رد: معاملة أهل الكتاب و أهل الذمة ...
موالاة غير المسلمين ومعناها
ولعل سؤالا يجول في بعض الخواطر
أو يتردد على بعض الألسنة وهو
كيف يتحقق البر والمودة
وحسن العشرة مع غير المسلمين
والقرآن نفسه ينهى عن موادة الكفار
واتخاذهم أولياء وحلفاء
في مثل قوله
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى
أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ
إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ
يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ"
(المائدة:51،52)
والجواب
إن هذه الآيات ليست على إطلاقها
ولا تشمل كل يهودي أو نصراني أو كافر
ولو فهمت هكذا لناقضت الآيات والنصوص الأخرى
التي شرعت موادة أهل الخير والمعروف
من أي دين كانوا
والتي أباحت مصاهرة أهل الكتاب
واتخاذ زوجة كتابية
مع قوله تعالى في الزوجية وآثارها
"وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً"
(الروم:21)
وقال تعالى في النصارى
"وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى"
(المائدة: 82)
إنما جاءت تلك الآيات في قوم معادين للإسلام
محاربين للمسلمين
ونزلت في عدم موالاة مشركي قريش قبل فتح مكة
الذين كانوا على حرب دائمة مع الرسول
صلى الله عليه وسلم والمسلمين
وفي هذه الحالة فلا يحل للمسلم حينذاك
مناصرتهم ومظاهرتهم وهو معنى الموالاة
واتخاذهم بطانة يفضي إليهم بالأسرار
وحلفاء يتقرب إليهم على حساب جماعته وملته
وقد وضحت ذلك آيات أخر
كقوله تعالى
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ
لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتِّمْ
قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ
قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ
هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ
وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا
وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ
قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ"
(آل عمران: 118،119)
فهذه الآية تبين لنا صفات هؤلاء
وأنهم يكنون العداوة والكراهية
للمسلمين في قلوبهم
وقد فاضت آثارها على ألسنتهم
وقال تعالى
"لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ
يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ
وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ"
(المجادلة: 22)
ومحادَّة الله ورسوله ليست مجرد الكفر
وإنما هي مناصبة العداء للإسلام والمسلمين
وقال تعالى
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ
أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ
وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ
يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ"
(الممتحنة: 1)
فهذه الآية نزلت في موالاة مشركي مكة
الذي حاربوا الله ورسوله
وأخرجوا المسلمين من ديارهم بغير حق
إلى أن يقولوا ربنا الله
فمثل هؤلاء هم الذين لا تجوز موالاتهم بحال
ومع هذا فالقرآن لم يقطع الرجاء في مصافاة هؤلاء
ولم يعلن اليأس البات منهم
بل أطمع المؤمنين في تغير الأحوال وصفاء النفوس
فقال في السورة نفسها بعد آيات
"عَسَى اللهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم
مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"
(الممتحنة:7)
وهذا التنبيه من القرآن الكريم
كفيل أن يكفكف من حدة الخصومة وصرامة العداوة
كما جاء في الحديث
"أبغض عدوك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما"
وتتأكد حرمة الموالاة للأعداء إذا كانوا أقوياء
يرجون ويخشون فيسعى إلى موالاتهم
المنافقون ومرضى القلوب يتخذون عندهم يدا
يرجون أن تنفعهم غدا
كما قال تعالى
"فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ
يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ
أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا
عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ"
(المائدة: 52)
"بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ
أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعًا"
(النساء: 138،139)
|