وضع السلطة القضائية في الأنظمة, خاصة تلك التي تأخذ بالممارسة النيابية في اختيار رموز مؤسسات الدولة الرسمية. هل يتمتع القضاء, في تلك الأنظمة العربية, بالاستقلال والحياد, الذي يتمتع به في الأنظمة الديموقراطية التقليدية المعاصرة.. وأين موقع القضاء, بين سلطات الدولة الرسمية الأخرى.. وهل تتطابق نصوص الدساتير العربية مع المكانة الرفيعة التي تقول بها تلك النصوص للقضاء.. ثم هل تمارس السلطة القضائية سلطة مراجعة القوانين, للتأكد من مدى دستوريتها.. وهل هناك حالات للقضاء الاستثنائي, بعيداً عن القضاء العادي.. ومتى وكيف يلجأ للقضاء الاستثنائي. اسئلة كثيرة مهمة سوف نحاول الاجابة عليها لقياس مدى كفاءة وفاعلية التجربة النيابية العربية, ام تراها تهتم فقط بشكليات الممارسات الديموقراطية, بعيداً عن مضمونها السياسي والقيمي. البداية لابد ان تكون من نصوص الدساتير العربية, لتحديد مكانة السلطة القضائية في الانظمة السياسية العربية وعلاقتها مع السلطات الاخرى, وخاصة التنفيذية . هل تصمد تلك النصوص الدستورية, الخاصة بالسلطة القضائية امام حركة ممارسة السلطة في المجتمعات العربية, أم أن في تلك النصوص ما يعكس حقيقة الممارسة السياسية للانظمة العربية, بعيداً عن الإدعاء بلبرالية العملية السياسية, في الأنظمة النيابية العربية. القضاء في الأنظمة العربية تحرص جميع الدول العربية, حتى تلك التي لا تأخذ بالنظرية والممارسة الليبرالية في الحكم, على النص في دساتيرها على حياد ونزاهة السلطة القضائية. وتتناول, تلك الدساتير, السلطة القضائية على أنها جزء أصيل من مؤسسات الدولة الرسمية تتمتع باستقلالية تامة عن حركة ونفوذ كل من السلطتين: التنفيذية والتشريعية. إلا أنه لايمكن فصل النظر إلى السلطة القضائية, خارج نطاق حركة وقيم الأنظمة العربية, التي لم تتضح لديها, بعد, أهمية الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات, كما هو الحال في الأنظمة الديموقراطية التقليدية والمعاصرة بأشكالها المختلفة البرلمانية والرئاسية والبرلمانية المطورة أو شبه الرئاسية. الأخذ بشكليات الممارسة الديموقراطية, بعيداً عن مضمون الممارسة الليبرالية, يعكس حقيقة التجربة النيابية العربية من أنها لم تغادر قيم وحركة السلطة الأبوية التقليدية, وإن تفاوت مستوى التنمية السياسية من دولة عربية إلى أخرى. كما أن للسلطة التنفيذية, ممثلة في رأس الدولة, دالة على السلطة التشريعية, كما سبق ورأينا, لايمكن أن تكون السلطة القضائية في منأى عن تدخل السلطة التنفيذية, حتى مع وجود نصوص في دساتير الدول العربية تؤكد على استقلال القضاة وحياد ونزاهة القضاء. تناقض النصوص الدستورية تنص دساتير الدول العربية بنصوص عامة على أنه: (لاتوجد مرجعية للسلطة القضائية غير النصوص الدستورية والمواد القانونية.. وبعضها تضيف أحكام الشريعة الإسلامية.. وانه لا سلطان على القضاة إلا ضمائرهم.. ونصوص القانون.. ومواد الدستور.. وأحكام الشريعة الاسلامية). هذه النصوص عادة ماتتصدر ديباجة الفصول الخاصة بالسلطة القضائية في الأنظمة العربية وتتحدث عنها المواد الأولى في ذلك الفصل من الدستور. ولكن لاتمنع هذه النصوص العامة, التي تبدو قطعية في التأكيد على حيادية واستقلال السلطة القضائية من وجود نصوص أخرى تناقضها وتفسح المجال للتدخل في عمل السلطة القضائية من قبل السلطات الأخرى في الدولة, خاصة السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الدولة.. حتى تتسق الطبيعة السياسية للأنظمة العربية من حيث أخذها بشكليات الممارسة الليبرالية في الحكم, بعيداً عن الممارسة الديموقراطية الحقة, كما تقول بها النظرية الديموقراطية, وتتفاعل في حركة وقيم مجتمعاتها التقليدية. بعض الدساتير, على سبيل المثال, توكل لرئيس الدولة, وليس للدستور, ضمان استقلال السلطة القضائية.. وتخوله, تبعاً لذلك, رئاسة مجلس القضاء الأعلى..! (أنظر على سبيل المثال المادة: 131 من دستور الجمهورية العربية السورية لسنة 1972, والمادة: 181 من دستور جمهورية الجزائر الديموقراطية الشعبية لسنة 1976, والمادة: 50 من دستور الجمهورية الاسلامية الموريتانية, والمادة: 173 من دستور جمهورية مصر العربية الدائم لسنة 1971, والمادة: 80 من الدستور المغربي لسنة 1972, التي تكرر نصها في المادة: 86 من دستور المغرب المعدل لسنة 1996). حتى أنه, في بعض الدساتير العربية ترتبط السلطة القضائية مباشرة (مرجعياً) برئيس الدولة.. وتكون مسؤولة أمامه..! أنظر نص المادة 186 من الدستور السوداني لسنة 1973, كما أكد دستور السودان الانتقالي لسنة 1985 تبعية السلطة القضائية للسلطة التنفيذية, حيث نصت المادة: 122 فقرة: (أ) على ان: السلطة التنفيذية مسئولة أمام المجلس العسكري الانتقالي أو رأس الدولة, حسب مقتضى الحال, وفقاً لأحكام الدستور. إذن: حتى مع وجود نصوص عامة, في الدساتير العربية, تؤكد على مكانة القضاء السياسية الرفيعة واستقلاله وحياده وترفض أي شكل من أشكال التدخل في عمل السلطة القضائية من قبل أية سلطة رسمية أخرى, نجد في بعض الدساتير العربية, ما يجعل السلطة القضائية تابعة للسلطة التنفيذية, رأس الدولة على وجه الخصوص.. الأمر الذي من المحتمل معه عدم ضمان استقلال القضاء وحياده.. وتعرض الأحكام القضائية, إن هي صدرت, للمراجعة من قبل السلطة التنفيذية, التي تتبع لها السلطة القضائية, بنص الدستور, كما هو الحال في بعض الأنظمة العربية. ولكن حتى مع افتراض الخلفية الدستورية لاحترام استقلالية القضاء وحياده, هل في حركة الأنظمة العربية, ما يؤكد ذلك. أم أن الممارسة الفعلية للأنظمة العربية, لها تفسير آخر لمعنى استقلال القضاء وحياديته وضمان نزاهة الأحكام القضائية في تطبيقها للقانون والعدالة معصوبة العينين.
12/3/2009, 10:24 PM
دور القضاء ومكانته في الأنظمة العربية
رد: دور القضاء ومكانته في الأنظمة العربية
العرض العادي
