عرض مشاركة واحدة
قديم 14/10/2016, 02:29 AM   رقم المشاركة : ( 5 )
مدحت الجزيرة
كبار الشخصيات

الصورة الرمزية مدحت الجزيرة

الملف الشخصي
رقم العضوية : 60960
تاريخ التسجيل : May 2007
العمـر :
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 14,258 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 33515
قوة الترشيـح : مدحت الجزيرة القمة دائما للمتميزين اتمناها لك اسعي ايضا لهامدحت الجزيرة القمة دائما للمتميزين اتمناها لك اسعي ايضا لهامدحت الجزيرة القمة دائما للمتميزين اتمناها لك اسعي ايضا لهامدحت الجزيرة القمة دائما للمتميزين اتمناها لك اسعي ايضا لهامدحت الجزيرة القمة دائما للمتميزين اتمناها لك اسعي ايضا لهامدحت الجزيرة القمة دائما للمتميزين اتمناها لك اسعي ايضا لهامدحت الجزيرة القمة دائما للمتميزين اتمناها لك اسعي ايضا لهامدحت الجزيرة القمة دائما للمتميزين اتمناها لك اسعي ايضا لهامدحت الجزيرة القمة دائما للمتميزين اتمناها لك اسعي ايضا لهامدحت الجزيرة القمة دائما للمتميزين اتمناها لك اسعي ايضا لهامدحت الجزيرة القمة دائما للمتميزين اتمناها لك اسعي ايضا لها

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

مدحت الجزيرة غير متصل

افتراضي رد: سلسلة الأحاديث المشروحة ...


الحديث الثاني

حديث السبعة الذين يظله الله
في ظله يوم القيامة


عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
سبعة يظلهم الله في ظله
يوم لا ظل إلا ظله
الإمام العادل
وشاب نشأ في عبادة ربه
ورجل قلبه معلق في المساجد
ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه
ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال
فقال
إني أخاف الله
ورجل تصدق
أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه
ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه
شرح الحديث
يلاحظ من الحديث أمور عامة عديدة، هي

أولاً
شمول الحديث واستيعابه
فقد انتظم أصنافاً متفاوتة من الناس
من قمة المجتمع حتى قاعدته
باشتماله على الإمام في عدله والشباب في نشأته
والأفراد في ترابطهم والجنسين في تعففهم
والأغنياء والفقراء في تقاربهم
وأعمال الدنيا والدين
في ذكر الله تعالى وعدم الغفلة عنه
ورجل في نفسه لا يعلم به أحد إلا الله تعالى
يذكر الله خالياً فتفيض عيناه


ثانياً
المعاني المشتركة بين الأجناس السبعة
{الرغبة في الله والرهبة منه
مراقبة الله والإخفاء عن الناس}
فالإمام العدل لا يتحقق عدله
إلا بتقوى الله ولا يكون عدله إلا بالخوف
من أن يحاسبه الله تعالى على مظالم العباد
أو رجاءً فيما عند الله الله من دوام ولايته
لأنه لا سلطان من الرعية على الإمام
السلطان عليه من الله تعالى
ولا يطَّلِع لى حقيقة عدله
إلا الله تعالى فهو يعطي ويمنع
ويدني ويقصي ويكرم ويهين سراً وعلانية
وكل ذلك لا يطلع على حقيقته إلا الله تعالى
فإذا وقع ما يستنكر منه تذرَّع بأنه للصالح العام
(والله يعمل المفسد من المصلح)
والشاب الناشئ في عبادة ربه
لا يرجو إلا الله تعالى ولا يرهب إلا جنابه
ولا يطلع على حقيقة عبادته وإخلاصه إلا الله تعالى
ولا يراه في خلوته وجلوته إلا الله تعالى
والرجل المعلق قلبه في المساجد
رغبة في الله ورهبة منه، لما تذوّق
من حلاوة مناجاة ربه في بيوته لا لدنيا يصيبها
ولا لامرأة ينكحها ولا لجاه يبتغيه
ومن السر النبوي هنا
أنه أسند التعلق لقلبه لا لجسمه ولا لنظره
لأن حلاوة الإيمان محلها القلب
والصلاة أقوى مؤثر في ذلك
لأنها تنهى صاحبها عن مقارفة الفحشاء والمنكر
وفي الحديث
"وجعلت قرة عيني في الصلاة"
والمتحابون في الله لا مال بينهم
ولا نسب يربطهم ولا رحم يجمعهم
ولا مصالح تدفعهم، إنما هو الله
وفي ذات الله
ولا يعلم حقيقة نصح كل واحد للآخر إلا الله
فإذا اجتمعا كان لله وإذا افترقا كان لله
والذي عفّ عن الفاحشة
لما دعي إليها مع توفّر دواعيها
فقد كان ذلك لله وخوفاً من الله
فقال إني أخاف الله
والمتصدق خفية تغلب على شح نفسه في ماله
وتخطى حب الثناء وطبيعة حب المدح
فغالب في نفسه غريزة الشح الحاضرة في الأنفس
وغريزة حب الثناء التي جبلت عليها النفوس
وبذل المال في قانون الحياة
لا يكون إلا بمعاوضة إلا في الصدقة
فالمعاوضة المادية فيها معدومة
بل التعويض منتظر
من الله تعالى والإخفاء ركنها الأكبر
والرغبة فيما عند الله الدافع الأول
فإخفاؤها يطهرها من شائبة الرياء
وهذا منتهى إرادة وجه الله
والباكي من خشية الله تعالى
تخفَّى عن الناس "ذكر الله خالياً" أو المراد
أن قبله خلا عن الشواغل وتوفر عنصر الخوف
ففاضت عيناه خوفاً من الله كما قال تعالى
(والذين هم من عذاب ربهم مشفقون)

ثالثاً
ارتباط الأجناس السبعة بعضها ببعض
فالأصناف الثلاثة الأولى مقدمات
والأربعة الباقية بمثابة النتائج
فالإمام العادل سيقيم مجتمعاً فاضلاً
لأنه عدل في ذاته، آمر بالمعروف
ناهٍ عن المنكر، مقيم للصلاة، مؤدٍّ للزكاة
ومن الأمر بالمعروف إقامة محاسن التشريع
ومن النهي عن المنكر إقامة الحدود
وعندها سيكون المجتمع فاضلاً حقاً
يشب فيه الشباب على عبادة الله
ومن أخص خصائص نشأة الشباب ارتياد المساجد
ومن كان هذا حاله لا شك أن قبله سيتعلق بالمساجد
ومن تعلق قلبه بالمساجد داوم على ارتيادها، ومن
لوازم ذلك التعرف على المصلِّين ومحبتهم وإخاؤهم
مما ينتج عنه التحاب في الله
لأنهم جاءوا جميعاً لهدف واحد
هو ابتغاء مرضاة الله عز وجل
أما من دعته امرأة فتعفف عنها
فإن عفته ما أتت إلا بعد مغالبة
الغريزة والفطرة التي لا يغلبها إلا ما هو أقوى منها
ولا يكون ذلك إلا بالإيمان بالله والخوف منه
وهما ميراث الصلوات في المساجد؛ لقوله تعالى
(إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)
وإخراج المال في غير معاوضة
وتخطي غريزة الشح
وجبلة حب الثناء من تلك المؤثرات
ومن قوي على مغالبة الغريزة الجنسية
فهو على غيرها أقوى ولا يكون ذلك من غافل
عن ذكر الله عز وجل سراً وعلانية
وهكذا فإن كل صفة تؤثر في التي تليها

رابعاً
الأصناف السبعة يشتركون في مخالفة هواهم
فالإمام المسلَّط العادل
لا يتمكن من العدل إلا بمخالفة هواه
والشباب المؤثر لعبادة الله على داعي شبابه
لولا مخالفته هواه لم يقدر على ذلك
والرجل الذي تعلق قلبه
في المساجد إنما حمله على ذلك
مخالفة الهوى الداعي له إلى أماكن اللذات
والمتصدق المخفي صدقته بيمينه عن شماله
لولا قهره لهواه لم يقدر على ذلك
والذي دعته المرأة الجميلة الشريفة خاف
الله عز وجل فخالف هواه والذي ذكر الله خالياً
ففاضت عيناه من خشيته إنما حمله على ذلك
مخالفة الهوى فلم يكن لحرِّ الموقف
وعرقه وشدته سبيل عليهم يوم القيامة


خامساً
الجزاء من جنس العمل هي قاعدة متحققة
في هذا الحديث بحيث إن هذه الأصناف
قد جمعت بين الخوف من الله وبين العمل
رجاءً فيما عنده فأمَّنهم تبارك وتعالى
يوم الفزع الأكبر فقابل خوفهم بالأمن
وقد جاء في الحديث القدسي
وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين
إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة
وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة

صححه ابن حبان
ولما كانوا مخلصين لله
في العمل وكانت أعمالهم خفية
تولى الله سبحانه وتعالى جزاءهم في الآخرة
فآواهم إلى ظله وظل عرشه
كما في الحديث القدسي في الصوم
إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به
يدع طعامه وشرابه من أجلي

تفصيل الشرح
قوله
"سبعة"
قال علماء الحساب
إن نهاية العدد حقيقة هو العدد
(7)
لأن الأعداد بعده مكررة المكرر
فالتسعة تكرار الثلاثة والثمانية تكرار الاثنين
والمائة تكرار العشرة...، وهكذا
وبيانه
الأعداد (1، 2، 3) أعداد أولية
ليست مركبة من مكرر بناء على أن الواحد
ليس داخلاً في العد وأن ابتداء العد من اثنين
ثم تأتي الأربعة مجموع الاثنين مرتين
والخمسة مجموع الاثنين والثلاثة
والستة مجموع الثلاثة مرتين
والسبعة مجموع الثلاثة والأربعة
وما فوق السبعة فيها تكرار المكرر
وتكرير المكرر لا نهاية له
فالثمانية تكرار الاثنين أربع مرات
ولو قيل هي مجموع الأربعة مرتين
لقيل الأربعة نفسها تكرار للاثنين
والتسعة تكرار الثلاثة ثلاث مرات وهكذا
قال ابن القيم
جمعت السبعة معاني العدد وخواصه
وعليه فالعدد
(7)
هو نهاية العدد وما بعده تكرار للمكرر
ثم قال خاصية العدد
(7)
قد وقعت قدراً وشرعاً فقد
خلق الله السماوات سبعاً
والأرضين سبعاً والأيام سبعة
الإنسان كمل خلقه في سبعة أطوار
شرع الطواف بالبيت سبعاً
والسعي بين الصفا والمروة سبعاً
ورمي الجمار سبعاً
وتكبيرات العيدين سبع في الأولى
مروا أولادكم بالصلاة لسبع
ومن ذلك أيضاً
إذا صار الغلام سبعاً خُيِّر بين أبويه
أمر النبي صلى الله عليه وسلم
أن يصَبّ عليه في مرضه من سبع قرب
سخر الله الريح على قوم عادٍ سبع ليالٍ
دعا النبي صلى الله عليه وسلم
ربه أن يعينه على قومه بسبع كسبع يوسف
مثَّل الله تعالى مضاعفة أجر الصدقة
في سبيل الله بحبة أنبتت سبع سنابل
السنابل التي رآها يوسف سبع
والسنون الدأب سبع
والبقرات السمان سبع والعِجَاف سبع
قال بقراط الطبيب
كل شيء في هذا العالم مقدر على سبعة أجزاء
النجوم سبعة والأيام سبعة وأسنان الإنسان سبعة
سبعة يظلهم الله
أم الكتاب السبع المثاني
متناسبة مع العدد سبعة أم العدد
أنزل القرآن على سبعة أحرف
ليلة القدر في سبع وعشرين، أو لسبع بقين
أو لسبع خلون من العشر الأخير من رمضان
خلق الله تعالى
الإنسان على سبعة أطوار وغذاؤه من سبع
صلاة الجماعة صلاة الفذَّ بسبع وعشرين درجة
أعضاء السجود التي تخشع لله سبعة
تجزئ البدنة والبقرة في الأضاحي عن سبعة أبيات
والبدنة هو النهاية في أجسام بهيمة الأنعام
يبعث في آخر كل سبع أمم نبي
يملك المهدي سبع سنين
يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً
وهذا نهاية العدل والأمن
يأكل الكافر في سبعة أمعاء
صيام سبعة أيام عوض دم الهدي قال تعالى
(وسبعة إذا رجعتم)
المقام عند البكر سبع
العقيقة بعد سبع لاستكمال الدورة الزمنية أسبوعاً
العادة عند الالتباس بالحيضة سبعة أيام
الأخذ من سبعة آبار
(واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا)
إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً
العود الهندي فيه سبعة أشفية
والبحر يمده من بعد سبعة أبحر
بادروا بالأعمال سبعاً
هل تنتظرون إلا فقراً منسياً
أو غنى مطغياً أو مرضاً مفسداً
أو هرماً مفنداً أو موتاً مجهزاً
أو الدجال فشر غائب ينتظر
أو الساعة والساعة أدهى وأمرّ
أمرنا بسبع
اتباع الجنائز وعيادة المريض وإجابة الداعي ونصر المظلوم
وإبرار المقسم وردّ السلام وتشميت العاطس
نهينا عن سبع
آنية الفضة وخاتم الذهب والحرير
والديباج والقسي والإستبرق وركوب المياثر
اجتنبوا السبع الموبقات
الشرك بالله وعقوق الوالدين والتولي يوم الزحف
والسحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم
وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات
الأعمال عند الله سبعة
عملان موجبان هما الشرك والإيمان
وعملان بمثلهما وهما من همّ بحسنة
فلم يعملها ومن همّ بسيئة فلم يعملها
وعمل بعشر وهو من همّ بحسنة فعملها
وعمل بسبع مائة وهو الدرهم في سبيل الله
وعمل لا يقدره قدره إلا الله تعالى وهو الصوم
والمراد بالسبعة
ذكر الرجال في الحديث لا مفهوم له
بل يشترك النساء معهم فيما ذكر، إلا إذا
كان المراد بالإمام العادل الإمامةَ العظمى وإلا
فيمكن دخول المرأة فيها بكونها
ذات عيال فتعدل فيهم
وتخرج خصلة ملازمة المسجد
لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل
من صلاتها في المسجد، إلا إذا افترضنا
أن لها مسجداً في بيتها وتعلَّق قلبها به
حرصاً منها على أداء الصلوات في أوقاتها
وما سوى ذلك فالمشاركة حاصلة لهنّ
ولأنه لم يورد تمييزاً للعدد
فيحتمل تقديره بالرجال أو الأشخاص
والتقدير بالرجال يخرج النساء والتقدير بالأشخاص
قد يُشْعِر بالحصر والتحديد في سبعة بأعيانهم
لذلك فالأَوْلَى التقدير بـ "الأصناف"
ليشمل العدد من الأفراد
في كل واحد من الخصال السبعة
مما لا يعلم عدده إلا الله تعالى
إذ سياق الحديث للترغيب في هذه الأعمال
وليس للإخبار عن أفراد معيَّنين
وظاهر الحديث اختصاص
الأصناف السبعة المذكورة بثواب الظلِّ
وليس الأمر كذلك؛ لقول أبي شامة

وقال النبي المصطفى إن سبعة
يظلهم الله الكريم بفضله
محب عفيف ناشئ متصدق
وباكٍ مصلٍّ والإمام بعدله
وزد سبعة
إظلال غازٍ وعونه
وإنظار ذي عسـر وتخفيف حمله
وإرفاد ذي غرم وعون مكاتب
وتاجر صدق في المقال وفعله

ووقع في صحيح مسلم من حديث أبي اليُسْر
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
من أنظر معسراً
أو وضع له أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله
وقد أفرد الإمام السخوي جزءاً لعد الخصال الموجبة للظلال فبلغت 92 خصلة
والسبعة تشمل طبقات المجتمع
من القمة إلى القاعدة
وأعمال الخير بنوعيها البدنية والمالية
والأحكام التكليفية عند الأصوليين
(الضروريات، الحاجيات، التتميمات)
فالضروريات الحفاظ على الجواهر الست
والحاجيات المعاملات والتتميمات الأخلاق
والطاعة قد تكون بين العبد وبين ربه
باللسان كالذكر أ
و بالقلب كالعلق بالمسجد
أو بالبدن الناشئ في العبادة
وقد تكون بين العبد وبين الخلق
فتكون عامة كالعدل
أو خاصة بالقلب كالتحابّ
أو بالمال وهو الصدقة أو بالبدن وهو العفة
قوله
"يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله"
إضافة الظل إلى الله تبارك وتعالى إضافة ملك
وظله من جملة ملكه أو إضافة تشريف
ليتحصل امتياز هذا على غيره كما قيل للكعبة
بيت الله الحرام مع أن المساجد كلها لله
ومعنى الظل
حماية الله وكرامته كما يقال فلان في ظل الملك
أو المراد ظل عرشه لحديث سلمان
"سبعة يظلهم الله في ظل عرشه"
ويؤيد هذا تقييده بيوم القيامة
أو أن معناه النعيم لقوله تعالى
(أُكُلُهَا دَائِمٌ وَّظِلُّهَا)
أو هو الفيء الحاصل من الحاجز
بينك وبين الشمس أي شيء كان
لطيفة/ يقال
إن الخصال السبعة الواردة في الحديث
قد اجتمعت في يوسف عليه السلام
فهو إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله تعالى
وتحاب هو ووالده يعقوب
عليهما الصلاة والسلام في الله
ودعته زليخا امرأة العزيز
إلى نفسها وهي ذات منصب وجمال فقال
إني أخاف الله وتصدق على إخوته سراً
(اجعلوا بضاعتهم في رحالهم)
ولا شك أن قلبه
كان يحب مواطن العبادات لا سيما في الخلوات
وأنه شديد الشوق إلى الله تعالى
قوله
"الإمام العادل"
قال الليث بن سعد
من رأس العين يأتي الكدر
وإذا صفا رأس العين صفت السواقي
لأن الإمام العادل قوام كل مائل وقصد كل جائر
وصلاح كل فاسد وقوة كل ضعيف
ونصفة كل مظلوم ومفزع كل ملهوف
فهو كالراعي الشفيق على إبله الرفيق بها
يرتاد لها أطيب المراعي
ويذودها عن مراتع الهلكة ويحميها من السباع
ويكنُّها من أذى الحر والقر
وهو كالأب الحاني على ولده
يسعى لهم صغاراً ويعلمهم كباراً
ويكتسب لهم في حياته ويدخر لهم بعد مماته
وهو كالأم الشفيقة الرفيقة البرَّة بولدها
حملته كرهاً
ووضعته كرهاً وربته طفلاً تسهر بسهره
وتسكن بسكونه ترضعه تارة وتفطمه أخرى
تفرح بعافيته وتغتم بشكايته.
وهو وصيّ اليتامى وخازن المساكين
يربي صغيرهم ويمون كبيرهم.
وهو كالقلب بين الجوارح
تصلح بصلاحه وتفسد بفساده
وهو القائم بين الله وبين عباده
يسمع كلام الله ويسمعهم
وينظر إلى الله تعالى ويريهم
وينقاد لله سبحانه ويقودهم
فصلاح الرعية بصلاح الإمام
قوله
"وشاب نشأ في عبادة ربه"
وفي الحديث عن عقبة بن عامر
"إن ربك ليعجب للشاب لا صبوة له"
أي لا ميل للهوى وهو المرة الواحدة منه
كقوله تعالى على لسان يوسف
(وإلا تصرف عني كيدهن أَصْبُ إليهن)
وجاء في الحديث
"لا تزول قدما عبد يوم القيامة
حتى يسأل عن عمره فيمَ أفناه
وعن شبابه فيمَ أبلاه" فهذا الشاب
نشأ متلبِّساً بالعبادة أو مصاحباً لها
أو ملتصقاً بها
أفنى شبابه ونشاطه في عبادة الله
وخص الشباب بالذكر
لما فيه من غلبة الشهوة
وقوة الباعث على متابعة الهوى
فإن ملازمة العبادة
مع ذلك أشدّ وأدلّ على غلبة التقوى
قوله
"ورجل قلبه معلق في المساجد"
في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه
يسبح له فيها بالغدوّ والآصال
رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله
وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة

لأن القلوب تتصل بالله في بيوت الله
وخير البقاع المساجد وشر البقاع الأسواق
والمعنى أنه قد يكون من التعليق
كأنه شبهه بالشيء المعلَّق في المسجد كالقنديل
إشارة إلى طول الملازمة
بقلبه وإن كان جسده خارجاً عنه
ومما يؤيد هذا ما وقع في رواية
"كأنما قلبه معلق في المسجد"
وقد يكون من العلاقة
وهي شدة الحب، ويؤيده رواية
"قلبه معلق بالمساجد من حبها"
فهو شديد الحب لبيوت الله تعالى
وملازم للجماعة فيها
وليس معناه دوام القعود في المسجد
قوله
"ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه"
أصله تحاببا
أي اشتركا في جنس المحبة
فلا تكتمل الصحبة حتى تقول لأخيك
يا أنا وفي الحديث
الأرواح جنود مجندة
ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف
وقال الله تعالى في الحديث القدسي
"وجبت محبتي للمتباذلين فيّ"
وفي الحديث
"إن المتحابين بالله في ظل العرش"
في حديث آخر
إن أوثق عرى الإيمان
أن تحب في الله وتبغض في الله
وفي حديث آخر
من أحب لله وأبغض لله
وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان
والمعنى
أن كل واحد منهما أحب صاحبه حقيقة لا إظهاراً
أي اجتمعا على حب الله وافترقا على حب الله
فكان حب الله سببَ اجتماعهما ومضيا على ذلك
حتى تفرقا من مجلسهما وهم صادقان
في حب كل واحد منهما صاحبه حال اجتماعهما
وحال افتراقهما؛ حباً لله تعالى.
وعدَّت هذه الخصلة واحدة مع كون متعاطيها اثنين
لأن المحبة لا تتم إلا باثنين
أو لما كان المتحابان بمعنىً واحد
كان عدُّ أحدهما مغنياً عن عدِّ الآخر
لأن الغرض عدُّ الخصال
لا عدُّ جميع من اتصف بها
قوله
ورجل طلبته ذات منصب وجمال فقال
إني أخاف
كقصة زليخا مع سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام
والظاهر أن يقول ذلك بلسانه ليزجرها عن الفاحشة
أو ليعتذر إليها ويحتمل أن يقوله بقلبه
فيكون عن شدة خوف من الله تعالى
ومتين تقوى وحياء
وذات المنصب
رفيعة الشأن، وذات الجمال
بياض بشرتها في حسن شعرها.
وذكر الرجال في الحديث لا مفهوم له
بل يشترك النساء معهم فيما ذكر
حتى الرجل الذي دعته امرأة
فإنه يتصور في امرأة دعاها ملك جميل
فامتنعت خوفاً من الله تعالى مع شدة حاجتها
أو شاب جميل دعاه ملك
ليزوجه ابنته فامتنع مع شدة حاجته
خشية الفاحشة؛ لأن بيوت الملوك
لا يتورع فيها عن ارتكاب الفاحشة غالباً
سؤال مهم
لماذا نصَّ على الرجل دون المرأة؟
الجواب
إن الرجل من جانبه
لا يعف عن المرأة حقيقة إلا خوفاً من الله تعالى
لأن دعوة المرأة له لا تكون إلا في خلوة من الناس
وفي حالة تمكين قوية ومأمن تام
فليس عنده من يحاذر منه أو يخشاه
ثم هو لا يخشى عواقب تترتب عليه
لأن فعله ينتهي بفعلته
أما المرأة فقد يكون امتناعها خوفاً من الله تعالى
وقد يكون لأسباب أخرى
كالخوف من فقدانها عذريتها إذا كانت بكراً
أو خوف الحمل بكراً كانت أو ثيباً
فإذا انكشف أمرها سقطت من أعين الناس
وطلقها زوجها إن كانت متزوجة
ففعلها قد لا ينتهي بنهاية فعلتها
ولا يلحق الرجل مما يلحقها شيء
فخص الرجل بالذكر؛ لكون مقالته صادقة
مع إمكان وجود الصدق من المرأة في الامتناع
وهو العفة والخوف من الله ويكون الامتناع إحساناً
كمثل يوسف عليه الصلاة والسلام
يعبد الله كأنه يراه
قوله
ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه
المقصود المبالغة في إخفاء الصدقة تطوعاً
بحيث إن شماله مع قربها من يمينه
وتلازمهما لو تصوِّر أنها تعلم
لما علمت ما فعلت اليمنى لشدة إخفائها وإخفاؤها
عن الإخوان والأولاد من باب أَوْلَى ثم الإخفاء
عن بقية الناس أَوْلَى وأحرى والسر فيه أفضل
لأنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء
والصدقة والصدق يلتقيان في أصل المادة اللغوية
وفي الحديث
"الصدقة برهان"
أي دليل على صدق المدعي
وهو إيمان المتصدق بالله
وتصديقه بوعده من جزاء وعوض
فما يدفع النفس المحبة للمال بفطرتها الشحيحة
بطبعها إلى الإنفاق بكل حال
إلا دافع أقوى من شهوة المال
لأن منع المال الموجود سوء ظن بالمعبود
والمتصدق يتعامل مع الله الذي يعلم السر وأخفى
وقد سمى الله تعالى الصدقة قرضاً
وضاعف عليها الأجر
لقوله تعالى
(إن تقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعفه لكم)
وجاء في السنة أحاديث كثيرة منها
"أنفق ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً"
ومنها "لا خير فيمن لا يضيف"
ومنها
"مال الإنسان ما قدم ومال وارثه ما أخر"
والصدقة تتجاوز الإنسان إلى الحيوان والطير
فقد سقى رجل كلباً رآه يأكل الثرى من العطش
فشكر الله له فغفر له
وقال عليه الصلاة والسلام
ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه
طير أو حيوان أو بهيمة إلا كان له به صدقة

والصدقة عبادة لها آداب منها
أن تكون من كسب طيب
أن لا تفسد بالمنِّ والأذى
استصغار العطية
الإخلاص فيها مع النية الصالحة
أن يطلب بصدقته من تزكو نفسه بها
محورها مصلحة المساكين
بيان إخفاء الصدقة وإظهارها
لقوله تعالى
(إن تبدوا الصدقات فنعِمَّا هي وإن تخفوها
وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم...)

الآية.
وجاء لفظ "صدقة" نكرة
ليشمل كل ما يتصدق به من كثير أو قليل
وهو يشمل المندوبة والمفروضة
لكن إظهار المفروضة أَوْلَى من إخفائها والله
قوله
"ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه"
قد يكون الذكر بالقلب
من التذكر أو باللسان من الذكر
و"خالياً"
من الخلو وهو أبعد من الرياء
أو خالياً من الالتفات لغير الله ولو كان في ملإ.
وقوله
"ففاضت عيناه"
يعني من خشية الله سبحانه وتعالى
وشوقاً إليه
وإسناد الفيض إلى العين مبالغة
كأنها هي التي فاضت.
والذكر تطمئن به القلوب
وإليه المفزع عند المصائب
وهو عبودية بالقلب واللسان
وهو جلاء القلوب وصقالها ودواؤها من اعتلالها
وبه يزول الوقر عن الأسماع
والبكم عن الألسن
وتنقشع الظلمة عن الأبصار
وما عرف قدر جلال الله من فتر لحظة عن ذكره
فقد جاء في القرآن الكريم في حق الذكر آيات منها
(اذكروا الله ذكراً كثيراً، وسبحوه بكرة وأصيلاً)
ومنها
(فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم)
كما جاء فيه أحاديث منها
أحب الأعمال إلى الله
أن تموت ولسانك رطب بذكر الله
ومنها كل شيء ملعون إلا ذكر الله
وما والاه أو عالم أو متعلم
والذكر غرس الجنة ولذكر الله أكبر
وهو في العبادات والعادات
ويسبح اللهَ الملائكةُ
والسماواتُ والأرضُ والجبالُ والطيرُ
والشجرُ والدوابُّ والرعدُ وكلُّ شيء
حتى الطعام والحيتان
والجن والخيل والنمل والهدهد والجماد.
أنواع الذكر
القرآن
لقوله تعالى
(ص، والقرآن ذي الذكر)
ذكر أسماء الله تبارك وتعالى، وصفاته
إنشاء الثناء عليه بها من الذكر
(سبحان الله، الحمد لله، الله أكبر...)
إلخ
ذكر أمره ونهيه وأحكامه إخباراً عنه
ذكره عن أمره فيبادر إليه
وعند نهيه فيهرب منه
ذكر آلائه وإنعامه وإحسانه
وأياديه ومواقع فضله على عباده
ذكر الدعاء والاستغفار
ذكر الرعاية
مما فيه تقوية للحضور مع الله
ورعاية لمصلحة القلب
وحفظ للأدب مع الله تعالى
والتحرز من الغفلة
والاعتصام من النفس والشيطان
كأن تقول
الله معي
الله ناظر إليّ
الله شاهدي
الله ناصري)
ونحوها

آداب الذكر
الإخلاص لله فيه
نظافة المكان عن ملابسة النجاسة
أن يكون الذاكر على أكمل الصفات
استقبال القبلة
خفض الصوت
تدبر الذاكر لما يقول
وأن يتعقل معناه
توقيع » مدحت الجزيرة


كن في الطريقِ عفيف الخطى ...
شريف السمع كريم النظر


و كن رجلا إن أتو بعده ...
يقولون مــــــــــــــرَ و هذا الأثر

*****
مشاركتك هنا تمثل أخلاقك وثقافتك
تذكر هذا جيدا قبل نشرها

مدحت الجزيرة
هيا نتثقف سوياَ
من هناااااا