المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مكارم الأخلاق في حياتنا المعاصرة بين النظرية والتطبيق


عبدالرازق ابو محمد
25/12/2015, 09:18 AM
http://www5.0zz0.com/2011/11/07/10/270961444.gif

مكارم الأخلاق في حياتنا المعاصرة بين النظرية والتطبيق

عباد الله: إن الأزمة في حياتنا المعاصرة أزمة أخلاق؛ لأن قوام الأمم بالأخلاق وضياعها بفقدانها لأخلاقها، قال الشاعر أحمد شوقي:

إنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت …………فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وقال: وَإِذا أُصـــيــبَ الـــقَــومُ فـــــي أَخــلاقِــهِـم………. فَـــــأَقِـــــم عَـــلَـــيــهِــم مَــــأتَـــمـــاً وَعَـــــويــــلا.

وقال: صَـلاحُ أَمْـرِكَ لِلأَخْـلاقِ مَرْجِعُـهُ…………… فَقَـوِّمِ النَّفْـسَ بِالأَخْـلاقِ تَسْتَقِـمِ

ولو نظرنا إلى حياتنا المعاصرة لوجدنا انفصالا بين ما نقرأه ونتعلمه ونتعبد به ؛ وبين ما نطبقه على أرض الواقع؛ وسأحكي لكم قصة تدل على مدى الانفصام والانفصال بين النظرية والتطبيق: شاب يعمل في دولة أجنبية، فأعجبته فتاة أجنبية فتقدم لخطبتها وكانت غير مسلمة، فرفض أبوه لأنها غير مسلمة، فأخذ الشاب مجموعة من الكتب تظهر سماحة الإسلام وروحه وسلوكياته وأخلاقه ثم أعطاها لها، طمعاً في إسلامها وزواجها، فطلبت منه مهلة شهرين تقرأ الكتب وتتعرف على الإسلام وروحه وأخلاقه وسماحته، وبعد انتهاء المدة تقدم لها فرفضته قائلة: لست أنت الشخص الذي يحمل تلك الصفات التي في الكتب، ولكني أريد شخصاً بهذه الصفات!!

فكلنا نقرأ في الأخلاق!! وكلنا نحفظ آيات وأحاديث في الأخلاق!! وكلنا نسمع صورا مشرقة من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وسلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين!! ولكن هل طبقنا ذلك عمليا؟!!

أحبتي في الله: ألا فلنتأسى بالنبي وسلفنا الصالح في تطبيقهم العملي الواقعي لمكارم الأخلاق؛ وسأضرب لك بعض الأمثلة: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ:” يْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ وَقَعَ رَجُلٌ بِأَبِي بَكْرٍ فَآذَاهُ فَصَمَتَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ ؛ ثُمَّ آذَاهُ الثَّانِيَةَ فَصَمَتَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ ؛ ثُمَّ آذَاهُ الثَّالِثَةَ فَانْتَصَرَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ حِينَ انْتَصَرَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَوَجَدْتَ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَزَلَ مَلَكٌ مِنْ السَّمَاءِ يُكَذِّبُهُ بِمَا قَالَ لَكَ فَلَمَّا انْتَصَرْتَ وَقَعَ الشَّيْطَانُ فَلَمْ أَكُنْ لِأَجْلِسَ إِذْ وَقَعَ الشَّيْطَانُ: ( الصحيحة للألباني)، فالله وكل ملكا يرد عنك إذا سبك أحد ؛ فإذا رددت انصرف الملك وحضر الشيطان يمارس مهنته!!

لذلك قال الشافعي: يخاطبني السفيه بكل قبح……….. فأكره أن أكون له مجيبا

يزيد سفاهة فأزيد حلماً………..كعود زاده الإحراق طيبا

وقال: إذا نطق السفيه فلا تجبه……….. فخير من إجابته السكوت

إن كلَمته فرَجت عنه ………..وإن تركته كمداً يمـوت

عباد الله: إن من مكارم الأخلاق السكوت وعدم الرد على الجاهل؛ لأنك لو رددت على من سبك أو شتمك وخاصمك فقد فتحت بابا من أبواب الشر ؛ وما أجمل قول الشافعي رحمه الله حينما عاتبه الناس فى سكوته عن الجاهل:

قالوا سَكَتَّ وَقَد خُوصِمتَ قُلتُ لَهُم………..إِنَّ الجَوابَ لِبابِ الشَرِّ مِفتاحُ

وَالصَمتُ عَن جاهِلٍ أَو أَحمَقٍ شَرَفٌ……..وَفيهِ أَيضاً لِصَونِ العِرضِ إِصلاحُ

أَما تَرى الأُسدَ تُخشى وَهِيَ صامِتَةٌ……..وَالكَلبُ يُخشى لَعَمري وَهوَ نَبّاحُ

فالأسد يهابه الجميع وهو صامت ؛ والكلب نبَّاح على الدوام ولا يخافه أحد؛ فكن كالأسد ولا تكن كالكلب !!!

فلو اضطررت للكلام فلا تقل إلا خيرا، كما مر عيسى عليه السلام بقوم من بني إسرائيل فقالوا له شراً ، فقال خيراً، فقيل له: إنهم يقولون لك شراً وتقول خيراً؟! فقال لهم عليه السلام : كل واحد ينفق مما عنده !!

ولذلك ضرب بالأحنف بن قيس المثل في الحلم والصفح ، فقيل له: كيف وصلت إلى هذه المنزلة؟ فقال: ما آذاني أحد إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث : إن كان فوقي عرفت له فضله، وإن كان مثلي تفضّلت عليه، وإن كان دوني أكرمت نفسي عنه. وفي هذا المعنى يقول الشاعر محمود الوراق:

سَأُلزِمُ نَفسي الصَفحَ عَن كُلِّ مُذنِب……….. وَإِن كَثُرَت مِنهُ عَلَيَّ الجَرائِمُ

وَما الناسُ إِلّا واحِدٌ مِن ثَلاثَة…………. شَريفٌ وَمَشروفٌ وَمِثلي مُقاوِمُ

فَأَمّا الَّذي فَوقي فَأَعرِفُ فَضلَهُ………… وَألزمُ فيهِ الحَقَّ وَالحَقُّ لازِمُ

وَأَمّا الَّذي دوني فَإِن قالَ صُنتُ………… عَن مَقالَتِهِ نَفسي وَإِن لامَ لائِمُ

وَأَمّا الَّذي مِثلي فَإِن زَلَّ أَو هَفا…………. تَفَصَّلتُ إِنَّ الفَضلَ لِلحُرِّ حاكِمُ

فما أعظمها من مُثُل وما أجملها من أخلاق، لو طبَّقنا ذلك عملياً.

وهذا ما أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ }؛ لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما هذا يا جبريل؟” قال: إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك.”( تفسير ابن كثير)

أيها المسلمون: إن العامل الأكبر في انتشار الإسلام في عصر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والسلف الصالح إنما هو مكارم الأخلاق الكريمة التي لمسها المدعون في هذا الجيل الفذ من المسلمين، سواء كانت هذه الأخلاق في مجال التجارة من البيع والشراء، مثل الصدق والأمانة؛ أو في مجال الحروب والمعارك، وفي عرض الإسلام عليهم وتخييرهم بين الإسلام أو الجزية أو المعركة، أو في حسن معاملة الأسرى، أو عدم قتل النساء والأطفال والشيوخ والرهبان، هذه الأخلاق وغيرها دفعت هؤلاء الناس يفكرون في هذا الدين الجديد الذى يحمله هؤلاء، وغالبًا كان ينتهي بهم المطاف إلى الدخول في هذا الدين وحب تعاليمه، ومؤاخاة المسلمين الفاتحين في الدين والعقيدة!!

هذه الأخلاق أثارت إعجاب الباحث الفرنسي كليمان هوارت حيث يقول : “لم يكن محمدٌ نبياً عادياً ، بل استحق بجدارة أن يكون خاتم الأنبياء ، لأنه قابل كل الصعاب التي قابلت كل الأنبياء الذين سبقوه مضاعفة من بني قومه … نبي ليس عادياً من يقسم أنه “لو سرقت فاطمة ابنته لقطع يدها” ! ولو أن المسلمين اتخذوا رسولهم قدوة في مكارم الأخلاق لأصبح العالم مسلماً”

هذه هي أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو المثل الأعلى في الأخلاق؛ شهد له ربه في علاه: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4)؛ ولما سئلت أمنا عائشة رضي الله عنها عن أخلاقه قالت: ” كان خلقه القرآن” ( مسلم ) ؛ فالإنسان لا يكسب قلوب الناس واستمالتهم بالغلبة أو القوة أو المنصب والجاه؛ وإنما بمكارم الأخلاق؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إنَّكم لن تسَعوا النَّاسَ بأموالِكم؛ ولكن يسعُهم منكم بَسْطُ الوجهِ وحُسنُ الخُلُقِ.” [ صحيح الترغيب والترهيب – الألباني ]

أحبتي في الله: قد يقول قائل: كيف أكتسب تلك الأخلاق الحسنة وأطبقها؟! أقول: هناك وسائل لتحصيل حسن الخلق تتمثل فيما يلي:

1- الدعاء بحسن الخلق، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بذلك. :” وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ؛ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ ” (الترمذي)، كذلك كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ من سوء الخلق فكان يقول : ” اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ ” . ( أبو داود والنسائي)

2- التفكر في ثواب حسن الخلق وما أعده الله من النعيم. 2- قبول النصيحة من الغير مهما كان.

4- الاستماع والانتفاع بكلام الأعداء والخصوم. 5- مصاحبة أهل الفضل والمروءة.

6- النظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والتأمل في مواقفه الرائعة. 7- مجانبة السفهاء والبطالين.

8- التأمل والتعرف على ما تحمله النفس من أخلاق سيئة وعادات قبيحة.

9- تمرين النفس على فعل الأخلاق الحسنة بالتطبيق العملي. 10- مجاهدة النفس واستفراغ الوسع على ترك الأخلاق السيئة.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرفُ عنا سيئها إلا أنت.

انطونى سات
25/12/2015, 09:58 AM
شكرا لك اخى
وجزاك الله خيرا

ناصر ابو محمد
25/12/2015, 11:54 AM
الف شكر اخى الغالى

ابوعلاء عز
25/12/2015, 02:34 PM
http://www.samysoft.net/fmm/fimnew/shokr/1/11371141213.gif

ايمن مغازى
25/12/2015, 05:57 PM
بارك الله فيك أخى