تقرير.. العالم يعاني (1).. تحول الصراع ما بين مليارات فرنسا وندرة المهاجمين

[ميدو الشورة]

ظروف مختلفة يعيشها العالم الكروي في الآونة الأخيرة، فما بين عدم استقرار في الأجهزة الفنية لأكبر أندية العالم، لندرة المواهب وعدم وجود بدائل متعددة، إلى سيطرة مليارات مُلاك الأندية الأوروبية على الصفقات الكبرى ومشاهدة الأندية العملاقة للبساط الذي يُسحب من تحت أقدامهم، وأيضاً إلى الجزء العربي في العالم الكروي الذي يعاني من اضطرابات سياسية وتغيير في الخريطة.
وفي هذا التقرير "العالم يعاني" يفند أسباب معاناة العالم الكروي على كل المستويات، وبالتأكيد فإن الكرة المصرية والعربية جزء أصيل من هذا العالم الكروي.
وفي الحلقة الأولى من هذا التقرير سنتوجه بمنظار الكشف عن أسباب المعاناة إلى البلاد التي كانت تشتهر بالأناقة والموضة وأصبحت تشتهر مؤخراً بتلال الأوراق المالية من كل الفئات، من فرنسا نبدأ.
من صفقات الكرات إلى توزيع المليارات
اشتهرت الكرة الفرنسية باستقطاب نجوم الشمال والغرب الإفريقي لدوريها من أجل إعدادهم وتطوير مستواهم ومن ثم بيعهم إلى الأندية الأوروبية الكبرى، وتحول مصنع النجوم الفرنسي بعد ذلك من مُصدر رئيسي إلى مستورد عملاق.
الصفقات التي كان تبرمها الأندية الفرنسية مع نظيرتها الأفريقية كانت تشبه الصفقات الفقيرة التي تتم بمقابل مادي ضعيف جداً يتم تبديله بمنح النادي الإفريقي بعض الملابس الرياضية وعدد مناسب من الكرات ليتدرب بها فرق النادي.
الأمر تحول تماماً بعد ذلك خاصة عندما قام الملياردير القطري ناصر الخليفي بشراء نادي باريس سان جيرمان الذي كان بعيداً عن الأضواء بسبب سيطرة مارسيليا وليون على الكرة الفرنسية.
فقد نجح الخليفي في استثمار أمواله بشراء صفقات من العيار الثقيل وإقناع لاعبين كبار باللعب في الدوري الفرنسي الضعيف نسبياً مقارنة بالألماني والإسباني والإيطالي والإنجليزي مقابل رواتب خيالية وامتيازات مادية كبرى، وبالفعل تطور باريس سان جيرمان ووصل لربع نهائي دوري أبطال أوروبا وفاز بالدوري الفرنسي وعاد بقوة للمنافسة.
وفي هذا العام صعد المنافس القديم لباريس وهو فريق موناكو الذي قام الملياردير الروسي دميتري ريبولوفليف بشراءه في محاولة لتكرار تجربة سان جيرمان الناجحة، ومن هنا بدأ صراع كرة القدم يتحول لصراع الأوراق المالية.
تحول الصراع
تبارى الناديين الكبيرين في فرنسا في شراء اللاعبين وإبرام الصفقات الأعلى سعراً ومنح اللاعبين رواتب خيالية تكسر جميع الأرقام السابقة في فرنسا وربما في معظم دول العالم.
تحول الصراع من كروي إلى مادي بحت كان عاكساً لكرة القدم القادمة التي ربما تساعد على صعود أندية لم يكن لها تاريخ إلى منصات التتويج وتواري أندية عملاقة.
فرنسا تضرب والعالم يعاني
ومع نجاح الثنائي الفرنسي موناكو وباريس في إبرام الصفقات الكبرى، كان هناك أندية أوروبية عملاقة تبحث عن تدعيم صفوفها بلاعبين من النجوم القادمين في كرة القدم العالمية ولكن في كل مرة تبدأ الأندية ذات التاريخ المفاوضات تكون النهاية لصالح الأندية الفرنسية.
ففي كل أندية أوروبا أصبح المهاجم الهداف الذي يجيد التعامل في منطقة الجزاء والتسجيل بالرأس وكلتا القدمين نادراً جداً، أندية قليلة جداً التي تمتلك هذا المهاجم النادر الذي بإمكانه أن يكون خطاً هجومياً بمفرده في كرة القدم الحديثة.
وربما من بين هؤلاء المهاجمين القلائل الذين سعت خلفهم أعظم أندية العالم، هما النجمان الكولومبي رادميل فالكاو، والأورجوياني إدينسون كافاني، وهما بالفعل أفضل مهاجمان في العالم في الفترة الحالية.
تصارعت أندية ريال مدريد وبرشلونة ومانشستر يونايتد وتشيلسي ومانشستر سيتي على ضم رادميل فالكاو وتواصلت المفاوضات مع أتليتكو مدريد على مدار أشهر حول المقابل المادي للصفقة في ظل تمسك أتليتكو بالحصول على مبلغ ضخم.
وكانت النتيجة في النهاية دخول موناكو في الصفقة وموافقته على الشروط المالية لنادي أتليتكو مدريد وقطع الطريق على الأندية الأخرى بعد دفع مبلغ 60 مليون يورو والحصول على الهداف الكولومبي.
نفس الأمر تكرر مع إدينسون كافاني هداف الدوري الإيطالي ومهاجم نادي نابولي، الذي تمسك ناديه بالحصول على 64 مليون يورو وهي قيمة الشرط الجزائي في عقده في ظل رفض ريال مدريد والسيتي واليونايتد وتشيلسي دفع هذا المبلغ، ليدخل باريس سان جيرمان في الصفقة بدون مقدمات ويدفع المبلغ كاملاً ويحصل على كافاني.
وبهذه الطريقة أصبح الدوري الفرنسي به اثنين من أفضل المهاجمين في العالم إن لم يكونا الأفضل على الإطلاق بالفعل، بالإضافة إلى زلاتان إبراهيموفيتش المتواجد أساساً في باريس سان جيرمان.
ولم يبقى أمام الأندية الأوروبية الكبرى التي تبحث عن مهاجم من العيار الثقيل، سوى البحث والتنقيب مجدداً عن لاعب سيكون في أحسن الظروف أقل بكثير من الثنائي الراحل للدوري الفرنسي.
ندرة المهاجمين
بعد خروج كافاني وفالكاو من سوق الانتقالات الصيفية الجاري، أصبح سوق المهاجمين محدود جداً ومقصور على أسماء قليلة تدور حولها كل الأندية الأوروبية التي تبحث عن مهاجم على وجه السرعة.
فمثلاً الثلاثي الإنجليزي مانشستر سيتي ومانشستر يونايتد وتشيلسي جميعهم يبحث عن مهاجم خاصة النادي الأول الذي باع كارلوس تيفيز ومن قبله ماريو بالوتيلي من أجل الحصول على كافاني أو فالكاو ولكن سبقته الأندية الفرنسية.
وأيضاً ريال مدريد الذي يعاني بسبب تراجع مستوى مهاجميه إيجواين وبنزيمة، وأيضاً بايرن ميونيخ الذي باع ماريو جوميز ويبحث عن لاعب هداف بسعر مناسب.
وبنظرة عامة سنجد أن تقريباً من 6 إلى 8 أندية كبرى في أوروبا يبحثون عن مهاجم هداف بمعنى الكلمة، ولا يجدون ضالتهم بعد خروج كافاني وفالكاو من اللعبة، وأصبح الأمر محصوراً بين عدة أسماء قليلة جداً من بينها ستيفان يوفيتش لاعب فيورنتينا، وألفارو نيجريدو لاعب إشبيلية الذي أصبح قريباً من مانشستر سيتي، وروبير ليفاندوفسكي لاعب بروسيا دورتموند، وهالك لاعب زينيت الذي ربما يكون أصبح في طريقه إلى موناكو الفرنسي أيضاً في صفقة ربما تتعدى مبلغ 50 مليون يورو، وعدد قليل جداً من المهاجمين.
وفي الحقيقة أن غياب واختفاء المهاجمين التقليدين في أوروبا قد يجعل أندية عديدة تفكر في تغيير طرق اللعب والتحول للطريقة التي نفذها برشلونة وأبدع بها البايرن مؤخراً التي لاتعتمد على مهاجم صريح يمكنه أن يكون "فتوة" الفريق، والاعتماد على النجوم القادمون من وسط الملعب، وفي كل الأحوال فإن الواقع يقول أن العالم يعاني في ظل ندرة المهاجمين ومليارات فرنسا التي تحصد المواهب البارزة دون ترك فرصة للأندية الأوروبية الكبرى للتفاوض على ضمهم.

[ابوعبدة1]

شكرا لك اخى