|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الفكر القومي إلى أين؟
الفكر القومي إلى أين؟ "فتحت مجلة أفكار الأردنية بجرأة ريادية ملفي الفكر القومي والفكر الماركسي. وقد كلفت بالتعقيب على ملف الفكر القومي الذي شارك في الندوة المخصصة له عدد من الشخصيات القومية الأردنية المعروفة بنضالاتها واسهاماتها الفكرية". وبداية، أشعر أنه من باب الحق والواجب، أن أسجل للأديبة الأردنية، والشخصية النسائية الديمقراطية السيدة "سهير التل"، كل التقدير، حين عقدت العزم على فتح هذين المحورين: "الفكر القومي.. إلى أين"؟ و"الفكر الماركسي.. إلى أين؟ في عددي "أفكار" 112، 114، بجرأة بالغة، واستضافت لمناقشتهما عدداً من الشخصيات الأردنية القومية الديمقراطية، والماركسية الديمقراطية، المعروفة بمساهماتها النضالية والفكرية في خضم هذين التيارين، سواء على الصعيد التنظيمي، أو الإغناء الفكري لكل من التيارين. وأبارك هذا المناخ الديمقراطي الذي تحصل بفعل التحولات الجديدة في البناء الأردني، الذي يناضل من أجله ترسيخاً وتطويراً كل الغيورين على مستقبل الوطن العربي.. هذا المناخ الذي هيّأ الفرص حتى لابناء التيار الواحد للاختلاف والاتفاق فيما بينهم بجرأة.. جرأة الباحثين الفرسان المستكشفين.. عشاق الحقيقة والعلم والتقدم.. الذين لا يبحثون عن بعضهم بعضاً بقصد تصفية الحسابات والتنكيل وتأكيد الاستبداد السياسي، وإشباع نزعة الهيمنة والتفرد، بل بقصد الحوار.. حوار الفكرة للفكرة، في إطار التيار الواحد، ثم على مستوى التيارات المختلفة.. ومن هذا الاعتبار، فإنني أعتقد أن أي انتقاد قد وجّه "لأفكار" بسبب فتح هذين الملفين، لا يخلو من الظلم، لأنه يدعو إلى النكوص عن التجربة، ويأتي في الاتجاه المعاكس لحياة التعددية وفي مواجهة المناخ الديمقراطي، قصد صاحب هذا الانتقاد أم لم يقصد! ولعل المرحلة الأولى المرجوة من وراء فتح هذين الملفين، قد تحققت. إذ تجلت بشكل أولي أبرز نقاط الاتفاق والاختلاف في رؤى المشاركين، في دراسة أزمة ومستقبل الميدان الواحد.. والأهم من ذلك في المحورين عموماً وبخاصة محور القومية حول المستقبل والحاضر.. ورغم أن التاريخ (الماضي) يهمنا كما يهمنا الحاضر والمستقبل، ومنه نستمد أدلتنا العملية والنظرية، لتوسيع حركات الحاضر وامتحان صلاحيتها في الحاضر ومن أجل المستقبل، إلا أن الأهداف الأبعد والأهم والأشهى ثماراً من وراء فتح مثل تلك المحاور، لن يتحقق تماماً إلا إذا التقى ممثلو التيارات المختلفة، الموجودة فعلياً على أرض الواقع، وتحاوروا بحثاً عن المنظومة الفكرية العربية المعاصرة، أو المنهج العروبي المنشود للفكر والتفكير، لصياغة القواسم المشتركة لمشروع المواجهة العربية، الذي يتنازل فيه "المذهب" عن شيء من (الذات) لصالح (الآخر)، ويكفّ عن اعتبار (الآخر) (العربي) خصماً رئيساً له، وينبغي تصفية الحسابات معه أولاً، قبل الالتفات إلى العدو المشترك! الذي سبقنا إلى تلك الصيغة الجبهوية، ملتقياً عند القواسم المشتركة، والأهداف الكبرى، وهي الانتصار علينا، ومختلفاً على أرضية كيانه في التفاصيل. لأنه سبقنا أولاً في مسألة الاعتراف بالظواهر، والإقرار بها كوجود مادي معبر عن المفردات المادية المكونة لكيانه. ولتحقيق ذلك الغرض، فإنه لا بدّ من التقاء المشاركين في مناقشة المحورين المذكورين، بالإضافة إلى "إسلاميين" وتوسيع المائدة المستديرة، لتستقبل ممثلين آخرين لأكثر من درجة لونية في الطيف الواحد. إذ أن الأردن اليوم مؤهل بسبب المناخ (التعدّدي) تحديداً، أكثر من أي مكان عربي آخر، لاحتضان مثل هذا الحوار الواضح والجريء، والذي قد يفضي -في حال السعي الجاد إليه شعبياً وحكومياً- إلى تقليص المسافات القائمة بين الباحثين عن لغة العصر والتقدم، والتي يكتشف -مع أول فرصة للحوار- أن قسماً غير قليل من تلك المسافات قوامه الوهم والافتراض المسبق (للآخر)، والعدائية التاريخية المجانية بسبب التخلف وإغراءات القوى المعادية التي أدت إلى الحجر والانغلاق، الذي أدى بدوره إلى الجمود العقائدي والتنظيمي، وما إلى ذلك من إصابات لحقت بالفكر العربي المعاصر في شتى توجهاته، بفعل انعدام الديمقراطية والالتقاء مع الآخر.. إذ أن الحوار يشكل بحد ذاته، الخطوات الأولى على طريق صياغة المشروع الفكري العربي الديمقراطي لمواجهة القادم.. والقادم عظيم.. رغم إيماني بأنه لا يمكن أن يكون لأمة في العالم فكرها الخاص، وفلسفتها الخاصة. لأن الجميع (بشر)... يلتقون في النوع.. وللنوع الواحد من (الأحياء) منظومته الحياتية ونواميسه الخاصة التي لا تليق بالنوع الآخر.. ولكن، لكل أمة أهدافها المشتركة ووعيها الجمعي العام، وتطلعاتها في كل مرحلة من مراحل التاريخ الذي يصوغ وجدانها القومي العام.. تماماً، كما تتوحد النسور ضد اللقالق، والفيلة ضد النمور.. فإن البشرية تبحث عن لغةٍ توحدها في مواجهة الطبيعة، وفي مواجهة أزماتها بسبب سيادتها للأحياء، وتميزها عن غيرها من أحياء الطبيعة وتكاثر أعدادها بما يلحق الخلل في التوازن الطبيعي.. لأنها بنت الحضارة دون غيرها من الأحياء. وسخرت الأحياء الأخرى حيواناً ونباتاً.. وحتى الجماد لخدمتها.. لكنها لا تنفك تصطرع على شكل شعوب وأمم، شمال وجنوب، ومذاهب وأفكار وميول ومعتقدات توشك -مع التطور الخطر اللاأخلاقي للعلم- أن تدمر تلك الحضارة.. فيما لا تستطيع (الأنواع) من الأحياء الأخرى أن تدمر الحياة.. ثمة خلاف بين قطيع من الذئاب الرمادية والذئاب السوداء، لكنها كلها تعيش على شكل قطعان في سياق النوع الواحد.. إلا أن الأمر مختلف بين بشر روسي وآخر أمريكي.. بين قبيلة وأخرى؟؟! وحده هو الإنسان يقتل أخاه في النوع ويفتك به.. ويتشفى بدحره، فيما لا يمكن لذئب أن يأكل ذئباً بسبب لونه!.. ومع ذلك فإن الاختلاف بين بني البشر أصبح جزءً من فهم الطبيعة البشرية في المجتمع البشري وعلى مستوى الأمة والشعب الواحد.. ولهذا فإن الاختلاف في أمتنا العربية -والتباين الذي عكسته الندوة- يظل مشروعاً وصحياً. والتعدّد طبيعة موضوعية. وهو الدليل على نفي الاستبداد الفكري والسياسي، وهيمنة منظور محدّد على المنظورات الأخرى. فكلنا نراقب الوقائع المادية المحيطة بنا.. بالذات الإنسانية، ورغم أن الواقع واحد، غير أن الرؤى تختلف وتتباين بين ذات بشرية وأخرى!. لماذا يحدث كل هذا؟ ولماذا يختلف البشر في تصنيف وتشخيص هذه المسألة أو تلك، لدى وقوفهم عند واقع موضوعي لا يفكر بتغير نفسه بمجرد وقوف الأكثرية المصيبة أو المخطئة معه أو ضدّه؟.. ولا يتغير هؤلاء في سياق منظومة قاسية من الوقائع المادية المحيطة التي تشكل في مجموعها مرتكزات القانون الموضوعي الصارم.. تلك هي الحقيقة التاريخية التي نلمسها في الفكر البشري كنشاط إنساني لدى الوقوف عند الظواهر الإنسانية العامة. ويلاحظ المتتبع لأية ظاهرة قومية، أن هذه الظاهرة تقوى وتضعف في هذا الموقع أو ذاك من تاريخ تطورها. فقد تندفع بشكل انفجاري بفعل حدث ضخم ينطوي على قدر من الخطورة والتحدي لهذه الأمة كوجود، يستهدف بعض مفرداتها الرئيسة التي تشكل جوهر الظاهرة.. وأمام مثل هذا التحدي، تستنهض الأمة عناصرها وقواها المخفية بأثر الفعل المضاد، في محاولة لصناعة الرد الجمعي على مصدر التهديد. وفي حال الانتصار على الخصم، تتعزز تلك العناصر الكبرى، التي تشكل وجدان الأمة وتكون بمثابة مقدمات لترجمتها في المشروع الفكري المرحلي. وغالباً ما يكون ذكر الأمة في مثل تلك المحطة من التاريخ على شفا الشوفينية، ذلك أن الشعور بالنصر يدفع الأمة - في غياب الطابع الإنساني لحركتها- إلى المغالاة في صياغة عناصر وجدانها القومي، وتأكيد تلك العناصر خارج الحسابات العقلانية.. تماماً على طريقة الألمان الذين دفعت بهم انتصاراتهم وتطورهم العلمي إلى مزيدٍ من التورط في النزعة النازية.. أما في حال هزيمة مشروع الأمة في معركة المواجهة فإن عناصرها تتبعثر وتتناثر ويتضاءل حجم حضورها التاريخي.. ثم تتحايل وتتوارى خلف تعابير جديدة وتحل محل الذي كان سائداً من مصطلحات الصراع، منظومة مستحدثة بأثر الهزيمة، قوامها التبرير وسندها الذرائع.. وهذا ما يشبه حالة أمتنا اليوم. حيث تبرز على السطح مفردات تؤكد العمومة وقرابة الدم بين طرفي الصراع والتحدي. وما إلى ذلك من تعابير السلم والمصالحة، التي تشكل في مجموعها منظومة فوقية لأساس محتواه الهزيمة. تماماً كما استسلم العرب للأتراك، حين وجدوا مبررهم في قبول الإذعان، بالاستناد إلى أن دين (الغالب) هو نفس دين (المغلوب).. وأن الحاكم ليس غريباً!! ولكن حين تنامت العناصر الجديدة بفعل قوانين الديالكتيك، وقدمت مركبات مختلفة، لم يعد الدين، الذي وحدّ الغالب والمغلوب في إطار (العثمانية) يشفع للحاكم للاستمرار في حكم المحكوم.. فعاودت الأمة استفاقتها من جديد، وتوالد النقيض الثوري من رحم الآسن، وبدأت النهضة التي راحت تبحث عن ترجمة ذاتها عبر مشروعها الفكري القومي، ممثلة في أفكار الإصلاحيين وقادة الثورة العربية الكبرى وحركة القوميين العرب والبعث العربي الاشتراكي، وغيرها من الحركات، مروراً بتضحيات تبدو في ظاهرها مجانية ولا تصب في طاحون أحد غير الأمة التي تنشد الاستقلال والتعبير عن ذاتها، في عصر نهوض القوميات كقوافل الشهداء الذين علّقهم (جمال باشا السفاح) التركي في عاليه ودمشق.. من هنا تأتي الاختلافات -التي عكستها الندوة- في توصيف الظاهرة وتأريخها بين المتحاورين.. ففي حين يؤكد الدكتور جمال الشاعر "أن الفكر القومي بالمعنى المتعارف عليه، إنما ولد بعد الحرب العالمية الثانية كامتداد للحركات الاصلاحية الدينية سواء ما ظهر منها على شكل حركات إصلاحية داعية للإبقاء على الدولة العثمانية، أو تلك التي دعت لإعطاء العرب دوراً أكثر تميّزاً".. في حين يسوق الشاعر هذا التشخيص في معرض ردّه على مقدمة الندوة التي تقرر "بأن الفكر القومي إنما ولد من رحم الاصلاحية" فإن الدكتور حسني الشياب يؤكد "أن الفكر القومي يعود إذا أردنا أن نؤرخ له إلى ما قبل الإسلام". كما يؤكد أن الإسلام بهذا المعنى هو حركة قومية. وكل التحولات التي حدثت في تاريخ الأمة إن هي إلا تعبيرات عن حركتها".. كما يؤكد الطراونة مثل تلك المقولة في موقع لاحق. ويقرر بأن "الحركة القومية بدأت قبل عصر الرسالة في محاولة لدحض فكرة، أن الحركة القومية العربية استلهمت الحركة القومية الأوروبية. هذا الاختلاف في التاريخ والتوصيف لا يعيب. وهو قابل للنقاش. ويعود -بنظري-في أساسه إلى ما أشرت إليه قبل قليل، وهو أن للظاهرة تجلياتها وحركاتها الخصوصية (القانونية). حيث تراوح -بفعل الظروف العامة المحيطة بها- فتتقدم وتتراجع.. تختفي وتتجلى تحت وطأة الظروف العامة.. ومهمة المؤرخ تبدأ أولاً وقبل كل شيء من إدراك الجوهر الكامن في الظاهرة، ومراقبته وربطه بالعوامل المحيطة في الزمان والمكان، عبر حياة تلك الظاهرة دون أن تخدعه الأحداث سلباً أو إيجاباً. ولقد تراوحت رؤى المشاركين الآخرين، الأستاذ مازن الساكت ومحمد فارس الطراونة في توصيف الظاهرة، سواء على صعيد الأمة كوجود، أو على صعيد الأمة ملخصة في فلسفتها وفكرها القومي، الذي ميّز الدكتور الشياب فيه بين الفكر (القومي السياسي)، وبين (الفكر القومي). الاختلاف إذن في توصيف الظاهرة أولاً.. وفي التأريخ لها ثانياً.. ولا سبيل لحل هذا الخلاف بغير النظرة الكلية المعتمدة على مراقبة الجوهر الداخلي للظاهرة وهي تتململ وتحاول التعبير عن نفسها في هذا الموقع من التاريخ أو ذاك والاعتراف بأن كل العناصر التي تشكل الجوهر لم تأت في خط صاعد دائماً عبر التاريخ. بل كانت تختبئ بفعل ظروف القمع والمواجهة، وتعود للظهور تارة على استحياء وحذر، وأخرى تندفع بشكل انفجاري!! وهنا يكمن سر الاختلاف في تحديد النشأة- حيث تنتصب بعض محطات النهوض الخادعة التي تغري الباحث بالتأريخ للظاهرة من هذا الموقع وتلك المحطة دون غيرها.. وفي حال غياب رؤية الجوهر ومراقبته، يتعامل الباحث والمؤرخ -على سبيل المثال- مع قصة (الإسراء والمعراج) تعاملاً دينياً بحتاً، ولا يتنبّه لما ينطوي عليه من تعبير عروبيّ مبكر للعروبة عن جوهرها الوحدوي، في التطلع إلى القدس من منظور الحركة الثورية الجديدة (الإسلام)، مروراً ببلاد الشام. وينسى أن القدس قبلة المسلمين الأولى. إلا أن الظاهرة في حقيقتها متحركة بطيئة الحركة عادة بالنظر إلى بعدها التأريخي الطويل، بوصفها نتاجاً بشرياً جمعياً عاماً.. وتارة تتسارع في الظهور سلباً أو إيجاباً بفعل تحول درامتيكي ما في الظروف المحيطة.. تماماً كما يتراجع المشروع القومي اليوم بأثر ضربة خاطفة -على المستوى القومي- لصالح التنمية القطرية.. وتتنفس القوى القطرية في الأصل، والقومية الخائبة أيضاً الصعداء، وتعبر عن نفسها في مواقعها القطرية، وعلى امتداد الأمة، مؤيدة رؤية محمد فارس الطراونه، ومؤكداً (مقولته.. للقطرية من يدافع عنها في التيار القومي) سواء قصد هذا المفهوم أم لم يقصد! إن الخطورة التي تواجهها أمتنا العربية اليوم، أن الخصم يدرك تماماً ما يجري. فهو يطرح الحلول الانفرادية مع كل طرف على حده على اعتبار أن لكل طرف قضية خاصة! ويرفض الحل العربي الذي يعبر عن جوهر الصراع الحقيقي بين العرب جميعاً كطرف وبينه.. بمعنى أنه يسعى إلى عدم إتاحة الفرصة للمغلوبين، لتنظيم صفوفهم والاعتراف بهم موحدين، ليتمكن من أخذهم على شكل فلول، والتأكيد على أن القضية قابلة للتجزئة! وهذا هو الحل الذي (لن تقبل به الأجيال) لأنه فرض الغالب على المغلوب، الذي يعني القهر ولا يعني سلاماً حقيقياً.. وهذا ما سيؤخر نهوض الأمة واستكمالها لمشروعها القومي الوحدوي. وهي أحوج ما تكون إليه في عصر التكتلات الدولية. ذلك المشروع الذي تصدّت لمهمة صياغته أكثر من حركة سياسية عربية معاصرة -كل على طريقتها- سعت من خلال نضالها لترجمة حركة الفكر القومي في المجتمع. وهذا ما أوضحه بجلاء الاستاذ مازن الساكت في معرض تمييزه بين "الحركة السياسية" و"الحركة الفكرية". وقد استطاعت أكثر من حركة سياسية في الاتجاه القومي الوصول إلى السلطة في الزمن العربي الحديث.. وفي حين أكد الفكر القومي العربي على الديمقراطية، عندما تحدث عن الأدوات السياسية اللازمة لتحقيق برنامجه، إلا أن الحركات القومية الساسية تخطت نواميس مرجعيتها وتبنت نظرية الحزب الواحد عندما وصلت إلى الحكم، كما أكد الساكت. وتلك إصابة من أكبر إصابات القوى القومية. لقد التقى الشياب والساكت عند موقع التمييز بين الفكر القومي السياسي- الذي أسماه الساكت (بالحركة السياسية)، وبين الفكر القومي قبل الوصول إلى السلطة على شكل حركة منتصرة. إذ تبدو عندها شيئاً مختلفاً آخر، وهي تتبنى نظرية الحزب الواحد. ولقد كانت كتابات "منيف الرزاز" اسهامات مهمة على طريق التحذير من الوقوع في الخطأ. غير أن القوى القومية لم تتقيد بها، ولم تأخذ بها وهي تسير ماكينة الحكم وتعجن لحوم الرفاق بين مسنناتها. إن إتفاق المشاركين المذكورين الساكت والشياب حول القضية المشار إليها تبرئ "الفكر" القومي -وأقول "الفكر" وليس "الحركات" -من الاستبداد بالسلطة والتفرد بها قبل أن يعبّر عن هذا الفكر على شكل حركة سياسية تسعى للوصول إلى الحكم. وقد أسهمت دعوة الشياب في محاولة الخروج من دائرة رؤية الذات من خلال الآخر إلى رؤية الآخر من خلال الذات، بتفتيح الآفاق على معاناة الفكر القومي العربي المعاصر، والتماس سبل الخروج من الأزمة.. ليأتي رأي الشاعر في السياق، بالاستناد إلى "ميشل عفلق": "إن الأمة قادرة على أن تصوغ لنفسها نموذجاً للديمقراطية أو الماركسية أو التقدم" وليخلص إلى نتيجة مهمة جداً، أن ليس للأمة فكر. فهناك فكر قد يسود في فترة تاريخية حية، ثم يتوارى. ولهذا توجب على الأمة أن تصوغ ما يسود في العالم في مرحلة تاريخية ما بطريقتها هي وبما يتناسب مع مشروعها النهضوي المستند إلى التراث ومتطلبات المعاصره. ويبدو أن النقاش في هذا الموضوع قد سار في اتجاه واحد على قاعدة الاتفاق بين جميع المشاركين في الندوة. وحول اطروحات أخرى، فتح الساكت لمناقشتها آفاقاً رحبة، كإشكالية الفكر والممارسة، وإشكالية النظرية والتطبيق والتعددية، وغيرها.. إن القسم الجاد والمهم في هذه الندوة هو القسم المتعلق بمناقشة موضوعة الديمقراطية والتراث الإسلامي. ومسألة فصل الدين عن الدولة، وعلاقة العروبة بالإسلام، وما إلى ذلك من القضايا التي يقترب الناس منها بخوف وحذر، بسبب إرهاب الموروث الديني السلفي في حال توظيفه باتجاه قمعي للآخر، وبسبب الإطار الاجتماعي الذي يحميه ويؤمن له المناخات المناسبة لممارسة الهيمنة أحياناً. لقد أجمع المشاركون على أن الديمقراطية أحد أهم المرتكزات التي يمكن أن يقوم عليها المشروع العربي للمواجهة. ولكن، لدى الإجابة على أي ديمقراطية نريد؟ وما مضمونها؟ شرع الدكتور الشياب بالحديث عن ربط الديمقراطية بالبعد الاقتصادي والاجتماعي لتركيبة المجتمع كمخرج يؤمن التجربة من الضياع كما الآخرون.. ولأنه كان الأكثر تعميقاً لهذا الجانب فسأدخل في النقاش معه. فبرغم تقديري للعمق الذي ناقش فيه الشياب هذه المسألة، إلا أنني أوافقه فقط في حال التسليم بأمانة القوى المسؤولة عن قيادة وتنفيذ تلك المهمة.. وذلك غير مضمون! فالخطورة تكمن مرة أخرى في هذا الهامش الذي فتحه الشياب (ديمقراطية مرتبطة بالبعد الاقتصادي والاجتماعي لتركيبة المجتمع). ولو دققنا في هذه المقولة، لرأيناها تنطوي في حقيقتها على قيد جديد. قد يضيق ويتسع، ويمكن من خلاله أن يدخل من الشباك أولئك الذين خرجوا من الباب مرة أخرى، بدواعي زعمهم أنهم يتقنون مهارة (ربط الديمقراطية بالبعد الاقتصادي والاجتماعي لتركيبة المجتمع). مرة أخرى، ألم يكن أولئك الذين فصلوا الديمقراطية في أكثر من نظام عربي من حكام الحزب الواحد يزعمون أنهم كانوا ينطلقون في نهجهم الذي فرضوه على الشعب، من إدراكهم لجدلية العلاقة بين الديمقراطية وطبيعة المركب الاجتماعي الذي تسلموا قيادة دفته في مجتمعهم القطري؟ بل راحوا يعممّون التجربة، ويصدرونها إلى أقطار عربية أخرى محاولين صبغها بالطابع القومي؟.. ألم يكن القائد القومي الراحل جمال عبد الناصر ينطلق من تلك المقولة إياها وهو يعلن حل الأحزاب، ويطرح بديلاً عنها (الاتحاد الاشتراكي) وفي غياب الوضوح النظري وانعدام وجود الأداة التنظيمية القادرة على حماية النظرية كما أشار الطراونه تنهار التجربة وتخلف وراءها دمارات موجعه بمجرد موت القائد ولا يستطيع (الاتحاد الاشتراكي) أن يوقف تدهور مصر بعد رحيل عبد الناصر.. بل يتحول إلى أداة قمع جديد! المطلوب إذن ديمقراطية بلا قيود أو اشتراطات. لأن تلك الاشتراطات يمكن أن تتحول وفي أي مرحلة إلى أسلحة عكسية تذهب بالديمقراطية إلى مواقع الاستبداد من طرف ما بحجة "ادراك" جدلية العلاقة بين الديمقراطية وطبيعة التركيب الاجتماعي، رغم إيماني العميق بحقيقة تلك المقولة. وبأن التقدم يتحصل طردياً مع إتقان استخدام محتواها. ولكن الأمة ستهتدي إليها بالعمل والتجربة، وليس بالوصاية من أية حجة تزعم امتلاك علم استخدامها فالأحرار سيتوصلون إليها بالعمل دون التعامل معها بشكل اشتراطي. إن الحرية أهم لزوميات الديمقراطية. لأن الاعتداء على الحرية كان يتم عادة بدواعي امتلاك القوى السائدة للحق الإلهي، وتوكلها بمهمة حماية القيم والعبادات والأخلاق، وما إلى ذلك مما تزعمه من مزاعم وأضاليل كانت تمارس على الجماهير وتؤدي إلى المزيد من التضييق على حريتهم وكبت إبداعهم العام، بسيف الموروث السلفي أو القومي أو العلماني، الذي يتسع ويضيق، ويقسو ويلين بفعل فاعل، وتتسع معه قائمة المحذورات والمحرمات إلى حد أصبحت معه العلمانية لا تعني حرية المعتقد وإنما الالحاد ليس غير. ختاماً تحية لهذه الندوة إدارة ومشاركين، أردنيين عرباً ديمقراطيين.. باحثين خلص، على طريق قيام المشروع/ النهضوي العربي في مواجهة المخاطر المحدقة بالأمة.. |
12/2/2009, 06:27 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | |||
Banned
|
رد: الفكر القومي إلى أين؟
مشكور و بارك الله فيك
|
|||
20/2/2009, 08:37 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
استاذ فضائيات
|
رد: الفكر القومي إلى أين؟
|
||||
10/3/2009, 04:04 AM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
نـجـم الـنجوم الـمـميز بـالـمهندسين الـعرب
|
رد: الفكر القومي إلى أين؟
|
||||
12/5/2009, 10:14 AM | رقم المشاركة : ( 10 ) | |||
Guest
|
رد: الفكر القومي إلى أين؟
مشكور بارك الله فيك
|
|||
25/6/2009, 06:58 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | |||
مـهـند س مـاسـي
|
رد: الفكر القومي إلى أين؟
مشكورررررررررررررررررر
|
|||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
Google Adsense Privacy Policy | سياسة الخصوصية لـ جوجل ادسنس
^-^ جميع آلمشآركآت آلمكتوبهـ تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكلـ من آلأشكآل عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى ~