[مدحت الجزيرة]

حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
فريضة شرعية
دلّ على مشروعيتها
القرآن والسنة والإجماع
فمن القرآن قوله تعالى

وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

ومن السنة حديث النبي
صلى الله عليه وسلم قال

مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ
وَذَلِكَ أَضْعَفُ اْلإِيمَانِ
وقد أجمع المسلمون على وجوب الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر.
وما استحقت الأمة خيريتها وفضلها على العالمين
إلا بالقيام بهذا الواجب الشرعي
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ
بل إن القيام بهذا الواجب
من أهم ما يميز المؤمنين الصادقين عن المنافقين

وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ

وفي المنافقين
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ
يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ
وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ
ولهذا لعن الله الذين كفروا من بني إسرائيل
على لسان داود وعيسى بن مريم
بما عصوا وكانوا يعتدون
وبأنهم لا يتناهون عن منكر فعلوه

مراتب إنكار المنكر
لا يختلف أحد على أن الأصل في بيان
مراتب إنكار المنكر بحديث أبي سعيد السابق
لكن العلماء على قولين في إيضاح تلك المراتب
فيرى البعض أن مرتبة الإنكار باليد
من مهامّ الولاة والمسئولين
أو من ينوب عنهم
وأن مرتبة الإنكار باللسان مهمة العلماء والدعاة
وطلبة العلم
وأن مرتبة الإنكار بالقلب مهمة
كل مسلم ومسلمة
ومع ذلك لا ينكر أن للأفراد دوراً
ما في التغيير باليد
والذي يبدو ليَ أن هذا بحسب حال
من يريد التغيير باليد
فالحاكم في بلده والأب في البيت
والمعلم في المدرسة
والمدير في المؤسسة
وأمثالهم قادرون على ذلك
ومن عداهم فالتغيير باللسان أو بالقلب
والله أعلم.

درجات إنكار المنكر
ذكر الإمام ابن القيم أن إنكارَ المنكر أربعُ درجات
هي
الأولى: أن يزول ويخلفه ضده.
الثانية: أن يقل وإن لم يزل بجملته.
الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله.
الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه.
فالدرجتان الأولى والثانية مشروعتان
والثالثة موضع اجتهاد
والرابعة محرمة
ثم قال
فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق
يلعبون بالشطرنج كان إنكارك عليهم
من عدم الفقه والبصيرة إلا إذا نقلتهم منه
إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله
كرمي النشّاب وسباق الخيل ونحو ذلك
وإذا رأيت الفساق قد اجتمعوا
على لهو ولعب أو سماع مُكَاء وتَصْدِيَة
فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد
وإلا كان تركهم على ذلك
خيراً من تفرغهم لما هو أعظم من ذلك
وكما إذا رأيت الرجل مشتغلاً بكتب المجون ونحوها وخفت من نقله عنها انتقاله
إلى كتب البدع والضلال والسحرة
فدعه وكتبه الأولى، وهذا باب واسع ...
شروط تغيير المنكر
تنقسم شروط تغيير المنكر ثلاثة أقسام
يرجع بعضها إلى المنكَر
ويرجع بعضها الآخر إلى المنكِر.

أولاً
الشروط الواجب توفرها في المنكَر:
أن يكون المنكر محرَّماً مجمعاً على كونه منكراً
بيِّناً ثابتاً وطلب الشارع تركه طلباً جازماً
بنصٍّ شرعيٍّ مُحْكَمٍ أو حجة قاطعة
كترك مأمور بفعله
أو فعل مأمور بتركه
وسواء كان من الصغائر أو من الكبائر
ولا يدخل في ذلك المكروهات
ولا ترك السنن والمستحبات
ولا يصحّ الإنكار على المسلم في مسألة
اختلف فيها المجتهدون
لعدم حصول الإجماع عليها
وبدون ذلك يفتح باب للشر لا آخر له
لأن كل من يرى رأياً يريد أن يحمل الناس
عليه بالقوة، ورأي الجمهور لا يسقط
رأي الأقل ما دام من أهل الاجتهاد
وكم من رأي مهجور في عصر
اشتهر في عصر آخر.
أن يكون المنكَر ظاهراً مرئياً
أما ما استخفى به صاحبه عن أعين الناس
فلا يجوز لأحد التجسس عليه
لأن الحديث أناط التغيير بالرؤية.
أن لا يؤدي إزالة المنكر إلى وقوع منكر أكبر منه
لأن هذا يعني أن يزداد المنكر تمكّناً
وقد أجمع العلماء على ارتكاب أخفّ الضررين
إذا تعارضت المصالح والمفاسد
وتزاحمت الحسنات والسيئات
فوجب ترجيح الراجح منها حسب ميزان الشريعة
ولهذا فقد ترك النبي
صلى الله عليه وسلم
تجديد بناء الكعبة
في زمانه خشية ما يؤول إليه ذلك
من رجوع بعض المسلمين إلى الشرك
ولما رأى موسى منكر عبادة العجل
بعد عَوْده من موعده مع ربه
اشتد على أخيه في الإنكار
وأخذ بلحيته يجره إليه
من شدة الغضب
قال تعالى
قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا
أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي
قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي
إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ
وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي
فقد قدم هارون الحفاظ على وحدة الجماعة
حتى يحضر موسى
فيتفاهمان على كيفية مواجهة
عبادة العجل بحزم وحكمة
ونقل ابن القيم
عن شيخه ابن تيمية
أنه مرّ وبعض أصحابه في زمن التتار
على قوم يشربون الخمر
فأنكر عليهم من كان معه

للحديث بقية