الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا اله إلا هو إليه المصير ، أحمده سبحانه وتعالى حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، أما بعد.
أيها الناس ، فبعد هذه المقدمة المهمة التي ينبغي أن نعلمها في بيان أهمية السنة وبيان خطر البدعة ، لابد أن نفهم ذلك ونعيه ، وهي خطوة يصل بها الإنسان إلي معرفة البدع.
فأولاً :
نعلم جميعاً أن كل بدعة ضلالة ليست هداية ولا سائقة إلى هداية، وقد قرر ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في خطبه ، ونقول لأي شخص عنده بدعة ، أنتفق معك على أن كل بدعة ضلالة ولابد أن يقول نعم ، لان النصوص في ذلك صحيحة بان كل بدعة ضلالة.
الأمر الثاني :
لابد أن نتفق نحن وهو على البدعة ما هي ، والبدعة أن يتقرب الإنسان إلي الله بعمل لا برهان له به ، فإذا اتفقنا على ذلك ، فنريد من ذلك الإنسان أن يضرب مثالاً على البدعة ، وبناءً على ذلك المثال تتصل به كل البدع ، وتلتصق به كل المحدثات ، ومن هنا فيكون الناسُ على وفاق بإذن لله ، ولكن أقول الواقع إننا متفقون ولكن مختلفون ، فمتفقون على أن كل بدعةٍ ضلالة ومتفقون على تعريف البدعة ، ومختلفون في أحداث البدع وفي تعيين البدع ما هي ، ولا يستطيع من كان مرتكباً لبدعة أن يضرب مثالاً عليها.
نعم أيها الناس ، طائفتان هما مستودع البدع والمحدثات ، الشيعة والصوفية ، ما من بدعة في المجتمع أو غالب ما تجد من البدع في المجتمع إلا وتجدها راجعة إلي الشيعة والصوفية ، ونحن في هذه الأيام يعيش الناس في أيام هي أيام بدع ومحدثات تكثر من قبل الصوفية ينشرون فيها بدعهم ، كالاحتفال بأول جمعة من رجب ، والاعتناء بشهر رجب اعتناءً معينا ، ثم الاحتفال بالسابع والعشرين من رجب ، ويصومون ثلاثة أيام السابع والثامن والتاسع والعشرين.
وهذه البدع ، أما أول جمعة من رجب ، فلقولٍ من الأقوال إنها ليلة الإسراء والمعراج ، وأما السابع والعشرون فلقول أخر انه يوم الإسراء والمعراج ، وكله ضعيف لا يثبت ، حتى قال بعضهم :
ليلة الجمعة عُرج بالنبي *** ليلة الجمعة أول رجبِ
وهو لا يثبت في ذلك ، وهناك أقوال كثيرة لا يثبت منها شيء عن رسول لله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، مع أننا نؤمن أن الله عز وجل أكرم نبيه بمعراجه بعد إسراءه ، فأسرى به إلي المسجد الأقصى وعرج به إلي السماء تلو سماء إلى السماء السابعة قال تعالى ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ .
نعم أيها الناس ، فهذا شيءٌ أكرم الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،لم يكن لغيره من بني آدم ، ونحن نؤمن بذلك ولكن لا ندري في أي يوم من أيام السنة ، أخفى الله ذلك علينا ثم هب أننا علمنا في أي يوم كان الإسراء والمعراج ، فلم يرد دليل على إننا نحتفل بهذا اليوم المبارك ، ونحن نؤمن أنها ليلة مباركة وليلة عظيمة ، لكن لم نُخبر أي ليلة هي ، ثم لو اُخبرنا فليس عندنا دليل على أننا نحتفل بها وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وذكر العلماء انه لم يثبت انه احتُفِل بالإسراء والمعراج على مدى أربع مائة سنة الأولى في التاريخ الإسلامي ، وإنما أُحدثت بعد المائة الرابعة ، وهذا يدلك على أن السلف لم يكونوا يعرفون الاحتفال بالإسراء والمعراج ، وانه بدعة وضلالة ما عليه برهان لا من كتاب ولا من سنة ، ولو سألنا هذا الذي يحتفل بالإسراء والمعراج ، هل لله عز وجل أوحى إلي رسوله أن احتفل بالإسراء والمعراج ومُرْ أصحابك بذلك ، فان قالوا نزل فأين هو ، وان قالوا لم ينزل فلماذا يطلبون منا عبادة لم تنزل من السماء ولم يأمر بها الله ، وهذا واضح جلي لا خفاء فيه يراه من لا يرى ويسمعه من لا يسمع ويعيه كل شخص.
نعم أيها الناس ، وهكذا بارك اللهُ فيكم تخصيص رجب بصيام من بين الشهور, فليكن كغيره ، إن كنت ممن يصوم الاثنين والخميس أو ثلاثة أيام من كل شهر أو تصوم يوما وتفطر يوما فصمها في رجب أيضا ، فيكون رجب كغيره من الشهور ، أما أن يخصص بصيام فان هذا لم يثبت ولا له برهان ، وإنا ننصح من كان يصوم رجب أن يفطر وان يجعله كغيره من الشهور.
وهكذا أيها الإخوة جعل أول جمعة من رجب عيداً ، يتزاور فيها الناس ويكتسون الثياب الجديدة ، ويتهادون الهدايا وبهنيء بعضهم بعضا ، وتتزاور فيه الأسر ، فان هذا أيضاً من البدع المحدثة ، وهكذا تخصيصه بذبيحة كما خصص عيد الأضحى بالأضحية ، فتخصيصه بالذبيحة يعتبر معصية وبدعة ، قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم " لا فرع ولا عتيرة " ، و العتيرةُ هي ذبيحة رجب.
وهكذا أيها الإخوة تلك الاحتفالات التي يجتمع لها الناس في السابع والعشرين من رجب في بعض المناطق ، يحصل فيها من المنكرات ودعاء غير لله ويحصل فيها من الاختلاط ، ويحصل فيها من ادعاء أن منهم من يطعن ولا يضره السلاح ، ونحو ذلك من الضلالات والكلام الفارغ والسحر والشعوذة والكذب والدجل على الناس ، دع عنك انه يذهب إلي تلك المجامع من يعتبرها سوقاً وهي سوق للسحرة ، فيذهبون بكتب السحر ويدّعون إنهم يعالجون الناس ، والناس جهلة يعتبرونها فرصة ، وأنهم سيجدون من الذين يعتبرونهم علماء في نظرهم ـ وهم في الحقيقة سحرة ـ من يصعب عليهم الحصول عليهم في غير هذه الفرصة فسيعالجونهم فينتشر السحر في تلك الاجتماعات انتشاراً عجيبا ، وهكذا الاحتفالات الأخرى التي تقام في غير السابع والعشرين من رجب ، كالاحتفال بليلة الثاني عشر من ربيع بحجة أنها مولد رسول لله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وهكذا الاحتفال في الثامن عشر من شهر ذي الحجة بعيد الغدير عند الشيعة ، ويدّعون انه يوم أكرم الله فيه علي ابن أبي طالب بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم له " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " ، وهو حديث صحيح ونحن نؤمن به ونعتبر أنه كرامة لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ، ولكنهم يعنون بذلك أنه هو المستحق للخلافة دون أبي بكر الصديق ، وأن أبا بكر و عمر و عثمان مغتصبون للخلافة ، وأنهم ظلمة ، ظلموا علي ابن أبي طالب ومن ثم يعتبرونه يوم حزن ، وكان لهم احتفالٌ سنويٌ يقام في صعدة يجتمعون ويقيمون حرباً شعواء ولهم جبل معين يسمونه راس معاوية يطلقون عليه مئات الآلاف من الرصاص ، ويقتل عدد ليس بقليل من الرصاص العائد من السماء ، ويجرح آخرون ، ثم يأتون بشاة يدعون أنها عائشة وأن روح عائشة قد حلت فيها فينتفون شعرها ويمزقون جلدها حتى تموت كل ذلك احتفالاً بالوصية التي يدّعون أنه استلبها أبو بكر وعمر وعثمان على علي رضي الله عنهم أجمعين ، هذه الاحتفالات التي ما انزل الله بها من سلطان وهذه الضلالات التي يحدثها من كان مولعاً بالبدع ، لابد أن يُنتزع منهم من السنن مثلها ، ولهذا تجد أنهم متساهلون في الدعوة إلي توحيد لله عز وجل والتحذير من دعاء غير لله والذبح لغير لله ، فلا ترى أصحاب هذه الاحتفالات يحذرون من الشرك أو يحثون على التمسك بالسنة أو يحذرون من العمل بالبدعة ، ولهذا يقول السلف " من أحدث بدعة ترك من السنة مثلها " ، هذا أمرٌ واقع ومشاهد وملموس.
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم العمل بالسنة عند فساد الأمة ، اللهم ارزقنا التمسك بالسنة عند فساد الأمة ، اللهم ارزقنا الثبات عليها حتى الممات ، ووفقنا لما تحب وترضى ، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ، اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا وهب لنا من لدُنك رحمة انك أنت الوهاب ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ، اللهم اعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين واخذل أعداء الدين ، اللهم عليك باليهود والنصارى ومن سار مسارهم وشايعهم وسار في طريقهم يا رب العالمين انك ولي ذلك والقادر عليه ، والحمد لله رب العالمين ,,,