[مدحت الجزيرة]

فأنكر ابن تيمية على المنكِر عليهم
وقال
إنما حرم الله الخمر
لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة
وهؤلاء تصدهم الخمر عن قتل النفوس
وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم
وفي القرآن الكريم
وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ
فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ
ومن المفيد هنا بيان
أن الله تعالى ربط القيام بالأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر بالتمكين الكامل
قال تعالى
الَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي اْلأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ
وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ
وَللهِ عَاقِبَةُ اْلأُمُورِ
ومعلوم للجميع أن التمكينَ الحاصل
في غزة تمكينٌ جزئي
لا يتأتى معه القدرة على القيام
بواجب الأمر والنهيلأنه لا سلطة للحكومة
في غزة على الجو والبحر والمعابر الحدودية
سواء مع مصر الشقيقة
أو مع دولة العدوّ
فضلاً عن مشكلة الحصار
أو قضية تجميع الأموال ثم اختفائها
بين عشية وضحاها
ومشكلة الحرب، وغيرها من الأحداث
إن من فقه الداعية إلى الله تعالى
أن يضع الأمور في نصابها الصحيح.

ثانياً
الشروط التي يجب توفرها في المنكِر:
أن يكون المنكِر فقيهاً عارفاً عالماً بالمنكر
الذي ينكره
لئلا يأمر بمنكر وهو لا يدري
فى الحكم على الشيء فرع عن تصوره
لهذا قال تعالى

وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ
وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ
أن يتحقق المنكِر من وجود المنكَر ووقوعه
بالعلم أو بالرؤية
لأن الأصل تجنب الظن السيء
بالمسلم
وعدم اتهامه إلا بدليل.
أن يكون المنكِر على علم بحال
من ينكر عليهم وأعرافهم وعاداتهم ونفسياتهم
ليعرف كيف ينكر عليهم
ويحسن التصرف معهم فيكون لنهيه ثمرة وفائدة.
أن يكون المنكِر على بصيرة بالأمور وعواقبها
فيعرف ما يترتب على نهيه من النتائج
لئلا ينكر بحسن نية فيقع في محذور أكبر
وأن يحصل بإنكاره المعروف
الذي يحبه الله ورسوله.
أن يكون رَحْبَ الصدر
غير متسرع ولا مندفع ولا متوتر
رفيقاً في إنكاره ليحصل المقصود منه
قال سفيان الثوري
لا يأمرُ بالمعروفِ ولا ينهى عن المنكرِ
إلا من كان فيه ثلاثُ خصالٍ
رفيقٌ بما يأمرُ رفيقٌ بما ينهى
عدلٌ بما يأمرُ عدلٌ بما ينهى
عالمٌ بما يأمرُ عالمٌ بما ينهى
ولما سئل الإمام مالك
عن العالم بالسنة أيجادل عنها؟
قال
لا ولكن يخبر بالسنة
فإن قبلت منه
وإلا سكت

قال الشافعي
من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه
ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه.
أن يتدرج في أمره ونهيه بحسب حال من ينكر عليهم
كما يتدرج الطبيب في علاج المريض الذي قد يؤجل العلاج عنه فترة حتى يتهيأ له
وأن يبدأ بالأهم فينهى عن الموبقات
من الكبائر قبل المحرمات الدنيا
كما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم في مكة
بالدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك
ثلاثة عشر عاماً
ومكة تموج بصنوف المعاصي.
أن يكون دافعه إلى تغيير المنكَر
الإخلاص لدينه والإصلاح لمجتمعه
وأن يتجنب المكاسب الدنيوية.
عليه أن يصبر على ما يلاقيه من العنت والنصب
ويتحمل أذى الناس في قيامه بواجبه
فقد كان من جملة وصايا لقمان لابنه
يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ
وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ

فلا يصلح لهذا الأمر من إذا فتن افتتن.
قد تكون الأسوة الحسنة من الآمر بالمعروف
والناهي عن المنكر مؤثرة أكثر من الكلمة
فلقد قال شعيب لقومه
وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ

فوائد الحديث
فيه دليل على استقرار السنة عند الصحابة
رضوان الله تعالى عليهم.
الحث على الجرأة في قول الحق.
الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
فهذه سنة الأنبياء والصالحين.
تختلف وسائل تغيير المنكر
بحسب الشيء الذي يراد تغييره
والقدرة على تغييره
فقد يكون باليد أو باللسان أو بالقلب
وهو أضعف الإيمان أي أقله ثمرة.
على الداعية أن يرفق بالمدعوِّين
ولا يجوز له أن يتخطى صلاحياته.