النهي عن الغُلوّ والإطراء في مدحه
الغلو : تجاوز الحد ، يُقالُ : غَلا غُلُوًّا ، إذا تجاوز الحد في القدر ، قال تعالى : لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ أي : لا تجاوزوا الحد .
والإطراءُ : مجاوزة الحدِّ في المدح ، والكذب فيه ، والمرادُ بالغُلوِّ في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - : مجاوزة الحد في قدره ؛ بأن يُرفع فوق مرتبة العبودية والرسالة ، ويُجعلَ له شيء من خصائص الإلهية ؛ بأن يُدعى ويُستغاثَ به من دون الله ، ويُحلفَ به .
والمراد بالإطراء في حقه - صلى الله عليه وسلم - : أن يُزادَ في مدحه ، فقد نهى - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك بقوله : لا تُطروني كما أطرتِ النَّصارى ابنَ مريم ، إنما أنا عبد ، فقولوا : عبدُ الله ورسولُه أي : لا تمدحوني بالباطل ، ولا تجاوزوا الحدَّ في مدحي ، كما غلت النَّصارى في عيسى - عليه السلام - فادَّعوا فيه الألوهية ، وَصِفُوني بما وَصَفَني به ربّي ، فقولوا : عبدُ الله ورسوله .
ولما قال له بعض أصحابه : أنت سيّدُنا ، فقال : ( السَّيّدُ الله تبارك وتعالى ) ، ولما قالوا : أفضلنا وأعظمنا طَولًا ، فقال : ( قولوا بقولكم ، أو بعض قولكم ، ولا يستجرينكم الشيطان .
وقال له ناس : يا رسولَ الله ، يا خيرَنا وابن خيرنا ، وسيدنا وابن سيدنا ، فقال : يا أيها الناس ، قولوا بقولكم ، ولا يستهوينكم الشيطان ، أنا محمد عبدُ الله ورسولُه ، ما أحبُّ أن ترفعوني فوقَ منزلتي التي أنزلني الله عزّ وجلّ .
كره - صلى الله عليه وسلم - أن يمدحوه بهذه الألفاظ : أنت سيدنا - أنت خيرُنا - أنت أفضلُنا - أنت أعظمُنا ، مع أنه أفضلُ الخلق وأشرفُهم على الإطلاق ؛ لكنه نهاهم عن ذلك ابتعادًا بهم عن الغُلُوِّ والإطراء في حقه ، وحمايةً للتوحيد ، وأرشدهم أن يصفوه بصفتين ؛ هما أعلى مراتب العبد ، وليس فيهما غلو ولا خطر على العقيدة ، وهما : عبد الله ورسوله ، ولم يُحب أن يرفعوه فوق ما أنزله الله عز وجل من المنزلة التي رضيها له ، وقد خالف نهيَه - صلى الله عليه وسلم - كثيرٌ من الناس فصاروا يدعونه ، ويستغيثون به ، ويحلفونَ به ، ويطلبون منه ما لا يُطلب إلا من الله ، كما يُفعلُ في الموالد والقصائد والأناشيد ، ولا يُميزون بين حق الله وحق الرسول .
يقول العلامةُ ابن القيم في النونية :
للـــه حـــق لا يكــون لغــيره ولعبـــده حــق همــا حقــان
لا تجعلوا الحقين حقًّا واحدًا مـــن غــير تميــيز ولا فرقـان