عرض مشاركة واحدة
قديم 14/3/2011, 01:45 AM   رقم المشاركة : ( 15 )
معوض سالم
مـهـند س نـشـيط

الصورة الرمزية معوض سالم

الملف الشخصي
رقم العضوية : 102979
تاريخ التسجيل : Jun 2008
العمـر :
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 261 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 181
قوة الترشيـح : معوض سالم يستاهل التميزمعوض سالم يستاهل التميز

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

معوض سالم غير متصل

new رد: قصص رجل المستحيل وملف المستقبل كاملة

الفصل السابع



* أرقام توزيع الأعداد الأولى كانت ضعيفة جداً، إلى حد لا يمكن تصوّره..

* تطلَّع إلىَّ صديقي رجل الأمن طويلاً، قبل أن يقول: "النجاح ما بيجيش بالسهل"..
* غزارة الإنتاج، أغرت الناشر بإصدار سلسلة جديدة..
* * *
عندما ظهرت كشوف توزيع ومبيعات الأعداد الأولى، من سلاسل روايات مصرية للجيب، انتفض قلبي، بكل لهفته وقلقه وفضوله، لمعرفة ما آل إليه الأمر..
وكانت الصدمة عنيفة للغاية..
فأرقام التوزيع كانت ضعيفة جداً، على نحو لا يمكن أن أتصوَّره، أو حتى أتخيله..
وأصابني إحباط شديد، جعلني ألازم منزلي ليومين كاملين، فكرت خلالهما جدياً بالتنازل عن حلم حياتي، والعودة لممارسة مهنة الطب، التي كنت قد اعتبرتها مجرد ماض، وخاصة بعد أن استقلت فعلياً من وظيفتي بوزارة الصحة، في منتصف عام 1984م، باعتبار أنني كائن غير حكومي، ينتعش بالحرية، ويفسد بالروتين..
وبعد اليومين، استجمعت شجاعتي، وسافرت إلى القاهرة؛ لمقابلة الأستاذ حمدي، وهناك سألته عن جدوى الاستمرار، في ظل هذا الإخفاق الواضح، إلا أنني فوجئت به يبتسم فى هدوء وثقة، قائلاً: "اكتب انت بس، وما تشغلش بالك بالتوزيع والمبيعات"..
وأدهشني الأمر للغاية، إذ أنني قد اعتدت أن يتعامل رجال الأعمال كلهم من منظور تجاري بحت، لا يزن الأمور إلا بميزان المكسب والخسارة فحسب، ولم أدرك يومها أن عبارة المكسب والخسارة هذه قد تحمل معنى مختلفاً، عندما نمتلك نظرة بعيدة للأمور..
المهم أنني عدت إلى طنطا حائراً، متأرجحاً بين التوقف والاستمرار، على الرغم من كلمات الأستاذ حمدي الهادئة المشجعة، والتي تصوَّرتها يومها نوعاً من الإشفاق على شاب فشلت أعماله، وضاع حلمه، ولم تكن طبيعتي لتقبل أبداً التعايش مع ظروف كهذه، لذا فقد لجأت إلى الشخص الوحيد، الذى كنت أثق تماماً في أن رأيه لن يمتزج بأية مشاعر سلبية أو إيجابية.. إلى صديقي رجل الأمن..
وعلى الرغم من تعدد مشاغله في ذلك الحين، وافق الرجل على استقبالي على الفور، وكأنما استشعر توتراتي من نبرات صوتي، واستقبلني بالفعل بنظرة متسائلة قلقة، واستمع إلىَّ بمنتهى الانتباه، ثم تراجع فى مقعده، وتطلَّع إلىَّ طويلاً، قبل أن يبتسم، ويقول بغاية الهدوء: "النجاح ما بيجيش بالسهل"..
لم يزد قوله عن هذا، ولكننى اكتفيت بالعبارة، واعتبرتها منهجاً للمرحلة التالية، وأعدت دراسة الموقف كله؛ لأدرك أن الأستاذ حمدى قد منحني فرصة عمر، لا ينبغى أن أفقدها بهذه البساطة، عندما طلب منى الاستمرار فى كتابة روايات، فشل توزيعها تماماً..
وبحماس مدهش، وانتعاش لم أدر كيف نشأ، عدت أقرأ كتب الجاسوسية والمخابرات بنهم ما بعده نهم، وعدت أكتب روايات رجل المستحيل بحماس ما بعده حماس..
وعندما حان الموسم التالي، كنت قد أنجزت روايات تكفي لأربع مواسم تالية، على نحو أدهش المؤسسة نفسها، وأغرى الأستاذ حمدى باقتراح إصدار سلاسل جديدة، بدلاً من إنتاج أعمال فائضة، من السلاسل الموجودة بالفعل..
ومرة أخرى لم أفهم الأمر..
كيف يمكن أن يفكر ناشر ما، فى إصدار سلاسل جديدة، من أعمال لم تحقق النجاح الكافي بعد..
أيامها كنت قد تزوجت (ميرفت)، وزادت مسئولياتي، واحتياجاتي المادية، ووجدت في إصدار سلسلة جديدة فرصة لزيادة الموارد، خاصة وأن التعاملات المالية مع المؤسسة كانت ممتازة ومنتظمة للغاية..
ورحت أفكر فيما يمكن أن تكون عليه سلسلة جديدة، بعد أن كتبت بالفعل سلسلة للخيال العلمى، وأخرى للجاسوسية والمغامرات.
ومع مولد ابني الأول شريف، ولدت فكرة السلسلة الجديدة، والمدهش أنها كانت تختلف عن كل ما خطر ببالي، وما يمكن أن يخطر على بال الأستاذ حمدي أيضاً..
تختلف تماماً.
الفصل الثامن


* على الرغم من انشغالي بثلاث سلاسل، واظبت على مواعيد العيادة.
* أصبحت مدير العيادة، وغضب بعض الزملاء، لأنني اتخذت مساراً بعيداً عن الطب.
* أيقظني والدي فى الصباح الباكر، ليخبرني أن المطبعة قد احترقت.
مع منتصف عام 1986م، ولدت السلسلة الجديدة (زهور)، وكانت سلسلة رومانسية، ذات طابع خاص جداً… وأيضاً كان السبب هو المترجمات..
ففي تلك الفترة، كانت هناك روايات عاطفية منتشرة في الأسواق، وتحقق رواجاً كبيراً بين الشباب، على الرغم من أنها مترجمات، تحوي كل ما يخالف تقاليدنا، وديننا ومجتمعنا..
لذا، فقد راودتني فكرة إصدار سلسلة نظيفة، تتحدث عن الحب كعاطفة سامية، وشعور لا ينبغي تلويثه، ولقد شاركني الأستاذ حمدي رغبتي هذه، حتى أنه بعد أن قرأ القصة الأولى، وضع شعاراً للسلسلة يقول: إنها" السلسلة الرومانسية الوحيدة، التى لا يخجل الأب أو الأم من وجودها بالمنزل" وكان الشعار جديداً، وقوياً، ومعبراً للغاية..
وفي الصفحة الأولى، من القصة الأولى، كتبت إهداءً لابنى (شريف)، الذى توافق مولده مع مولدها..
كل هذا وأرقام التوزيع ما زالت أدنى من المتوقَّع، والأستاذ حمدي يصرّ على المواصلة، وأنا أواصل الكتابة بالفعل، فى ثلاث سلاسل في آن واحد، وكلمة صديقي رجل الأمن ترن في أذني.. "النجاح مابيجيش بالسهل"..
وفى طنطا، استقريت مع زوجتي (ميرفت)، وابني شريف، وبدأت رحلة أسبوعية، منها إلى القاهرة، التى أصبحت مقر عملى الوحيد، بعد استقالتي من وزارة الصحة، واكتفائي بالعمل في عيادة تخصصية صغيرة، تملكها جمعية (السيد البدوى) فى طنطا..
وعلى الرغم من انشغالي بكتابة ثلاث سلاسل قصصية، ظللت شديد الالتزام بمواعيد العيادة، ومتابعة المرضى، وممارسة الجزء المتبقي لي من مهنة الطب، حتى فوجئت ذات يوم باللواء (الخولى)، المشرف على العيادة، يطلب مني مقابلته، ثم يسند إلىَّ إدارتها كاملة..
وكانت مفاجأة بالنسبة لي بالفعل، إذ أنني، وعلى الرغم من ممارستي للمهنة، كنت أبعد زملائى عن فكرة الإدارة،بحكم طبيعتي وضيق وقتي، ولقد حاولت شرح هذا الأمر له، إلا أنه استخدم معي أسلوب الأبوة، الذى أضعف أمامه دوما، حتى استسلمت للفكرة، وخضعت للأمر، وأصبحت بالفعل مدير العيادة التخصصية، التابعة للجمعية..
ولولا خشيتي من إساءة تفسير كلماتي، لشرحت كم المشكلات والمتاعب، التى واجهتني فى ذلك المنصب، على الرغم من بساطة المكان، ومدى ما فوجئت به، من إهدار وسوء استغلال المال العام، وبلطجة بعض القائمين عليه، حتى أن الأمر احتاج إلى معركة عنيفة تحت السطح؛ لإعادة توزيع الأدوار، والسيطرة على الموقف، مما جعلني أتساءل، لو أن هذا ما يحدث فى عيادة صغيرة، تتبع جمعية خيرية، لا تستهدف الربح، فما الذي يحدث فى الشركات والمصالح الكبرى؟!..
وعلى الجانب الآخر، ظهرت حالة من الغضب عند بعض الزملاء، الذين رأوا أنهم أحق مني بالمنصب، الذى لا يساوي منطوقه فعلياً، باعتبار أننى قد اتخذت الكتابة والأدب مساراً لحياتي ومستقبلي، فى حين ليس لديهم سوى الطب وحده..
وكان علىَّ أن أتجاوز كل هذا، وأتفادى الصدام المباشر إلى أقصى حد، حتى لا أخسر بعض زملاء المهنة، أو أصدقاء الدراسة..
ولكن العيادة بدأت، ولأوَّل مرة فى تحقيق أرباح ضئيلة، كانت كافية لنقلها إلى خانة الربح، بجنيهات لا تشبع ولا تغنى، ولكنها جعلت أعضاء الجمعية يتصوَّرون أنني إداري ناجح، مما دفعهم إلى إسناد منصب المدير، في عيادة أخرى بالشارع نفسه، إلىَّ أيضاً..
وأصبحت المشكلة مشكلتين..
كل هذا وأنا أواصل القراءة بمنتهى النهم، في كتب الجاسوسية والمخابرات، على أمل بلوغ مرحلة، يرضى فيها أستاذي وصديقي رجل الأمن، عما أكتبه اقتباساً من شخصيته المبهرة..
وقبل أن أبلغ مرحلة الإرهاق واليأس التامين، علمت من أحد أصدقائى في المؤسسة، أن أرقام التوزيع آخذة فى الارتفاع، على نحو مرض، وأن الروايات قد بدأت تلقى رواجاً مفاجئاً..
وكان أسعد خبر سمعته، في حياتي كلها، حتى أنني كدت أطير فرحاً، وأنا أنقله إلى صديقى رجل الأمن، الذى ابتسم بهدوئه المعهود، وقال: "كل شئ وله أوان.. ده درس عشان تتعلم الصبر.."..
وتعلمت الصبر، وذقت طعم النجاح لأول مرة، ونمت قرير العين، ليوقظنى أبى فى الصباح الباكر، وهو يحمل جريدة الأهرام، متسائلاً: "المؤسسة اللى بتطبع كتبك اسمها إيه"..
لم أفهم سر السؤال المبكر هذا، ولكنني أجبته وأنا أفرك عينيَّ إرهاقاً، فوضع الصفحة الأولى للأهرام أمامي، وهو يقول فى ضيق: "مكتوب إنها اتحرقت إمبارح"..
وسقط قلبي بين قدميَ..
بمنتهى العنف.
الفصل التاسع
* سبعون فى المائة من خسائر الحريق، كانت بسبب أخطاء رجال الإطفاء..
* أحد الزملاء، أخبرني أن احتراق المطبعة يعني فشلي في عالم الأدب..
* قاومت حالة الإحباط داخلي، بوضع أسس سلسلة رابعة..

في أول قطار، هرعت إلى القاهرة، وكل ذرة في كياني ترتجف، من فرط هلعي لما أصاب المطبعة، وراح عقلي يحاول رسم صورة تخيلية لما حدث، كما لو أنني لا أطيق صبراً على الوصول إلى المطبعة، ورؤية الأمور بعينىّي..
وعندما وصلت، بدا لي الأمر عجيباً إلى حد ما؛ فباستثناء بعض اللون الأسود، في الطابق العلوي، لم يكن هناك أثر خارجي لحجم الحريق، الذي تحدثت عنه الصحف، والذي بلغت خسائره، كما ذكرت جريدة الأهرام حوالي مليون جنيه، وهو مبلغ باهظ، بمقاييس تلك الفترة، من منتصف ثمانينات القرن العشرين..
والتقيت بالأستاذ حمدي، وهو يتفقد الخسائر بنفسه، وطلبت منه أن يعتبرني جندياً تحت قيادته، حتى يتم تجاوز الأزمة، ولكن العجيب أنه كان متماسكاً، ويتمتع بروح معنوية ممتازة، على الرغم مما حدث، وخاصة عندما اصطحبني إلى مكتبه، وراح يروى لي ما حدث، على نحو جعلني أدرك حتمية ألا أثق فى أية أخبار تنشرها الصحف الحكومية.. حتى أخبار الحوادث..
فوفقاً لما نشر، هرعت إلى المكان، فور اندلاع الحريق تسع عربات إطفاء، وبصحبتها العميد فلان، واللواء علان، والعقيد ترتان، وأن الجميع بذلوا كل جهدهم، للسيطرة على الحريق، ولكن رواية كل شهود العيان كانت مختلفة..
ومضحكة..
ومؤسفة أيضاً..
فلا أحد رأى أى لواء، أو عميد، أو عقيد، بل عدد من صغار الضباط، والجنود المرتبكين، الذين لا يعرفون كيفية التعامل مع مطبعة تحترق، وتحوي ورق طباعة وأحبار، من كل صنف ولون..
فعربات الإطفاء التسع حضرت بالفعل، ولكن ليس للتعاون، وإنما لأن ثمان منها كانت مضخاتها معطلة، أو كانت خالية من المياه (شوف التهريج)، لذا فقد تولت العربة التاسعة وحدها إطفاء الحريق..
حاول أن تحسب معي الوقت الذى استغرقه وصول كل عربة، وكشف عدم صلاحيتها، لتعرف كم بلغت الخسائر.. بسبب رجال الإطفاء!!..
الأسوأ أن السيارة التاسعة استخدمت خراطيم المياه، لإطفاء حريق المطبعة، مما أدى إلى إتلاف أطنان من الورق، فى الطوابق التي لم تكن تتعرض للحريق، وكأن رجال الإطفاء لم يدرسوا أو يمتلكوا وسيلة أخرى، مثل البودرة أو المواد الرغوية للإطفاء!!..
وبحساب الخسائر، تبين أن ما يزيد عن السبعين فى المائة منها كان بسبب أخطاء شرطة الإطفاء، فى التعامل مع الموقف!!..
الشئ الوحيد الذي أحزن الأستاذ حمدي حينذاك، كان احتراق ماكينة طباعة جديدة، لم تستخدم بعد، تم استيرادها خصيصاً لروايات مصرية للجيب، إذ كانت من الجيل الأول، القادر على طباعة الألوان الأربعة في مرحلة واحدة..
ولقد جرت عدة محاولات لإصلاح تلك الماكينة، إلا أنها باءت كلها بالفشل..
المهم أن المطبعة قد تجاوزت مأساة الحريق..
أما أنا، فلم يكن من السهل أن أتجاوزه أبداً..
ففي الليلة نفسها، وعندما ذهبت إلى تلك العيادة الخيرية، فوجئت بموقف لم أهضمه قط حتى يومنا هذا!!..
فعلى نحو مباغت، زارني زميل لم تكن تربطني به صداقة ما، ليخبرني بكل تشف أنه قد قرأ خبر احتراق المطبعة، ثم ارتدى ثوب الناصح، وهو يؤكِّد لي خطأ قراري بالاستقالة، واحتراف الأدب، وأنه من الصواب، بعد احتراق المطبعة، أن أقر بالخطأ، وأسعى للتراجع عن استقالتي، باعتبار أن مغامرتي قد فشلت، واحترقت، وأثبتت أنني شخص أحمق..
يومها استمعت إليه فى صمت، ودون تعليق واحد، وأنا أشعر نحوه بمزيج من الشفقة والمرارة، حتى انتهى من حديثه، فأخبرته أننى سأفكر فيما قال، مما جعله ينصرف مرتاحاً، وإن لم ينس أن يمنحني نظرة تشف أخيرة، قبل أن يغادر العيادة..
وخرجت من العيادة، بعد انتهاء ساعات العمل، وأنا أزمع التوجه لزيارة صديقي وأستاذي رجل الأمن، إلا أنني تراجعت عن هذا، على بُعد أمتار قليلة من منزله، عندما شعرت أنه من العار أن يراني، بكل ما يملأ نفسي. من حزن وإحباط، وعدت إلى منزلي، وجلست فى حجرة مكتبي، أعيد دراسة الموقف كله، وأستعيد كل كلمة سمعتها، وكل تناقض حدث، مع تفاؤل الأستاذ حمدى، وشماتة زميل الدراسة..
ثم فجأة، قفزت إلى ذهنى فكرة، لا تتناسب أبداً مع الموقف؛ فقد قرَّرت مقاومة حالة الإحباط داخلى، بوضع أسس سلسلة جديدة.
سلسلة مختلفة تمام الاختلاف.

الفصل العاشر

* أول مبلغ كبير أقبضه من رواياتي، سقط من سيارتي سهواً..
* أصبحت بالنسبة للقراء، أربع شخصيات مختلفة، مع تنوع إصداراتي..
* كنت أنشر خطابات تذمنى؛ ليتعلَّم القراء المعنى الحقيقي للديمقراطية.

حريق المطبعة، وموقف زميلي الشامت، جعلاني أشعر برغبة شديدة في التعبير عما يجول في نفسي على الورق، وفي أن تكون هناك مطبوعة، يمكنني أن أفرغ فيها مشاعري، وخواطري، وفلسفتي، وكل وسائل التعبير الأخرى، التى لا تنطوي تحت إحدى الخانات، التي تمثلها سلاسلي الثلاث، المخابرات والخيال العلمي، والرومانسية..
ففي أعماقي، كانت هناك كومة من الأفكار، تتشوق للخروج، في هيئة قصص قصيرة، ودراسات، وخواطر، وغيرها، لذا فقد جاءت السلسلة الجديدة، معبرة عن كل هذا، حتى أنني لم أجد لها عنواناً فى البداية، ثم لم ألبث، بعد أن أعيتني الحيرة، أن أطلقت عليها اسم (كوكتيل)..
ومع مولد (كوكتيل)، تفجَّرت داخلي طاقات لم أتصوَّر وجودها قط، ففيها كتبت كل ما يحلو لي، حتى أصبحت، وما زالت واحتي، التى أجد فيها راحتي واستقراري، وأخاطب عبرها القراء، أو أصدقاء الورق كما أسميهم، والتى وضعت لها سياسة خاصة جداً، منذ نهاية الثمانينات، وهى حتمية نشر رسائل القراء بمنتهى الديمقراطية والحياد، حتى أنني كنت أنشر رسائل تهاجمني، وتتهمني بأنني أسوأ كاتب فى الكون، أو بأن أعمالي أتفه من أن تقرأ، حتى يتعلم القارئ معنى الحرية والديمقراطية، وأنها ليست ديمقراطية المدح فحسب..
وعلى الرغم من أن توزيع (كوكتيل) لم يبلغ حداً يستحق الفخر فى حينها، إلا أن صدورها توافق مع زيادة مفاجئة فى أرقام توزيع السلاسل الأخرى، وفى دخلي السنوى بالتالى..
والمدهش أنني صرت بالنسبة للقراء أربعة شخصيات مختلفة، فبعضهم يعتبرنى كاتباً للخيال العلمي، والبعض الآخر يتابع روايات الجاسوسية، ويسألنى ما إذا كنت رجل مخابرات!.. أما البعض الثالث، وهو من الجنس اللطيف لحسن الحظ، فقد أصبح يتعامل معي باعتبارى رومانسياً، ولست مجرَّد كاتب لروايات رومانسية!..
ويبدو أنني أيضاً كنت أعتبر نفسي كذلك، إذ كنت أتحوَّل إلى شخصية أخرى، مع كل رواية أكتبها، وأعيشها حتى النخاع..
ومع نهاية فصل الصيف، بلغني من المؤسسة أجمل خبر سمعته، في حياتي كلها، وهو أن الروايات قد حققت رقماً قياسياً فى التوزيع، وأصبحت مطلوبة في كل أنحاء المعمورة، وأن هناك مبلغ ألفيناتي، ينتظرني في المطبعة..
ولأوَّل مرة في حياتي، سافرت إلى القاهرة بسيارتي، التي كنت أخشى قيادتها على الطرق السريعة، ووصلت إلى المطبعة وكلي لهفة، لمعرفة الرقم الذي سأحصل عليه، بعد نجاح التوزيع..
وفي قسم الحسابات، تم خصم كل المبالغ التى تقاضيتها خلال العام، ليتبقى لي في النهاية حوالي ثلاثة آلاف وسبعمائة جنيه تقريباً، كانت تعتبر مبلغاً كبيراً، بمقاييس تلك الفترة، ووضع رئيس الحسابات المبلغ فى مظروف، وسلمني إياه، وغادرت المؤسسة وأنا فى قمة السعادة..
وأمام الباب، استوقفني أحد عمال المطبعة، ليسألني عن بعض الأعراض المرضية التى يعانيها، ومع انشغالى بالحديث معه، وضعت المظروف على سقف السيارة، ثم نسيت هذا، واستقليت سيارتي، وانطلقت بها، عائداً إلى طنطا..
وبينما أعبر ميدان العباسية، تذكَّرت الأمر فجأة، فأصابنى الهلع، وتوقفت فى منتصف الطريق، وأوقفت المرور تماماً، وتجاهلت السباب واللعنات من حولي، وأنا أخرج لإلقاء نظرة على سقف السيارة، قبل أن أشعر بقبضة باردة كالثلج تعتصر صدري..
فلقد اختفى المظروف والنقود..
تماماً..

  رد مع اقتباس