عشر ذي الحجة والعمل الصالح وأثره على الفرد والمجتمع

[عيد المصري]

بقلم: د. محمد بديع

عندما تهل عشر ذي الحجة تهفو النفوس إلى محاولة جمع الحسنات من مختلف العبادات المتنوعة من صلاةٍ وصيام وقيام وقراءة القرآن، وذكر ودعاء؛ حيث فيها فرصة لمضاعفة الأجر حتى يوازي أجر المجاهد في سبيل الله، وتكتمل النعمة على حجاج بيت الله الحرام في يوم عرفة عندما يُشهد الله- عز وجل- ملائكته بأنه قد غفر لعباده وتقبَّل دعاءهم، دعاء يوم عرفة أفضل الدعاء، والذي خصص له هذا الوقت كله من بعد صلاة الظهر والعصر تقديمًا وتوسعة المسافة الزمنية حتى يُؤخَّر المغرب مع العشاء جمع تأخير، ولا يبقى إلا الذكر والدعاء والقرآن طيلةَ هذا الوقت.
ولغير الحجاج أكرمهم الله بأن صوم يوم عرفة يُكفر ذنوب سنة ماضية وسنة قادمة؛ لذلك ما رُئي الشيطان أغيظ ولا أحقر ولا أدحر من يوم عرفة من كثرةِ ما يُغفر للمسلمين فيخيب سعيه ويُحبط كيده ومكره.
كل هذا يفوز به العبد الصالح بالعمل العبادي الصالح، ولكن الإسلام يُنبه أتباع هذا الدين القيم إلى أهمية انعكاس أثر هذه العبادات على المجتمع كله بالعمل الصالح المجتمعي؛ ولذلك تأمل معي أخي المسلم هذه النصوص كي تدرك أن الإسلام يرغبنا ويدفعنا دفعًا لينتفع مجتمعنا بأثر أعمالنا الصالحة وشعائرنا التعبدية الخالصة يقول الله- عزَّ وجل- في كتابه الكريم منبهًا إلى غياب أعمال البر بمَن حولك في المجتمع يشير إلى خللٍ في الإيمان والعقيدة ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)﴾ (الماعون).
ويرغب ربنا- عزَّ وجل- في أعمال الخير للمجتمع بأنها طريق قبول الصلاة في الحديث القدسي: "إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي، ولم يستطل بها على خلقي، وقضى النهار في ذكري، ولم يبت مصرًّا على معصيتي، ورحم الأرملة والمسكين والمصاب".
ويقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ لله عبادًا اختصهم بقضاء حوائج الناس حببهم في الخير وحبب الخير إليهم هم الآمنون يوم يفزع الناس"، اختيار خاص وتشريف قبل أن يكون تكليفًا، بل قارن الرسول- صلى الله عليه وسلم- بين المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به والمؤمن الذي يقرأ القرآن ولا يعمل به مقارنةً تُنبه إلى أثره في المجتمع بأن شبَّه الأول بالأترجة ريحها طيب وطعمها طيب- والثاني كالتمرة لا ريحَ لها وطعمها طيب، فالرائحة هي الأثر في المجتمع الذي يشمه كل الناس؛ ولذلك إذا قارنت بين الاثنين لا تجد فرقًا بينهما إلا غياب الرائحة أو وجودها رغم أن الاثنين طيبان في ذاتهما، وقد شبَّه العلماء المتحرك بدينه ودعوته في الناس ويشعرون بأثر صلاحه فيهم بأنه كالماء الجاري الطاهر في نفسه مطهر لغيره، أما الماء الراكد غير المتحرك فهو قد يكون طاهرًا في نفسه ولكنه غير مطهر لغيره، وبعد فترةٍ يعطن ويأسن هو أيضًا بما يلقي في نفسه من مغيرات الطهارة فيصبح لا طاهرًا ولا مطهرًا.
ويُحذِّر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الإساءةِ للمجتمع المحيط بك، فهذا دليلٌ على أن عباداتك مهما بلغت فهي لم تؤتِ ثمارها، ولا تصلح وحدها أن تنقذك من النار؛ فعندما ذكروا له- صلى الله عليه وسلم- المرأةَ التي كانت تصوم النهار وتقوم الليل ومع ذلك تؤذي جيرانها بلسانها (فقط) قال هي في النار.
وكان يُقسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرات: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن!!! مَن لا يأمن جاره بوائقه"، "ليس منا مَن بات شبعان وجاره جوعان".
وهذا الجار قد يكون مسلمًا وقد يكون غير مسلم، ولكن له هذا الحق الأول الأساسي للجار، وانظروا أحبابي في الله إلى صفاتِ حبيبكم المصطفى- صلى الله عليه وسلم- قبل نزول الرسالة عليه، قبل نزول التكاليف الإسلامية التي نحن مطالبون بها الآن؛ كان هذا حاله مع مجتمعه الذي لم يكن فيه قيم ولا مبادئ ولا أخلاق إسلامية، كان كما تروي بحق أمُّنا خديجة- رضي الله عنها-: "إنك لتصل الرحم، وتُقري الضيف، وتحمل الكَلَ، وتُكسب المعدوم، وتُعين على نوائب الدهر"، فكيف به بعد أن نزل عليه الوحي وحمل الرسالة التي قال عن خلاصتها: "إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق".
وكان الرسول- صلى الله عليه وسلم- يُشبِّه المؤمن بالنحلة وبالنخلة، وأوجه الشبه المشتركة هنا مهمة جدًّا، فهذه الكائنات كلها نافعة لغيرها وكلها تأخذ لنفسها القليل وتُعطي غيرها الكثير، وكل ما يصدر منها وينتج عنها نافع لغيرها أيما نفع؛ لذا قال- صلى الله عليه وسلم-: "خير الناس أنفعهم للناس" حتى لو آذوه؛ فالمؤمن الذي يُخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم، كما يقول الصادق المصدوق- صلى الله عليه وسلم-.
لكن ما دخل هذا بالعشر الأوائل من ذي الحجة؟ نعم له دخلٌ كبيرٌ، فإذا كنت أخي الحبيب تريد جمع الحسنات من وراء الأعمال الصالحة في هذه الأيام العشر فلا تقصر اهتمامك بالعبادات فقط، بل وسِّع دائرة الأعمال الصالحة، واجعل نور هذه العبادات تنعكس سلوكًا في المجتمع يعود عليك بأعظم الأجر، بل بما يفوق أجر الصائم القائم، بل أكثر من هذا يفوق أجر الاعتكاف في المسجد النبوي الشريف الذي ركعته بألف ركعة لمدة شهر، كما يقول- صلى الله عليه وسلم-: "مَن سَعَى في حاجة أخيه ساعة من نهارٍ قضاها الله أو لم يقضها كان كمن اعتكف في مسجدي هذا شهرًا"، "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والقيام؟ إصلاح ذات البين".
تقبَّل الله منَّا ومنكم كل صالح أعمالنا، وتجاوز بفضله عن سيئها، وجعلنا هداةً مهديين لا ضالين ولا مضلين آمين.

------------
منقول

[محمد السنى]

بارك الله فيك