خرجت من إحدى الدور ناقة نادّة لا يردّها شيء حتى دخلت في زحام الناس, كأنها تبحث عن شيء, ثم اقتحمت الرجل فأخذته بين قوائمها.. وما زالت تتخبطه حتى مات"..

إن هذه الظاهرة, تنبئ أوّل ما تنبئ عن شفافية روحه, وصدق يقينه, وعمق إخلاصه.



وكذلكم كان سعد, روحه حر.. ويقينه صلب.. وإخلاصه عميق.. وكان دائب الاستعانة على دعم تقواه باللقمة الحلال, فهو يرفض في إصرار عظيم كل درهم فيه أثارة من شبهة..

ولقد عاش سعد حتى صار من أغنياء المسلمين وأثريائهم, ويوم مات خلف وراءه ثروة غير قليلة.. ومع هذا فإذا كانت وفرة المال وحلاله قلما يجتمعان, فقد اجتمعا بين يدي سعد.. إذ آتاه الله الكثير, الحلال, الطيب..

وقدرته على جمع المال من الحلال الخالص, يضاهيها, قدرته في إنفاقه في سبيل الله..



في حجة الوداع, كان هناك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأصابه المرض, وذهب الرسول يعوده, فسأله سعد قائلا:

"يا رسول الله, إني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة, أفأتصدّق بثلثي مالي..؟

قال النبي: لا.

قلت: فبنصفه؟

قال النبي: لا.

قلت: فبثلثه..؟

قال النبي: نعم, والثلث كثير.. انك إن تذر ورثتك أغنياء, خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس, وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها, حتى اللقمة تضعها في فم امرأتك"..

ولم يظل سعد أبا لبنت واحدة.. فقد رزق بعد هذا أبناء آخرين..



وكان سعد كثير البكاء من خشية الله.

وكان إذا استمع للرسول يعظهم, ويخطبهم, فاضت عيناه من الدمع حتى تكاد دموعه تملأ حجره..

وكان رجلا أوتي نعمة التوفيق والقبول..



ذات يوم والنبي جالس مع أصحابه, رنا بصره إلى الأفق في إصغاء من يتلقى همسا وسرا.. ثم نظر في وجوه أصحابه وقال لهم:

" يطلع علينا الآن رجل من أهل الجنة"..

وأخذ الأصحاب يتلفتون صوب كل اتجاه يستشرفون هذا السعيد الموفق المحظوظ..

وبعد حين قريب, طلع عليهم سعد بن أبي وقاص.

ولقد لاذ به فيما بعد عبد الله بن عمرو بن العاص سائلا إياه في إلحاح أن يدله على ما يتقرّب إلى الله من عمل وعبادة, جعله أهل لهذه المثوبة, وهذه البشرى.. فقال له سعد:

" لا شيء أكثر مما نعمل جميعا ونعبد..

غير أني لا أحمل لأحد من المسلمين ضغنا ولا سوءا".



هذا هو الأسد في براثنه, كما وصفه عبد الرحمن بن عوف..

وهذا هو الرجل الذي اختاره عمر ليوم القادسية العظيم..

كانت كل مزاياه تتألق أمام بصيرة أمير المؤمنين وهو يختاره لأصعب مهمة تواجه الإسلام والمسلمين..

انه مستجاب الدعوة.. إذا سأل الله النصر أعطاه إياه..

زانه عفّ الطعمة.. عف اللسان.. عف الضمير..

وانه واحد من أهل الجنة.. كما تنبأ له الرسول..

وانه الفارس يوم بدر. والفارس يوم أحد.. والفارس في كل مشهد شهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم..

وأخرى, لا ينساها عمر ولا يغفل عن أهميتها وقيمتها وقدرها بين لخصائص التي يجب أن تتوفر لكل من يتصدى لعظائم الأمور, تلك هي صلابة الإيمان..



إن عمر لا ينسى نبأ سعد مع أمه يوم أسلم واتبع الرسول..

يومئذ أخفقت جميع محاولات رده وصده عن سبيل الله.. فلجأت أمه إلى وسيلة لم يكن أحد يشك في أنها ستهزم روح سعد وترد عزمه إلى وثنية أهله وذويه..



لقد أعلنت أمه صومها عن الطعام والشراب, حتى يعود سعد إلى دين آبائه وقومه, ومضت في تصميم مستميت تواصل إضرابها عن الطعام والسراب حتى أوشكت على الهلاك..

كل ذلك وسعد لا يبالي, ولا يبيع إيمانه ودينه بشيء, حتى ولو يكون هذا الشيء حياة أمه..

وحين كانت تشرف على الموت, أخذه بعض أهله إليها ليلقي عليها نظرة وداع مؤملين أن يرق قلبه حين يراها في سكرة الموت..



وذهب سعد ورأى مشهد يذيب الصخر..

بيد أن إيمانه بالله ورسوله كان قد تفوّق على كل صخر, وعلى كل لاذ, فاقترب بوجهه من وجه أمه, وصاح بها لتسمعه:

" تعلمين والله يا أمّه.. لو كانت لك مائة نفس, فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشيء..

فكلي إن شئت أو لا تأكلي"..!!

وعدلت أمه عن عزمها.. ونزل الوحي يحيي موقف سعد, ويؤيده فيقول:

( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {15}لقمان)..

أليس هو الأسد في براثنه حقا..؟؟



إذن فليغرس أمير المؤمنين لواء القادسية في يمينه. وليرم به الفرس المجتمعين في أكثر من مائة ألف من المقاتلين المدربين. المدججين بأخطر ما كانت تعرفه الأرض يومئذ من عتاد وسلاح.. تقودهم أذكى عقول الحرب يومئذ, وأدهى دهاتها..

أجل إلى هؤلاء في فيالقهم الرهيبة..خرج سعد في ثلاثين ألف مقاتل لا غير.. في أيديهم رماح.. ولكن في قلوبهم إرادة الدين الجديد بكل ما تمثله من إيمان وعنفوان, وشوق نادر وباهر إلى الموت و إلى الشهادة..!!

والتقى الجمعان.

ولكن لا.. لم يلتق الجمعان بعد..

وأن سعدا هناك ينتظر نصائح أمير المؤمنين عمر وتوجيهاته.. وها هو ذا كتاب عمر إليه يأمره فيه بالمبادرة إلى القادسية, فإنها باب فارس ويلقي على قلبه كلمات نور وهدى:

" يا سعد بن وهيب..

لا يغرّنّك من الله, أن قيل: خال رسول الله وصاحبه, فان الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا بطاعته.. والناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سوء.. الله ربهم, وهم عباده.. يتفاضلون بالعافية, ويدركون ما عند الله بالطاعة. فانظر الأمر الذي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بعث إلى أن فارقنا عليه, فالزمه, فانه الأمر."

ثم يقول له:

" اكتب إليّ بجميع أحوالكم.. وكيف تنزلون..؟

وأين يكون عدوّكم منكم..

واجعلني بكتبك إليّ كأني أنظر إليكم"..!!



ويكتب سعد إلى أمير المؤمنين فيصف له كل شيء حتى انه ليكاد يحدد له موقف كل جندي ومكانه.

وينزل سعد القادسية, ويتجمّع الفرس جيشا وشعبا, كما لم يتجمعوا من قبل, ويتولى قيادة الفرس أشهر وأخطر قوّادهم "رستم"..



ويكتب سعد إلى عمر, فيكتب إليه أمير المؤمنين:

" لا يكربنّك ما تسمع منهم, ولا ما يأتونك به, واستعن بالله, وتوكل عليه, وابعث إليه رجالا من أهل لنظر والرأي والجلد, يدعونه إلى الله.. واكتب إليّ في كل يوم.."

ويعود سعد فيكتب لأمير المؤمنين قائلا:

" إن رستم قد عسكر بساباط وجرّ الخيول والفيلة وزحف علينا".

ويجيبه عمر مطمئنا مشيرا..

إن سعد الفارس الذكي المقدام, خال رسول الله, والسابق إلى الإسلام, بطل المعارك والغزوات, والذي لا ينبو له سيف, ولا يزيغ منه رمح.. يقف على رأس جيشه في إحدى معارك التاريخ الكبرى, ويقف وكأنه جندي عادي.. لا غرور القوة, ولا صلف الزعامة, يحملانه على الركون المفرط لثقته بنفسه.. بل هو يلجأ إلى أمير المؤمنين في المدينة وبينهما أبعاد وأبعاد, فيرسل له كل يوم كتابا, ويتبادل معه والمعركة الكبرى على وشك النشوب, المشورة والرأي...



ذلك أن سعدا يعلم أن عمر في المدينة لا يفتي وحده, ولا يقرر وحجه.. بل يستشير الذين حوله من المسلمين ومن خيار أصحاب رسول الله.. وسعد لا يريد برغم كل ظروف الحرب, أن يحرم نفسه, ولا أن يحرم جيشه, من بركة الشورى وجدواها, لا سيّما حين يكون بين أقطابها عمر الملهم العظيم..



وينفذ سعد وصية عمر, فيرسل إلى رستم قائد الفرس نفرا من صحابه يدعونه إلى الله وإلى الإسلام..

ويطول الحوار بينهم وبين قائد الفرس, وأخيرا ينهون الحديث معه إذ يقول قائلهم:

" إن الله اختارنا ليخرج بنا من يشاء من خلقه من الوثنية إلى التوحيد... ومن ضيق الدنيا إلى سعتها, ومن جور الحكام إلى عدل الإسلام..

فمن قبل ذلك منا, قبلنا منه, ورجعنا عنه, ومن قاتلنا قاتلناه حتى نفضي إلى وعد الله.."

ويسأل رستم: وما وعد الله الذي وعدكم إياه..؟؟

فيجيبه الصحابي:

" الجنة لشهدائنا, والظفر لأحيائنا".

ويعود ليوفد إلى قائد المسلمين سعد, ليخبروه أنها الحرب..

وتمتلئ عينا سعد بالدموع..



لقد كان يود لو تأخرت المعركة قليلا, أو تقدمت قليلا.. فيومئذ كان مرضه قد اشتد عليه وثقلت وطأته.. وملأت الدمامل جسده حتى ما كان يستطيع أن يجلس, فضلا أن يعلو صهوة جواده ويخوض عليه معركة بالغة الضراوة والقسوة..!!

فلو أن المعركة جاءت قبل أن يمرض ويسقم, أو لو أنها استأخرت حتى يبلى ويشفى, إذن لأبلى فيها بلاءه العظيم.. أما الآن.. ولكن, لا, فرسول الله صلى الله عليه وسلم علمهم ألا يقول أحدهم: لو. لأن لو هذه تعني العجز, والمؤمن القوي لا يعدم الحيلة, ولا يعجز أبدا..



عنئذ هب الأسد في براثنه ووقف في جيشه خطيبا, مستهلا خطابه بالآية الكريمة:

( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ {105}الحج)..

وبعد فراغه من خطبته, صلى بالجيش صلاة الظهر, ثم استقبل جنوده مكبّرا أربعا: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر..

ودوّى الكل وأوّب مع المكبرين, ومد ذراعه كالسهم النافذ مشيرا إلى العدو, وصاح في جنوده: هيا على بركة الله..



وصعد وهو متحاملا على نفسه وآلامه إلى شرفة الدار التي كان ينزل بها ويتخذها مركزا لقيادته..وفي الشرفة جلس متكئا على صدره فوق وسادة. باب داره مفتوح.. وأقل هجوم من الفرس على الدار يسقطه في أيديهم حيا أو ميتا.. ولكنه لا يرهب ولا يخاف..

دمامله تنبح وتنزف, ولكنه عنها في شغل, فهو من الشرفة يكبر ويصيح.. ويصدر أوامره لهؤلاء: أن تقدّموا صوب الميمنة.. ولألئك: أن سدوا ثغرات الميسرة.. أمامك يا مغيرة.. وراءهم يا جرير.. اضرب يا نعمان.. اهجم يا أشعث.. وأنت يا قعقاع.. تقدموا يا أصحاب محمد..!!

وكان صوته المفعم بقوة العزم والأمل, يجعل من كل جندي فردا, جيشا بأسره..

وتهاوى جنود الفرس كالذباب المترنّح. وتهاوت معهم الوثنية وعبادة النار..!!

وطارت فلولهم المهزومة بعد أن رأوا مصرع قائدهم وخيرة جنودهم, وطاردهم الجيش المسلم حتى نهاوند.. ثم المدائن فدخلوها ليحملوا إيوان كسرى وتاجه, غنيمة وفيئا..!!



وفي موقعة المدائن أبلى سعد بلاء عظيما..

وكانت موقعة المدائن, بعد موقعة القادسية بقرابة عامين, جرت خلالهما مناوشات مستمرة بين الفرس والمسلمين, حتى تجمعن كل فلول الجيش الفارسي ويقاياه في المدائن نفسها, متأهبة لموقف أخير وفاصل..

وأدرك سعد أن الوقت سيكون بجانب أعدائه. فقرر أن يسلبهم هذه المزية.. ولكن أنّى له ذلك وبينه وبين المدائن نهر دجلة في موسم فيضانه وجيشانه..

هنا موقف يثبت فيه سعد حقا كما وصفه عبد الرحمن بن عوف الأسد في براثنه..!!



إن إيمان سعد وتصميمه ليتألقان في وجه الخطر, ويتسوّران المستحيل في استبسال عظيم..!!

وهكذا أصدر سعد أمره إلى جيشه بعبور نهر دجلة.. وأمر بالبحث عن مخاضة في النهر تمكّن من عبور هذا النهر.. وأخيرا عثروا على مكان لا يخلو عبوره من المخاطر البالغة..



وقبل أن يبدأ الجيش الجيش عملية المرور فطن القائد سعد إلى وجوب تأمين مكان الوصول على الضفة الأخرى التي يرابط العدو حولها.. وعندئذ جهز كتيبتين..

الأولى: واسمها كتيبة الأهوال وأمّر سعد عليها عاصم بن عمرو والثانية: اسمها الكتيبة الخرساء وأمّر عليها القعقاع بن عمرو..



وكان على جنود هاتين الكتيبتين أن يخوضوا الأهوال لكي يفسحوا على الضفة الأخرى مكانا آمنا للجيش العابر على أثرهم.. ولقد أدوا العمل بمهارة مذهلة..

ونجحت خطة سعد يومئذ نجاحا يذهل له المؤرخون..

نجاحا أذهل سعد بن أبي وقاص نفسه..

وأذهل صاحبه ورفيقه في المعركة سلمان الفارسي الذي أخذ يضرب كفا بكف دهشة وغبطة, ويقول:

" إن الإسلام جديد..

ذلّلت والله لهم البحار, كما ذلّل لهم البرّ..

والذي نفس سلمان بيده ليخرجنّ منه أفواجا, كما دخلوه أفواحا"..!!

ولقد كان .. وكما اقتحموا نهر دجلة أفواجا, خرجوا منه أفواجا لم يخسروا جنديا واحدا, بل لم تضع منهم شكيمة فرس..



ولقد سقط من أحد المقاتلين قدحه, فعز عليه أن يكون الوحيد بين رفاقه الذي يضيع منه شيء, فنادى في أصحابه ليعاونوه على انتشاله, ودفعته موجة عالية إلى حيث استطاع بعض العابرين التقاطه..!!



وتصف لنا إحدى الروايات التاريخية, روعة المشهد وهم يعبرون دجلة, فتقول:

[أمر سعد المسلمين أن يقولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل.. ثم اقتحم بفرسه دجلة, واقتحم الناس وراءه, لم يتخلف عنه أحد, فساروا فيها كأنما يسيرون على وجه الأرض حتى ملؤوا ما بين الجانبين, ولم يعد وجه الماء يرى من أفواج الفرسان والمشاة, وجعل الناس يتحدثون وهم يسيرون على وجه الماء كأنهم يتحدون على وجه الأرض؛ وذلك بسبب ما شعروا به من الطمأنينة والأمن, والوثوق بأمر الله ونصره ووعيده وتأييده]..!!



ويوم ولى عمر سعدا إمارة العراق, راح يبني للناس ويعمّر.. كوّف الكوفة, وأرسى قواعد الإسلام في البلاد العريضة الواسعة..

وذات يوم شكاه أهل الكوفة لأمير المؤمنين.. لقد غلبهم طبعهم المتمرّد, فزعموا زعمهم الضاحك, قالوا:" إن سعدا لا يحسن يصلي"..!!

ويضحك سعد من ملء فاه, ويقول:

"والله إني لأصلي بهم صلاة رسول الله.. أطيل في الركعتين الأوليين, وأقصر في الأخريين"..

ويستدعيه عمر إلى المدينة, فلا يغضب, بل يلبي نداءه من فوره..

وبعد حين يعتزم عمر إرجاعه إلى الكوفة, فيجيب سعد ضاحكا:

" أتأمرني أن أعود إلى قوم يزعمون أني لا أحسن الصلاة"..؟؟

ويؤثر البقاء في المدينة..



وحين اعتدي على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأرضاه, اختار من بين أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام, ستة رجال, ليكون إليهم أمر الخليفة الجديد قائلا انه اختار ستة مات رسول الله وهو عنهم راض.. وكان من بينهم سعد بن أبي وقاص.

بل يبدو من كلمات عمر الأخيرة, أنه لو كان مختارا لخلافة واحد من الصحابة لاختار سعدا..

فقد قال لأصحابه وهو يودعهم ويوصيهم:

" إن وليها سعد فذاك..

وإن وليه غيره فليستعن بسعد".



ويمتد العمر بسعد.. وتجيء الفتنة الكبرى, فيعتزلها بل ويأمر أهله وأولاده ألا ينقلوا إليه شيئا من أخبارها..

وذات يوم تشرئب الأعناق نحوه, ويذهب إليه ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص, ويقول له:

يا عم, ها هنا مائة ألف سيف يروك أحق الناس بهذا الأمر.



فيجيبه سعد:

" أريد من مائة ألف سيف, سيفا واحدا.. إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئا, وإذا ضربت به الكافر قطع"..!!

ويدرك ابن أخيه غرضه, ويتركه في عزلته وسلامه..

وحين انتهى الأمر لمعاوية, واستقرت بيده مقاليد الحكم سأل سعدا:

مالك لم تقاتل معنا..؟؟

فأجابه:

" اني مررت بريح مظلمة, فقلت: أخ .. أخ..

واتخذت من راحلتي حتى انجلت عني.."

فقال معاوية: ليس في كتاب الله أخ.. أخ.. ولكن قال الله تعالى:

(وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {9}الحجرات).

وأنت لم تكن مع الباغية على العادلة, ولا مع العادلة على الباغية.

أجابه سعد قائلا:

" ما كنت لأقاتل رجلا قال له رسول الله: أنت مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي".



وذات يوم من أيام الرابع والخمسين للهجرة, وقد جاوز سعد الثمانين, كان هناك في داره بالعقيق يتهيأ لقاء الله.

ويروي لنا ولده لحظاته الأخيرة فيقول:

[ كان رأس أبي في حجري, وهو يقضي, فبكيت وقال: ما يبكيك يا بنيّ..؟؟

إن الله لا يعذبني أبدا وأني من أهل الجنة]..!!

إن صلابة إيمانه لا يوهنها حتى رهبة الموت وزلزاله.

ولقد بشره الرسول عليه الصلاة والسلام, وهو مؤمن بصدق الرسول عليه الصلاة والسلام أوثق إيمان.. وإذن ففيم الخوف..؟

[ إن الله لا يعذبني أبدا, وإني من أهل الجنة].



بيد أنه يريد أن يلقى الله وهو يحمل أروع وأجمل تذكار جمعه بدينه ووصله برسوله.. ومن ثمّ فقد أشار إلى خزانته ففتوحها, ثم أخرجوا منها رداء قديما قد بلي وأخلق, ثم أمر أهله أن يكفنوه فيه قائلا:

[ لقد لقيت المشركين فيه يوم بدر, ولقد ادخرته لهذا اليوم]..!!



اجل, إن ذلك الثوب لم يعد مجرّد ثوب.. إنه العلم الذي يخفق فوق حياة مديدة شامخة عاشها صاحبها مؤمنا, صادقا شجاعا!!

وفوق أعناق الرجال حمل إلى المدينة جثمان آخر المهاجرين وفاة, ليأخذ مكانه في سلام إلى جوار ثلة طاهرة عظيمة من رفاقه الذين سبقوه إلى الله, ووجدت أجسامهم الكادحة مرفأ لها في تراب البقيع وثراه.



وداعا يا سعد..!!

وداعا يا بطل القادسية, وفاتح المدائن, ومطفئ النار المعبودة في فارس إلى الأبد..!!
 
قديم 27/9/2008, 10:55 AM   رقم المشاركة : ( 56 )
gmm12
Banned


الملف الشخصي
رقم العضوية : 35271
تاريخ التسجيل : Oct 2006
العمـر :
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 732 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : gmm12 يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

gmm12 غير متصل

افتراضي رد: رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }

صهيب بن سنان

( ربح البيع يا أبا يحيى!! )




ولد في أحضان النعيم..

فقد كان أبوه حاكم الأبلّة ووليا عليها لكسرى.. وكان من العرب الذين نزحوا إلى العراق قبل الإسلام بعهد طويل, وفي قصره القائم على شاطئ الفرات, مما يلي الجزيرة والموصل, عاش الطفل ناعما سعيدا..

وذات يوم تعرضت البلاد لهجوم الروم.. وأسر المغيرون أعدادا كثيرة وسبوا ذلك الغلام " صهيب بن سنان"..

ويقتنصه تجار الرقيق, وينتهي طوافه إلى مكة, حيث بيع لعبد الله بن جدعان, بعد أن قضى طفولته وشبابه في بلاد الروم, حتى أخذ لسانهم ولهجتهم.

ويعجب سيده بذكائه ونشاطه وإخلاصه, فيعتقه ويحرره, ويهيئ له فرصة الاتجار معه.

وذات يوم.. ولندع صديقه عمار بن ياسر يحدثنا عن ذلك اليوم:

" لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم, ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيها..

فقلت له: ماذا تريد..؟

فأجابني وما تريد أنت..؟

قلت له: أريد أن أدخل على محمد, فأسمع ما يقول.

قال: وأنا أريد ذلك..

فدخلنا على الرسول صلى الله عليه وسلم, فعرض علينا الإسلام فأسلمنا.

ثم مكثنا على ذلك حتى أمسينا..

ثم خرجنا ونحن مستخفيان".!!



عرف صهيب طريقه إذن إلى دار الأرقم..

عرف طريقه إلى الهدى والنور, وأيضا إلى التضحية الشاقة والفداء العظيم..

فعبور الباب الخشبي الذي كان يفصل داخل دار الأرقم عن خارجها لم يكن يعني مجرّد تخطي عتبة.. بل كان يعني تخطي حدود عالم بأسره..!

عالم قديم بكل ما يمثله من دين وخلق, ونظام وحياة..

وتخطي عتبة دار الأرقم, التي لم يكن عرضها ليزيد عن قدم واحدة كان يعني في حقيقة الأمر وواقعه عبور خضمّ من الأهوال, واسع, وعريض..

واقتحام تلك العتبة, كان إيذانا بعهد زاخر بالمسؤوليات الجسام..!

وبالنسبة للفقراء, والغرباء, والرقيق, كان اقتحام عقبة دار الأرقم يعني تضحية تفوق كل مألوف من طاقات البشر.



وإن صاحبنا صهيبا لرجل غريب.. وصديقه الذي لقيه على باب الدار, عمّار بن ياسر رجل فقير.. فما بالهما يستقبلان الهول ويشمّران سواعدهما لملاقاته..؟؟

إنه نداء الإيمان الذي لا يقاوم..

وإنها شمائل محمد عليه الصلاة والسلام, الذي يملأ عبيرها أفئدة الأبرار هدى وحبا..

وإنها روعة الجديد المشرق. تبهر عقولا سئمت عفونة القديم, وضلاله وإفلاسه..

وإنها قبل هذا كله رحمة الله يصيب بها من يشاء.. وهداه يهدي إليه من ينيب...

أخذ صهيب مكانه في قافلة المؤمنين..

وأخذ مكانا فسيحا وعاليا بين صفوف المضطهدين والمعذبين..!!

ومكانا عاليا كذلك بين صفوف الباذلين والمفتدين..

وانه ليتحدث صادقا عن ولائه العظيم لمسؤولياته كمسلم بايع الرسول, وسار تحت راية الإسلام فيقول:

" لم يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدا قط إلا كنت حاضره..

ولم يبايع بيعة قط إلا كنت حاضرها..

ولا يسر سرية قط. إلا كنت حاضرها..

ولا غزا غزاة قط, أوّل الزمان وآخره, إلا كنت فيها عن يمينه أو شماله..

وما خاف المسلمون أمامهم قط, إلا كنت أمامهم..

ولا خافوا وراءهم إلا كنت وراءهم..

وما جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين العدوّ أبدا حتى لقي ربه"..!!

هذه صورة باهرة, لإيمان فذ وولاء عظيم..

ولقد كان صهيب رضي الله عنه وعن إخوانه أجمعين, أهلا لهذا الإيمان المتفوق من أول يوم استقبل فيه نور الله, ووضع يمينه في يمين الرسول..

يومئذ أخذت علاقاته بالناس, وبالدنيا, بل وبنفسه, طابعا جديدا. يومئذ. امتشق نفسا صلبة, زاهدة متفانية. وراح يستقبل بها الأحداث فيطوّعها. والأهوال فيروّعها.

ولقد مضى يواجه تبعاته في إقدام وجسور.ز فلا يتخلف عن مشهد ولا عن خطر.. منصرفا ولعه وشغفه عن الغنائم إلى المغارم.. وعن شهوة الحياة, إلى عشق الخطر وحب الموت..



ولقد افتتح أيام نضاله النبيل وولائه الجليل بيوم هجرته, ففي ذلك اليوم تخلى عن كل ثروته وجميع ذهبه الذي أفاءته عليه تجارته الرابحة خلال سنوات كثيرة قضاها في مكة.. تخلى عن كل هذه الثروة وهي كل ما يملك في لحظة لم يشب جلالها تردد ولا نكوص.

فعندما همّ الرسول بالهجرة, علم صهيب بها, وكان المفروض أن يكون ثالث ثلاثة, هم الرسول.. وأبو بكر.. وصهيب..

بيد أن القرشيين كانوا قد بيتوا أمرهم لمنع هجرة الرسول..

ووقع صهيب في بعض فخاخهم, فعوّق عن الهجرة بعض الوقت بينما كان الرسول وصاحبه قد اتخذا سبيلهما على بركة الله..

وحاور صهيب وداور, حتى استطاع أن يفلت من شانئيه, وامتطى ظهر ناقته, وانطلق بها الصحراء وثبا..

بيد أن قريشا أرسلت في أثره قناصتها فأدركوه.. ولم يكد صهيب يراهم ويواجههم من قريب حتى صاح فيهم قائلا:

" يا معشر قريش..

لقد علمتم أني من أرماكم رجلا.. وأيم والله لا تصلون إليّ حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي ثم أضربكم بسيفي حتى لا يبقى في يدي منه شيء, فأقدموا إن شئتم..

وإن شئتم دللتكم على مالي, وتتركوني وشاني"..



ولقد استاموا لأنفسهم, وقبلوا أن يأخذوا ماله قائلين له:

أتيتنا صعلوكا فقيرا, فكثر مالك عندنا, وبلغت بيننا ما بلغت, والآن تنطلق بنفسك وبمالك..؟؟

فدلهم على المكان الذي خبأ فيه ثروته, وتركوه وشأنه, وقفلوا إلى مكة راجعين..



والعجب أنهم صدقوا قوله في غير شك, وفي غير حذر, فلم يسألوه بيّنة.. بل ولم يستحلفوه على صدقه..!! وهذا موقف يضفي على صهيب كثيرا من العظمة يستحقها كونه صادق وأمين..!!

واستأنف صهيب هجرته وحيدا سعيدا, حتى أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم في قباء..



كان الرسول جالسا وحوله بعض أصحابه حين أهل عليهم صهيب ولم يكد يراه الرسول حتى ناداه متهللا:

" ربح البيع أبا يحيى..!!

ربح البيع أبا يحيى..!!

وآنئذ نزلت الآية الكريمة:

( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ {207}البقرة)..



أجل لقد اشترى صهيب نفسه المؤمنة ابتغاء مرضات الله بكل ثروته التي أنفق شبابه في جمعها, ولم يحس قط أنه المغبون..

فمال المال, وما الذهب وما الدنيا كلها, إذا بقي له إيمانه, وإذا بقيت لضميره سيادته.. ولمصيره إرادته..؟؟

كان الرسول يحبه كثيرا.. وكان صهيب إلى جانب ورعه وتقواه, خفيف الروح, حاضر النكتة..

رآه الرسول يأكل رطبا, وكان بإحدى عينيه رمد..

فقال له الرسول ضاحكا:" أتأكل الرطب وفي عينيك رمد"..؟

فأجاب قائلا:" وأي بأس..؟ إني آكله بعيني الأخرى"..!!

وكان جوّادا معطاء.. ينفق كل عطائه من بيت المال في سبيل الله, يعين محتاجا.. يغيث مكروبا.." ويطعم الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا".

حتى لقد أثار سخاؤه المفرط انتباه عمر فقال له: أراك تطعم كثيرا حتى إنك لتسرف..؟

فأجابه صهيب لقد سمعت رسول الله يقول:

" خياركم من أطعم الطعام".



ولئن كانت حياة صهيب مترعة بالمزايا والعظائم, فان اختيار عمر بن الخطاب إياه ليؤم المسلمين في الصلاة مزية تملأ حياته ألفة وعظمة..

فعندما اعتدي على أمير المؤمنين وهو يصلي بالمسلمين صلاة الفجر..

وعندما أحس نهاية الأجل, فراح يلقي على أصحابه وصيته وكلماته الأخيرة قال:

" وليصلّ بالناس صهيب"..

لقد اختار عمر يومئذ ستة من الصحابة, ووكل إليهم أمر الخليفة الجديد..



وخليفة المسلمين هو الذي يؤمهم في الصلاة, ففي الأيام الشاغرة بين وفاة أمير المؤمنين, واختيار الخليفة الجديد, من يؤم المسلمين في الصلاة..؟

إن عمر وخاصة في تلك اللحظات التي تأخذ فيها روحه الطاهرة طريقها إلى الله ليسألني ألف مرة قبل أن يختار.. فإذا اختار, فلا أحد هناك أوفر حظا ممن يقع عليه الاختيار..

ولقد اختار عمر صهيبا..

اختاره ليكون إمام المسلمين في الصلاة حتى ينهض الخليفة الجديد.. بأعباء مهمته..

اختاره وهو يعلم أن في لسانه عجمة, فكان هذا الاختيار من تمام نعمة الله على عبده الصالح صهيب بن سنان..
 
قديم 27/9/2008, 10:56 AM   رقم المشاركة : ( 57 )
gmm12
Banned


الملف الشخصي
رقم العضوية : 35271
تاريخ التسجيل : Oct 2006
العمـر :
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 732 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : gmm12 يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

gmm12 غير متصل

افتراضي رد: رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }

سهيل بن عمرو

( من الطلقاء إلى الشهداء )




عندما وقع أسيرا بأيدي المسلمين في غزوة بدر اقترب عمر بن الخطاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:

" يا رسول الله.. دعني أنزع ثنيّتي سهيل بن عمرو حتى لا يقوم عليك خطيبا بعد اليوم"..

فأجابه الرسول العظيم:

" كلا يا عمر..

لا أمثل بأحد, فيمثل الله بي, وان كنت نبيا"..!

ثم أدنى عمر منه وقال عليه السلام:

" يا عمر..

لعل سهيلا غدا يقف موقفا يسرّك"..!!



ودارت نبوءة الرسول..

وتحوّل أعظم خطباء قريش سهيل بن عمرو إلى خطيب باهر من خطباء الإسلام..

وتحوّل المشرك اللدود.. إلى مؤمن أوّاب, لا تكف عيناه من البكاء من خشية الله..!!

وتحوّل واحد من كبار زعماء قريش وقادة جيوشها إلى مقاتل صلب في سبيل الإسلام.. مقاتل عاهد نفسه أن يظل في رباط وجهاد حتى يدركه الموت على ذلك, عسى الله أن يغفر ما تقدم من ذنبه..!!

فمن كان ذلك المشرك العنيد, والمؤمن التقي الشهيد..؟؟



إنه سهيل بن عمرو..

واحد من زعماء قريش المبرّرين, ومن حكمائها وذوي الفطنة والرأي فيها..

وهو الذي انتدبته قريش ليقنع الرسول بالعدول عن دخول مكة عام الحديبية..

ففي أخريات العام الهجري السادس خرج الرسول وأصحابه إلى مكة ليزوروا البيت الحرام, وليؤدوا عمرة, لا يريدون حربا, وليسوا مستعدين لقتال..

وعلمت قريش بمسيرهم إلى مكة, فخرجت لتقطع عليهم الطريق, وتصدّهم عن وجهتهم..

وتأزم الموقف, وتوترت الأنفس..

وقال الرسول لأصحابه:

" لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها"..

وراحت قريش ترسل رسلها ومندوبيها إلى النبي عليه الصلاة والسلام, فيخبرهم جميعا أنه لم يأت لقتال, إنما جاء يزور البيت الحرام, ويعظم حرماته:

وكلما عاد إلى قريش أحد مندوبيها, أرسلوا من بعده آخر أقوى شكيمة, وأشد إقناعا حتى اختاروا عروة بن مسعود الثقفي وكان من أقواهم وأفطنهم.. وظنت قريش أن عروة قادر على إقناع الرسول بالعودة.

ولكنه سرعان ما رجع إليهم يقول لهم:

" يا معشر قريش..

إني قد جئت كسرى في ملكه, وقيصر في ملكه, والنجاشي في ملكه..

واني والله ما رأيت ملكا قط يعظمه قومه, كما يعظم أصحاب محمد محمدا..!!

ولقد رأيت حوله قوما لن يسلموه لسوء أبدا..

فانظروا رأيكم"..!!



عندئذ آمنت قريش أنه لا جدوى من محاولاتها وقررت أن تلجأ إلى المفاوضة والصلح.. واختارت لهذه المهمة أصلح زعمائها لها.. وكان سهيل بن عمرو..

رأى المسلمون سهيلا وهو مقبل عليهم فعرفوه, وأدركوا أن قريشا آثرت طريق التفاهم والمصالحة, ما دامت قد بعثت آخر الأمر سهيلا..

وجلس سهيل بين يدي الرسول, ودار حوار طويل انتهى بالصلح..

وحاول سهيل أن يكسب لقريش الكثير.. وساعده على ذلك, التسامح النبيل والمجيد الذي كان الرسول عليه الصلاة والسلام يديره في التفاوض والصلح..

ومضت الأيام, ينادي بعضها بعضا, حتى جاءت السنة الثامنة من الهجرة.. وخرج الرسول والمسلمون لفتح مكة بعد أن نفضت قريش عهدها وميثاقها مع رسول الله.

وعاد المهاجرون إلى وطنهم الذين أخرجهم بالأمس كارهين..

عادوا, ومعهم الأنصار الذين آووهم في مدينتهم وآثروهم على أنفسهم..

وعاد الإسلام كله, تخفق في جو السماء راياته الظافرة..

وفتحت مكة جميع أبوابها..

ووقف المشركون في ذهول.. ترى ماذا سيكون اليوم مصيرهم, وهم الذين أعملوا بأسهم في المسلمين من قبل قتلا, وحرقا, وتعذيبا, وتجويعا..؟!

ولم يشأ الرسول الرحيم أن يتركهم طويلا تحت وطأة هذه المشاعر المذلة المنهكة.

فاستقبل وجوههم في تسامح وأناة, وقال لهم ونبرات صوته الرحيم تقطر حنانا ورفقا:

" يا معشر قريش..

ما تظنون أني فاعل بكم"..؟؟

هنالك تقدم خصم الإسلام بالأمس سهيل بن عمرو وقال مجيبا:

" نظن خيرا, أخ كريم, وابن أخ كريم".

وتألقت ابتسامة من نور على شفتي حبيب الله وناداهم:

" اذهبوا...

فأنتم الطلقاء"..!!

لم تكن هذه الكلمات من الرسول المنتصر لتدع إنسانا حيّ المشاعر إلا أحالته ذوبا من طاعة وخجل, بل وندم..

وفي نفس اللحظة استجاش هذا الموقف الممتلئ نبلا وعظمة, كل مشاعر سهيل بن عمرو فأسلم لله رب العالمين.

ولم يكن إسلامه ساعتئذ, إسلام رجل منهزم مستسلم للمقادير.

بل كان كما سيكشف عنه مستقبله فيما بعد إسلام رجل بهرته وأسرته عظمة محمد وعظمة الدين الذي يتصرّف محمد وفق تعاليمه, ويحمل في ولاء هائل رايته ولواءه..!!



أطلق على الذين أسلموا يوم الفتح اسم الطلقاء.. أي الذين نقلهم عفو الرسول من الشرك إلى الإسلام حين قال لهم:

" اذهبوا فأنتم الطلقاء"

بيد أن نفرا من أولئك الطلقاء جاوزوا هذا الخط بإخلاصهم الوثيق, وسموا إلى آفاق بعيدة من التضحية والعبادة والطهر, وضعتهم في الصفوف الأولى بين أصحاب النبي الأبرار ومن هؤلاء سهيل بن عمرو.



لقد صاغه الإسلام من جديد.

وصقل كل مواهبه الأولى, وأضاف إليها, ثم وضعها جميعا في خدمة الحق, والخير, والإيمان..

ولقد نعتوه في كلمات فقالوا:

" السّمح, الجواد..

كثير الصلاة, والصوم, والصدقة, وقراءة القرآن, والبكاء من خشية الله"..!!

وتلك هي عظمة سهيل.

فعلى الرغم من أنه أسلم يوم الفتح, لا قبله, نراه يصدق في إسلامه وفي يقينه, إلى مدى الذي يتفوّق فيه على كل نفسه, ويتحوّل إلى عابد, زاهد والى فدائي مجاهد في سبيل الله والإسلام.

ولما انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى, لم يكد النبأ يبلغ مكة, وكان سهيل يومئذ مقيما بها, حتى غشي المسلمين هناك من الهرج والذهول ما غشي المسلمين بالمدينة.

وإذا كان ذهول المدينة, قد بدّده أبو بكر رضي الله عنه ساعتئذ بكلماته الحاسمة:

" من كان يعبد محمد, فان محمدا قد مات..

ومن كان يعبد الله, فان الله حيّ لا يموت"..



فسيأخذنا العجب حين نرى سهيلا رضي الله عنه هو الذي وقف بمكة, نفس موقف أبي بكر بالمدينة.

فقد جمع المسلمين كلهم هناك, ووقف يبهرهم بكلماته الناجعة, يخبرهم أن محمدا كان رسول الله حقا.. وأنه لم يمت حتى أدّى الأمانة, وبلّغ الرسالة. وأنه واجب المؤمنين به أن يمعنوا من بعده السير على منهجه.

وبموقف سهيل هذا, وبكلماته الرشيدة وإيمانه الوثيق, درأ الفتنة التي كادت تقلع إيمان بعض الناس بمكة حين بلغهم نبأ وفاة الرسول..!!

وفي هذا اليوم أكثر من سواه تألقت نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ألم يكن لعمر يوم استأذنه في نزع ثنيتي سهيل أثناء أسره ببدر:

" دعها فلعلها تسرك يوما"..؟!

ففي هذا اليوم.. وحين بلغ المسلمين بالمدينة موقف سهيل بمكة وخطابه الباهر الذي ثبت الإيمان في الأفئدة, تذكر عمر بن الخطاب نبوءة الرسول.. وضحك طويلا, إذ جاء اليوم الذي انتفع فيه الإسلام بثنيتي سهيل اللتين كان عمر يريد تهشيمهما واقتلاعهما..!!



عندما أسلم سهيل يوم الفتح.

وبعد أن ذاق حلاوة الإيمان, أخذ على نفسه عهدا لخصه في هذه الكلمات:

" والله لا أدع موقفا من المشركين, إلا وقفت مع المسلمين مثله... ولا نفقة أنفقتها مع المشركين إلا أنفقت مع المسلمين مثلها, لعل أمري أن يتلو بعضه بعضا"..!!

ولقد وقف مع المشركين طويلا أمام أصنامهم..

فليقف الآن طويلا وطويلا مع المؤمنين بين يدي الله الواحد الأحد.

وهكذا راح يصلي.. ويصلي..

ويصوم.. ويصوم..

ولا يدع عبادة تجلو روحه, وتقربه من ربه الأعلى إلا أخذ منها حظا وافيا..

وكذلك كان في أمسه يقف مع المشركين في مواطن العدوان والحرب ضد الإسلام.

فليأخذ الآن مكانه في جيش الإسلام, مقاتلا شجاعا, يطفئ مع كتائب الحق نار فارس التي يعبدونها من دون الله, ويحرقون فيها مصاير الشعوب التي يستعبدونها. ويدمدم مع كتائب الحق أيضا على ظلمات الرومان وظلمهم..

وينشر كلمة التوحيد والتقوى في كل مكان.



وهكذا خرج إلى الشام مع جيوش المسلمين, مشاركا في حروبها.

ويوم اليرموك حيث خاض المسلمون موقعة تناهت في الضراوة والعنف والمخاطرة..

كان سهيل بن عمرو يكاد يطير من الفرح, إذ وجد هذه الفرصة الدسمة لكي يبذل من ذات نفسه في هذا اليوم العصيب ما يمحق به خطايا جاهليته وشركه..



وكان يحب وطنه مكة حبا ينسيه نفسه..

ومع ذلك, فقد أبى أن يرجع إليها بعد انتصار المسلمين بالشام وقال:

" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مقام أحدكم في سبيل الله ساعة, خير له من عمله طوال عمره..

واني لمرابط في سبيل الله حتى أموت, ولن أرجع إلى مكة"..!!



ووفى سهيل عهده..

وظل بقيّة حياته مرابطا, حتى جاء موعد رحيله, فطارت روحه مسرعة إلى رحمة من الله ورضوان..
 
قديم 27/9/2008, 10:57 AM   رقم المشاركة : ( 58 )
gmm12
Banned


الملف الشخصي
رقم العضوية : 35271
تاريخ التسجيل : Oct 2006
العمـر :
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 732 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : gmm12 يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

gmm12 غير متصل

افتراضي رد: رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }

طلحة بن عبيد الله

( صقر يوم أحد )





( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا {23}الأحزاب)...

تلا الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية الكريمة, ثم استقبل وجوه أصحابه, وقال وهو يشير إلى طلحة:

" من سرّه أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض, وقد قضى نحبه, فلينظر إلى طلحة"..!!

ولم تكن ثمة بشرى يتمنّاها أصحاب رسول الله, وتطير قلوبهم شوقا إليها أكثر من هذه التي قلّدها النبي طلحة بن عبيد الله..

لقد اطمأن إذن إلى عاقبة أمره ومصير حياته.. فسيحيا, ويموت, وهو واحد من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ولن تناله فتنة, ولن يدركه لغوب..

ولقد بشّره الرسول بالجنة, فماذا كانت حياة هذا المبشّر الكريم..؟؟



لقد كان في تجارة له بأرض بصرى حين لقي راهبا من خيار رهبانها, وأنبأه أن النبي الذي سيخرج من بلاد الحرم, والذي تنبأ به الأنبياء الصالحون قد أهلّ عصره وأشرقت أيامه..

وحّر طلحة أن يفوته موكبه, فانه موكب الهدى والرحمة والخلاص..

وحين عاد طلحة إلى بلده مكة بعد شهور قضاها في بصرى وفي السفر, ألفى بين أهلها ضجيجا.. وسمعهم يتحدثون كلما التقى بأحدهم, أو بجماعة منهم عن محمد الأمين.. وعن الوحي الذي يأتيه.. وعن الرسالة التي يحملها إلى العرب خاصة, وإلى الناس كافة..

وسأل طلحة أول ما سأل أبي بكر فعلم أنه عاد مع قافلته وتجارته من زمن غير بعيد, وأنه يقف إلى جوار محمد مؤمنا منافحا, أوّابا..

وحدّث طلحة نفسه: محمد, وأبو بكر..؟؟

تالله لا يجتمع الاثنان على ضلالة أبدا.!!

ولقد بلغ محمد الأربعين من عمره, وما عهدنا عليه خلال هذا العمر كذبة واحدة.. أفيكذب اليوم على الله, ويقول: أنه أرسلني وأرسل إليّ وحيا..؟؟



وهذا هو الذي يصعب تصديقه..

وأسرع طلحة الخطى ميمما وجهه شطر دار أبي بكر..

ولم يطل الحديث بينهما, فقد كان شوقه إلى لقاء الرسول صلى الله عليه وسلم ومبايعته أسرع من دقات قلبه..

فصحبه أبو بكر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام, حيث أسلم وأخذ مكانه في القافلة المباركة..

وهكذا كان طلحة من المسلمين المبكرين.



وعلى الرغم من جاهه في قومه, وثرائه العريض, وتجارته الناجحة فقد حمل حظه من اضطهاد قريش, إذ وكل به وبأبي بكر نوفل بن خويلد, وكان يدعى أسد قريش, بيد أن اضطهادهما لم يطل مداه, إذ سرعان ما خجلت قريش من نفسها, وخافت عاقبة أمرها..

وهاجر طلحة إلى المدينة حين أمر المسلمون بالهجرة, ثم شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, عدا غزوة بدر, فان الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد ندبه ومعه سعيد بن زيد لمهمة خارج المدينة..

ولما أنجزاها ورجعا قافلين إلى المدينة, كان النبي وصحبه عائدين من غزوة بدر, فآلم نفسيهما أن يفوتهما أجر مشاركة الرسول صلى الله عليه وسلم بالجهاد في أولى غزواته..

بيد أن الرسول أهدى إليهما طمأنينة سابغة, حين أنبأهما أن لهما من المثوبة والأجر مثل ما للمقاتلين تماما, بل وقسم لهما من غنائم المعركة مثل من شهدوها..

وتجيء غزوة أحد لتشهد كل جبروت قريش وكل بأسها حيث جاءت تثأر ليوم بدر وتؤمّن مصيرها بإنزال هزيمة نهائية بالمسلمين, هزيمة حسبتها قريش أمرا ميسورا, وقدرا مقدورا..!!

ودارت حرب طاحنة سرعان ما غطّت الأرض بحصادها الأليم.. ودارت الدائرة على المشركين..



ثم لما رآهم المسلمون ينسحبون وضعوا أسلحتهم, ونزل الرماة من مواقعهم ليحوزوا نصيبهم من الغنائم..

وفجأة عاد جيش قريش من الوراء على حين بغتة, فامتلك ناصية الحرب زمام المعركة..

واستأنف القتال ضراوته وقسوته وطحنه, وكان للمفاجأة أثرها في تشتيت صفوف المسلمين..

وأبصر طلحة جانب المعركة التي يقف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فألفاه قد صار هدفا لقوى الشرك والوثنية, فسارع نحو الرسول..

وراح رضي الله عنه يجتاز طريقا ما أطوله على قصره..! طريقا تعترض كل شبر منه عشرات السيوف المسعورة وعشرات من الرماح المجنونة!!

ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعيد يسيل من وجنته الدم ويتحامل على نفسه, فجنّ جنونه, وقطع طريق الهول في قفزة أو قفزتين وأمام الرسول وجد ما يخشاه.. سيوف المشركين تلهث نحوه, وتحيط به تريد أن تناله بسوء..



ووقف طلحة كالجيش اللجب, يضرب بسيفه البتار يمينا وشمالا..

ورأى دم الرسول الكريم ينزف, وآلامه تئن, فسانده وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيها قدمه..

كان يساند الرسول عليه الصلاة والسلام بيسراه وصدره, متأخرا به إلى مكان آمن, بينما بيمينه, بارك الله يمينه, تضرب بالسيف وتقاتل المشركين الذين أحاطوا بالرسول, وملؤوا دائرة القتال مثل الجراد..!!

ولندع الصدّيق أبا بكر رضي الله عنه يصف لنا المشهد..

تقول عائشة رضي الله عنها:

" كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد يقول: ذلك كله كان يوم طلحة.. كنت أول من جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال لي الرسول صلى الله عليه وسلم ولأبي عبيدة بن الجرّاح: دونكم أخاكم.. ونظرنا وإذا به بضع وسبعون بين طعنة.. وضربة ورمية.. وإذا أصبعه مقطوع. فأصلحنا من شانه" .



وفي جميع المشاهد والغزوات, كان طلحة في مقدّمة الصفوف يبتغي وجه الله, ويفتدي راية رسوله.

ويعيش طلحة وسط الجماعة المسلمة, يعبد الله مع العابدين, ويجاهد في سبيله مع المجاهدين, ويرسي بساعديه مع سواعد إخوانه قواعد الدين الجديد الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور..

فإذا قضى حق ربه, راح يضرب في الأرض, ويبتغي من فضل الله منمّيا تجارته الرابحة, وأعماله الناجحة.

فقد كان طلحة رضي الله عته من أكثر المسلمين ثراء, وأنماهم ثروة..

وكانت ثروته كلها في خدمة الدين الذي حمل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رايته...

كان ينفق منها بغير حساب..

وكان اله ينمّيها له بغير حساب!



لقد لقّبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بـطلحة الخير, وطلحة الجود, وطلحة الفيّاض إطراء لجوده المفيض.

وما أكثر ما كان يخرج من ثروته مرة واحدة, فإذا الله الكريم يردها إليه مضاعفة.



تحدّثنا زوجته سعدى بنت عوف فتقول:

" دخلت على طلحة يوما فرأيته مهموما, فسألته ما شانك..؟

فقال المال الذي عندي.. قد كثر حتى أهمّني وأكربني..

وقلت له ما عليك.. اقسمه..

فقام ودعا الناس, واخذ يقسمه عليهم حتى ما بقي منه درهم"...

ومرّة أخرى باع أرضا له بثمن مرتفع, ونظر إلى كومة المال ففاضت عيناه من الدمع ثم قال:

" إن رجلا تبيت هذه الأموال في بيته لا يدري ما يطرق من أمر, لمغرور بالله"...

ثم دعا بعض أصحابه وحمل معهم أمواله هذه, ومضى في شوارع المدينة وبيوتها يوزعها, حتى أسحر وما عنده منها درهم..!!

ويصف جابر بن عبدالله جود طلحة فيقول:

" ما رأيت أحد أعطى لجزيل مال من غير مسألة, من طلحة بن عبيد الله".وكان أكثر الناس برّا بأهله وبأقربائه, فكان يعولهم جميعا على كثرتهم..

وقد قيل عنه في ذلك:

".. كان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا إلا كفاه مؤنته, ومؤنة عياله..

وكان يزوج أيامهم, ويخدم عائلهم, ويقضي دين غارمهم"..



ويقول السائب بن زيد:

" صحبت طلحة بن عبيدالله في السفر والحضر فما وجدت أحدا, أعمّ سخاء على الدرهم, والثوب والطعام من طلحة"..!!



وتنشب الفتنة المعروفة في خلافة عثمان رضي الله عنه..

ويؤيد طلحة حجة المعارضين لعثمان, ويزكي معظمهم فيما كانوا ينشدونه من تغيير وإصلاح..

أكان بموقفه هذا, يدعو إلى قتل عثمان, أو يرضى به..؟؟ كلا...

ولو كان يعلم أن الفتنة ستتداعى حتى تتفجر آخر الأمر حقدا مخبولا, ينفس عن نفسه في تلك الجناية البشعة التي ذهب ضحيتها ذو النورين عثمان رضي الله عنه..

نقول: لو كان يعلم أن الفتنة ستتمادى إلى هذا المأزق والمنتهى لقاومها, ولقاومها معه بقية الأصحاب الذين آزروها أول أمرها باعتبارها حركة معارضة وتحذير, لا أكثر..



على أن موقف طلحة هذا, تحوّل إلى عقدة حياته بعد الطريقة البشعة التي حوصر بها عثمان وقتل, فلم يكد الإمام عليّ يقبل بيعة المسلمين بالمدينة ومنهم طلحة والزبير, حتى استأذن الاثنان في الخروج إلى مكة للعمرة..

ومن مكة توجها إلى البصرة, حيث كانت قوات كثيرة تتجمّع للأخذ بثأر عثمان..

وكانت وقعة الجمل حيث التقى الفريق المطالب بدم عثمان, والفريق الذي يناصر عليّا..

وكان عليّ كلما أدار خواطره على الموقف العسر الذي يجتازه الإسلام والمسلمون في هذه الخصومة الرهيبة, تنتفض همومه, وتهطل دموعه, ويعلو نشيجه..!!



لقد اضطر إلى المأزق الوعر..

فبوصفه خليفة المسلمين لا يستطيع, وليس من حقه أن يتسامح تجاه أي تمرّد على الدولة, أو أي مناهضة مسلحة للسلطة المشروعة..

وحين ينهض لقمع تمرّد من هذا النوع, فان عليه أن يواجه إخوانه وأصحابه وأصدقاءه, وأتباع رسوله ودينه, أولئك الذين طالما قاتل معهم جيوش الشرك, وخاضوا معا تحت راية التوحيد معارك صهرتهم وصقلتهم, وجعلت منهم إخوانا بل إخوة متعاضدين..

فأي مأزق هذا..؟ وأي ابتلاء عسير..؟

وفي سبيل التماس مخرج من هذا المأزق, وصون دماء المسلمين لم يترك الإمام علي وسيلة إلا توسّل بها, ولا رجاء إلا تعلق به.

ولكن العناصر التي كانت تعمل ضدّ الإسلام, وما أكثرها, والتي لقيت مصيرها الفاجع على يد الدولة المسلمة, أيام عاهلها العظيم عمر, هذه العناصر كانت قد أحكمت نسج الفتنة, وراحت تغذيها وتتابع سيرها وتفاقمها...



بكى عليّ بكاء غزيرا, عندما أبصر أم المؤمنين عائشة في هودجها على رأس الجيش الذي يخرج الآن لقتاله..

وعندما أبصر وسط الجيش طلحة والزبير, حوراييّ رسول الله..

فنادى طلحة والزبير ليخرجا إليه, فخرجا حتى اختلفت أعناق أفراسهم..

فقال لطلحة:

" يا طلحة, أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها. وخبأت عرسك في البيت"..؟؟

ثم قال للزبير:

" يا زبير, نشدتك الله, أتذكر يوم مرّ بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمكان كذا, فقال لك: يا زبير, ألا تحبّ عليّا..؟

فقلت: ألا أحب ابن خالي, وابن عمي, ومن هو على ديني..؟؟

فقال لك: يا زبير, أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم"..!!

قال الزبير رضي الله عنه: نعم أذكر الآن, وكنت قد نسيته, والله لا أقاتلك..

وأقلع الزبير وطلحة عن الاشتراك في هذه الحرب الأهلية..

أقلعا فور تبيّنهما الأمر, وعندما أبصرا عمار بن ياسر يحارب في صف عليّ, تذكرا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمّار:



" تقتلك الفئة الباغية"..

فان قتل عمّار إذن في هذه المعركة التي يشترك فيها طلحة, فسيكون طلحة باغيا...



انسحب طلحة والزبير من القتال, ودفعا ثمن ذلك الانسحاب حياتهما, ولكنهما لقيا الله قريرة أعينهما بما منّ عليهما من بصيرة وهدى..

أما الزبير فقد تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غيلة وغدرا وهو يصلي..!!

وأما طلحة فقد رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته..



كان مقتل عثمان قد تشكّل في نفسية طلحة, حتى صار عقدة حياته..

كل هذا, مع أنه لم يشترك بالقتل, ولم يحرّض عليه, وإنما ناصر المعارضة ضدّه, يوم لم يكن يبدو أن المعارضة ستتمادى وتتأزم حتى تتحول إلى تلك الجريمة البشعة..



وحين أخذ مكانه يوم الجمل مع الجيش المعادي لعلي بن أبي طالب والمطالب بدم عثمان, كان يرجو أن يكون في موقفه هذا كفّارة تريحه من وطأة ضميره..

وكان قبل بدء المعركة يدعو ويتضرع بصوت تخنقه الدموع, ويقول:

" اللهم خذ مني لعثمان اليوم حتى ترضى"..



فلما واجهه عليّ هو والزبير, أضاءت كلمات عليّ جوانب نفسيهما, فرأيا الصواب وتركا أرض القتال..

بيد أن الشهادة من حظ طلحة يدركها وتدركه أيّان يكون..

ألم يقل الرسول عنه:

" هذا ممن قضى نحبه, ومن سرّه أن يرى شهيدا يمشي على الأرض, فلينظر إلى طلحة"..؟؟

لقي الشهيد إذن مصيره المقدور والكبير, وانتهت وقعة الجمل.

وأدركت أم المؤمنين أنها تعجلت الأمور فغادرت البصرة إلى البيت الحرام فالمدينة, نافضة يديها من هذا الصراع, وزوّدها الإمام علي في رحلتها بكل وسائل الراحة والتكريم..

وحين كان عليّ يستعرض شهداء المعركة راح يصلي عليهم جميعا, الذين كانوا معه, والذين كانوا ضدّه..

ولما فرغ من دفن طلحة, والزبير, وقف يودعهما بكلمات جليلة, اختتمها قائلا:

" إني لأرجو أن أكون أنا, وطلحة والزبير وعثمان من الذين قال الله فيهم: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ {47}الحجر )"..

ثم ضمّ قبريهما بنظراته الحانية الصافية الآسية وقال:

" سمعت أذناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

" طلحة والزبير, جاراي في الجنّة"...
 
قديم 27/9/2008, 10:59 AM   رقم المشاركة : ( 59 )
gmm12
Banned


الملف الشخصي
رقم العضوية : 35271
تاريخ التسجيل : Oct 2006
العمـر :
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 732 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : gmm12 يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

gmm12 غير متصل

افتراضي رد: رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }

ثابت بن قيس


( خطيب رسول الله )



كان حسّان بن ثابت شاعر رسول الله والإسلام..

وكان ثابت خطيب خطيب رسول الله والإسلام..

وكانت الكلمات تخرج من فمه قوية, صادعة, جامعة رائعة..

وفي عام الوفود, وفد على لمدينة وفد بني تميم وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

" جئنا نفاخرك, فأذن لشاعرنا وخطيبنا"..

فابتسم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لهم:

" قد أذنت لخطيبكم, فليقل"..

وقام خطيبهم عطارد بن حاجب ووقف يزهو بمفاخر قومه..

ولما آذن بانتهاء, قال النبي صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس: قم فأجبه..

ونهض ثابت فقال:

" الحمد لله, الذي في السموات والأرض خلقه, قضى فيهنّ أمره, ووسع كرسيّه علمه, ولم يك شيء قط إلا من فضله..

ثم كان من قدرته أن جعلنا أئمة. واصطفى من خير خلقه رسولا.. أكرمهم نسبا. وأصدقهم حديثا. وأفضلهم حسبا, فأنزل عليه كتابه, وائتمنه على خلقه, فكان خيرة الله من العالمين..

ثم دعا الناس إلى الإيمان به, فآمن به المهاجرون من قومه وذوي رحمه.. أكرم الناس أحسابا, وخيرهم فعالا..

ثم كنا نحن الأنصار أول الخلق إجابة..

فنحن أنصار الله, ووزراء رسوله"..



شهد ثابت بن قيس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة أحد, والمشاهد بعدها.

وكانت فدائيته من طراز عجيب.. جد عجيب..!!

في حروب الردّة, كان في الطليعة دائما, يحمل راية الأنصار, ويضرب بسيف لا يكبو, ولا ينبو..

وفي موقعة اليمامة, التي سبق الحديث عنها أكثر من مرة, رأى ثابت وقع الهجوم الخاطف لذي شنّه جيش مسيلمة الكذاب على المسلمين أول المعركة, فصاح بصوته النذير الجهير:

" والله, ما هذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم"..

ثم ذهب بغير بعيد, وعاد وقد تحنّط, ولبس أكفانه, وصاح مرة أخرى:

" إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء..

يعني جيش مسيلمة..

وأعتذر إليك مما صاع هؤلاء..

يعني تراخي المسلمين في القتال"..

وانضم إليه سالم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان يحمل راية المهاجرين..

وحفر الاثنان لنفسيهما حفرة عميقة ثم نزلا فيها قائمين, وأهالا الرمال عليهما حتى غطت وسط كل منهما..

وهكذا وقفا..طودين شامخين, نصف كل منهما غائص في الرمال مثبت في أعماق الحفرة.. في حين نصفهما الأعلى, صدرهما وجبهتهما وذراعهما يستقبلان جيوش الوثنية والكذب..

وراحا يضربان بسيفهما كل من يقترب منهما من جيش مسيلمة حتى استشهدا في مكانهما, ومالت شمس كل منهما للغروب..!!

وكان مشهدهما رضي الله عنهما هذا أعظم صيحة أسهمت في ردّ المسلمين إلى مواقعهم, حيث جعلوا من جيش مسيلمة الكذاب ترابا تطؤه الأقدام..!!



وثابت بن قيس.. هذا الذي تفوّق خطيبا, وتفوّق محاربا كان يحمل نفسا أوابة, وقلبا خاشعا مخبتا, وكان من أكثر المسلمين وجلا من الله, وحياء منه..



لما نزلت الآية الكريمة:

( إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا {36}النساء)..

أغلق ثابت باب داره, وجلس يبكي..وطال مكثه على هذه الحال, حتى نمى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره, فدعاه وسأله.

فقال ثابت:

" يا رسول الله, إني أحب الثوب الجميل, والنعل الجميل, وقد خشيت أن أكون بهذا من المختالين"..

فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضحك راضيا:

" انك لست منهم..

بل تعيش بخير..

وتموت بخير..

وتدخل الجنة".

ولما نزل قول الله تعالى:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ {2}الحجرات )..

أغلق ثابت عليه داره, وطفق يبكي..

وافتقده الرسول فسأل عنه, ثم أرسل من يدعوه...

وجاء ثابت..

وسأله الرسول عن سبب غيابه, فأجابه:

" إني امرؤ جهير الصوت..

وقد كنت أرفع صوتي فوق صوتك يا رسول الله..

وإذن فقد حبط عملي, وأنا من أهل النار"..!!

وأجابه الرسول عليه الصلاة والسلام:

" انك لست منهم..

بل تعيش حميدا..

وتقتل شهيدا..

ويدخلك الله الجنة".



بقي في قصة ثابت واقعة, قد لا يستريح إليها أولئك الذين حصروا تفكيرهم وشعورهم ورؤاهم داخل عالمهم الماديّ الضيّق الذي يلمسونه, أو يبصرونه, أو يشمّونه..!

ومع هذا, فالواقعة صحيحة, وتفسيرها مبين وميّسر لكل من يستخدم مع البصر, البصيرة..

بعد أن استشهد ثابت في المعركة, مرّ به واحد من المسلمين الذين كانوا حديثي عهد بالإسلام ورأى على جثمان ثابت دعه الثمينة, فظن أن من حقه أن يأخذها لنفسه, فأخذها..

ولندع راوي الواقعة يرويها بنفسه:

".. وبينما رجل من المسلمين نائم أتاه ثابت في منامه.

فقال له: إني أوصيك بوصية, فإياك أن تقول: هذا حلم فتضيعه.

إني لما استشهدت بالأمس, مرّ بي رجل من المسلمين.

فأخذ درعي..

وان منزله في أقصى الناس, وفرسه يستنّ في طوله, أي في لجامه وشكيمته.

وقد كفأ على الدرع برمة, وفوق الأبرمة رحل..

فأت خالدا, فمره أن يبعث فيأخذها..

فإذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله أبي بكر, فقل له: إن عليّ من الدين كذا كذا..

فليقم بسداده..

فلما استيقظ الرجل من نومه, أتى خالد بن الوليد, فقصّ عليه رؤياه..

فأرسل خالد من يأتي بالدرع, فوجدها كما وصف ثابت تماما..

ولما رجع المسلمون إلى المدينة, قصّ المسلم على الخليفة الرؤيا, فأنجز وصيّة ثابت..

وليس في الإسلام وصيّة ميّت أنجزت بعد موته على هذا النحو, سوى وصيّة ثابت بن قيس..



حقا إن الإنسان لسرّ كبير..

( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ {169}آل عمران ).
 
قديم 27/9/2008, 11:01 AM   رقم المشاركة : ( 60 )
gmm12
Banned


الملف الشخصي
رقم العضوية : 35271
تاريخ التسجيل : Oct 2006
العمـر :
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 732 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : gmm12 يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

gmm12 غير متصل

افتراضي رد: رجال حول الرسول { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله }

زيد بن حارثة


( لم يحبّ حبّه أحد )





وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يودع جيش الإسلام الذاهب لملاقاة الروم في غزوة مؤتة ويعلن أسماء أمراء الجيش الثلاثة, قائلا:

" عليكم زيد بن حارثة.. فان أصيب زيد فجعفر بن أبي طاب.. فان أصيب جعفر, فعبدالله بن رواحة".

فمن هو زيد بن حارثة"..؟؟

من هذا الذي حمل دون سواه لقب الحبّ.. حبّ رسول الله..؟

أما مظهره وشكله, فكان كما وصفه المؤرخون والرواة:

" قصير, آدم, أي أسمر, شديد الأدمة, في أنفه فطس"..

أمّا نبؤه, فعظيم جدّ عظيم..!!



أعدّ حارثة أبو زيد الراحلة والمتاع لزوجته سعدى التي كانت تزمع زيارة أهلها في بني معن.

وخرج يودع زوجته التي كانت تحمل بين يديها طفلهما الصغير زيد بن حارثة, وكلما همّ أن يستودعهما القافلة التي خرجت الزوجة في صحبتها ويعود هو إلى داره وعمله, ودفعه حنان خفيّ وعجيب لمواصلة السير مع زوجته وولده..

لكنّ الشقّة بعدت, والقافلة أغذّت سيرها, وآن لحارثة أن يودّع الوليد وأمّه, ويعود..

وكذا ودّعهما ودموعه تسيل.. ووقف طويلا مسمرا في مكانه حتى غابا عن بصره, وأحسّ كأن قلبه لم يعد في مكانه.. كأنه رحل مع الراحلين..!!



ومكثت سعدى في قومها ما شاء الله لها أن تمكث..

وذات يوم فوجئ الحيّ, حي بني معن, بإحدى القبائل المناوئة له تغير عليه, وتنزل الهزيمة ببني معن, ثم تحمل فيما حملت من الأسرى ذلك الطفل اليافع, زيد بن حارثة..

وعادت الأم إلى زوجها وحيدة.

ولم يكد حارثة يعرف النبأ حتى خرّ صعقا, وحمل عصاه على كاهله, ومضى يجوب الديار, ويقطع الصحارى, ويسائل القبائل والقوافل عن ولده وحبّة قلبه زيد, مسليّا نفسه, وحاديا ناقته بهذا الشعر الذي راح ينشده من بديهته ومن مآقيه:

بكيــت على زيد ولم ادر ما فعل ***** أحيّ فترجى؟ أم أتى دونـــــه الأجل

فوالله ما أدري, واني لسائـــــل ***** أغالك بعدي السهل؟ أم غالك الجبل

تذكرينه الشمس عند طلوعها ***** وتعرض ذكراه إذا غروبــــــــها أفل

وان هبّـت الأرواح هيّجن ذكره ***** فيا طول حزني عليــــــــه, ويا وجل





كان الرّق في ذلك الزمان البعيد يفرض نفسه كظرف اجتماعي يحاول أن يكون ضرورة..

كان ذلك في أثينا, حتى في أزهى عصور حريّتها ورقيّها..

وكذلك كان في روما..

وفي العالم القديم كله.. وبالتالي في جزيرة العرب أيضا..

وعندما اختطفت القبيلة المغيرة على بني معن نصرها, وعادت حاملة أسراها, ذهبت إلى سوق عكاظ التي كانت منعقدة أنئذ, وباعوا الأسرى..



ووقع الطفل زيد في يد حكيم بن حزام الذي وهبه بعد أن اشتراه لعمته خديجة.

وكانت خديجة رضي الله عنها, قد صارت زوجة لمحمد بن عبدالله, الذي لم يكن الوحي قد جاءه بعد. بيد أنه كان يحمل كل الصفات العظيمة التي أهلته بها الأقدار ليكون غدا من المرسلين..



ووهبت خديجة بدورها خادمها زيد لزوجها رسول اله فتقبله مسرورا وأعتقه من فوره,وراح يمنحه من نفسه العظيمة ومن قلبه الكبير كل عطف ورعاية..

وفي أحد مواسم الحج. التقى تفر من حيّ حارثة بزيد في مكة, ونقلوا إليه لوعة والديه, وحمّلهم زيد سلامه وحنانه وشوقه لأمه وأبيه, وقال للحجّاج من قومه"

" أخبوا أبي أني هنا مع أكرم والد"..



ولم يكن والد زيد يعلم مستقر ولده حتى أغذّ السير إليه, ومعه أخوه..

وفي مكة مضيا يسألان عن محمد الأمين.. ولما لقياه قالا له:

"يا بن عبدالمطلب..

يا بن سيّد قومه, أنتم أهل حرم, تفكون العاني, وتطعمون الأسير.. جئناك في ولدنا, فامنن علينا وأحسن في فدائه"..

كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم تعلق زيد به, وكان في نفس الوقت يقدّر حق أبيه فيه..



هنالك قال حارثة:

"ادعوا زيدا, وخيّروه, فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء.. وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني فداء"..!!

وتهلل وجه حارثة الذي لك يكن يتوقع كل هذا السماح وقال:

" لقد أنصفتنا, وزدتنا عن النصف"..

ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى زيد, ولما جاء سأله:

" هل تعرف هؤلاء"..؟

قال زيد: نعم.. هذا أبي.. وهذا عمّي.

وأعاد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ما قاله لحارثة.. وهنا قال زيد:

" ما أنا بالذي أختار عليك أحدا, أنت الأب والعم"..!!

ونديت عينا رسول الله بدموع شاكرة وحانية, ثم أمسك بيد زيد, وخرج به إلى فناء الكعبة, حيث قريش مجتمعة هناك, ونادى الرسول:

" اشهدوا أن زيدا ابني.. يرثني وأرثه"..!!

وكاد قلب حارثة يطير من الفرح.. فابنه لم يعد حرّا فحسب, بل وابنا للرجل الذي تسمّيه قريش الصادق الأمين سليل بني هاشم وموضع حفاوة مكة كلها..

وعاد الأب والعم إلى قومهما, مطمئنين على ولدهما والذي تركاه سيّدا في مكة, آمنا معافى, بعد أن كان أبوه لا يدري: أغاله السهل, أم غاله الجبل..!!



تبنّى الرسول زيدا.. وصار لا يعرف في مكة كلها إلا باسمه هذا زيد بن محمد..

وفي يوم باهر الشروق, نادى الوحي محمدا:

(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ {2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ {3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ {4} عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ {5}العلق )...

ثم تتابعت نداءاته وكلماته:

( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ {1} قُمْ فَأَنذِرْ {2} وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ {3}المدثر)...

(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {67}المائدة )...

وما إن حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعة الرسالة حتى كان زيد ثاني المسلمين.. بل قيل انه كان أول المسلمين...!!



أحبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا عظيما, وكان بهذا الحب خليقا وجديرا.. فوفاؤه الذي لا نظير له, وعظمة روحه, وعفّة ضميره ولسانه ويده...

كل ذلك وأكثر من ذلك كان يزين خصال زيد بن حارثة أو زيد الحبّ كما كان يلقبه أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام..

تقول السيّدة عائشة رضي الله عنها:

" ما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم في جيش قط إلا أمّره عليهم, ولو بقي حيّا بعد رسول الله لاستخلفه...

إلى هذا المدى كانت منزلة زيد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم..

فمن كان زيد هذا..؟؟

إنه كما قلنا ذلك الطفل الذي سبي, ثم بيع, ثم حرره الرسول وأعتقه..

وانه ذلك الرجال القصير, الأسمر, الأفطس الأنف, بيد أنه أيضا ذلك الإنسان الذي" قلبه جميع وروحه حر"..

ومن ثم وجد له في الإسلام, وفي قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى منزلة وأرفع مكان, فلا الإسلام ولا رسوله من يعبأ لحظه بجاه النسب, ولا بوجاهة المظهر.

ففي رحاب هذا الدين العظيم, يتألق بلال, ويتألق صهيب, ويتألق عمار وخبّاب وأسامة وزيد...

يتألقون جميعا كأبرا, وقادة..

لقد صحح الإسلام قيم الإسلام, قيم الحياة حين قال في كتابه الكريم:

( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {13}الحجرات )...

وفتح الأبواب والرحاب للمواهب الخيّرة, وللكفايات النظيفة, الأمينة, المعطية..

وزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا من ابنة عمته زينب, ويبدو أن زينب رضي الله عنها قد قبلت هذا الزواج تحت وطأة حيائها أن ترفض شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم, أو ترغب بنفسها عن نفسه..

ولكن الحياة الزوجية أخذت تتعثر, وتستنفد عوامل بقائها, فانفصل زيد عن زينب.

وحمل الرسول صلى الله عليه وسلم مسؤوليته تجاه هذا الزواج الذي كان مسؤولا عن إمضائه, والذي انتهى بالانفصال, فضمّ ابنة عمته إليه واختارها زوجة له, ثم اختار لزيد زوجة جديدة هي أم كلثوم بنت عقبة..



وذهب الشنئون يرجفون المدينة: كيف يتزوّج محمد مطلقة ابنه زيد؟؟

فأجابهم القرآن مفرّقا بين الأدعياء والأبنياء.. بين التبني والبنّوة, ومقررا إلغاء عادة التبني, ومعلنا:

( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم, ولكن رسول الله, وخاتم النبين).

وهكذا عاد لزيد اسمه الأول:" زيد بن حارثة".



والآن..

هل ترون هذه أقوات المسلمة الخارجة إلى معارك, الطرف, أو العيص, وحسمي, وغيرها..

إن أميرها جميعا, هو زيد بن حارثة..

فهو كما سمعنا السيدة عائشة رضي الله عنها تقول:" لم يبعثه النبي صلى الله عليه وسلم في جيش قط, إلا جعله أميرا على هذا الجيش"..



حتى جاءت غزوة مؤتة..

كان الروم بإمبراطوريتهم الهرمة, قد بدأوا يوجسون من الإسلام خيفة..بل صاروا يرون فيها خطرا يهدد وجودهم, ولا سيما في بلاد الشام التي يستعمرونها, والتي تتاخم بلاد هذا الدين الجديد, المنطلق في عنفوان واكتساح..

وهكذا راحوا يتخذون من الشام نقطة وثوب على الجزيرة العربية, وبلاد الإسلام...



وأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم هدف المناوشات التي بدأها الروم ليعجموا بها عود الإسلام, فقرر أن يبادرهم, ويقنعهم بتصميم الإسلام إلى أرض البلقاء بالشام, حتى إذا بلغوا تخومها لقيتهم جيوش هرقل من الروم ومن القبائل المستعربة التي كانت تقطن الحدود..

ونزل جيش الروم في مكان يسمّى مشارف..

في حين نزل جيش الإسلام بجوار بلدة تسمّى مؤتة, حيث سمّيت الغزوة باسمها...



كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدرك أهمية هذه الغزوة وخطرها فاختار لها ثلاثة من الرهبان في الليل, والفرسان في النهار..

ثلاثة من الذين باعوا أنفسهم لله فلم يعد لهم مطمع ولا أمنية الا في استشهاد عظيم يصافحون إثره رضوان الله تعالى, ويطالعون وجهه الكريم..

وكان هؤلاء الثلاثة وفق ترتيبهم في إمارة الجيش هم:

زيد بن حارثة,

جعفر بن أبي طالب,

عبدالله بن رواحة.

رضي الله عنهم وأرضاهم, ورضي الله عن الصحابة أجمعين...

وهكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما وقف يودّع الجيش يلقي أمره السالف:

" عليكم زيد بن حارثة..

فان أصيب زيد, فجعفر بن أبي طالب,...

فان أصيب جعفر, فعبدالله بن رواحة"...

وعلى الرغم من أن جعفر بن أبي طالب كان من أقرب الناس الى قلب ابن عمّه رسول الله صلى الله عليه وسلم..

وعلى الرغم من شجاعته, وجسارته, وحسبه ونسبه, فقد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمير التالي لزيد, وجعل زيدا الأمير الأول للجيش...

وبمثل هذا, كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرر دوما حقيقة أن الإسلام دين جديد جاء يلغي العلاقات الإنسانية الفاسدة, والقائمة على أسس من التمايز الفارغ الباطل, لينشئ مكانها علاقات جديدة, رشيدة, قوامها إنسانية الإنسان...!!



ولكأنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ غيب المعركة المقبلة حين وضع أمراء الجيش على هذا الترتيب: زيد فجعفر, فابن رواحة.. فقد لقوا ربّهم جميعا وفق هذا الترتيب أيضا..!!



ولم يكد المسلمون يطالعون جيش الروم الذي حزروه بمائتي ألف مقاتل حتى أذهلهم العدد الذي لم يكن لهم في حساب..

ولكن متى كانت معارك الإيمان معارك كثرة..؟؟

هنالك أقدموا ولم يبالوا.. وأمامهم قائدهم زيد حاملا راية رسول الله صلى الله عليه وسلم, مقتحما رماح العدو نباله وسيوفه, لا يبحث عن النصر, بقدر ما يبحث عن المضجع الذي ترسو عنده صفقته مع الله الذي اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة.

لم يكن زيد يرى حواليه رمال البلقاء, ولا جيوش الروم بل كانت روابي الجنة, ورفرفها الأخضر, تخفق أمام عينيه كالأعلام, تنبئه أن اليوم يوم زفافه..

وكان هو يضرب, ويقاتل, لا يطوّح رؤوس مقاتليه, إنما يفتح الأبواب, ويفضّ الإغلاق التي تحول بينه وبين الباب الكبير الواسع, إلي سيدلف منه إلى دار السلام, وجنات الخلد, وجوار الله..



وعانق زيد مصيره...

وكانت روحه وهي في طريقها إلى الجنة تبتسم محبورة وهي تبصر جثمان صاحبها, لا يلفه الحرير الناعم, بل يضخّمه دم طهور سال في سبيل الله..

ثم تتسع ابتساماتها المطمئنة الهانئة, وهي تبصر ثاني الأمراء جعفراً يندفع كالسهم صوب الراية ليتسلمها, وليحملها قبل أن تغيب في التراب....
 
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:51 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Google Adsense Privacy Policy | سياسة الخصوصية لـ جوجل ادسنس

الساده الاعضاء و زوار منتديات المهندسين العرب الكرام , , مشاهده القنوات الفضائيه بدون كارت مخالف للقوانين والمنتدى للغرض التعليمى فقط

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

^-^ جميع آلمشآركآت آلمكتوبهـ تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكلـ من آلأشكآل عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى ~