المهندسين العرب - لغة الحوار

للحوار لغة خاصة لها مرتكزاتها العلمية والفكرية والأدبية, من حسن الاستماع والتواضع وحجة البرهان والاعتراف بالآخر والبعد عن التعصب وضيق الأفق وعدم اعتبار مسألة الحوار بين ملقن آمر ومتلق مأمور عبارة عن لوح أسود يكتب عليه المسؤول ما يريد وينفذ الآخر ما يملى عليه دون مناقشة, ويصفق المنافقون للأقوى في موقعه, وعندما يترجل لا مكان له في عقولهم..

إن إلغاء الآخر مسألة جد خطيرة تؤثر على تطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, لأن الحوار البنّاء يطور المجتمع ويعمق دور المؤسسات, فبالحوار تضيق المسافة بين الأفكار وتتوحد الرؤى, وهناك شواهد عديدة في التاريخ العربي تسعفنا في هذه المسألة, عندما قال الخليفة عمر بن الخطاب لجموع الناس:( أيها القوم من رأى فيّ اعوجاجاً فليقومه. قال له أعرابي من عامة الشعب: والله يا عمر لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا. قال عمر: الحمد لله الذي في أمتي من يقوّم اعوجاجي إن أخطأت..)‏

هذا حوار جريء وشجاع ليس بين خليفة وخليفة, وإنما بين خليفة ورجل من عامة الرعية..‏

ما أجمل الحوار مع الجيل الجديد, لأن الفضاء الإعلامي مفتوح أمامه يسمع من خلاله كل شيء ولديه من التساؤلات الشيء الكثير حتى أصبحت بعضها يقينيات تحتاج إلى حوارات مكثفة تملك الرؤيا الواضحة والتحليل الموضوعي بعيداً عن النمطية التي تقتل روح الإبداع في ذهنية الجيل الذي يحلم بالمستقبل الزاهر الآمن...‏

فكل من يعتقد في بداية كل حوار أنه الأفهم والأجدر يسيطر عليه حب العظمة ويبتعد عن الموضوعية, وبالتالي تتمكن منه الأنانية وحب الذات.. ولا يمكن عندها أن يكون محاوراً ناجحاً مادام ينطلق من مقولة ( عنزة ولو طارت)..‏

إن رحابة الصدر واعتبار الآخر شريكاً في بناء الوطن وتقدمه هو بداية منطلق الحوار الذي يعترف بالآخر دون إلغائه, من هنا أكد السيد الرئيس في كل خطبه على ضرورة ترسيخ مبدأ الإعتراف بالرأي والرأي الآخر... فالجدل في القرآن الكريم هو الحوار : ( وجادلهم بالتي هي أحسن) وقد سبق ذلك بقرون ما اكتشفه زعماء الاشتراكية في العالم من قوانين الديالكتيك الذي هو علم التغيرات في الفكر والطبيعة والمجتمع.. فالتطور يحصل من خلال علم الحوار والجدل والمناقشة والشورى فلغة الحوار والاعتراف بالرأي الآخر هي اللبنة الأولى في تطور المجتمع وخلق التلاقح الفكري الذي يؤدي إلى التجانس والانسجام في كل مسألة تسهم في تطور المجتمع وتقدمه.‏