الموضوع: "البيت الكبير"
عرض مشاركة واحدة
قديم 20/2/2009, 06:16 PM   رقم المشاركة : ( 6 )
ساهر سات
استاذ فضائيات

الصورة الرمزية ساهر سات

الملف الشخصي
رقم العضوية : 125505
تاريخ التسجيل : Oct 2008
العمـر :
الجنـس :
الدولـة : المهندسين العرب
المشاركات : 11,668 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 10
قوة الترشيـح : ساهر سات يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

ساهر سات غير متصل

افتراضي رد: "البيت الكبير"

اكتشفتُ أنني قد بللت سروالي بسبب رعبي الشديد مما سمعت. اقتربت فيروز وأمسكت بيدي وطلبت مني أن أتبعها ولكنني تمنعت خوفاً من أن ينكشف البلل على سروالي إلا أنها أصرت فتبعتها. دخلتْ إلى غرفتي ثم خرجتْ من الباب الآخر فسرنا في سرداب متعرج ونزلنا عشرين درجة ثم سرنا في ممر آخر ومن ثم صعدنا درجاً ثانياً. توقفت في نهايته وطلبت مني السير بحذر شديد. في نهاية الممر كانت هناك نافذة مضاءة بشكل خفيف. اقتربنا منها بحذر ودون حتى أن نتنفس. نظرت فيروز أولاً ثم ابتعدت عن النافذة وطلبت مني أن ألقي نظرة. اقتربتُ ونظرتُ. كدت أطلق صرخة رعب لولا يد فيروز ويدي اللتين أطبقتا على فمي. كانت هناك امرأة مشوهة الوجه والجسد أقرب إلى الحيوان منها إلى الانسان متكومة على السرير وهي تسدد إلينا نظرة وحشية. كانت ضئيلة الجسم، نبت الشعر على يديها وساعديها. لم أستطع إطالة النظر إلى ذاك المخلوق المخيف فأخفيت عينيّ بيديّ ثم ركضت عائداً من حيث أتينا فلحقت بي فيروز ولولاها لكنت تعثرت وتدحرجت إلى أسفل الدرج.

لم تستطع فيروز اللحاق بي إلى غرفتي فقد كان عليها العودة قبل أن يتفرق محفل جدي وتعود أمها وأبوها فيكتشفان غيابها. وفي الصباح، كنت أشعر بوهن في جسمي وأعصابي بسبب جرعة الرعب الهائلة التي نلتها وعدم تمكني من النوم، فقد كان الخوف قد احتل كياني وكنت أحسب عند أية حركة أو طقطقة أن عمي سليم قادم ليقتلني أو تلك المرأة الوحشية قادمة لتأكلني، وقد أسرفت في البكاء حين كنت متعلقاً بستارة السطح أتكلم مع أمي بالإشارات وقد حاولت المسكينة أن تواسيني دون أن تفهم إشاراتي وأنا أصف لها ما سمعت ورأيت ليلة البارحة. وفي المساء انتظرت مجيء فيروز بفارغ الصبر فقد كنت أتحرق شوقاً لمعرفة سبب وجود تلك المرأة الوحشية في البيت فأخبرتني فور مجيئها بأنها عمّة من عماتي وقد ولدت على هذه الشاكلة وقد أراد جدي وعمّاي قتلها أكثر من مرة إلا أن جدتي كانت تمنعهم وتقول إن رزقهم الذي تضاعف عشرات المرات حين ولدتْ سوف يزول ويتحولون جميعاً إلى فقراء إذا ما حدث لها مكروه.

جلست متعباً وخائفاً وكلي قناعة أنني ميت لا محالة، أو على أقل تقدير طريح سجن جدي الرهيب. كنت قانطاً من أية رحمة وقد اسودت الدنيا في عينيّ أنا ابن الثالثة عشرة. إلا أن فيروز همست لي ونحن جالسان في الممر يضيئنا نور غرفتي الذي كان بابها يسكبه كحزمة لها شكل هندسي مؤلف من سطوحٍ متوازية. فجأة همست لي ابنة عمتي وهي تمد لي قطعةً معدنيةً لها شكل مفتاح هائل الحجم:

- لم لا تهرب وتأخذني معك؟

كان لكلمة الهرب صدى مدوٍ في رأسي. لماذا لا أهرب؟ هكذا تساءلت وأنا أخطف مفتاح البوابة الخارجي من يد فيروز. كان ثقيلاً وبارداً لم تستطع يدا تلك الصبية أن تدفئه. وافقت فوراً على فكرة الهرب ثم شرعت في طرح الأسئلة لكي أنظم في عقلي الفكرة جيداً. طرحت عليها كل الأسئلة التي خطرت في بالي آنئذ فعرفت أن أفضل وقت للهروب هو قبيل آذان الفجر بدقائق، ففي هذا الوقت يكون الجميع نياماً بعمق وآذان الفجر سيوقظ بعض الخدم. يكفي أن نقفل البوابة من الخارج بحرص شديد لأن نكون في أمان لمدة ساعات لأنهم لن يكتشفوا غيابنا إلا في وقت متأخر من الصباح.

في اليوم التالي ألقيت لأمي بورقة مطويّة كتبت فيها ماذا عليها أن تفعل وعندما قرأتها ارتبكت وحاولت أن تثنيني عن الهرب، إلا أنها وتحت إصراري أشارت لي أنها ستنتظرنا الليلة قبيل الفجر في نفس المكان ثم نهضتْ وابتعدتْ، أما أنا فقد عدت إلى غرفتي وأمضيت باقي النهار والليل مستلقياً في السرير مرتجفاً خوفاً من افتضاح أمري. وعندما صعدت الخادمة بالطعام ووجدتني على هذه الحال حسبتني مريضاً فجاءت لي ببعض حبوب الكينا لأبلعها فجاريتها بذلك فشعرت بمرارة فظيعة في فمي وحلقي. خفت أن تصعد إلي مراراً ولكنها اكتفت بالمجيء بعد العشاء لتنزل بالأطباق التي لم أكن قد مسستها إلا أنها اطمأنت إلى أنني غير محموم فلم تعد إلي.

كنت خائفاً من أن أنام ويفوتني موعد الهروب ويبدو أن فيروز قد ساورها نفس الخوف، وأستطيع القول بأنني أمضيت أطول ليلة في حياتي كلها مستلقياً في سريري في الظلام. وقد شعرت في لحظة ما أن الوقت قد حان فارتديت ثيابي وأقعيت في زاوية مظلمة انتظر نزول فيروز من غرفتها ولكنني كنت مخطئاً فقد كان الوقت أبكر مما يجب بساعة ونصف تقريباً وعندما جاءت فيروز أخيراً كانت مفاصلي فقدت مرونتها. لم نتكلم ولا كلمة واحدة بل أشارت إلي لأتبعها فمشيت خلفها في المسارات المظلمة دون أن يصدر عنا أي صوت. عبرنا إلى الباحة الخارجية وهناك شعرت أن المسافة التي تفصلنا عن البوابة لن تنتهي أبداً ولأول مرة أيضاً حسبت أن للسكون ضجيجاً في الآذان وأن العتمة ليست ظلاماً في المطلق يمكن الاختباء فيها بأمان.

كنت أعرف أن فيروز أكثر شجاعة مني ولكنني لم أكن أعرف أنها أقوى مني إلا حين فشلتُ في فتح الباب الصغير في البوابة الكبيرة فأبعدتني لتقوم بالعمل على أكمل وجه. وعندما أصبحنا أنا وفيروز في الخارج بدون أي متاع، كانت الأمور قد جرت حسب تخطيطنا ودون أية مفاجآت غير مرغوبة. أقفلنا باب البوابة الصغير والخاص بالأفراد بذلك المفتاح الضخم ومشينا بهدوء لننضم إلى أمي التي أجّلت قبلاتها إلى بعد حين. ولكنها لم تقدنا إلى البيت بل إلى أحد كراجات السفر حيث استقللنا البوسطة إلى مدينة أخرى وهناك استأجرنا غرفة ثم بحثت أمي عن عمل كمدرسة للغة الفرنسية فوجدته بسهولة. أما أنا فقد تابعت دراستي وحصلت على شهادة البكالوريا ثم على شهادة المحاماة ثم تزوجتُ فيروز.
  رد مع اقتباس