|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الحياة السعيدة
النَّاظِرُ بِعَيْنِ الْبَصَرِ وَالْبَصِيرَةِ فِي أَحْوَالِ الْحَيَاةِ الْيَوْمَ ؛ يَجِدُ أَنَّ الْحَيَاةَ أَبْدَعَتْ فِي أَسَالِيبِ الرَّفَاهِيَةِ وَالْمُتْعَةِ لِبَنِي الْبَشَرِ، حَتَّى تَصَوَّرَهَا بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ السَّعِيدَةُ الْمُقْتَرِنَةُ بِالأَضْوَاءِ الْبَرَّاقَةِ وَالْمَنَاصِبِ الْخَدَّاعَةِ، وَيَتَصَوَّرُهَا آخَرُونَ فِيِ تَكْدِيسِ الأَمْوَالِ وَالاِنْغِمَاسِ فِي أَوْحَالِ الشَّهَوَاتِ وَاحْتِسَاءِ سُمُومِ الْمُخَدِّرَاتِ، وَآخَرُونَ فِيِ تَشْيِيدِ الْقُصُورِ الْفَخْمَةِ، وَغَيْرُهُمْ بِالشَّهَادَاتِ الْعَالِيَةِ وَالتَّخَصُّصَاتِ الْفَرِيدَةِ! لَكِنَّهَا لَمْ تُصِبْ عَيْنَ الْحَقِيقَةِ لِلْحَيَاةِ السَّعِيدَةِ ، وَلَمْ تَسْتَطِعْ تَأْمِينَ الْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ ؛ مِنْ سَعَادَةِ الْقَلْبِ وَبَهْجَتِهِ، وَانْشِرَاحِ الصَّدْرِ وَرَاحَتِهِ، وَزَوَالِ هُمُومِ النَّفْسِ وَغُمُومِهَا، وَذَهَابِ كَرْبِهَا وَأَكْدَارِهَا ؛ وَالَّذِي هُوَ الْمَطْلَبُ لِكُلِّ أَحَدٍ! أَنْ يَعِيشَ حَيَاةً سَعِيدَةً هَادِئَةً مُسْتَقِرَّةً يَتَذَوَّقُهَا فِي نَفْسِهِ، وَيَعِيشُهَا فِي بَيْتِهِ وَوَسَطَ مُجْتَمَعِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ -بِاسْتِقْرَاءِ الأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ- أَنَّهُ ثَمَّ وَسَائِلُ لِلْحُصُولِ عَلَى الْحَيَاةِ السَّعِيدَةِ، مِنْ أَهَمِّهَا: الإِيمَانُ الْمَقْرُونُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي هُوَ سِرُّ الْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ، وَسَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الأَمْنِ وَالطُّمَأْنِينَةِ، وَوَسِيلَةٌ مِنْ وَسَائِلِ الْكَرَامَةِ وَالْفَلاَحِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97] فَبِتَحْقِيقِ الإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ يَسْعَدُ الْعَبْدُ وَيَنْعَمُ بِحَيَاةٍ طَيِّبَةٍ فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَبِالْجَزَاءِ الْحَسَنِ فِي دَارِ الْقَرَارِ. وَسَبَبُ ذَلِكَ وَاضِحٌ؛ فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ بِاللهِ الإِيمَانَ الصَّحِيحَ، الْمُثْمِرَ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ ، الْمُصْلِحَ لِلْقُلُوبِ وَالأَخْلاَقِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، مَعَهُمْ أُصُولٌ وَأُسُسٌ يَتَلَقَّوْنَ فِيهَا جَمِيعَ مَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَسْبَابِ السُّرُورِ وَالاِبْتِهَاجِ، وَأَسْبَابِ الْقَلَقِ وَالْهَمِّ وَالأَحْزَانِ! يَتَلَقَّوْنَ الْمَحَابَّ وَالْمَسَارَّ بِقَبُولٍ لَهَا، وَشُكْرٍ عَلَيْهَا ، وَاسْتِعْمَالٍ لَهَا فِيمَا يَنْفَعُ ، فَإِذَا اسْتَعْمَلُوهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ؛ أَحْدَثَ لَهُمْ مِنَ الاِبْتِهَاجِ بِهَا ، وَالطَّمَعِ فِي بَقَائِهَا وَبَرَكَتِهَا ، وَرَجَاءِ ثَوَابِ الشُّكْرِ عَلَيْهَا ؛ وَيَتَلَقَّوْنَ الْمَكَارِهَ وَالْمَضَارَّ وَالْهَمَّ وَالْغَمَّ بِالْمُقَاوَمَةِ لِمَا يُمْكِنُهُمْ مُقَاوَمَتُهُ ، وَتَخْفِيفِ مَا يُمْكِنُهُمْ تَخْفِيفُهُ ، وَالصَّبْرِ الْجَمِيلِ لِمَا لَيْسَ لَهُمْ مِنْهُ بُدٌّ ؛ وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ لَهُمْ أُمُورٌ عَظِيمَةٌ تَضْمَحِلُّ مَعَهَا الْمَكَارِهُ ، وَتَحُلُّ مَحَلَّهَا الْمَسَارُّ وَالآمَالُ الطَّيِّبَةُ ، وَالطَّمَعُ فِي فَضْلِ اللهِ وَثَوَابِه ِ؛ كَمَا عَبَّرَ النَّبِيُّ عَنْ هَذَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَالَ فِيهِ: «عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ» [رواه مسلم]. وَكُلُّ هَذَا مُشَاهَدٌ بِالتَّجْرِبَةِ؛ فَإِذَا تَدَبَّرْتَ هَذَا الْحَدِيثَ وَنَزَّلْتَهُ عَلَى أَحْوَالِ النَّاسِ، رَأَيْتَ الْفَرْقَ الْعَظِيمَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ الْعَامِلِ بِمُقْتَضَى إِيمَانِهِ، وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ الدِّينَ يَحُثُّ غَايَةَ الْحَثِّ عَلَى الْقَنَاعَةِ بِرِزْقِ اللهِ، وَبِمَا آتَى الْعِبَادَ مِنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ الْمُتَنَوِّعِ ؛ فَالْمُؤْمِنُ إِذَا ابْتُلِيَ بِمَرَضٍ أَوْ فَقْرٍ أَوْ نَحْوِهِ مِنَ الأَعْرَاضِ الَّتِي كُلُّ أَحَدٍ عُرْضَةٌ لَهَا، فَإِنَّهُ يَرْضَى وَيَقْنَعُ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَهُ فَتَسْكُنُ نَفْسُهُ ، وَيَهْدَأُ بَالُهُ ؛ كَمَا تَجِدُ هَذَا الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ عَمَلٌ بِمُقْتَضَى الإِيمَانِ إِذَا ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنَ الْفَقْرِ، أَوْ فَقَدَ بَعْضَ الْمَطَالِبِ الدُّنْيَوِيَّةِ ، تَجِدُهُ فِي غَايَةِ التَّعَاسَةِ وَالشَّقَاءِ ؛ وَهَكَذَا فِي الْمَخَاوِفِ: تَجِدُهُ صَحِيحَ الإِيمَانِ، ثَابِتَ الْقَلْبِ، مُطْمَئِنَّ النَّفْسِ، مُتَمَكِّنًا مِنْ تَدْبِيرِهِ وَتَسْيِيرِهِ لِهَذَا الأَمْرِ الَّذِي دَاهَمَهُ ؛ كَمَا تَجِدُ فَاقِدَ الإِيمَانِ بِعَكْسِ هَذِهِ الْحَالِ؛ إِذَا وَقَعَتِ الْمَخَاوِفُ انْزَعَجَ لَهَا ضَمِيرُهُ، وَتَوَتَّرَتْ أَعْصَابُهُ، وَتَشَتَّتَتْ أَفْكَارُهُ، وَدَاخَلَهُ الْخَوْفُ وَالرُّعْبُ، بَلْ رُبَّمَا انْهَارَتْ قُوَاهُ وَتَوَتَّرَتْ أَعْصَابُهُ، وَذَلِكَ لِفَقْدِ الإِيمَانِ الَّذِي يَحْمِلُ عَلَى الصَّبْرِ، خُصُوصًا فِي الْمَحَالِّ الْحَرِجَةِ، وَالأَحْوَالِ الْمُحْزِنَةِ الْمُزْعِجَةِ. وَمِنَ وَسَائِلِ الْحُصُولِ عَلَى الْحَيَاةِ السَّعِيدَةِ: تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ لِرَبِّ الْعَبِيدِ؛ الَّذِي هُوَ أَوْجَبُ الْوَاجِبَاتِ وَأَعْظَمُ الْعِبَادَاتِ ! رَتَّبَ اللهُ لِمَنْ حَقَّقَهُ الثَّوَابَ الْعَظِيمَ وَالأَجْرَ الْجَزِيلَ، وَالسَّعَادَةَ التَّامَّةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. قَالَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]، أَيْ: أَخْلَصُوا الْعِبَادَةَ للهِ وَحْدَهُ، وَلَمْ يُخْلِطُوا تَوْحِيدَهُمْ بِشِرْكٍ، ثُمَّ ذَكَرَ -عَزَّ وَجَلَّ- مَا أَعَدَّ لِعِبَادِهِ الْمُخْلَصِينَ مِنَ الْجَزَاءِ: ﴿أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾، أَيْ: هُمُ الآمِنُونَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، الْمُهْتَدُونَ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ. اللَّهُمَّ اخْتِمْ بِالصَّالِحَاتِ أَعْمَالَنَا، وَاقْرِنْ بِالسَّعَادَةِ غُدُوَّنَا وَآصَالَنَا، وَاجْعَلْ إِلَى جَنَّتِكَ مَصِيرَنَا وَمَآلَنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
|
23/12/2020, 02:28 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
نجم المنتدي الاسلامي
|
رد: الحياة السعيدة
شكراً لك اخي الكريم
|
||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
Google Adsense Privacy Policy | سياسة الخصوصية لـ جوجل ادسنس
^-^ جميع آلمشآركآت آلمكتوبهـ تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكلـ من آلأشكآل عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى ~