المهندسين العرب - المراء والمزاح وإخلاف الموعد

المراء والمزاح وإخلاف الموعد

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: لا تماري أخاك ولا تمازحه، ولا تعده موعدا فتخلفه أخرجه الترمذي بسند فيه ضعف.

--------------------------------------------------------------------------------

والحديث ضعيف لأنه من رواية ليث بن أبي سُليم بن زنيم الليث، وليث مشهور بالضعف، لكن ما دل عليه من المعنى وهو المماراة لا تماري أخاك، النهي عن المماراة كذلك لأنها تفضي إلى النزاع، وهي المماراة التي لا يحصل منها مصلحة ولا فائدة، بل جادل بالتي هي أحسن، ويكون البحث بالتي هي أحسن، أما إذا انتهى الأمر إلى المماراة فالمماراة تورث النزاع، وربما تورث الحقد والبغضاء، والعداوة.

ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام- في عدة أخبار وهو حديث صحيح: مراء في القرآن كفر لأن كل إنسان يقصد الغلبة، لم يقصد الحق، وهذا منهي عنه ولا يجوز، وإذا كان المراء في أحكام الشريعة، كان الأمر أشد، وكذلك المراء عموما، لا يماري أخاه، لأن المقصود من الكلام المصلحة، ولهذا يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت فإذا لم يظهر الخير فالصمت هو الأولى وربما كان واجبا.

كذلك المزح والممازحة، المراد المزح الذي يورث العداوة، وأول العداوة مبدؤها المزح، وهذا المزح الذي يكون فيه تعدٍ أو كثرة أو مبالغة، أما المزح اليسير فلا بأس، فقد مازح النبي أصحابه عليه الصلاة والسلام، والصحابة أيضا كانوا يمازحون، يمازح بعضهم بعضا، ويقال المُزاح والمِزاح، وهو الدعابة، ويكون اللين في القول واللطف فيه، وإيراد بعض الأقوال التي يحصل بها إيناس النفس.

وكان أهل العلم ربما مازحوا، والممازحة التي يحصل بها إيناس ويحصل بها نشاط، وكانوا في مجالس العلم إذا تيسر ذلك وصار الوقت مناسبا، ربما أوردوا بعض الحكايات يسمونها الإحماض أحمضوا لنا، وابن عباس - رضي الله عنهما - كان إذا تكلم وحدث ثم يقول أحمضوا لنا، يعني يأخذون في الأحاديث التي يكون فيها شيء من الترويح عن النفس بعد جدها واجتهادها، مثل ما ترعى الإبل الحمض حينما ترعى وتكثر من الرعي فترعى ما يكون سببا في تسهيل ما أكلته.

فكذلك أيضا هذا الإحماض يكون سببا في تيسير الفوائد، لكنه لا يكون كثيرا، ويجعل الإنسان وقته كله مزحا ولعبا مثل ما قيل، كالذي يرقص مع الزنوج ويقول إن عائشة -رضي الله عنها- جعلت ترى الحبشة يرقصون، وهذا لا شك أنه من القول الباطل، ومثل من ينقر صلاته فيقول إن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يخفف، وهذا من القول الباطل ومن الشبهات بل من الضلالات.

والنبي كان يمازح في أخبار كثيرة عنه -عليه الصلاة والسلام- مازح أصحابه في عدة أخبار صحيحة، وجاء في قصة زاهر بن حرام، حينما مازحه، وأمسكه من خلفه -عليه الصلاة والسلام- وكان يحبه، والحديث رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح، بل إسناد على شرط الشيخين، رواه عبد الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس، وهذا إسناد على شرط مسلم أو على شرطهما، وفيه أنه أمسكه من خلفه وكان يحبه -عليه الصلاة والسلام- وقال: من يشتري مني العبد؟ وهو كان يبيع في السوق - قال إذا تجدني، بل جاء وأمسكه - ثم قال: أرسلني من هذا؟ أرسلني، لم يعلم أنه النبي -عليه الصلاة والسلام- فالتفت فإذا النبي -عليه الصلاة والسلام- فلم يألُ أن يلصق ظهره بصدر النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم جعل يقول: من يشتري مني العبد؟ قال: إذا تجدني كاسدا يا رسول الله، قال: إنك لست عند الله بكاسد إنك عند الله غالٍ قوله من يشتري مني العبد، هذا من باب التورية، وكلنا عبيد لله -عز وجل-: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدا .

وهكذا في عدة أخبار، قال: إنا حاملوك على ولد الناقة، قال: وكيف أصنع بولد الناقة؟ قال: وهل تلد الإبل إلا النوق وجاء في أخبار في بعضها ضعف: " زوجك الذي في عينيه بياض " وهو من طرق بعضها ضعيف، لكن الأحاديث والشواهد في هذا كثيرة عنه -عليه الصلاة والسلام- لكنه يكون بقلة، ويكون أيضا باعتدال، ولا يكون فيه شدة وغلظة مما يفضي إلى العداوة والبغضاء.

كذلك أيضا لا يجوز أن تعد أخاك موعدا لا تعده موعدا وتخلفه، وهذا من الأدلة التي يدل بها على وجوب الوفاء بالوعد، وهذا قول عمر بن عبد العزيز وجماعة من أهل العلم، تقدم الإشارة إلى هذا