عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 21/10/2016, 03:33 PM
 
sympat058
مـهـند س نـشـيط

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  sympat058 غير متصل  
الملف الشخصي
رقم العضوية : 351913
تاريخ التسجيل : Sep 2013
العمـر : 46
الـجنـس :
الدولـة :
المشاركـات : 241 [+]
آخــر تواجـد : ()
عدد الـنقـاط : 50
قوة التـرشيـح : sympat058 يستاهل التقييم
افتراضي ما معنى الروائز ؟

ينبني الدرس الابستمولوجي و التربوي على اقتناعين ، يتعلق الأول منهما بمقولة غاردنر " الذكاء المتنوع " ، و هي مبدأ معرفي و منهجي ينص على قيمة المادة المعرفية الكامنة في بواطن الفرد ـ المتعلم ، و التي تقتضي فقط كيفية تحفيزها و استخراجها ، و صقل إمكاناتها ، حتى يتسنى تقديمها وفق ما تقتضيه سياقات هذا الفرد ـ المتعلم ، و مناط الاقتناع الثاني رفض التراتبية في المجال المعرفي ؛ بمعنى بناء الأفضلية في سلم ترتيب العلوم أكانت " حقة " أو اجتماعية ، أو فنية ، أو إنسانية ، يستمد هذا المبدأ مرتكزه المنهجي من أن الحقيقة في بعدها لا ترتبط بزمن أو تتعلق بفترة محددة ، إذ إن منطق التطور هو الذي يفرض اقتناعه و أساسه الدال على العلمية ، فقد أثبت التاريخ أن الأحقية التي اكتسبتها العلوم " الحقة " سرعان ما تهاوت بفعل الآثار التي خلفتها على الإنسانية بإيعاز من مقولات العقل و التطور ، هذا العقل هو الذي أفرز الحروب الدامية ، و هذه الرغبة هي التي أفضت إلى استعمار الشعوب و استعبادها ، و غزو الفضاء و التطور التقني هو الذي خرب البيئة ووسع ثقبها ، و أردى الحياة على الأرض أشبه بسم يقتل كل يوم عضوا من أعضائها ، و قد أجاد الفيلسوف الألماني نيتشه حين وسم هذا العقل بالأداتية ، و الانغلاق و ترديد المقولات الميتافيزيقة بغية تحييد الطابع النقدي ، و الحقيقة النسبية المرتبطة به .

لازالت الوزارة الوصية في منأى عن استحضار هذه المرجعية في تأطير الروائز ، و إن كانت محكومة بنية حسنة تسعى معرفة مكامن الضعف و الاختلال في مكتسبات التلاميذ و تمثلاتهم المعرفية و الذهنية ، بغية رسم خارطة طريق للدعم و التقوية ، و إن كنا لا نساير هذا المسعى في مستواه العملي ، أي أن هذه النية لا تتزامن مع الرغبة في توفير العدة اللازمة ( بينات تحتية ـ معدات ديداكتيكية ) من أجل الإنجاز و التتبع ، و كأننا في المحصلة النهائية بصدد تمرين لتسويق خطاب تربوي دون تتبع إكراهاته و أفقه ، و مستويات و درجة خطورته ، و الغائب الأكبر هو ضعف إنتاج الثروة و الإسهام الجاد في تقوية الذكاء الكوني .

يستمد هذا القلق التربوي و المعرفي ليس من محاكمة الوزارة و الأجهزة الوصية ، بقدر ما يهفو معرفة حدود و مدى هذا الإجراء ـ الروائز ـ و الفلسفة الثاوية خلفه ، و التي تتبدى لنا إسهاما راقيا في تكريس الفوارق الثقافية و العلمية و إنتاج العنف ، و تعميق التفاوت ، و سيادة منطق التحقير و الدونية ما بين فئة المتعلمين ، و بناء هرمية تربوية قد تؤسس لفعل الانتقام في المرتكزات اللاشعورية للتلاميذ ما دام سلم الصعود و الترقي الاجتماعي مباحا و بشكل سريع للمتعلم العلمي ، ( المسطرة المتبعة في المباريات ) ،مقابل صعوبته إن لم نقل استحالته بالنسبة للمتعلم الأدبي ، هذه الثنائية الميتافيزيقية تفرض منطقا معرفيا مهترئا ، ففي الوقت الذي يتجه فيه المتعلم ـ العلمي إلى التخصصات العلمية الدقيقة ، ينحاز المتعلم الأدبي إلى الشعب الإنسانية و القانونية و الاجتماعية ، المسلكين معا ينتجان مفارقة في النتيجة النهائية ؛ حيث يتحول الأدبي إلى مسؤول سياسي أو قضائي بيده سلطة القرار و أحيانا كثيرة التشريع و التنفيذ ، و يغدو المتعلم العلمي منغلقا في تخصصه الدقيق في استقالة شبه تامة عن الحياة و مقتضيات الصراع ، مما يغيب على الجانبين إمكانية الاستفادة و إغناء الثقافة و الحضارة الوطنية ، غير أن الأمر لا يقتصر على هذا المنحى ؛ إذ أن امتدادات هذه العوز تصل إلى منطق و فلسفة التفكير التي يطغى عليها العنف و غياب الأنسنة و القدرة على التواصل البناء ، خاصة و أن الافتقاد إلى المرجعية الشمولية في قراءة الظواهر و الخاصيات الإنسانية ، يؤدي في كلتا الحالتين إلى إنتاج الحدية المفرطة و ادعاء القول الفصل أو المركزية في اتخاذ القرار ، و هو ما يعني تشتت المبادرات و تشذيرها و تشذيبها ، خاصة أن الأمر موكول إلى بنية التكوين ، فلا يعقل مثلا أن تنتج العلوم ذهينة التفوقأ و التطرف و ارتياد عوالم الجماعات ، في وقت ترتكز العلوم في منطقها على النسبية ، و يتأتى هذا من غياب القراءة و التكوين في حقل الإنسانيات و الإجتماعيات ، و بالمقابل لا تعني الحقول الأدبية و الإنسانية مرتعا للسلبية و هروبا من التدقيقات الإحصائية و الكمية و المعادلات ، و حياضا خصبا للتسلية و تزجية الوقت ، و إنما هي شريك أساس في بناء المتعلم و تقوية مناعته و تقويته في تنويع مصادر معرفته ، في أفق إنزاله إلى ساحة المحددات و الموجهات التي لا يرتهن منطقها بالحساب و الكم ، و التي تفرز العديد من الحقائق و تبني الكثير من العوالم ، و من ثم فإن خيال الروائي لا يتخلف عن افتراضات الرياضي و حسابات الاقتصادي ، و أن العقل المجرد يكون محكوما بسياقات اجتماعية و أحيانا بدوافع نفسية قد لا تحل منطقها الداخلي و شفرتها العميقة سوى دندنات موسيقية ، و ليس جداول و أرقام إحصائية .

إن الروائز التي تسعى الوزارة من خلالها رصد اختلال التمثلات و المكتسبات ، لا تعد مؤشرا نوعيا إن هي أقامت منطقا ايديولوجيا لا زال يؤمن بالتراتبية و الطبقية المعرفية ، بقد رما هو أسير نزوع كلاسيكي في بناء الذات ، و أخطر ما يمكن أن تفضي إليه هذه السياسة هو صناعة مناخ و أرضية مهيأة للسلبية و التقوقع خارج المتعلم الإشكالي و بعيدا عن المعرفة و العلم البناء و الهادف .

توقيع » sympat058

 

مواضيعيردودي
 
من مواضيعي في المنتدي

رد مع اقتباس