ماشاء الله تبارك الله ماشاء الله لاقوة الا بالله , اللهم اني اسالك الهدى والتقى والعفاف والغنى
" قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ *مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ". صدق الله العظيم
الساده الاعضاء و زوار منتديات المهندسين العرب الكرام , , مشاهده القنوات الفضائيه بدون كارت مخالف للقوانين والمنتدى للغرض التعليمى فقط
   
Press Here To Hidden Advertise.:: إعلانات منتديات المهندسين العرب لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم الشكاوي ::.

 IPTV Reseller

  لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم طلبات الاعلانات اسفل المنتدى لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم طلبات الاعلانات اسفل المنتدى لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم طلبات الاعلانات اسفل المنتدى

Powerd By : Mohandsen.com

العودة   المهندسين العرب > المنتدى الادبى > المنتديات الادبيه العامه > قسم القصه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 22/7/2014, 11:48 AM
 
هاني حمودة
مـهـند س جـديـد

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  هاني حمودة غير متصل  
الملف الشخصي
رقم العضوية : 338701
تاريخ التسجيل : May 2013
العمـر :
الـجنـس :
الدولـة :
المشاركـات : 6 [+]
آخــر تواجـد : ()
عدد الـنقـاط : 132
قوة التـرشيـح : هاني حمودة يستاهل التقييمهاني حمودة يستاهل التقييم
افتراضي الجذور

إلى كل أب ..
إلى كل أم..
"كما تدين تدان "
"كل امرئ بما كسب رهبن "
"كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته "
"كفي بالمرء أثما أن يضيع من يعول "
لعل شخصية الإنسان تتحدد بعدة عوامل أهمها الأصل آو الوراثة، والتربية، والبيئة المحيطة، وهذا ما أريد آن أقوله من هذه الحكاية التي لعبت التربية والبيئة المحيطة دورا هاما في حياة أفراد هذه الآسرة المكافحة آلتي ضاع كفاحها نتيجة قليل من الملح كما يقولون.
ومن المعروف أن الشجرة المريضة فروعها مريضة، فالجذر الذي يغذي الجميع مريض فكيف ستكون الفروع صحيحة.
والسؤال الذي أحاول آن أجيب عليه أشرككم معي هو من السبب في فشل آسرة بأكملها في إخراج ناجحين إلى المجتمع وإخراج أفراد يعيشون علي هامش هذا المجتمع؟ ومن السبب في تدنى أخلاق جيل كامل من الشباب حتى صاروا لا يفقهون معنى للأخلاق أو العلم؟
من السبب في انحطاط جيل دون أن يعوزهم الذكاء الفطري وفشلهم في السير في طريق العلم وشعارهم في ذلك: ماذا أخذ المتعلمون ؟
هل نستطيع إيقاف هذا الطوفان الأعمى؟
عفوا: فلقد كانت هذه أسئلة كثيرة ولكنها أوجه متعددة لموضوع واحد ودارت في رأسي وعششت فيها حتى الصداع وأنا أحاول الإجابة عليها حتى رأيت هذه القصة العجيبة التي تتكرر ولا نفعل لها شيئا.
ولكي نصل إلى نتيجة اسمحوا لي أن نبدأ من البداية،
(1) البداية
عندما مات الأب حسن علي تاركا ورائه ثلاث زوجات وأبناء كثيرة وتركة هّينة من أبيه لم يقسمها مع أخواته، ومن ضمن ما ترك.. ترك" كريمة" زوجته الأخيرة وأبناءهما شريفة وفتحيه وعلي وعبد الله الذي لم يكمل عامه الأول.لم تدع كريمة الحزن يسيطر عليها ويشغلها عن تأدية واجبها نحو أبناءها الأربعة الذي لا يزالون جميعا في سن الطفولة، كان سن الطفولة بالنسبة لهم مجرد اسم، فهم لم يمارسوا أي شئ من الطفولة إلا اسمها.
فلقد نزلت إلى الأرض - والتي لا تتجاوز نصف فدان إيجارا، بينما كان نصيبهم الأصلي يستولي عليه أعمامهم- نزلت إلى الأرض مع أبناءها ونزلت إلى الأسواق تشتري ما تحتاجه الأرض والبيت وتبيع ما تنتجه.
ورغم ظروفهم القاسية ألا أنها أرادت أن تعلم عبد الله، فهو آخر الأولاد الذي لم يري أبيه وفلذة كبدها، فأرسلته أمه إلى المدرسة، واخذ يتعلم القراءة والكتابة واخذ الناس يحسدون كريمة فقد كانت من القلائل الذين أرسلوا أولادهم إلي المدرسة، ولكنها فرحة ما تمت فبعد أن تم عامه الأول اضطرت كريمة إخراجه من التعليم حيث لم تقدر علي مصاريف الدراسة فضلا عن مصاريف البيت المتزايدة من مطعم وملبس رغم تواضعهم. وحزنت على ذلك حزنا شديدا ولكن كيف ولم يكن في يدها شيئا والمصاريف كثيرة والمدرسة تحتاج هي الأخرى لمصاريف كثيرة .
ولم ينظر أعمامهم إليهم والي حالتهم والي جدهم واجتهادهم بل اغتصبوا حقوقهم وانشغلوا بأنفسهم متناسين أن أبناء أخيهم لهم عليهم حقوق ولكن هيهات أن يتذكر هؤلاء مثل هذه الحقوق. ولم تنظر كريمة إليهم بل نظرت إلي الأمام وأخذت تجتهد وتجد هي وأولادها . تلك كانت الحالة عندما مات الأب حسن علي
وعندما بلغ عبد الله التاسعة طلب حسنين التابعي جارهم أن يصحبه معه ألي مصنع النسيج الذي يعمل به ليعلمه مهنه حيث أن الأرض لا تسعهم جميعا كما إنها ( نواية تسند الزير ) كما قال لأمه التي لم تمانع وطلبت من عبد الله أن يذهب معه ففرح عبد الله بذلك ، فسوف يتعلم مهنة يتكسب منها ويساعد أمه بعد أن اضطر إلي ترك التعليم وذهب عبد الله ألي المنطقة الصناعية الجديدة وركب الدراجة خلف حسنين التابعي وكان مبهورا فالأرض كلها مساوية بالاسفلت وأنظف من شوارع القرية، ورأي القطار لأول مرة ورأى سيارات كثيرة، وعندما رأي المصنع انبهر به فلأول مرة يري ماكينات تصنع القماش والأنوال التي تعمل عليها ولكن عبد الله سرعان ما أن تعلم أساسيات العمل والأنوال والمواكيك واللقي والتبريز مساعد لحسنين التابعي مما أرضى عنه صاحب المصنع لأنه تعلم بسرعة وزاد راتبه إلى نصف فرنك في الأسبوع، وفرحت به أمه لان ابنها أصبح عامل يدر دخل يساعد به الأسرة التي أصبحت أحسن حالا مما قبل حيث اجروا أراضي أخري يزرعونها بجوار نصف الفدان التي كانت بحوزتهم.
وأصبح عبد الله فتي بهي الطلعة يميل إلي البدانة قليلا مستدير الوجه كثيف الشعر يحاول أن يمارس دور الرجولة كما كانت تطلب منه أمه دائما كأمنية عزيزة عليها " نفسي أشوفك رجل ملو هدومك " فكان يري الرجولة في الأمر والنهي كما كان يرى في جيرانه وأعمامه.
ذهب علي وعبد الله فتحية وشريفة إلي حيث أختهم صفية التي ستتزوج، كما لم تنسي كريمة الحضور كواجب يجب ان تؤدية بعد وفاة زوجها حسن علي.وأخذ علي وعبد الله يفرشان الحصير انتظارا لحضور المدعوين حتى يحين موعد الزفاف كما لم تسكت البنات فآخذو يغنون ويرقصون حتى جاء العريس وتم الزفاف. وأحست كريمة أنها أدت الواجب نحو ابنة زوجها وجعلت أبناءها يؤدون الواجب هم أيضا.وحتى هذا اليوم لم تلاحظ كريمة أن ابنتها شريفة كبرت وأصبحت فتاة جميلة علي مشارف الزواج، فقد جاءها في اليوم التالي إسماعيل الشافعي يخطب ابنتها، فتواضعت أمام أبيه حسن الذي جاء يطلب يدها:
- يا بني احنا بنشتري راجل .
- وأنا تحت أمرك يا أم علي .
- الأمر لله يا أبو إسماعيل.
- احنا هندفع 30 جنيه مهر.
- لا يا أبو إسماعيل قليل.
- خلاص خليهم 32جنية .
- يا أبو إسماعيل الحاجة بقت نار ، شوف اوضة النوم بكام ؟
- هات اللي تجبيه يا أم علي.
- بردو قليل يا ابو اسماعيل ؟
- خلاص يا أم علي خليهم 35 ودا أخر مقدرتنا.
- على خيرة الله يا أبو إسماعيل.
- نقبض آخر الشهر ده
- سبنا شوية يا أبو إسماعيل ؟
- نقبض بس وبعدين علي مهلكم ؟
- زي بعضه، ماشى.
تم تنفيذ الاتفاق بين أبو إسماعيل و كريمة وأخذت المهر واجتهدت هي وأبناءها الأربعة لكي يتم تجهيز شريفة علي أكمل وجه، فاتت بالسرير النحاسي أبو دربيه والكنبات الأربع والنحاس كامل بما فيه من طسوت وحلل وأباريق وصواني إلي تم تجهيزها بعد أن قطع الجميع النفس و اضطرت أم علي إلي أن تستدين من جارهم حسونة ليتم لها ما أرادت
واتفقوا علي الزفاف فأتمت كريمة التنجيد في أسرع وقت فكان كل شئ علي ما يرام وتم الزفاف فبكت كريمة إنها أول فرحة منذ مات زوجها حسن وها هي تزوج أولى بناتها.وفي يوم الحنة تأخر علي وعبد الله عند إسماعيل الشافعي فقلقت كريمة وسألت فتحية : يا فتحية أخواتك لسة ما جوش ؟
- لسة يا أمه قعدين شوية عند العريس .
- قعدة ايه احنا فاضيين ؟ …..... وتنهدت وأكملت كأنها تحدث نفسها: يلا اديهم قاعدين مع الرجالة برضو .( وكأنها تذكرت أنهم يجب أن يقفوا وقفة رجالة وان يجلسوا معهم في هذه المناسبات)
……………………….
وفي نفس اللحظة كان علي وعبد الله في مجلس السمر الذي يقيمه أبو إسماعيل وبينما هم جالسين انتبه الحاج لطفي (وهو ليس بحاج وإنما يقال له كذلك للاحترام ) أن علي عبد الله موجود بينهم فأراد أن يرفع من معنوياتهم فحول دفة الحديث إليهم سائلا عبد الله:
- آلا هو أنت بتشتغل ايه يا عبد الله ؟
- باشتغل في النسيج يا حاج لطفي.
ونفث أبو إسماعيل في صورة أصهاره الجدد: دا اسطى اد الدنيا يا حاج
- يعنى بتشوف الاسطوات وهي بتعمل القماش؟
- أنا بعمله آنا كمان يا حاج لطفي.
وأراد الحاج لطفي أن يظهر إعجابه: شوف ازاي، بقي واحد مننا بيعمل قماش علي نول مكنة؟
انتهزها عبد الله فرصة ليظهر تقدمه عليهم : الدنيا اتقدمت يابا الحاج لطفي ، بقي فيه كتير بيشتغلوا في النسيج .
ودخل علي بحماس ليرفع من شان أخيه: عبد الله اخويا أحسن واحد في المصنع وصاحب المصنع مبسوط منه قوي.
أبو إسماعيل: ربنا ينفخ في صورته ؟
علي : يللا بقي يا عبد الله ؟
أبو إسماعيل : ما لسة بدري يا ابني ؟
عبد الله : ورانا شغل يا عم إسماعيل .
………………………………………
وعندما أصبح الصبح ذهبت كريمة وأبناءها وجيرانها إلي بيت شريفة في أول أيامها مع عريسها واستفزت المشاركين في الموكب : يللا يا علي حط الشوال علي الحمارة .. يللا البنات شالوا ومشيوا قدامك اهم وعبد الله هيحصلنا بالشكولاته .
أحس علي بالغيرة من عبد الله لأنه هو الذي كان يريد أن يدخل بالشيكولاتة ولكنه لم يبد هذه الغيرة لامه التي كانت مشغولة.
وبعد أن وضع الشوال علي الحمارة نادي علي أمه لكي يبدأ الموكب الصغير المكون من بعض جيران كريمة وسارت الحمارة المحملة بالدقيق ، والسمن علي رؤوس البنات.وكانت أول من دخل إلي شريفة فتحية أختها وباركت لها.
اجتهدوا بعد زواج شريفة لكي يسدوا ديونهم التي تحملوها لكي يتم زواج أختهم فأجروا ارض تبعد عنهم كثيرا غير الذي أجروها في القرية. فعلي راعي هذه الأرض وأمهم تقوم بما هو فوق طاقتها في البيت والغيط، ويجئ عبد الله من المصنع فيساعد أخاه في الري والزراعة و فتحية لا تتأخر عن تلبية طلبات أخواها وأمها.
واعتادت كريمة أن تأخذ عبد الله إلي الأسواق للبيع والشراء- وما لبث أن هوي ارتياد الأسواق وأصبحت عادة معه طول العمر - وهو آخر العنقود وهو الوحيد الذي لم يري أباه .
ورغم كل ذلك إلا إن كريمة لم تقصر في واجبات ابنتها المتزوجة حسب عاداتهم رغم الأعياد الكثيرة التي كانت تثقل كاهلها إلا أن الألسنة لا تخرس عندما يكون هناك تقصير في الواجبات العرفية التي تؤدي للعروس في كل عيد أو موسم من المواسم؟
وما لبث أن جاءهم خاطب جديد ل "فتحية" ذات الأربعة عشر ربيعا ولكن كريمة رفضته ثم جاء خاطب آخر لفتحية فلم تجد كريمة بد من الموافقة علي هذا الخاطب خاصة وقد لاقي قبولا عندها وارتضته زوجا لابنتها فحادثت أبناءها عنه : شوفوا يا أولاد ، عمكم عبد المنعم قمر الدين كلمني عن فتحية لابنه حسني .
- اللي نعرفه يا امه أن حسني كويس وميتعيبش وراجل.
- يعني تقولوا ايه ؟
- اللي تشوفيه يا أمه ؟
- بس أنا عاوز أقول يا أمه آن إحنا لسة طالعين من جوازة شريفة يدوب بالعافية ، مش نستنى شوية ؟
- يا ابني جوازة البنت سترة ، ور بنا يساهلها…. ( وصمتت قليلا لتري أثر ذلك علي وجوههم) … هاتي لاخواتك يأكلوا يا فتحية ؟
ولبت فتحية الأمر بسرعة فلقد كانت تسمع كلام أمها مع أخواتها وفرحت بما سمعت واعدت لهم الطعام الذي لم يزد علي جبن قريش وبيض بلدي وعيش بلدي .
وبينما هم يأكلون وزعت عليهم العمل فقالت لعبد الله:
- بعد ما تيجي من الشغل بكرة فوت علي الغيط اللي في إمبابة وشوف الذرة عمل ايه علشان نسيبه بعد الذرة .
- بس أنا ممكن اتاخر بكرة.
فقال علي : خليها لبعد بكرة علشان أنا رايح أنا وأمك السوق نشتري شوية ذرة نطحنهم .
وليه ماتجيبوا من عند عثمان أبو حسن ؟
فقالت امه : غالي.
لم يستسلم :
ولكن عبد الله استدرك لم يستسلم : ف طب ما انتوا لسة هتشيلوا من عند السوق وهتضيعوا يوم علي تلت أربعة صاغ.
وانتهوا من طعامهم وذهبوا جميعا إلي النوم وفي اليوم التالي ذهبت كريمة بمفردها إلي السوق وعلي قام بالعمل في الغيط وعند انتصاف النهار أتي حسني قمر الدين إلي بيت خطيبته فلم يجد سواها في البيت فسلم عليها: سلامو عليكم.
فردت فتحية في خجل: وعليكم السلام.
ولكن حسني لم يترك لها فرصة للخجل:أمال علي وأم علي فين ؟
ولكن الخجل كان مازال باديا عليها: أمي في السوق وعلي في الغيط القبلي.
فتركها وذهب إلي علي الغيط: سلاموا عليكم يا علي.
- وعليكم السلام يا حسني أتفضل اقعد عقبال ما اخلص الخطيين دول.
- هات الفاس دي أما أساعدك.
- لا يا جدع اقعد.. هم الخطين دول بس.
وامسك حسني الفأس الثانية وشرع يعزق مع علي انتهوا من العزيق فجلسا تحت الشجرة وكأنهما صديقين رغم أن حسني اكبر من علي بسبع سنوات ولم يتجالسا قبل ذلك.
الذرة بتاعكو حلو اللهم صلي علي النبي.-
- اه ما أحنا رمانالوا تلاتين نقلة سباخ غير الكيماوي.
- سيبوه شوية متروهوش دلوقتي.
- الميه ممكن تنزل .
- لا لسة قدامها أسبوع .
وغادر حسني الغيط ورجع علي إلى البيت لتناول الغداء ويري أمه بعد أن جاءت من السوق وماذا أحضرت
كانت كريمة جاءت من السوق فأخبرتها فتحية بحضور حسني وذهابه دالي الغيط.
سألتها وهي تفتش في المقطف التي أحضرت فيه ما اشترته: وريني جبت ايه من السوق ؟
- جبت كلتين برسيم وشوية بصل وجبتلك صينية ونص دستة كوبيات وجبتلكوا عجوة.
- مجبتيش الغلاي ؟
- المرة الجاية.
- قومى اعملي العجوة بالبيض عمال ما ييجي اخواتك عشان ياكلوا .
- حاضر. أمال مختيش معاكي عبد الله المرة دي.
- يا بت مش غاب المرة اللي فاتت ؟ هو كل مرة؟ احنا داخلين علي جوازتك.
ففهمت فتحية أن أمها ستوافق علي حسني قمر الدين وأنها مسالة وقت حتى ترتب أمها أمورها.
لم تكن كريمة ولا أبناءها يدرون شيئا عن السياسة وما يحدث في البلد، فليس أمامهم سوي الكفاح لبناء أنفسهم والعيش في هذه الدنيا حتى سمعت كريمة عن شئ سيغير الحياة في مصر كلها اسمه الثورة لذا انتهزت الفرصة عندما رأت حسنين التابعي وسألته:
وادي تطلع أية يا اسطي حسنين ؟ -
- الثورة دي شوية ضباط جمعوا نفسهم ولموا الجيش وراهم وقدروا يطردوا الإنجليز من مصر وهيحكموا مصر ويخلعوا الملك.
- والله رجالة يعني الإنجليز هيمشوا من مصر ؟ ( وتذكرت اشكال الانجليز الذين كثيرا ما يجوبوا القرية ولكنهم لم يفعلوا شئ سوي الشراء من القرية)
- آيوا يا أم علي .
وتدخل عبد الله في الحديث محاولا جذب الأنظار إليه علي أساس انه أصبح من الذين يعملون في مصر: ايوا يا أمه سمعتهم في المصنع يقولون آن الجيش طرد الإنجليز
فقال عبد الله : هناكل اية؟
- عجوة ببيض.
فرد عبد الله بدعابة:بشاير السوق.
فاستفسر علي:جبتي برسيم
- سأل الأم مادحة نفسها: جبتلك شوية برسيم عليهم القيمة.
- وبينما انهمك عبد الله في الأكل سأل علي: يكفي الغيط القبلي ؟
- يكفوا. حسني جالك الغيط النهاردة ؟
- شوية وعزق معايا خطين وعملت معاه الواجب وقام مشي علي طول.
- جدع يا علي راجل، ربنا يخليك انت واخوك لينا وما يفرحش عدو فينا.
بينما كان عبد الله يأكل لم ينسي أن يجامل أخته علي الأكل: تسلم ايدك يا فتحية.
- بالهنا والشفا.
تفاءل الجميع بمولد محسن ابن شريفة واعتبروه فأل حسن في عامهم الجديد ومع قدوم الربيع وزراعة الذرة. واعدت كريمة لابنتها ما تيسر من الطيور التي تربيها فوق سطح المنزل كما تفعل كل الفلاحات.
واضطرت كريمة إعطاء كلمة لآبى حسني فوافقت ثم اتفقوا علي المهر وقبلت كريمة 37جنية. وعادت الدائرة من جديد فجدوا جميعا في عملهم لإتمام زواج فتحية، انتهوا من تجهيز فتحية واتفقوا مع حسني علي الفرح في الخميس الرابع والعشرين من يوليو.
(2) فرحة
في صباح اليوم التالي الذي يسق الزفاف ويسمونه حنة، بدا اليوم بحركة دائبة، ذهب علي إلى الغيط وذهب معه عبد الله الذي لم يذهب للمصنع، وذهبت أمهم إلى السوق تتسوق بعض الأشياء اللازمة، أما شريفة و فتحية وبعض قريباتهم يعدون البيت لاستقبال الضيوف الذين ستستقبلهم الدار أول الليل، وفي آخر النهار عاد علي وعبد الله من الغيط مبكرا وجهز عبد الله ورقة وقلم ليكتب بها النقوط فهو يعرف القليل من القراءة والكتابة التي تمكنه من كتابة الأسماء. والعروس يتم تجميلها( وتذويّقها) ووضع الحنة في يديها.
وآتى الرجال يتوافدون وفرش عبد الله وعلي لهم الحصير أمام البيت والبيوت المجاورة ثم لبثوا أن تحدثوا عن حدث جليل حدث في الصباح:
حامد الشافعي: دا اللي حصل النهاردة لا كان علي البال ولا علي النية !
صلاح حسونة: ليه يا عم حامد ؟ دا كل الناس كانت منتظرة دا من سنين، الثورة كانت لازم تقوم من زمان، بس ربنا هو اللي بيسبب الأسباب.
حسنين التابعي: دا الناس في مصر فرحانة قوي، بيقولوا آن مصر هتحكم نفسها بولادها بدل الإنجليز والملك .
حامد الشافعي : بس احنا هنستفاد اية من الثورة دي
حسنين التابعي: ازاي بقي يا عم حامد ؟ بقي لما تكون مُحتل والإنجليز بينهبوا في مصر ولا لما تكون مصر بتحكمها ولادها ؟ لكن حامد الشافعي غير مقتنع بالفرق بينهما وما يستفيده هو شخصيا من هذه الثورة .
وسكت الجميع حيث آن صوت البنات وهى تغني ارتفع علي أصواتهم فلم يعد يسمعون
بعضهم البعض، ونادى الأطفال الذين كانوا يلعبون: آهل العريس وصلوا وجاء آهل العريس يتتقدمهم حسنى وأبيه عبد الكريم وعمه شوقي فقام الرجال الجالسون وتقدم الجميع ودفع كلا منهم النقوط فتسلمها حسنين التابعي وكتبها عبد الله وقامت كريمة بتوزيع الشربات علي الضيوف والحنة علي البنات وانفض أول أيام الفرح.
وفي الصباح الباكر آتت شريفة لتعد مع أمها لليلة عرس أختها وتطهو العشاء للعروسين كما أن أخوتها الآخرين آتوا، فقد أتت "ثنية" و"نعيمه" و"وهيبه".
آما أمها فكانت تشرف علي الطاهين وتفكر في القادم: كيف ستدبر آمر المواسم والزواج نفسه كلفها كثيراً.
وأفاقت علي من ينادي:" يللا وسعى يابت انتى وهيه البهايم جت." فقد جاء علي بالبهايم من الغيط.
أما ليلة العرس فقد بدأ بأن ركبت فتحية الهودج علي الجمل ومن وراءها أهل العريس وأهل العروس حتى إذا اقتربوا من بيت العريس نزلت العروس وزفوهم للبيت ودخلت معهم الداية.
كما أن كريمة باتت فرحانة لإتمام زفاف ابنتها ألا أنها مضطربة من حماتها فهي لا تستطيع العيش معها بسهولة كما أن عبد الكريم ليس بالرجل الذي يستطيع حكم بيته من حديد وحسني ليس بيده شئ فهذه أمه ماذا سيفعل بها ؟
ونامت وهي علي ذلك حتى آتى الصباح فاستيقظت في الصباح الباكر وذهبت ألي ابنتها لتطمئن عليها ثم رجعت وأخذت عبد الله لشراء حلوي للعروس بينما ذهب علي إلى الغيط، وعند الظهر تجمع الأهل وذهبوا جميعا بالدقيق والسمن والحلوى.
وبعد أسبوع كان علي كريمة أن تفي بواجب آخر وهو السبوع ولابد من إرسال كل شئ يؤكل في هذا اليوم الفاكهة والخضار والدقيق والسمن والزيت …الخ واضطرت كريمة إلي أن تستدين من جارهم صلاح حسونة لذلك، ورغم ذلك وكل ما فعلته لأجل أن تعيش ابنتها عيشة هنية إلا أنها لاحظت تكدر ابنتها وعدم سرورها رغم انه لم يمر علي زواجها أكثر من أسبوع، فانتحت بها جانبا وسألتها عن حالتها وسبب تكدرها فحاولت أن تداري عن أمها ولكنها لم تستطع فحكت لها عن سوء معاملة حماتها لها خاصة منذ يومين ولكن ليس بشكل مباشر حتى الآن، فطالبتها أمها بان لا تتكلم وتطيع وتطأطئ للريح ولكن فتحية ليس من النوع الذي يدبر أموره، ولذا خافت آلام ولكن لم تكشف خوفها هذا.
علي غير العادة آتى عبد الله من العمل بعد الظهر فسألته أمه:
خير ان شالله جيت بدري ليه ؟-
- محمد أفندي قالنا روحوا دلوقتي عشان فيه حرب في السويس وبورسعيد
حرب تاني … ربنا يسترها……يعني ممكن ييجوا هنا ؟-
- لا يا ام بيقولوا عند بورسعيد.
نظرت الأم إلى ابنها فها هو اصبح شابا يانعا وقد اصبح يفوق السادسة عشرة من عمره وسبق أخيه علي في الطول ومتسق القوام، مستدير الوجه في غير استدارة باسما ضاحكا اصبح اسطي نسيج ويعرف ما يجري من الأحداث ويلبس زي الأسطوات القميص والبنطلون …….
- ربنا يحميك يا ابني ويحمي بلادنا منهم …….وهم غيرنيين مننا ليه ؟ بيحربونا ليه ؟ هو احنا قتلنلهم قتيل ؟
- لأ يا آمي، دا علشان الرئيس عبد الناصر أمم قناة السويس .
يعني ايه امم قناة السويس يا ابني ؟-
يعني كانت ملك للأجانب وخلاها ملك لمصر. -
لم تفهم كريمة معني هذا الكلام فحولت مجري الحديث -
- طب يللا اعملك غدا واتغدي واعزق معاه الدرة ….خلصوا عشان ننقل علي الغيط البحري .
حاضر.-
…………………….
وبعد بضعة أيام ذهب إلي العمل من جديد إلي أن جاء احد الأيام و كان عبد الله مشغول بنول النسيج عندما فاجأه محمد شعبان محاولا التلطف معه: مش هتاخدوا ارض يا عبد الله ؟
- ارض ؟ ارض ايه يا محمد بيه ؟
ظن عبد الله أن محمد بيه صاحب المصنع يريد أن يسخر منه ويضحك معه ولكن محمد شعبان أوضح له الامر : الرئيس عبد الناصر بيخد الأرض الزراعية من الناس الكبار وبيوزعها علي الفلاحين الغلابة.
- والله يا محمد بيه ؟ دي حاجة تبقى حاجة حلوه خالص ! بس أنا مشفتش حاجة .
ولكن عندما وصل عبد الله إلى الدار وجد الخبر صحيحا، فقد استدعوا كريمة لتحصل علي فدان ارض بأرض الجزيرة أحسن الأراضي الخصبة التي تعطي إنتاجا وفيرا لاعتبارها زوجة حسن علي وأم علي وعبد الله الفلاحين جميعا.
وأيام وأصبحت هذه الأرض تحت أيديهم يزرعوها ويأكلوا من خيرها ويؤدون إيجارها للمالك الأصلي حامد الشوباشي حسب ما تقرره الحكومة وكأن الدنيا تفتح لهم ذراعيها من جديد. والأغرب من ذلك أن مصنع محمد شعبان قد أمم هو الآخر.
وبينما كان علي يجز البرسيم شاهد فتاة أعجب بها فسأل حسن عوض جارهم في الغيط الذي اشتراه لعدم كفاية البرسيم الذي تنتجه أرضهم: بنت مين دي يا عم حسن ؟
بنت عمك عبد المنعم ظاظا، وغيطهم اللي هي واقفة فيه جنب أخوها.
ولم يخفي علي الرجل نظرات علي أليها والتي أحست هي الأخرى بها ولكنها لم تستطيل النظر فاستطرد الرجل: ليه ؟ هو فيه حاجة ؟
- لأ بسأل بس .
وعندما أتي المنزل أراد علي أن يطلب من أمه الزواج من ذكية ولما لا وقد أصبحت الحالة علي ما يرام خاصة بعد اخذوا الأرض من الحكومة وقد انتهت الديون منذ مدة والبيت يحتاج لسيدة أخرى تساعد أمه وترعي مصالح البيت وهو الذي عليه الدور خاصة بعد زواج أختيهما.
فقال علي لأمه: أنت بتتعبي قوي يا امه.
- تعبكم راحة يا ابني.هو أنا عندي اغلي منكم ؟
- بس المفروض نريحك شوية يا أمه أنت تعبتي كتير لما كنا مشيين بالعافية بس دلوقتي حالتنا اتيسرت عن الأول .
وأدركت كريمة الهدف من كلام علي هذا فقالت: تريحوني آزاي ؟…. اه فهمت يا لئيم … قلي من هي دي ؟
- بنت عبد المنعم ظاظا.
- ذكية ولا أمينة ؟
- لأ ذكية يا أمه.
- هي بنت حلوه ولهلوبة بس عصبية ونمرودة.
- بس عجباني يا أمه ؟!
-طب ما تستني شوية يا ابني هي الدنيا هتطير ؟
- ليه يا أمه بس ؟
- يمكن تغير رأيك ؟
- ما تخفيش.
-طب اسكت وأنا ها أتصرف.
وفي المساء ذهبت هي وابنتها شريفة إلى بيت عبد المنعم ظاظا فقابلا أم ذكية تطلب منها يد ذكية لعلي فطلبت منها مهلة للتفكير والرد عليها. ولكن كريمة لم تسترح لهذه المقابلة.
وانتظرها علي ليعرف ماذا حدث، فلم تخبره بما أحسسته وطلبت منه الانتظار فلم تطر الدنيا وبعد أسبوع ذهبت كريمة مرة أخرى عند ذكية فوجدت أمها فحيتها: عواف؟
- يعافيكي يا اختى.
- ها عملت ايه ؟
- والله يا أختي علي ما يتعبيّش، وادينا قرايب، أجهزهالك ووديهالك لحد البيت.
- الله يخليك يا أم حامد، طلباتكم اية يا أختي ؟
- تعالي نروح عند أبو حامد في المندرة التانية اتكلمي معاه انت.
وانتقلوا للحجرة التي بها عبد المنعم ظاظا: عواف يا أبو حامد ؟
- عواف عليك يا أم علي ؟
- طلباتك ايه يا ابو حامد ؟
انتظر أبو حامد قليلا وهو يدخن الشيشة فكررت كريمة السؤال فرد عليها: اللي تقولية ؟
- أحنا هندفع مهر اربعين جنية.
- وجاية علي نفسك ليه ؟ مش كفاية احنا رضينا بيكو ؟ ولولا مراتي -- مكنتش وافقت .
فأحست كريمة كأن سكينة قد رشقت في جنبها: ورضيت ليه ؟ مترضاش.
فتتدخلت أمينة: ايه الكلام ده يا أبو حامد ؟ الله ؟ حقك علي يا آم علي.
ولكن عبد المنعم لم يترك الشيشة وكأنه حجر ناظرا لأعلي قليل.
- آنا عشان خاطر أمينة أنا هدفع اتنين جنية تاني.
فأحست أمينة أن الزيجة ستطير من يدها فغمزت لعبد المنعم ليوافق. -
- ها يا أبو حامد ؟ قالتها كريمة مرة أخرى وهي تتمني من قلبها ألا يوافق وتبرأ نفسها أمام ابنها، ولكن حامد رد: علي خيرة الله يا آم علي.
هذا الشيء نزل من عليائه ؟!
فتركت كريمة منزل عبد المنعم ظاظا كان علي في انتظار هما هو وأخيه، ورأي علي وجه شريفة البشر بينما كانت أمه غير ذلك وعرف دون أن يسال ولكنه سال.
- مبروك يا ابني.
- اتفقتوا علي ايه ؟
- هندفع مهر 42جنية.
- زي بعضه.
اعدوا المهر واتفقوا علي دفع المهر في خطوبة صغيرة. وتم ذلك رغم منغصات عبد المنعم الذي أشاع انه وافق بعلي شفقة بهم وانه تنازل ووافق. ورغم ذلك لم ترد كريمة أن تنكد علي ابنها وترفض هذا الزواج.
أرهقت ذكية علي بمطالبها فكثيرا ما كانت تطالبه بأشياء فوق طاقته ويجب أن يلبيها لها ألا يكفي إنها وافقت عليه ؟! وكثيرا ما كانت تكلمه بتكبر وزهو في نفسها وكأنها من العائلة المالكة وهو من عامة الشعب. واعتبر علي أن هذه الأشياء دلع بنات وخاصا وأنها تتمتع بقدر من الجمال الظاهر. ورغم أن البنت لا تكلم خطابها هكذا مباشرا إلا إن عبد المنعم ترك لهما الحبل علي الغارب ورغم استنكار أمها إلا إنها الفت أن تلقي الأوامر على علي.
وجهزت كريمة المندرة البحرية لعلي لكي يعيش فيها، كما خيط علي جلابية ولم ينسي أن يسأل أمه عن رأيها فيها: شوفي كده يا أمه الجلابية عملة اية
- اخر حلاوة يا ابني، دفعت فيها كام ؟
- دفعت فيها تلاتين قرش.
- لية يا ابني، دانا لسه مفصلة جلابية عند سلامة بريال.
- مش دي جلابية فرح ؟
- يالا ربنا يجعلها قدم السعد عليك.
- حاسبتي الخياطة بتاعة زكية يا امه ؟
- رحت النهاردة حاسبتها وخدت تلاتة جنية.
- تلاتة جنية ؟ لية ؟
- ما هية مخيطة عشر جلاليب.
-خلصت ولا لسة ؟
- خلصت والمنجد جاي بكرة.
- طب النقاش عايز باقي حقه عشان يخلص
- اديله اتنين جنية و الاتنين الباقيين بعد الفرح ان شاء الله.
- مش هيردي.
- ليه ؟ مش واخد اتنين في الأول ؟ الله؟
- بكرة ابقي اديلة اتنين جنية .
000000000000000000
أتت أخوات علي اليوم مبكرا فاليوم حنة علي ولابد أن يذهبوا ليحضروا الأثاث وحاجيات البيت التي قام أهل ذكية بتجهيزها واتي الأقارب والأحباب كل منهم يحمل سبت ملئ بالأرز والسكر وخلافه.
وعندما تجهز الركب نادت كريمة علي ابنتها شريفة:خليلي أنت هنا يا شريفة عمال ما نيجي جهزي …وحطي علفة للبهايم..ثم اتجهت ناحية علي: يللا يا علي نادي الرجالة ويلا .
ونادي علي على الرجال الجالسين أمام الدار فقاموا وركبوا العربات الكارو وقامت النساء وركبت في عربات أخرى حتى آتوا دار عبد المنعم ظاظا، كان في انتظارهم أهل العروس وأقاربهم فقام الجميع بتحميل الأثاث علي العربات الكارو
وعادوا به والنساء يغنين ويزغردن حتى آتو دار كريمة، قاموا بإعداد الأثاث وتركيبه وتنسيقه في منزل علي وقامت شريفة بتوزيع الشربات علي المعازيم.وفي المساء آتي الرجال إلى دار علي حيث هذا يوم الحنة، و الوليمة التي يجب أن يعدها لضيوفه بما يستطيع.
طرق الباب في الصباح الباكر ففتحت كريمة التي كانت استيقظت لتقوم بعمل البيت رغم تعبها من فرح ابنها بالأمس بينما كان باقي البيت نائم من ليلة الأمس، فوجدت أمينة التي آتت لتطمئن علي ابنتها وعلي صحتها في أول يوم في حياتها الجديدة.
- عواف يا ام علي ؟
- يعافيك يا ااختي .
- العرسان صحيوا ولا لسة ؟
- خبطي عليهم.
فطرقت مندرة العرسان فردت ذكية وسمعها علي ولكنه لم يقوم وظل نائما علي السرير: عملى ايه ؟ ( ونظرت في وجه ابنتها فوجدت البشر والرضا يقفز من عينيها )
- خير يا أمه.
وجلست قليلا تتحادث مع ابنتها ثم ودعتها ورجعت إلى بيتها لكي تترك لها فرصة لترتاح. وقبل الظهر آتي أخوات علي وأقاربه محملين بالحلاوة. وأما بعد الظهر فآتى أقارب ذكية محملين بالدقيق والسمن والحلاوة. وبينما كان عبد المنعم ظاظا محمل بحلاوة رخيصة الثمن، كان يجلس مكانه كأنه آتى بما لا يستطيع أحد غيره أن يأتي به. وتقبلت ذكية النقوط وأعطت البنات الحلاوة والشيكولاتة.
علي هذا المنوال انتهي أول أيام علي وذكية معا وفي مساء اليوم التالي أعدت كريمة العشاء ثم نادت علي ذكية: يا ذكية ؟
- نعم يا أمه ؟
- نعم الله عليك يا حبيبتي، خد العشا.
فأخذت العشاء واتت زوجها، وبينما كان يأكل بشرهة كانت هي تآكل ببطء ثم قالت لعلي: عاوزة شوكولاته من الغالية يا علي ؟
- ما الشوكولاته كلها عندك؟ لازم م الغالية يعني ؟
- هو أنا مش عروسة ولا أبه يا علي ؟
ورغم أنا نبرة كلامها الحادة لم تعجبه ألا انه رد عليها
بهدوء قائلا: عروسة ونص يا ستي، وأنا راجع من بيع اللبن بكرة اجبلك من السوق.
هو أنت اللي هتروح باللبن ؟! ما يروح أخوك ؟
أخويا رايح الشغل بكرة، هو كان واخد اليومين دول عشاني وأجازته خلصت.
ورغم إنها تبرمت من رده لكنها لم تقول شيئا وأراد هو الآخر أن يغلق باب النقاش.
تناول عبد الله العشاء مع أمه دون أخوه: بقول ايه يا أمه ؟
- ايه يا عبد الله ؟
- ما اخد بكرة راحة كمان عشان علي ؟
- ليه يا ابني هو احنا ولاد مين يعني ؟ ولا من مصر احنا يعني ؟ احنا مشيين كويس مش عيزين نتزنق تاني . -
يومين مش هيفرقوا ؟-
- هي هتقعّده جنبها ولا ايه ؟
- مش عريس وعروسة ؟
- لأ يا ابني كفاية.
أمرك يا أمه رغم انه لم يقتنع وكان يريد أن يريح أخيه ألا انه خضع لكلام أمه
عاد علي بعد أن وزع اللبن واحضر الشيكولاتة فأعطى أمه الإيراد فأعطته جنيهين فآخذاهما ثم دخل علي زوجته فبادرته: جبت الشكولاته ؟
- جبتها.
- وريني كده ؟
وعندما رأتها تبرمت: وهي دي اللي أنا قلتلك عليها ؟
- هو فيه أحسن منها؟
- دي من الرخيصة بردوا.
- بقلك ايه ؟ مش عايز وجع دماغ.
- هو أنا اللي وجعالك دماغك.
وصمت علي حتي لا يتطور الحديث الي الاسوأ رغم ضيقه من كلامها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تجلي الفجر يعلن يوما جديدا فقامت كريمة بسرعة لقد تأخرت اليوم فنادت علي ذكية ثم نادت علي عبد الله ليذهب إلى العمل فخرج علي وذكية لكن لم يخرج فنادت عيه مرة أخرى فقام متثاقلا فانتقدته ذكية قائلة: نموسيتك كحلي يا اخويا ؟!
لم تعجب عبد الله نبرة كلام ذكية فأرادت كريمة أن تنهي الكلام لكي لا يغضب عبد الله فقالت لذكية: يللا يا زكية خلصي، خلي علي يروح يوزع اللبن، والبهايم تفطر
ففردت ذكية غاضبة: يعني أنا واقفة، ما أنا شغالة اهو ؟
[IMG]file:///C:\Users\www\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\01\cl ip_image002.png[/IMG]
ولكن علي أراد أن يصطنع الحزم فقال لذكية بلهجة آمرة: خلصي يا ذكية عاوز امشي.ولكنها ردت عليه هو الأخر باستهزاء: م تخلص أنت يا اخويا الأول ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) العقرب
عاد عبد الله من العمل ووجد ذكية جالسة بمفردها فسألها عن أمه: راحت عند فتحية.
ليه ؟
- زعلانة مع حماتها هي وجوزها.
- يا ادي حماتها دي هو احنا مش هنخلص من وجع الدماغ ده بقي ؟كل يوم والتاني فتحية وحماتها ؟
قال عبد الله هذا الكلام وهو يكاد يحادث نفسه ولكن ذكية التقطت الكلام وردت: ربنا يقص اجلها.
فتجاهل ما قالته وسألها: هو علي اتغدي ولا لسة ؟
- لسة.
- هتوديله غدي ولا هييجي ؟
- يمكن ييجي ؟!
- طيب.
ثم صعد للدور العلوي ونام، ولكنه لم يكد ينام حتى نادت عليه أمه: يا عبد الله يللا عشان تتغدي ؟
- حاضر.
ثم قالت لذكية : تصدقي أنت قليلة الأدب يا بت يا ذكية ؟
فقالت ذكية بحده واستنكار: ليه بقي ؟
- لما جه عبد الله مغدتهوش ليه ؟
- هو قال وأنا قلت مفيش ؟
- بردوا أنت تساليه ؟
- والله لرايحة عند ابويا.
- أنت مجنونة يا بت ؟
ثم قامت ولملمت بعض حاجياتها في صرة وخرجت دون كلام والغضب يملأ وجهها، فغضبت كريمة لما فعلته ذكية وتركتها تخرج.
نزل عبد الله فوجد أمه قد أعدت له الطعام في صرة: روح يا ابني خد الغد واتغدي أنت وأخوك، دا العصر ادان وانتو لسة ما اتغدتوش.
- عملت ايه مع فتحية وحماتها ؟
- يا ابني حماتها بتتلككلها، وابنها فاهم كده عشان كده دايما في صف مراته.
- طيب. اشوف وشك بخير.
- مع السلامة يا ابني.
عندما جاء علي ظن أن أمه هي السبب وغضب ولكنه لم يعبر عن هذا الغضب ولكن أمه أحست به. وبعدا أن أتموا حلب المواشي أمرت عبد الله أن يوزع اللبن اليوم وأخذت علي وذهبت لبيت عبد المنعم ظاظا لتسترضي ذكية وتعيدها للبيت.
وجدت هناك عبد المنعم ظاظا يدخن كما هي العادة رافعا رأسه لا يريد النظر لأسفل وأمينة زوجته فقالت كريمة: سلامو عيلكم ؟
- وعليكم السلام ( ردت أمينة بحرارة بينما عبد المنعم أخرجها من انفه )
فجلسا فقدموا لهم شاي ففتحت كريمة الحديث بعد أن طال الوقت ولم يتكلم عبد المنعم ظاظا فقالت: كويس اللي عملته ذكية ده يا ابو حامد ؟
- هي اللي عملت وألا أنت اللي شتمتيها يا ام علي ؟
شتمتها ؟ هو أنا عشان بعلمها يبقي شتمتها ؟-
- وتقولها قليلة الأدب ليه ؟ ( قالها عبدا لمنعم باستنكار كأنها سبتها بما يجرح الكرامة والشرف والذات الملكية )
- هو أنا شتمتها يا أبو حامد؟ دي كلمة قلتها عشان اعلمها، دي كانت قاعدة ومغديتش علي و عبد الله، أمل أنت قاعدة ليه يعني ؟
قالت أمينة: لا غلطانة صحيح.
فردت ذكية : وهما طلبوا وأنا ما عملتش ؟
فقالت كريمة : يطلبوا أزاي وجوزها في الغيط ؟
لم يتكلم علي بكلمة طوال مدة الجلسة، بينما أمه هي التي ترد علي عبد المنعم وزوجته وكان الأمر لا يعنيه أو أن أمه هي التي يجب أن تصلح ما أفسدته ؟!
ورغم تكبر عبد المنعم ظاظا ألا أنهم تصالحوا وعادت ذكية مع علي وأمه إلى البيت حيث وجدوا عبد الله قد عاد من توزيع اللبن، فتناولوا العشاء وقاموا الي حجراتهم فلم تسطع ذكية ان تنهي الليلة بسلام بل بدأت حرب جديدة فقالت: علي ؟
- عايزة اية يا ذكية ؟
- أنت أزاي تسيب أخوك يوزع اللبن ويمسك الإيراد بأيده ؟
-ودي فيها ايه ؟
- هيتعود ويطالب بحقه.
- انا ما سبتوش بس عشان ست الكل كانت زعلانة وامي أمرت ان يروح يوزع اللبن عشان انا اروح أنا معاها.
لم تعجبها تهكمه وكلامه: أنا بكلمك لمصلحتك.
- انسي بقي يا ذكية أنت لاتاتة ليه ؟
- أنا لاتاته يا علي، والله ….
- يا شيخة احنا لسة جايين من عندك ابوك، ايه هو كل كلمة ……. هات راسك أبوسها.
عندما حملت ذكية في مولود ها الأول ألقت العمل شيئا فشيئا وأصبحت لا تعمل شيئا في البيت وكأنها ستلد الملك المتوج، و تتعالى وتتعوج في مشيتها، ورغم ضجر كريمة ألا إنها لم تستطع أن تفعل شيئا معها، فهي في الأحوال العادية لا تعمل إلا قليلا كما أن علي لم يفعل لها شيئا رغم عدم رضاه.مما اضطر كريمة إلى أن تطلب من عبد الله الزواج فالحمل كبير ولا تستطيع أن تحمله بمفردها .
ورغم أن كريمة كانت تطيب لها النفس برؤية صلاح ورمزي أولاد شريفة وصباح ورمزي أولاد فتحية إلا إنها تريد أن تري حفيد لها من أولاد علي وعبد الله، و ها هو علي قد تزوج وامرأته علي مشارف الولادة كما أن أولادها قد تزوجوا جميعا ولم يبقي سوي عبد الله حبيب قلبها والذي تحبه كثيرا دون عن أولادها، قد يكون لأنه الوحيد الذي لم بري أباه وهو آخر العنقود وها هم أخواته بدءوا يلحون علي أمهم كي تزوج عبد الله، فشاورت علي ابنها الكبير: احنا عايزين نجوز أخوك بقي يا علي.
- احنا يا دوب مخلصين ديونا يا امه، استني شوية.
- يا ابني ربنا يسهل.. وبعدين احنا عاوزين واحدة تساعدنا، ومراتك مش قادرين علي الحمل لوحدنا، ومراتك علي وش ولادة.
- بس هنعمل ايه هنّداين من جديد ؟ استني شوية يا امه .
- ما أخوك شغال وبيسد معانا، ونخلص بقي ونشوف له واحدة بنت حلال.
- لما ييجي من الشغل كلميه.
ولم يجد بد من الخضوع لكلام أمه. ولكن زوجته التي علمت بالموضوع أرادت أن توقفه لا لشئ سوي للغل والحقد وكره الخير.
لم تكن ذكية تريد عبد الله أن يتزوج فان ذلك يهدد موقعها في المنزل حيث أنها ألان الدلوعة وأم الأطفال المنتظرين وها هي حامل في الشهر الثالث ? فإذا ما جاءت أخرى انفض الجميع عنها وعن متابعة أخبار حملها وولي العهد القادم للآسرة ولكن زوجها افهمها أن في حضور أخرى إلى المنزل مصلحة لها فان ذلك يخفف العبء عليها، وفكرت هي أيضا في قسمة لوم حماتها المستمر لها لفرض سيطرتها علي زوجها وتسييره تحت سيطرتها وإنها قادمة علي ولادة فمن سيقوم بخدمتها وعمل المنزل وقد تكون هي الرئيسة علي الوافد الجديدة ? تأمرها فتطاع وهي من تجيد إعطاء الأوامر التي يجب أن تطاع .
فأرادت أن توقفه لا لشيء سوي الحقد والغل وكره الخير فقالت لعلي: لا يا علي، تجوزوا أخوك دلوقتي وتغرقوا في الديون من جديد ؟ وقف الجوازة دي بأي شكل وأجلها شوية.
- لية بس ما احنا هنجيب واحدة تساعدكم وانت اهو علي وش ولادة، أمي هتقوم بايه ولا بايه ؟
- يا اخويا انت شايف الشغل مهيطل ؟ دي معزة ايمة ومعزة نايمة ؟!
- ليه يا زكية ما الخير كتير والحمد لله . يللا قومي جهزي العشا مع امي، زمان عبد الله جاي عشان كلنا ناكل سوا.
- لأ هناكل لوحدنا واذا كانت امك عاوزة تستني اخوك تستناه لوحدها.
قطب علي جبينه ولكن لم يستطع أن يرد عليها أو يعدل كلامها.
في هذه اللحظة نادت كريمة: يللا يا علي عشان تتعشوا ؟
فرد علي : حاضر يا أمه احنا جايين اهو . وهمس لزوجته : مش وقت الكلام ده عشان خاطري يللا دلوقتي عشان مانعملش مشاكل . وقاما لتناول العشاء ثم انصرفا وبقت كريمة وعبد الله فأردت أن تجس نفض عبد الله تجاه الزواج فقالت:عبد الله؟
- نعم يا امه.
- عاوزة افرح بيك ؟
فقال عبد الله بدعابة: تفرحي بيه ؟ وأنت زعلانة ولا حاجة
- يا ابني مش كده ?‍ ? يعني عاوزة أجوزك ? أنت اللي فاضل .
- أنت لازم في دماغك حد ؟
- أختك وهيبة كلمتني عن أخت جوزها لبيب – فهيمة.
- الحاجة الصغيرة دي ?
- يا ابني اهي واحدة وخلاص ? مش هتبقي مرة ?
- خدت رأي علي ?
- هو موافق المهم انت ? هو صحيح كان معارض شوية بس في النهاية وافق.
-معارض ? معارض لية؟
- خايف من الديون.
- اشمعني مخفش من الديون لما جه يتجوز ?
- يا ابني خلاص علي بركة الله.
- أما أشوفها الأول ?
- شوفها.
- ازاي ?
- روح عند أختك وهيبة وهي ترتبلك تشوفها ازاي.
وذهب عبد الله عند أخته ورأي العروس المنتظر كانت نحيفة يطل من وجهها سذاجة واضحة فلم يقتنع بها ورجع إلي أمه غضبان.
عندما رأته كريمة فقالت: عملت اية ?
فرد بيأس: مش أد كده.
تدخل علي في الحديث محاولا إتمام الزواج: اهي علي ادنا إصحيح ? أنت عارف ظروفنا.
وظلا علي وأمه يقنعان عبد الله بالزواج من فهيمة عريان حتي تم لهما ما أرادا ووافق عبد الله بالزواج منها. وذهب علي وعبد الله و أمهما إلى صديق عريان يطلبوا يد فهيمة لعبد الله فاصطنع صديق الجدية وطلب مدة للتفكير ولابد من أن تأخذ الأمور مجراها.
وصديق هذا رجل ساذج يحاول آن يحافظ علي شكل أفعاله ولا يستطيع فتفضحه دائما أفعاله وتدل علي سذاجة أفكاره وسطحية أعماله ?! ورغم ذلك تحس في افعله بالخبث والتخابث. وهذا الرجل عمل مع الإنجليز أيام كانوا في مصر ? فأحس في نفسه بالعلو ? وما كان علوا بل كان في نظر الناس رجل أهبل وساذج وورث أبناءه الخمسة عنه هذه الصفات لذا كانوا غير مؤهلين لحياة كريمة ? ولكن حياة حمقي جهلاء لا يدرون أين هم من الحياة ? آما زوجة صديق فهي ونيسة امرأة طيبة هي الأخرى وان كانت لا تصل لحد السذاجة.
لذا مانع صديق في الجلسة التالية في المهر التي عرضته كريمة وهو أربعين جنيها زادتها عشرا أخرى فوافق بإيعاز من زوجته ونيسة واتفقوا علي كل شئ وحددوا الزواج بعد الذرة الذي كان موسمه لم يبدأ بعد.
وأما عبد الله فبدأ يذهب إلى دار خطيبته حاملا بعض الهدايا البسيطة آو الفاكهة كما يعطيها بعض الأموال حسب ما تسمح به حالته.
كانت ذكية تشطط غضبا كلما علمت بأمر هذه الزيارات التي هي اقتطاع من دخل البيت التي تعيش فيه ودخل زوجها الذي يعطي الدخل لأمه فتسدد مكان عبد الله الذي كان يعطيها كل دخله، أما الآن فأنه يعطي منه إلي خطبيته فهيمة ورغم آن علي لديه نفس المشاعر التي لدي زوجته إلا انه لم يبح بها ولم يجاري زوجته خوفا من غضب أمه عليه وعند غضبها ستكون العواقب وخيمة.
ولم يمضي وقت طويل حتى أنجبت ذكية مولودتها الأولى ? ورغم آن كريمة كانت تريد ولدا إلا إنها حمدت الله علي فضله وعلي كل ما يعطيه لهم ولكن ذكية كانت غير راضية ? فلقد كانت تريد ولدا يضعها علي الرءوس ولكنها الآن غير ذات قيمة وقد تنجب زوجة عبد الله
آلاتية قبلها ويكون المولود ولدا فيكون لها السبق ? ورغم آن علي لم يكن راضيا هو الآخر إلا انه لم يتكلم. ولم يكن لعبدالله أية مشاعر تجاه هذه المولودة الجديدة فهذا حدث عادي بالنسبة له ولا يمثل له شيئا.
وقام بعمل البيت الشاق كريمة و فتحية التي كانت علي خلاف مع حماتها كما هي العادة ولكن زوجها تركها هذه المرة تذهب إلى بيت أهلها حتى يحل مشاكله مع أهله، فقامت بالعمل مع أمها، بينما ظلت ذكية ترقد في حجرتها بحجة أنها مازالت في نفاس.
قام عبد الله بطلب تأجير ارض من جارهم حيث أصبح غير متفرغ للأرض بعد أن استوظف في الحكومة فأجروها وضموها إلى الأرض التي تحت أيديهم. ولم يمضي وقت طويل حتى أعطتهم الحكومة فدان من الأرض حسب قانون الإصلاح الزراعي الجديد.
و عجلت كريمة بزواج عبد الله بعد أن فتحت الحياة يديها لهم وفتح الله لهم من رحمته وقالت له: يللا يا عبد الله نروح عند نسايبك عشان نتفق معاهم علي الدخلة
- موسم الذرة لسة مخلصش؟
- واحنا هنستني لية ? وما الخير كتير والحمد لله
- طب يللا.
ونظم عبد الله نفسه فلبس الجلابية الجديدة ودهن شعره بالزيت وذهب مع أمه إلى منزل صديق عريان ، فلما دخلوا علي صديق عريان قالت كريمة : يا أبو مصطفي عاوزين نخلص
- واحنا موقّفنكم ? مشحنا متفقين آخر موسم الدرة ?
-ايوا يا أبو مصطفي ، يس احنا دلوقتي جاهزين؟
-لأ ؟استنوا شوية؟ بعد الدرة زي ما اتفقنا.
- مش هتفرق الشهر ده؟ مش مشكلة يا أمه .
ولم يوافق رغم انه بإمكانه أن يجهز ابنته في أسبوع ? ولكن أراد أن تكون له كلمه ويكون له وزن وهو بلا وزن
- بقولك أية يا أم؟ ما تيجي نشتري الدكان بتاع عم عبد الحق ؟
- هكلمه فيه يا ابني واهي نضمها لبيتنا ونكبره بس بعد جوازك.
وانقضي الذرة وجهزت كريمة حجرتين ليعيش فيهم عبد الله وآمراته مما اغضب ذكية التي تزوجت في حجرة واحدة فراحت تبث سمومها في زوجها : هي فهيمة العبيطة دي احسن مني في حاجة
-محدش احسن منك، بس وقتهم كده؟!
- يعني اية هو احنا متجوزين بقلنا ميت سنة .
- يا ستي أمي قدرت تجهز له اضتين ودي فيها ايه ? بكرة ولا بعده بعد فرح اخويا هنعمل اوضتين حلوين ننقل فيهم
- موت يا حمار ?
ملأ الضيق "علي" من تنكيد زوجته عليه كل يوما تقريبا ? ولكنه في بعض المرات يشعر آن لها حق كما في هذه المرة فأراد آن ينهي كلام ذكية: طب اسكتي دلوقتي لحد ما يتم الفرح وبعدين نشوف ?
ولكن ذكية لم ترضي بهذا الكلام ? ولكنها سكتت .
قامت الأفراح لزفاف عبد الله وفهيمة وحضره الأقارب والأحباب وسارت الهمهمات :
- والله كريمة طلعت بميت راجل ؟
- آي والله ؟ جوزت ولادها وكبرت بيتها؟
- ربنا يبارك لها .
-------------------------------
(4) و مازال الكفاح
اشتد نشاط الهدم في بيت كريمة فلم يتركوا سوي الزريبة دون هدم ? فهناك من يرفع الهدم علي الحمير وهناك من يرص الخشب الذي كان إلى وقت قريب سقف وجاء زوج شريفة تأدية واجب في هذه المناسبة الجميلة فها هم أصهاره يبنون بيتا بالاسمنت المسلح جاء علي هذا الوضع فحيا عبد الله: شد حيلك يا عبد الله. هانت اهية .
- الشد علي الله يا أبو رمزي
- مين اللي هيبنيها؟
- مصطفي البنا.
- لأ بّنا صحيح. أمال أنا مش شايف الأسمنت والطوب ؟
- هييجوا بكرة والبنا بعد بكرة .
كان الهدم قد شارف علي الانتهاء فجد الجميع حتى يتم الانتهاء منه فاستحثتهم كريمة:
- يللا يا ولاد شدوا حيلكم خلينا نخلص ؟
والنبي يا امه هاتلنا اما نشرب!فردت فتحية :
فقالت كريمة : تعالي خد ليكي وللي يعوز يشرب أنا هجهزلكم الغد.
فقال عبد الله: يللا يا فتحية خلصي وروحي هات اما نشرب .
وانتهي الهدم ووضع في أكوام في جنبات الشارع الفسيح انتظارا للبناء بالطوب الأحمر الذي لم يبني به سوي قليل بل نادر من الناس.
كان الجميع في فرح، فما يفعلونه لم يفعله أعمامهم الذين سلبوا حقوقهم ? وكانوا عن يمينهم وشمالهم يعيشون في كمد من جراء ما يحدث وما يرونه أمامهم.
جاء البناء وكان حوالية خلية نحل، من يحضر ماء ومن يحضر طوب أما كريمة فكان لها هي الأخرى هم، فنادت ذكية:
- يللا يا ذكية جهزي الغد للبنانيين.
- انا تعبت خلي فهيمة.
- يللا أنت عشان بنتك وأهي فهيمة بتشيل طوب ورمل.
ودخلت ذكية تطهو الطعام في الزريبة - التي حولوها إلي مقر إقامة مؤقت لهم بعد أن جهزوها لذلك – وهي متبرمة كأنها تتعب والآخرين يلعبون.
رحت للمعلم سيد المقاول ؟وسألت كريمة عبد الله :
فرد عبد الله وهو منهمك مع البناء: رحت له يا أمه وقال هييجي بعدين آخر النهار ويجيب الخشب بكرة ويبتدوا الشغل.
- طب روح لاخوك عشوا البهايم وهاتوها .
-لسة بدري ، خليني مع الرجالة شوية وهو هيقدر يعشيها .
- طب يللا شغل الرجالة وخلي مراتك وأخواتك يحولوا طوب ورمل.
آمال إسماعيل مجاش لية يا شريفةثم قالت لشريفة:
- عنده شغل النهاردة.
وعندما غابت شمس النهار كان البناء قد تم وأصبح جاهز لصب السقف. ولم يمضي يومين حتى كان السقف قد انتهي هو الآخر وبدءوا في الطابق الثاني وانتهي هو الآخر وبقى أن تستكمل باقي الخدمات فقالت كريمة لعبد الله:
- يللا يا عبد الله روح شوف هنجيب الكهربا أزاي ؟
- هنركب كهربا ؟
-ومالوا ? نركب عشان نرتاح.
- طب أنا هروح شركة الكهربا اللي جنب المصنع واشوف ازاي نركبها ?
ولم تكن هناك اجراءات معقدة فتم تركيب الانارة سريعا وكانت فرحتهم كبيرة عندما تم تركيب الكهرباء ? فالبيوت التي بها كهرباء قليلة ? ولم يكن هناك كهرباْ بالحي الذي يسكنون به ? لذا كان هذا اليوم عيد عندهم وآتي إليهم كثير من الناس يهنأ ونهم وإسماعيل وحسني ، لقد أصبحوا الآن من الأعيان .
اشتري عبد الله دراجة لكي يذهب بها للمصنع ، لقد أصبح أجره 35 قرشا في اليوم ، وتعلم ركوب الدراجة من الأسطي حسنين وأصبح يتحرج من الركوب معه ، فأشتري الدراجة مما جعل حسنين التابعي يحسدهم علي ما هم فيه فقال لعيد الله :مبروك يا عبد الله
- الله يبارك فيك
- الثورة خلتكم تبنوا بيت بالطوب الأحمر والمسلح وتركب عجلة وتركبوا كهربا وتصبحوا من الأعيان.
- طب ما هي الثورة ليك ولينا؟
- بس انتوا كسبتوا من وراها ؟
-لكل مجتهد نصيب ؟
- ربنا سيبارك لكوا يا ابني.
- ربنا يخليك يا عم حسنيين .
ولم يقفوا عند هذا الحد بل ادخلوا المياة الي البيت لكي يكتمل أساس البيت الحديث رغم أن المياة التي أدخلوها إلي الدار كانت من أوائل الناس في القرية، فلم ييكن هناك سوي بيتين او ثلاث هي التي لديها مياه تجري في مواسير بدلا من الطلمبات ومياة البحر والترعة إلا إنها لم يكن لها فرحة كبيرة مثل الكهرباء لأنها كانت في البداية.
وأصبح معظم الناس يملأ ون المياة من صنابيرهم وهم يملأهم التعجب من أن هذا البيت بالذات يصبح هكذا رغم أنها منذ عام كان مثلهم الطوب اللبن وان هؤلاء الناس الذين مات أبوهم وهم صغار أصبحوا من أوائل الناس التي تبني بالطوب الأحمر وتدخل الكهرباء والمياة.
…………………..
عندما علمت ذكية أن فهيمة حامل أصبحت تنتظر علي أحر من الجمر، فقد كانت تخاف من آن تنجب فهيمة ولد فيصبح لها السبق والريادة لدي حماتها وتنكسر شوكتها. وقبل أن تنجب فهيمة كانت ذكية هي الأخرى حامل ولكن فهيمة أنجبت بنتا فاستراحت ذكية.ورغم أن عبد الله لم يحزن إلا انه لم يفرح أيضا وكذلك أمه التي تخوفت لان ابناها أنجبا بنتين ولم ينجبا ولدا.
لم تكن ذكية تقوم علي مطالب فهيمة أثناء ولادتها ولكن أتت أمها وأخواتها ليقوموا علي مطالبها. ورغم أن فهيمة كثيرا ما كانت تقوم بطلبات ذكية في تربية ابنتها وتنظيفها وتنظيف ملابسها ولكنها أصبحت تنظر من الطابق الثاني التي أصبحت تسكن به بينما فهيمة من سكان الدور الأرضي
أراد عبد الله فجأة أن يشتري راديو فهو يراه كثيرا في المدينة ولم يراه في قريته ومنذ زمن طويل وهو يحلم أن يشتري راديو ? وعندما تجمع لديه مبلغا من المال أشتري الراديو ، وفرح به كثيرا ? كما فرحت به زوجته فهيمة هذا الجهاز العجيب ، ولكن علي لم يقتنع بما فعله عبد الله فقال له: لزمته ايه الراديو يا عبد الله ? احنا اد الراديو ? نجيب لنا جاموسة تشغلنا ?
كان عبد الله مشغول بالراديو ولكنه سمع كلام علي فر علية قائلا: احنا هنفضل متأخرين كده علي طول ? وأدار الراديو وسمع أغنية " وديني مطرح ما تويني...... " فانبهر علي وازدادت زوجته التي جاءت تسمع وتري حقدا واستحث علي أخيه مرة أخرى: طب يللا أنت هتفضل جنب الراديو علي طول ؟
فرد عبد الله بحدة خفيفة: أنا قايم أهوه
واستغلت فهيمة الفرصة لتسمع الراديو: سيب الراديو وروح انت.
- أنت تفهمي فيه ? هو أنت فاكرة نفسك فهيمة صحيح ?
وأغلق الراديو وذهب مع علي إلي الغيط.
(5) حان وقت الرحيل
بكي عبد الله عندما رأي أمه تنازع الموت وبكي علي ? ولكنها قاومت ونادت عليهم: اقعدوا.. اقعدي يا فتحية.. اقعدي يا شريفة.. اقعدوا جنبي.
فجلسوا جميعا بجوارها علي فراشها الذي كان ترقد عليه.
- آنا اتجوزت ابوكوا وأنا عندي خمستاشر،هو كان متجوز قبلي اتنين بس ابويا شاف فيه الطيبة والرجولة وعشت معاه احلي سنين عمري بس هو سبني في نص الطريق مات وسابلي ولدين وبنتين أيتام مكنتش عارفة اعمل اية ،وأعمامهم مش راضيين يقفوا معايا، حطيت حزني في قلبي وشديت حزام علي وسطي وجرتكم معايا ونزلنا نشتغل وجوزتكم كلكم كان نفسي اعلم حد فيكم ووديت عبد الله..
وسكتت كريمة فانقبض قلب الجميع ولكنها فتحت عيونها مرة أخرى وكملت "... ووديت عبد الله المدرسة بس مكانش في ادينا حاجة نعملها وهي دي إرادة الله ? وبنينا بيت .. أحسن بيت في البلد - صلاة النبي -.... كل دا عشان كلنا كنا مع بعضنا يد واحدة.
أنا أديت رسالتي معاكم – ربتكم وجوزتكم وبنتلكم البيت.. الباقي عليكم خليكم أيد واحدة قلبكم علي بعضكم .. أنا خلاص ماشية وانتوا اللي باقيين.. " وسكتت كريمة وأغمضت عينيها... ثم فتحتها مرة أخرى" ... ايوا يا حسن أنا جيالك..." أشتد نحيب علي وعبد الله وشريفة وفتحية فقد أدركوا أن أمهم سترحل الآن لا محالة فأكملت كريمة : " .. جيالك أنا خلاص خلصت المشوار.. " وكأن هناك من قال لها: صلي علي النبي.
فردت: "عليه الصلاة والسلام " ثم أسلمت الروح لبارئها فجلس علي وعبد الله يبكوا وشريفة وفتحية تصرخان ? والنساء التي جاءت هي الأخرى تصرخ.
ودخل حسني وأبيه عبد الكريم وإسماعيل وجذبوا علي وعبد الله من عند أمهم وجلسوا هم في حجرة عبد الله وجلس معهم عبد الكريم بينما ذهب حسني وإسماعيل يجهزوا لدفن حماتهم ? فاحضروا النعش والكفن وابلغوا في الجامع الكبير بأن الدفنة ستكون بعد صلاة الجمعة.
وصار عبد الله حزينا فقد ماتت السند وماتت من كانت تحبه أكثر من حياتها وتفضله علي جميع أبنائها فهو الوحيد الذي لم يري أباه ? ولكن علي خرج سريعا من دائرة الحزن وحاول التخفيف عن أخيه ولكن الجرح كان غائر حتى فهيمة حاولت إن توضح له أن كل الناس ستموت ولكن عبد الله لم يخرج من حزنه ? كانت اقل الناس حزنا هي ذكية وكأنها لا تعنيها وكأنها كانت تعذبها وكأنها مسرورة بموت حماتها .
ورغم أن عبد الله خرج إلي المصنع إلا أن حزنه أصبح كامنا في قلبه ? وبينما كان ضاحكا متضاحكا مع الجميع أصبح الحزن واضحا علي وجهه.
لم يستطع عبد الله أن ينسي أمه وداوم على إحياء ذكراها دائما بإقامة ليالي لذكر القرآن وكان يقوم بها الفقهاء هذه الليالي وكان في هذا اليوم تمر ذكراها العاشرة، فقال عبد الله: يللا يا بنت أنت وهي خلصوا زمان الفقهه جايين.
قالها عبد الله وهو يسير نحو الحجرة الخارجية التي حجزها لجلوس المشايخ اللذين سيقرأوا جزء من القرآن ويأكلون الوليمة ترحما علي روح كريمة كما يحدث كل عام منذ ماتت من عشر سنوات
- خلاص اهو يا أبوا سامية. قالتها فتحية فمست جرحه أربع بنات أنجبتهم فهيمة ولم تنجب
ولدا حتى ألان وها هي حامل في المرة السادسة بعد أن أجهضت مرة
ليتها تنجب ولدا يستجيب الله لدعائي فقد أنجب أخيه ولد منذ فترة طويلة بعد أن ماتت أمهم ولكنه لم ينجب ولد مما يحرجه وتعايره النسوان بزوجته.
- هو آنت بعت لمين ؟
- بعت للشيخ مختار وللشيخ حسونه وللشيخ صلاح بدر وللشيخ حسن حميدة.
- هم دول اللي كنت بعتلهم عشان معاد حسني الله يرحمه.
آه يا أختي العزيزة لما تتذكرين ما كنت نسيت لقد مات زوجك وأنت في ريعان شبابك وترك لك الكثير من الأولاد ? ومات ابنك تحت هدم البيت عندما وقع عليه سقف الزريبة ? آه يا أمي الثانية أعانك الله.
- امال بيقولوا الحرب هتقومصحيح يا عبد الله ؟
- هو كلام بنسمعه من ساعة النكسة ومفيش لا حرب ولا غيره.
- بس إسماعيل كان عمال يكلم عليها النهاردة؟
-بيقولوا السادات بيقول الحرب السنة دي ؟
-ما هم كانوا بيتكلموا في الموضوع ده في المصنع برده ؟ وتذكرت فتحية أخيها علي فسألت: آمال علي أتأخر لية ؟ المغرب هتدان ؟
فرد عبد الله:زمانه جاي آما أروح أشوفه.
وذهبت فتحية ألي حيث يجهزون الوليمة فآتت فادية إلي أمها حيث تطبخ مع ذك وشريفة ? فرأتها فتحية فلاحظت أنها غير طبيعية: خدي يا فادية؟
فلبت فادية نداء عمتها وقالت في صوت ملائكي : نعم يا عمتي ? فتحسستها فوجدت حرارتها مرتفعة
- بنتك سخنة يا فهيمة؟
- ما هم كلهم كدة ؟! هعملها لمون.
ونادى منادى: يا ساتر
فردت فتحية: ادخل يا شيخ حسونة.ونادت علي عبد الله: الفقها جم يا عبد الله ? فذهب عبد الله إلي الباب يستقبل ضيوفه حيث ليلة أمه
- اتفضلوا.. أتفضل يا سيدنا.. أتفضل يا سيدنا
-يزيد فضلك
وجلسوا ثم اخذوا يقرأون أجزاء من القرآن وهم يتغنون به ويتمايلون ? إلي أن انتهوا فقدم عبد الله وعلي لهم الوليمة وما طاب ولذ من اللحم والفتة فأخذوا يأكلون بنهم وكأنهم لم يأكلوا من أسبوع متتابع استعدادا لهذه الوليمة ? ثم اخذوا يتكلمون فيما بينهم وبين عبد الله بينما علي ذهب يوزع اللبن، ثم انصرفوا بعد أن قرءوا الفاتحة.
وبعد أن انتهت الوليمة سألت فتحية: فادية عاملة آية يا فهيمة؟ كانت فهيمة قد نسيت فنادت فادية : يا فادية ? خد يا بت ? أما أروح أشوفها
عادت وهي تحمل فادية بين يديها: لسة سخنة وعنيها تعبانة أما أروح بيها للداية .
وضعت الداية شئ في عيني فادية وطمأنت أمها انها في الصباح ستكون بخير ? ولكن في الصباح زادت حالة فادية سوء فاضطرت أمها أخذها إلي المستشفي.
-انتو حطيتوا آية في عنيها ؟
- ولا حاجة يا دكتور هي الداية اللي حطت مرهم ؟
- هو أي مرهم ينفع للعنيين ? ( وخفض صوته )..... يا جهلة..
وتبرم الدكتور وحرك رأسه يمينا وشمالا من يأسه: أنت أتأخرت يا ستي بنتك عندها ميه زرقا
- يعني آية يا دكتور؟
- يعني عين بنتك مش هتشوف بيها.
- يا سنة سودة ? يا خرابي ? وأخذت تولول ولكن الممرضة أخذت تواسيها وتهدأ ها ونهرها الدكتور: بس يا ستي خلينا نشوف شغلنا ? هو انتوا تعملوها وبعدين تقولوا" يا ريت اللي جري ما كان " ? بس خلينا نعرف نحافظ علي العين التانية .
وأسفاه علي عيني فادية آه يا فادية يا ذو العيون الجميلة الشقية الذكية ? ضاعت احدي عينيك نتيجة إهمال أبويك فها هي أمك ليس وراءها آلا أن تنجب ثم تتركهم للشارع وتفتعل المشاكل مع زوجها وتترك البيت وتذهب لبيت أبيها ? تتركهم هم اللذين لم تتم أكبرهم السنوات العشر ? أه يا فادية .. يا ضحية الجهل والتخلف ?!
تعاطف الجميع مع فادية ومع والديها حتى حسادها
عادت سامية من المدرسة فرآها عبد الله فسر بها ها هي بنت له تذهب إلى المدرسة وفرت من الحصار الذي تفرضه أمها علي بناته فلم ترضي أن تذهب فادية إلى المدرسة قبل أن يحدث لها ما حدث ولكن أصبح لها أربع سنوات في المدرسة وتروح وتعود - أن أخيه قدم لابنته زينب في المدرسة لكنها لم تكمل عامها الأول جني تركتها ? لذا لم يرسل ابنته وابنه الآخرين للمدرسة - ولكن فهيمة لم ترد تعليمها فبدأت تنصب شراكها منذ أيام لتسحبها من المدرسة.
- ..عبد الله.. طلع بنتك من المدرسة.. دي بنت
- ما تسيبها ماديها ماشية ؟
-يعني هتدخل الجامعة ? البنت مالهاش غير الجواز ؟
-مش كفاية الباقي مرضتيش تدخلهم المدرسة؟
-هي فادية والباقي لسة صغيرين؟
-هي فادية ? مكفكيش اللي حصلها ؟
- طب وانا مالي ? هو أنا جبتلها اللي حصلها ؟
-ما هو إهمالك ليهم.. سيباهم في الشارعما بتبصيش لذكية عاملة أية في ولادها ؟ 00
"-اطبخي يا جارية ... كلف يا سيدي "
-هو ده طبيخ ? دي نضافة يعني مية.
- أنا بقولك نطلع البنت من المدرسة. أنت خرجت بينا من موضوع لموضوع
وكررت هذا الحديث علي مسامعه ثلاث أو أربع مرات وكل مرة تزيد حجة جديدة فتارة تتحجج بالمصاريف وتارة بالمساعدة في البيت والغيط. ولم تزل هكذا حتى وافق عبد الله علي سحب ابنته من المدرسة لتذهب مع أبناء أخيه وأخواتها الغيط تساعد في العمل.
ورغم أن ذكية تهتم بنظافة أولادها إلا إنهم ازدادوا شراسة ورضعوا من غل وحقد أمهم فأصبحوا عصبيين ولا يحبون الخير لأحد وهكذا شبوا. ولم يمنع ذلك من التعاون بين ذكية وفهيمة في الأمور الضرورية اللازمة وهما بينهما من الفراق من الفراق والشقاق والنزاع وظلا زوجيهما عاجزين عن سد هذه الفوارق فلم يستطع علي أن يسيطر علي عدوانية ذكية ولم يستطع عبد الله أن يسيطر علي ضعف عقل فهيمة.
اخذ "علي" أبناءه وأبناء أخيه إلى الغيط يعملون ويتعلمون العمل في الغيط ولا يمنع هذا من تحيز علي أبناءه ولكن بنات عبد الله لا يستطيعون الكلام فهم بلا ظهر ? فأبيهم مازال يعمل في المصنع ، يعمل ساعتين كما هو عمله وينام الباقي بعيدا عن أعين الناس وكان معه قريب في ذلك " فاهم حمودة " بارز العينين ضخم الجثة كث الشارب واسع الكرش مربع الوجه غزير الشعر. وهكذا أصبحت حياته كما كان يذهب إلى الغيط ، ولكنه عندما كثرت بناته واعتاد العمل في المصنع زهد في الدنيا ولم يعد يسأل أخيه عن الإيراد آو يسأل عن بناته أو أي شئ فلقد أصبحت الدنيا لا شئ لديه" آه منك يا فهيمة لقد أضعت مني كل شئ "
أرسلت فهيمة فادية إلى عمها وهو يكيل اللبن تطلب منه قليلا من اللبن فأعطاها قليلا منه وهو متبرم فلمحت فادية الصغيرة ذلك كما لمحته أمها ولكنهم لم يتكلموا فأخذ علي اللبن علي الجحش ليبيعه بينما وقفت فهيمة ترمقه وهو خارج ثم آخذت تغلي اللبن ثم وضعت عليه الشاي ثم أعطته لأبنائها وسقت هي صفاء الصغيرة.
كان عبد الله جالس في مدخل الدار كما هي عادته بعد أن يأتي من المصنع ويتناول الطعام أو يجلس عندما يكون الوقت صيام عندما سمع بيان الحرب والعبور حتى علي سمعه عندما أتم صلاة الظهر بعدها خرجت الناس جميعا تهلل وهي مسرورة بما يجري وتنتظر سماع أخبار جديدة أولا بأول وكان مصدرهم راديو عبد الله العتيق. لقد كانوا يتمنون أن يكونوا علي الجبهة في هذا الوقت حتى عبد الله تمني لو لم يعفيه الجيش من الخدمة الإلزامية منذ أكثر من عشر سنوات وهو الذي تجاوز الثلاثين. والتف الناس حول راديو عبد الله وكأنهم متحدين الآن، وظل عبد الله هكذا عندما يفرغ من عمله يستمع إلي الراديو وهو منتشي وفرحان بالعبور.
كانت ذكية في واد آخر، فقد كانت تنظرت ذكية إلى ابنها احمد نظرة زهو وفخر علي مرأى من فهيمة التي لم تنجب ولدا حتى الآن حتى عبد الله رأي هذه النظرة في عيني ذكية لكأن احمد هذا الزناتي خليفة وهو الأسود كالليل الحالك اكرد الشعر الذي يتصرف كالقرود ورغم ذلك تراه أمه ملك للأرض ومن عليها وتجرح به من يعيشون معها في بيت واحد، أيتها الملعونة لقد أعطيت أقاربك ما ليس لهم بحق وحجبت بجبروتك حق هؤلاء الصغار.لقد دعوتي أقاربك في كل مناسبة واكرمتيهم واعتبروها تكية يمرحون فيها ولم يسطع علي أن يفعل شيئا أمام جبروتك الذي زاد وغطي منذ أن ماتت كريمة.
(6)أمل
تمنت فهيمة أن يكون من تحمله في بطنها ولد يحميها من هذه النظرات ويحفظ ماء وجهها أمام أهل زوجها ودعت إليه أن يلبي دعوتها فلقد أنجبت أربع بنات أثارت تشفي ذكية وأهلها وقد سمع الله شكوتها وأعطاها الولد.
أعطاها الولد الذي تمناه وزجها ليحمل اسمه ويعينه علي غدر الحياة وقت كبره ويساعد ? علي المعيشة بعد أن كثر أولاده البنات .
أعطاها الولد الذي تمناها أخواته ليحمينهما ويكون سندا لهم وقت الشدة.
أعطاها الولد الذي رد الله به كيد ذكية المتباهية بالقرد الأسود ?
أعطاها الولد الذي أصبحت تحمله وكأنها تحمل الدنيا وما فيها وما سعيد إلا اسما أعطاه أباه له ولكنه تمني أن يكون أبو زيد الهلالي سلامة.
أعطاها الولد الذي تحمله أنيسة وقرت به عين أمه وأبيه وأخواته.
أعطاها الولد الذي يحافظ عليه الجميع أباه وأمه وأخواته التي يحملنه برفق ويضعنه برفق ورغم الشوق لهذا الولد إلا أن الغربال الجديد له شدة وعادت أمه لعادتها القديمة فأهملته كما أهملت أخواته من قبل ? تتشاجر مع زوجها فتترك له البيت والولد الصغير وأخواته دون رعاية ويقوم أخواته وهم الذين لا يعلمون شيئا في الدنيا ويقع عليهم العبء كله في البيت والغيط الذي يتقاسمن العمل فيه مع أولاد عمهم ? فأي شئ يقومون به لابد وأن يكون متناصف ومتساوي ورغم ذلك لم يسلموا من أذى أمهم التي كانت تضربهم لأتفه الأسباب ? لسبب وبدون سبب خاصة سامية الكبرى وتستخدم في ضربها كل شئ يقع تحت يديها حتى الطوب. بينما أبيهم لاه عنهم بالعمل في المصنع الذي ينام فيه نصف الوقت واعتد الحشيش مع عبد الواحد حسونه ابن عمه وجاره عاصم.
بعد أن صلي العشاء جلس مع أخيه عبد الله في صحن الدار يدخنون المعسل: بقولك ايه يا علي
- ايه؟
- ما تيجي نشتري حتة ارض جديدة نبني عليها بيت تاني العيال كبرت والنهاردة واللي بكرة عاوزة تتجو
- وهنشتريها فين؟
- فيه ارض بحري جديدة بتتقسم المتر بجنية؟
- شوفها كدة وبعدين نبقي نشتري؟
آه آيتها الكيادة لم تدع فرصة ألا وتكيد لمن حولها وهاهي فرصة جديدة لتكيد لزوجة عبد الله وكأنها في حرب باردة دائمة ساخنة أحيانا ، لقد طلب صلاح الشافعي يد ابن خالته زينب وكان شابا يافعا مبهج المنظر قوي البنية فوافق أبيها أو بالأصح أمها وطارت فخرا وفاخرت به سلفتها فهو يعمل مع أبيه في المصنع منذ وعي الدنيا كما أن أبيه عينته الثورة في هذا المصنع.
أصبحت رافعة منخارها كأن بناتها هم المطلوبون للزواج وبنات سلفتها ليسوا كذلك وليس أي شاب فهو الوسيم ابن إسماعيل الشافعي من يملك أبوه القدرة علي أعاشتهما أن أخل زوجها
كانت الشمس بدأت تميل ناحية الغروب والجميع يعمل من اجل إنهاء جمع البطاطس وتسليمها للتاجر الذي سيأتي بعد قليل لوزنها قبل أن يحملها علي العربات والمحراث يجره البقر يحرث الأرض مرة أخري كي تظهر البطاطس التي لم تظهر في المرة الأولى وعلي يقود المحراث بينما يشرف عبد الله علي الجمع ويناول الأجولة ليعبئها أولاده وأولاد أخيه وزوجتيهما وأخذ يستحثهما:
- شد حيلك يا زينب.. يللا يا كريمة خلينا نخلص.. تعال يا سعيد هنا.
وحمل سعيد وخرج به إلي خارج الغيط حيث تعبأ ذكية وفهيمة البطاطس فقال لهم: خلصوا كده وبلاش رغي كتير ولكاعة ؟
فردت ذكية: شايفنا بنلعب يعني ؟
- بس خلصوا، لماضة علي الفاضي، معبتوش غير شوالين بس ? يا زينب ? يا كريمة ? تعالوا عبوا مع أمهاتكم.
و دخلوا العيال يلموا وراء المحراث.
انتهي من تحميل البطاطس العربات الكارو وعبأت ذكية وفهيمة الباقي بالتساوي بينهما.
وعادت صفاء بمقطف صغير لملمته من الغيط من وراء المحراث فاعترضت ذكية وقطبت جبينها وطلبت مثله ? فأرادت فهيمة أن تعطيه لها ولكن صفاء الصغير رفضت وبكت فأعطتها فهيمة مقطف بطاطس مثله من نصيبهم بدلا من هذا المقطف.
عاد عبد الله من المصنع فنادي علي امرأته: حضر لنا لقمة نكلها ?
ولكن فهيمة قطبت جبينها: أجيب أية ? مفيش حاجة هنا.
- هو أنت كل حاجة مفيش كدة ? هات حتة جبنه وندعة مش.
فذهبت لإحضار ما طلب ? وبينما كان يهم بخلع ملابسه سمع أصوات شجار بالشارع فقام يستطلع الأمر فرأي فاهم زميله بالمصنع وصاحبه يتشاجر ? فقام يناصر صديقه فأصبح الشجار بين كثيرين والكل يضرب الكل وعبد الله يضرب من هنا ومن هناك حتى أصابته أحد العصي.
ونادت ذكية علي فهيمة: يا فهيمة الحقي جوزك يا بت بيتخانق.
فجرت فهيمة وهي تصرخ ولكنها لم تلحق شيئا فقد ذهب الجميع إلي المركز وتم حبس الجميع بما فيهم عبد الله ..
فقالت فهيمة:كان مالنا احنا ومال الخناق ؟
وقال علي: ليه كده بس يا عبد الله احنا ناقصين ? ما احنا ماشيين جنب الحيط.
وجلست فهيمة تبكي حظها وجنبها بناتها وابنها سعيد وخيم السكوت علي البيت بعد أن كان يملؤه لعب الأولاد وشجارهم وبات البيت ليلة حزينة دون احد ركنيه ( عبد الله ).
ولكن عبد الله أخلى سبيله في اليوم التالي بعد أن تم التصالح.
- كان مالنا احنا وخناقات فاهم يا عبد الله؟
- ايه يا علي ما مصلح ابن عمنا بردوا .
- ابن عمنا يودينا في داهية؟ اخوات مع بعض هم أحرار مع بعض،احنا مالنا؟
ولكن عبد الله لم يجد ما يقوله فصمت لتأنيب أخيه الأكبر ? وتذكر انه وضع مع الحرامية والنشالين وقطاع الطرق والقتلة والسفاحين ? لقد رأي بعينه كل هؤلاء الأصناف من الناس لمجرد أن الحمية قد أخذته عندما رأي يتشاجر وعندما هدأت المعركة رأي أن مصلح هو المخطئ وانه جري وراء قضية باطلة.
وكأن الأحداث لا تأتي فرادي فلقد أراد أولاد الهدي أن يأخذوا قطعة الأرض التي في حوزتهم حسب قانون الإصلاح الزراعي، لقد بدلوا الأرض من قبل حيث يأخذ كل منهم الأرض القريبة منه ? والآن يريدون أن يأخذوا أرضهم السابقة التي هي في حوزة علي وعبد الله والتي أخذها علي الآن.
أرادا عبد الله أن يترك الأرض خوفا علي حياتهم ? فالأرض تعوض بينما الأخ لا يعوض والنفس لا تعوض ? ولكن علي لم يقبل ذلك وقال محتدا علي عبد الله " علي جثتي ياخدوا روحي قبل ما ياخدوا الأرض "
وحدث ما أراد وأخذا أرضه السابقة وأعطاهم أرضهم وانتصر علي وعبد الله علي أولاد الهدي أصحاب القوة والجاه المحدثين الذين صنعتهم الأيام بعد الثورة.
زادهم الانتصار ثقة فبدأا في بناء المنزل الثاني في المنطقة الجديدة، ونظر عبد الله إلي الأرض ففرح ورأى صفاء فقال لها: أبوك علي جه يا صفاء؟
- لسة يا ابا.
طب لما ييجي قليلوه ابويا في الدار الجديدة ويلا خشي اقلعي المريلة دي بقي. -
- سعيد جاي اهوه من الكتاب..... جاي جري ?
ومشي عبد الله ولكن سعيد نادي عليه: استني خدني معاك
. لا خليك هنا-
لأ هاجي معاك الدار الجديدة. -
ورضخ عبد الله للأمر الواقع في نهاية الأمر وأخذ سعيد معه.
كان إتمام البيت الجديد عيد ، فلقد أصبح عندهم بيتان جديدان ولذا ذبحوا عجل صغير احتفالا بهذه المناسبة. وكما اكتمل البيت القديم سعي عبد الله لإتمام البيت الجديد فقال له علي: بكرة يا عبد الله تروح تقدم علي النور إن شاء الله ؟
- خليها بعد السباكين ما يخلصوا ؟
- هيجري آية أنا هكون معاهم ؟
- ونزنق نفسنا لية ? احنا مستعجلين لية ? هو احنا بيتين في الشارع ?
رأت صفاء - بينما هي عائدة من المدرسة- أباها عند بيتهم الجديد فجرت ووقفت يللا يا صفاء روحي قبل ما حاجة تقع عليك وخلي أمك تجهزلنا غدا ?:- بجواره فقال لها
وعادت صفاء وأخبرت أمها فتبرمت : أهي الجبنة بتتجهز ?!
طلب رمزي حسني ابنة خاله كريمة للزواج فلم يتردد عبد الله وتذكر عبد الله أخته فتحية لقد نسوها في زحام المعترك ? لقد أخذهم صراعهم مع الحياة ونسوا فتحية أم اليتامى وها هي تزوج ابنتها الكبرى صبح وكبر رمزي هو الآخر وجاءت أمه تطلب يد ابنة أخيها عبد الله لابنها... لقد كبرت فتحية وربت الأبناء الذين تركهم لها حسني ولولا مسرور الذي مات شهيدا تحت الهدم والذي أورثها حزنا فوق حزنها علي أبيه ولكنها علي آية حال ربت باقي أخواته.
وكبرت كريمة هي الأخرى وأصبحت عروس يطلب يدها الخطاب لقد كانت بالأمس تلميذة بمريلة المدرسة لقد مضي علي هذا تسع سنوات كاملة السنوات تجري بسرعة. عروسان مناسبان لبعضهما فهو شاب يافع متناسق الجسم وهي فتاة جميلة يتمناها كل الشباب. ولم يغالي عبد الله في مهر ابنته ورضي بالقليل خاصة وهي أخته حبيبة قلبه رغم أنه لا يدري كيف سيدبر تكاليف الزواج وهو الذي دفع لتوه نصيبه في تكاليف البيت الجديد وبناءه.
وفرحت فهيمة بهذا الزواج فهو سيرد الاعتبار لبناتها ولها أمام ذكية بعد أن سخرت منها بنظراتها المتعالية في الرائحة والغادية عندما زوجت ابنتها زينب.
وفرحت كريمة فقد كانت تميل نحو ابن عمتها وتحقق لها ما أرادت وستستريح من أمها وشجارها الدائم معها ومع أبيها بسبب وبدون سبب ? أما ذكية فقد كانت تغلي من الداخل لهذا الزواج الذي أعاد الميزان إلى التوازن مرة أخرى.
تسلل حسام وسرق الكبريت ونادي علي سعيد وطلب منه أن يحضر ورقة فأحضرها سعيد فأشعل حسام الورقة أخذها من سعيد فلما اقتربت النار من يده جري من عند باب الحجرة إلى حيث سقف الحظيرة فاشتعلت النار في القش والسقف الذي كان مغطي بالخشب والقش والطين فرأت رقية النار في مهدها: ألحقني يا عم حسن الولعة فوق الزريبة ?
فجري حسن الأجير الذي كان يعمل في ( الزريبة ) وقت اشتعال النار وعندما أصبح فوقها اخذ أحد الأغطية وطفئ بها النار. وعندما استرد الجميع أنفاسه ضحكوا من فعلة سعيد وحسام ?
جهز عبد الله العشاء واعد الجحش الكبير ووضع عليه القفتين الكبيرتين كلا منهما في جنب وأخذ معه سعيد وحسام ووضع كل منهما في قفة, وذهب إلى الغيط بجوار المقابر ? ومن بعيد شاهد سعيد وحسام فأراد عبد الله أن يضاحكهما فقال لهم: فيه عفريت مولع في الغيط.
ولكنهما كانا من الذكاء بحيث خمنا أن ذلك كان عم حسن الذي سيبيت يقشر الذرة وسيبيتون معه فضحك عبد الله منهما. وعندما استيقظا في الصباح أصرا علي أن يعودا ظهر الجمل وهو محمل بالقش.
ترك عبد الله البيت الجديد لأخيه الكبير الذي طلبه مقابل البيت القديم ? وفي حقيقة الأمر طمعت فيه ذكية رغم أن علي كان يريد أن يبقي بالبيت القديم في جوار الناس الذين تربي بينهم وعاش معهم ? أما البيت الجديد فرغم انه الأوسع آلا انه بدور واحد أرضي فقط وليس هناك الكثير من الجيران فهي منطقة جديدة ? ولكنه أختاره نزولا علي رغبة ذكية أما عبد الله فرضي بما تركه له أخيه. ونقل علي إلي البيت الجديد ولم يبقي سوي البهايم التي يحضرها ويحلبها ثم يجيء الصبح يفعل كذلك إلى أن يتم تقسيمها.
تركت ذكية البيت القديم ولكنها لم تتركه علي حالته ? فلقد كسرت جميع أبواب الدور الثاني التي كانت تقطنه وهدمت عشة الفراخ التي كانت مبنية بالطوب الأحمر ? ببنما كانت عشة
فهيمة مبنية بالطين ؟‍‍‍‍‍! ياه انك لمليئة بالحقد الأسود الفاحم يا ذكية ? أن إسرائيل صاحبة سياسة الأرض المحروقة لتهون بجوارك لأنها إسرائيل بينما أنت هدمت كل شئ لمجرد انك ستتركينه أخو زوجك وما أمكن حمله تم تهريبه من السطح إلي خلف البيت وساعدك علي ذلك ستات الجيرة الجديدة ? بئس الجيرة وبئس المرأة أنت يا ذكية.
(7) فجر جديد
أرسل عبد الله ابنته فاديه تنادي عبد الواحد ابن عمه وصديقه ليصلح أحد الأبواب المكسورة - فهو ليس حمل استقدام نجار – ووقف سعيد يشاهد عمه عبد الواحد وهو يصلح الباب- وكانت هوايته إصلاح أي شئ وتعلمها – والحديث الجاد بين أبيه وعمه وبينما هم كذلك قطع صفو الحديث استغاثة علوية ابنة عبد الله بأبيها فجري نحو الصوت فوجد زوجته فهيمة وأخيه علي يتشاجران ? فأقسم علي ألا يبيت بها ليلة واحدة وأخذ أحسن جاموستين وترك الهزيلتين لأخيه الذي رضي بهما ولم يتكلم فحاول عبد الواحد أن يهدأ الموقف ولكن علي أخذ الجاموستين ومشي وكأنه كان ينتظر الفرصة ليكمل الانفصال وينهيه وقد كان له ما أراد علي يد فهيمة التي تشاجرت معه بسبب انه لم يرضي أن يعطيها من اللبن لأولادها.
جلس عبد الله يبكي بكاء حار علي فراق أخيه كما لم يبكي منذ فراق أمه كما لو كان قد فارق الحياة هو الآخر.
- جري أية يا أخي ? هو حصل أية ? هو مات؟
- ! اكتر، دا اخويا الوحيد
- وهو راح فين ماهو هناك اهو وكده ولا كده كنتوا هتفترقوا.
لم يلتفت عبد الله لكلمات فهيمة وواصل بكاءه فلسذاجتها لم تدرك ارتباط عبد الله بأخيه فلقد جاهدا منذ البداية معا ووصلا إلى ما وصلا إليه معا ? ورغم أن سعيد كان واقفا مشدوها ألا انه لم يدرك الموقف في حينه .
أفاقت عبد الله من انفصال أخيه وانعزاله في البيت الجديد علي حقيقة كانت غائبة عنه لقد أصبح رب أسرة مكونة من ستة أولاد غير أمهم ورغم آن إحداهن قد تزوجت منذ وقت قريب إلا آن واجباتها التي يجب آن يؤديها كما كانت أمه كانت تؤديها إلي شريفة فتحية.
لقد أصبحت كل المواسم الدينية مواسم للآكل والشرب دون العبادة ? يجب أن يؤدي المرء فيها ما سار عليه عرف هذه البلد ونظر عبد الله فرأي أن عمله في النسيج لا يمكن أن يكفي ويوفر هذه المطالب الكثيرة لذا تركه واخذ يعمل فيما تركه له أخوه من ارض ? ومواشي؟
فرح كثيرا عندما أراد أخيه أن يشاركه في زراعة بطاطس في الأرض التي بحوزة عبد الله ووافق علي المشاركة لقد كان يحب أن لا ينفصل أخيه عنه ويصبحا متحدين دائما وها هي الفرصة قد أتت. ولكن علي بعد أن تمت الزراعة اصطنع علي الاختلاف مع أخيه علي زراعة البطاطس فأخذ منه الأرض وأعطاه نصف الأرض الكبيرة.
آه يا علي حتى بعد أن أخذت ما تريد عدت وخططت ونفذت ونجحت في اخذ ما بيد أخيك.... ماذا بقي مع أخيك لكي تأخذه اعتمادا علي طيبة قلبه وعلي أنه لن يريد يرفع صوته عليك يوما ما وسيعطيك ما تطلبه دون أن يعترض.
لقد أصبحت السلع غالية منذ أن تم الانفتاح الاقتصادي الذي اقره الرئيس وبينما كان الرأسماليون ينتفخون بأموالهم كان العمال علي حالهم وكان منهم عبد الله ? لقد زادت الأسعار كثيرا جدا ولم يعد قادر علي مجاراتها ، حتى أن عبد الواحد سافر إلي العراق سافر يبحث عن رزق بعد أن ضاقت أحوال المصنع بالعمال.
آتي حسام إلي منزل عمه ليأخذ سعيد ويذهبا إلي الكُتاب..
- بللا يا سعيد ? حسام جالك اهوه.
ولكن سعيد كان يكره الكتاب وكأنه الموت ? فرد علي أمه باستنكار: طيب آنا جاي اهوه. وذهب إلي أبيه محاولا إيجاد سبب للهروب من الكُتاب: المصروف ? فأعطاه أبيه خمسة قروش: خد تلاتة وادي حسام اتنين. فتضايق سعيد حيث أن حسام سيصبح معه خمسة قروش بينما هو ليس معه سوي ثلاثة قروش ? وذهب معه إلي الكتاب.
وبينما هم جالسين قال حسام وقد ارتسمت علي وجهه التعمق والفكرة الجديدة: تيجي نروح عند عمتك شريفة ؟
- بعد الكتاب ؟
-لأ، دلوقتي.
-ازاي ؟
- نقول للشيخ هنروح نجيب حاجة ونهرب.
فلم يفكر سعيد: يللا.
ونفذوا ما اتفقوا عليه في جزأه الأول ومضيا يسيران في الشوارع حتى جاء وقت الانصراف فعاد إلى البيت وكأنهما عائدان من الكتاب ولكن الخبر كان قد وصل إلى البيت وعلم عبد الله بما حدث فذكر ابنه به وضحك.
ولم يستمرا كثيرا في الكتاب إذ أنهما ملا منه مرة أخري ورفضا أن يذهبا إليه مرة ثانية رغم أنهما لم يحفظا كثيرا ? وعندما طلب الشيخ مختار من عبد الله أن يعيده طلبت منه أمه أن يذهب للكتاب كي يتعلم شيئا فاشترط سعيد أن ينصرف من الكتاب الظهر.
لقد كان لسعيد وضع خاص فهو الابن الوحيد لذا تعجل أبيه في أن يصبح رجل وكان يشدد عليه في ذلك ? ورغم أن الشدة تكون في بعض الأحوال هي السائدة فقد كان يدلله في أحوال كثيرة ولكنه يتذكر انه الوحيد ويجب أن يكون رجل كما ينبغي أن يكون الرجل فيشدد عليه مرة أخرى. كان يأخذه في كل مكان يذهب إليه ? وأرسله إلى الكتاب مع حسام آخر أبناء عمه علي ? ورغم أن عبد الله كان يدلل سعيد إلا أن أخوته لم يحزنوا لذلك فقد كانوا يحبونه هم أيضا فهو أخيهم الوحيد ويريدون أن يتعلم وان يصبح رجلا قويا سندا لهم ويدافع عنهم أمام جبروت الحياة.كان يذهب مع حسام الكتاب ولكنهم لم يلبثوا أن تركوه ولكن أبويهما أعادوهما مرة أخرى ..
زاد إلحاح الرجل علي عبد الله كي يترك القراريط الأربع التي بحوزته لكي يقيم عليها وعلي ما بجوارها مشروعه ? لقد استحوذ علي جميع الأرض التي بجوارها ولم يبقي سواها ولكن عبد الله رفض فأصبح الرجل يزيد في الثمن وعبد الله يرفض حيث لا يرضي أن يترك الأرض فأين سيعمل ? ولكن عندما رفع سعرها أضطر لقبول الثمن وترك الأرض 0
وأتجه إلي إحدى الأرمل التي مات زوجها حديثا وليس لها سوي ابنها الذي بعمل في أحد المصانع الحديثة وطلبت منها ترك الأرض له مقابل ما سيعطيه لها فوافقت بعد أن تعبها الرجل المؤجر. فرح عبد الله بإيجار الأرض الجديدة الواسعة وفرح بها أبناءه.
وقف عبد الله ينظر إلي أرضه الجديدة وهو منشرح القلب فها هو الله يفتح له من أبواب الخير ? أرض كبيرة سهلة الري ? سهلة الوصول إليها تطل علي طريق واسع ? ووقف سعيد ينظر إليها مع أبيه فرحان بالأرض الجديدة الواسعة كما هي الأطفال دائما تفرح بالجديد ? وفرح سعيد بالأشجار التي زرعها أبيه علي رأس الغيط لكي تنمو وتظلل المكان الذي سيجلسون فيه.
.ونظر عبد الله إلي ابنه فانشرح صدره أكثر فغدا أول أيام الدراسة، فقد قدم له المدرسة الابتدائية الجديدة، لقد عزم علي أن يصر علي تعليمه ولا يكون كباقي أخوته الذين خرجوا تباعا ولم يكملوا حتى تعليمهم الابتدائي ولكن سعيد شيئا آخر فهو الولد الوحيد، ولكي يحقق حلمه القديم بالتعليم. وهكذا ألبست فادية سعيد الجلابية الجديدة وأخذه عبد الله إلي المدرسة، ونودي على اسمه فدخله الفصل ثم تركه يبدأ أول ايامه مع العلم .
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:45 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Google Adsense Privacy Policy | سياسة الخصوصية لـ جوجل ادسنس

الساده الاعضاء و زوار منتديات المهندسين العرب الكرام , , مشاهده القنوات الفضائيه بدون كارت مخالف للقوانين والمنتدى للغرض التعليمى فقط

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

^-^ جميع آلمشآركآت آلمكتوبهـ تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكلـ من آلأشكآل عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى ~