[مدحت الجزيرة]

الحديث الثالث


حديث النعمان بن بشير
في الحلال والحرام والشبهات
عن النعمان بن بشير قال
سمعته يقول سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول
وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه
إن الحلال بين وإن الحرام بين
وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس
فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه
ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام
كالراعي يرعى حول الحمى
يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى
ألا وإن حمى الله محارمه
ألا وإن في الجسد مضغة
إذا صلحت صلح الجسد كله
وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب

شرح الحديث
أجمع العلماء
على عِظَم موقع هذا الحديث وكثرة فوائده
وأنه أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام
قال جماعة هو ثلث الإسلام
وإن الإسلام يدور عليه وعلى حديث
"الأعمال بالنيات"
وحديث

"من حُسْن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"
وقال أبو داود السجستاني
يدور الإسلام
على أربعة أحاديث هذه الثلاثة وحديث
لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه
ما يحب لنفسه
وقيل حديث
ازهد في الدنيا يحبك الله
وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس
قال العلماء
سبب عِظَم موقعه كونه صلى الله عليه وسلم نبَّه فيه
على إصلاح المطعم والمشرب والملبس وغيرها
وأنه ينبغي أن يكون حلالاً
وأرشد إلى معرفة الحلال
وأنه ينبغي ترك الشبهات
فإنه سبب لحماية دينه وعرضه
وحذّر من مواقعة الشبهات
وأوضح ذلك بضرب المثل
بالحِمَى ثم بين أهم الأمور
وهو مراعاة القلب فقال صلى الله عليه وسلم
"ألا وإن في الجسد مضغة"
فبين صلى الله عليه وسلم
أنه بصلاح القلب يصلح باقي الجسد
وبفساده يفسد باقيه

قوله
إن الحلال بيِّن
وإن الحرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات
فيه بيان أن الأشياء أقسام ثلاثة

الأول
الحلال البيِّن الذي لا يخفى حلُّه
على أحد كالخبز والفواكه
والزيت والعسل والسمن ولبن ما أكل لحمه
وبيضه وغير ذلك من المطعومات
وكذلك الكلام والنظر والمشي المباح
وغير ذلك من التصرفات المأذون فيها
أي هو حلال واضح لا شك في حلِّه

الثاني
الحرام البيِّن
كالخمر والخنزير والميتة والبول والدم المسفوح
وكذلك الزنا والكذب والغيبة والنميمة
والنظر إلى المرأة الأجنبية وأشباه ذلك

الثالث
الأمور المشتبهات
التي ليست واضحة الحِلِّ ولا الحرمة
فلهذا لا يعرف حكمها كثير من الناس
أما العلماء فيعرفون حكمها
بنص قياس أو استصحاب أو غير ذلك
فإذا تردَّد الشيء بين الحِلِّ والحرمة
ولم يكن فيه نصٌّ ولا إجماع اجتهد فيه المجتهد
فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي
فإذا ألحقه بالحلال صار حلالاً
وإذا ألحقه بالحرام صار حراماً
وقد يكون دليله غير خالٍ عن الاحتمال البيِّن
فيكون الورع تركَه ويكون داخلاً فيه

قوله

"فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه"
فمن حذِر الشبهات برَّأ دينه من النقص، وعرضه
من الطعن فيه بكلام الناس لأن من لم يعرف
باجتناب الشبهات لم يسلم من قول من يطعن فيه
وفيه دليل على أن من لم يتوقَّ الشبهة
في كسبه ومعاشه فقد عرَّ نفسه
للطعن فيه وفي هذا إشارة إلى المحافظة
على أمور الدين ومراعاة المروءة

للحديث بقية