رد: سلسلة الأحاديث المشروحة ...
الحديث الرابع
( مراتب تغيير المنكر)
عن طارق بن شهاب قال
أول من بدأ بالخطبة يوم العيد
قبل الصلاة مروان
فقام إليه رجل فقال
الصلاة قبل الخطبة
فقال قد ترك ما هنالك
فقال أبو سعيد
أما هذا فقد قضى ما عليه
سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول
"من رأى منكم منكراً فليغيره بيده
فإن لم يستطع فبلسانه
فإن لم يستطع فبقلبه
وذلك أضعف الإيمان"
شرح الحديث
الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر باب عظيم
به قوام الأمر وملاكه
وإذا كثر الخبث عمّ العقاب الصالح والطالح
وإذا لم يأخذوا على يد الظالم
أوشك الله تعالى أن يعمهم بعقابه
(فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة
أو يصيبهم عذاب أليم)
فينبغي لطالب الآخرة
والساعي في تحصيل رضا الله عز وجل
أن يعتني بهذا الباب فإن نفعه عظيم
ويخلص نيته ولا يهابنّ من ينكر عليه
لارتفاع مرتبته
فإن الله تعالى يقول
(ولينصرن الله من ينصره)
وقال تعالى
(ومن يعتصم بالله فقد هُدِيَ إلى صراط مستقيم)
وقال سبحانه
(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)
وقال جل وعلا
(أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا
وهم لا يفتنون
ولقد فتنَّا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله
الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين)
واعلم أن الأجر على قدر النصَب
ولا يتاركه أيضاً لصداقته ومودته ومداهنته
وطلب الوجاهة عنده
ودوام المنزلة لديه
فإن صداقته ومودته توجب له حرمة وحقاً
ومن حقه أن ينصحه
ويهديه إلى مصالح آخرته
وينقذه من مصارِّها
وصديق الإنسان ومحبُّه
من سعى في عمارة آخرته
وإن أدى ذلك إلى نقص في دنياه
وعدوه من يسعى في نقص آخرته أو ذهابها
وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه
وإنما إبليس عدو لنا لهذا
وكانت الأنبياء صلوات الله وسلامه
عليهم أجمعين أولياءَ للمؤمنين
لسعيهم في مصالح آخرتهم
وهدايتهم إليها
ونسأل الله الكريم توفيقنا وأحبابنا
وسائر المسلمين لمرضاته
وأن يعمنا بجوده ورحمته
كيف تأخر أبو سعيد عن إنكار المنكر المتمثِّل
في تقديم الخطبة على الصلاة في يوم العيد
حتى سبقه إليها هذا الرجل؟
يحتمل أن أبا سعيد لم يكن حاضراً
أول ما شرع مروان في أسباب تقديم الخطبة
فأنكر عليه الرجل
ثم دخل أبو سعيد وهما في الكلام
ويحتمل أن أبا سعيد كان حاضراً من الأول
لكنه خاف على نفسه أو غيره فتنة
بسبب إنكاره فسقط عنه الإنكار
ولم يخف ذلك الرجل شيئاً
لاعتضاده بظهور عشيرته
أو غير ذلك، أو أنه خاف وخاطر بنفسه
وذلك جائز في مثل هذا
ويحتمل أن أبا سعيد همّ بالإنكار
فبدره الرجل فعضَّده أبو سعيد
ثم جاء في حديث البخاري ومسلم
في باب صلاة العيد أن أبا سعيد
هو الذي جذب بيد مروان
حين رآه يصعد على المنبر
وكانا جاءا معاً فردّ عليه مروان
بمثل ما ردّ هنا على الرجل
فيحتمل أنهما قضيتان
إحداهما
لأبي سعيد
والأخرى للرجل بحضرة أبي سعيد
ومعنى
"فقد قضى ما عليه"
فيه دليل على استقرار السنة عندهم
على خلاف ما فعله مروان
وفيه تصريح بالإنكار أيضاً من أبي سعيد
للحديث بقية
|