تاملات فى السيره النبوية
تأملات في السيرة النبوية ،
على صاحبها أفضل الصلاة و أتم السلام :
في سيرة رسول الله ، صلّى الله عليه و سلم ، خبرٌ قرأته ألف مرة ،
و لكني ما انتبهت إليه إلا اليوم !!
و هو أنه لما أراد النبي ، صلى الله عليه و سلم ، الهجرة إلى المدينة ، خَلَّفَ سيدنا علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهى، لِيَرُدَّ الودائع التي كانت عنده إلى أصحابها !
الودائع ؟!
كيف كان رجال قريش يستودعونه أموالهم و تُحفهم ، مع ما كان بينه و بينهم ؟!
لقد كان بين محمد عليه الصلاة و السلام ، و بين قريش ، لون من ألوان العِدَاء ، قَلَّ أن يكون له في شِدَّته مثيل ..
هو يُسَفِّهُ دينهم ، و يدعوهم إلى ترك ما أَلِفُوْه ، و ما كان عليه آباؤهم ،
و هم يُؤذونه في جسده و في أهله و أصحابه ..
شرَّدُوْهم إلى الحبشة أولاً ، و إلى يثرب ثانياً ، و قاطعوهم مقاطعة شاملة ، و حبسوهم في الشِّعْب ثلاث سنين !
فكيف كانوا مع هذا كله ، يستودعونه أموالهم ؟!
و كيف كان يحفظها لهم ؟!
- هل يمكن أن يستودع حزب الشعب مثلاً ، أمواله رجلاً من الحزب الوطني ؟
- هل يأتمن الحزب الديموقراطي في أميركا مثلاً ، عضواً في الحزب الجمهوري على وثائقه ؟
- هل في الدنيا حزبان متنافران متناحران ، يُوْدِعُ أحدُهما الآخر ما يخاف عليه من الضياع ؟!
- هل في تواريخ الأمم كلها رجل واحد ، كانت له مثل هذه المنقبة ؟
رجل يبقى شريفاً أميناً ، في سِلْمِه و في حربه ، و في بُغْضِهِ و في حُبِّه ، و يكون مع أعداء حزبه ، مثله في شيعته و صحبه ؟
و تكون الأمانة عنده فوق العواطف و المنافع و الأغراض ، و تكون الثقة به حقيقة ثابتة ، يؤمن بها القريب و البعيد ، و العدو و الصديق ؟!
إنها حادثة غريبة جداً ، تدل على أن سيدنا محمداً ، صلى الله عليه و سلم ، كان في أخلاقه الشخصية ، طبقةً وحده في تاريخ الجنس البشري ...
و إنه لو لم يكن بالوحي أعظم الأنبياء ، لكان بهذه الأخلاق أعظم العظماء .
☆ من كتاب "مقالات في كلمات" ☆
☆ للشيخ علي الطنطاوي ☆
رحمه الله
|