رد: الأدب العربي في العصر الجاهلي
الحكم والأمثال
وربما كانت وحدها التي وصلت إلينا كلها
كما نطق بها أصحابها
بلا تغيير أو تحريف ولا زيادة أو نقص
لما تمتاز به من تركيز بالغ، وإيجاز شديد
وقبول للحفظ والشيوع
على الألسنة في كل مناسبة
وبذلك تكون أصح ما بقي من النصوص الجاهلية
وأقربها إلى أصولها الأولى
وإن كانت لا تقدم صورة كاملة عن النثر الجاهلي
الحكم والأمثال جمل قصيرة بليغة
خالية من الحشو
أوحت بها تجارب الحكماء والمعمرين
في الحياة والعلاقات بين الناس
وهي ثمار ناضجة
من ثمرات الاختبار الطويل والرأي المحكم
وقد اشتهر عند العرب في العصر الجاهلي
طائفة من أولئك الحكماء
مثل
لقمان عاد وهو غير لقمان الحكيم
المذكور في القرآن الكريم
وأكثم بن صيفي
وعامر بن الظرب وأكثم بن عامر
وهرم بن قطبة ولبيد بن ربيعة
وبعض هؤلاء يُعدون في الخطباء
وحكام المنافرات أيضاً
ولا يكاد يوجد في العصر الجاهلي
سيد أو شريف أو خطيب مشهور
إلا أضيفت إليه جملة من الحكم والأمثال.
والفرق بين الحكمة والمثل
أن الحكمة قول موجز جميل
يتضمن حكماً صحيحاً مسلماً به
لأنه نابع من الواقع ومعاناة التجارب في الحياة
مثل
آخر الدواء الكي
وأول الشجرة النواة
وإنك لا تجني من الشوك العنب
وإن العوان لا تعلم الخمرة
وأما المثل فهو
في أصله قول يقترن بقصة أدت إليه
ويدري به اللسان أول مرة
ثم يدخل في نطاق الأمثال
حين يستشهد به في مقامات مماثلة
وفي حالات مشابهة للحالة الأولى
التي ورد ذلك القول فيها
ولذلك تحكى الأمثال بألفاظها الأصلية
بلا تغيير ولا تصرف
مهما كان وضع المخاطب أو نسق الكلام.
وقد دون العرب حكمهم وأمثالهم
منذ أوائل العصر الأموي
وهذا مما ساعد على حفظها وتواترها على الألسنة
وأكثر تلك الحكم والأمثال
لا يعرف أصحابها أو قائلوها
وقد سيقت بأسلوب سهل
لا أثر للصنعة الإنشائية فيه
وبعضها بل أكثرها
يعد من الإنشاء الرفيع، والسبك الجيد
وكثير منها أشطار موزونة
ربما كانت مقتطعة من أبيات كاملة
مثل
«رضيت من الغنيمة بالإياب»
وهو عجز بيت لامرئ القيس
و
«خلا لك الجو فبيضي واصفري»
وهو أيضاً عجز بيت لطرفة
«والبس لكل حالة لبوسها»
وهو رجز قديم
لا تعرف تتمته ولا صاحبه
ولا تخلو صياغة بعض الحكم والأمثال أحياناً
من خروج على النظام اللغوي
كقولهم
«مكره أخاك، لا بطل»
و
«أعط القوس باريها»
و
«أجناؤها أبناؤها»
والقياس
«جناتها بناتها»
لأن
«فاعلاً»
لا يجمع على
«أفعال»
وهذه الحكم أو الأمثال هي
على كل حال
صورة لحياة العرب في الجاهلية
ولأساليبهم ولهجاتهم وجانب من نثرهم
فيها البساطة والسهولة
التي لا تخلو أحياناً من السجع والاحتفال
بتوازن الكلمات وجمال الصنعة والتصوير
نكمل بكره
ان شاء الله
تحيتى
|