المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معاملات نهي عنها الإسلام والحكمة من تحريمها


عبدالرازق ابو محمد
25/11/2015, 08:12 AM
http://www.mohtarefon.com/download/pics/bsmalah/88.gif

عباد الله: انتشرت في هذه الأيام أدواء قاتلة من المعاملات المالية في البيع والشراء والعملية التجارية ؛ ومن هذه الأدواء:

الاحتكار: والاحتكار كما قال ابن حجر: إمساك الطّعام عن البيع، وانتظار الغلاء مع الاستغناء عنه وحاجة النّاس إليه «فتح الباري» .

ويدخل في الاحتكار جميع السلع والخدمات التي يتضرر المجتمع من حبسها واحتكارها؛ وعلى هذا فيفترق الادخار عن الاحتكار ؛ في أن الاحتكار لا يكون إلا فيما يضر بالناس حبسه، أما الادخار فإنه يتحقق فيما يضر وما لا يضر ، وفي الأموال النقدية وغيرها .

كما أن الادخار قد يكون مطلوبا في بعض صوره ، كادخار الدولة حاجيات الشعب .

أيها المسلمون: لقد تضافرت الأدلة من السنة النبوية في ذم الاحتكار والنهي عنه والتشنيع على المتعامل به؛ فعن معمر بن عبد الله- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحتكر إلّا خاطىء» ( مسلم ). وعن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من احتكر على المسلمين طعاما ضربه الله بالجذام والإفلاس» ( ابن ماجة، وأحمد وصححه الشيخ أحمد شاكر ).

قال الكاساني : “ومثل هذا الوعيد لا يلحق إلا بارتكاب الحرام ، ولأنه ظلم ؛ لأن ما يباع في المصر فقد تعلق به حق العامة ، فإذا امتنع المشتري عن بيعه عند شدة حاجتهم إليه فقد منعهم حقهم ، ومنع الحق عن المستحق ظلم وحرام ، يستوي في ذلك قليل المدة وكثيرها ، لتحقق الظلم.” (بدائع الصنائع) .

كما اعتبره ابن حجر الهيتمي من الكبائر حيث يقول :” إن كونه كبيرة هو ظاهر الأحاديث ، من الوعيد الشديد ، كاللعنة وبراءة ذمة الله ورسوله منه والضرب بالجذام والإفلاس؛ وبعض هذه دليل على الكبيرة.” (الزواجر)

أيها المسلمون : لقد حرم الإسلام الاحتكار لما يخلفه من آثار ومضار سيئة على الفرد والمجتمع؛ فهو يورث الضّغينة والبعد عن النّاس؛ ويناقض الإيثار الّذي هو جوهر علاقة المسلم بأخيه المسلم؛ فضلا عن أنه يثري القطيعة الاجتماعيّة في الأمّة؛ كما أنه يحمل في طياته بذور الهلاك والدمار لما يسببه من ظلم وغلاءٍ في الأسعار، وإهدارٍ لتجارة المسلمين وصناعتهم، وتضييق لأبواب العمل والرزق، وهو نوعٌ من محبة الذات وتقديم النفس على الآخرين؛ ويؤدي إلى تضخُّم الأموال في طائفةٍ قليلةٍ من الناس، كما في قوله -تعالى-: (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ) [الحشر:7].

لذلك ” اتفق فقهاء المذاهب على أن الحاكم يأمر المحتكر بإخراج ما احتكر إلى السوق وبيعه للناس . فإن لم يمتثل يجبر على البيع إذا خيف الضرر على العامة ، بل أخذ منه ما احتكره وباعه ، وأعطاه المثل عند وجوده ، أو قيمته . وهذا قدر متفق عليه بين الأئمة ، ولا يعلم خلاف في ذلك .” (الموسوعة الفقهية )

عباد الله : ومن الأدواء القاتلة في عملية البيع والشراء المنهي عنها والتي حرمها الإسلام (الغش)؛ وله صور عديدة: منها: بيع الفاسد على أنه صالح ؛ وبيع المواد الغذائية منتهية الصلاحية؛ وبيع المصنوعات التقليدية بسعر الأصلي على أنها أصلية؛ وتصرية الأنعام بحيث يترك الحليب في ضرعها حتى يجتمع فيبيعها فيظن المشتري أن لبنها كذلك دائما؛ وبيع الألبان *****ة الدسم على أنها كاملة الدسم؛ وقد أخبرني أحد العاملين بمصانع الألبان أنه شاهد ذلك بنفسه؛ والتطفيف في الكيل والميزان؛ وغير ذلك من صور الغش والخداع والتضليل المنتشرة في المجتمع والتي لا يتسع المقام لحصرها والتي يتفنن فيها الغشاشون يوما بعد يوم.

لذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغش وتبرأ من صاحبه؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا ؛ فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟! قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ!! قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟! مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي” (مسلم)

وليعلم الغاش أن غشه سببٌ لمحق البركة في ماله وأهله وولده؛ قال صلى الله عليه وسلم:” البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما.”(البخاري ومسلم)

” ففي الحديث حصول البركة لهما إن حصل منهما الشرط وهو الصدق والتبيين، ومحقها إن وجد ضدهما وهو الكذب والكتم، وأن الدنيا لا يتم حصولها إلا بالعمل الصالح، وأن شؤم المعاصي يذهب بخير الدنيا والآخرة.”( فتح الباري)؛

ومما يدل على أن شؤم المعصية يذهب بالرزق قول أحد السلف: “جزاء المعصية الوهن في العبادة والضيق في المعيشة والتعسر في اللذة، قيل: وما التعسر في اللذة؟! قال: لا يصادف لذة حلالاً إلا جاءه من ينغصها عليه”.

وما أجمل مقولة عبد الله بن عباس: إن للحسنة ضياءً في الوجه ، ونورا في القلب ، وسعة في الرزق ، وقوة في البدن ، ومحبة في قلوب الخلق ، وإن للسيئة سوادا في الوجه ، وظلمة في القبر والقلب ، ووهنا في البدن ، ونقصا في الرزق ، وبغضة في قلوب الخلق . وقال بعض السلف : إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي ، وامرأتي ( الداء والدواء لابن القيم )

فكم من نعم ذهبت يوم اقترفت المعاصي؟! وكم حُرم الناس من خير عميم من ذنب فاسق أثيم، يجري الغمام فوق الديار، فلا ينزل عليهم الغيث المدرار؛ لما كسبته قلوبهم من الأخطال، فذاقوا من أمرهم الوبال؟!.

إذا كنت فِي نعمة فارعها *** فإن المعاصي تزيل النعم

وحطها بطاعة رب العباد *** فرب العباد سريع النقم

قال -تعالى-: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41]، والله -تعالى- يبتلي عباده ببعض ما كسبت أيديهم لكي ينتبهوا ويراجعوا أنفسهم، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “يا معشر المهاجرين، خصالٌ خمسٌ إذا ابتُليتم بهنَّ -وأعوذ بالله أن تدركوهن-: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم. وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله -عز وجل- ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم” رواه البيهقي والحاكم وصححه الألباني؛ فهل يعي المسلمون معنى هذا الحديث العظيم في أحوالهم التي يعيشونها الآن؟.

أيها المسلمون: هذه رسالة أبعثها للغشاش فأقول له: عجبًا للغشَّاش يسعى في جمع المال من الوُجُوه المُباحَة والمحرَّمة، فيَشقى في جمعه ويكسب عَداوَة الآخَرين وفقدان الثقة به، فيَعِيش منقوصَ القدر مَحلَّ ريبةٍ وشكٍّ، ثم يموت ويترك هذا المال الذي شقي به حيًّا؛ ليَشقَى به ميِّتًا يُحاسِب عليه وغيره يتنَّعم به ويترف، فغنمه لغيره وغُرْمُه عليه – نعوذ بالله من عمى البصيرة.

أحبتي في الله: عليكم بالنصح والتناصح للمسلمين واستبدال صفات الغش والتدليس والخداع بصفات النصح والصدق والأمانة في البيع والشراء وجميع أمور حياتنا ؛ كما كان يفعل سلفنا الصالح؛ فكان جرير بن عبد الله إذا قام إلى سلعته يبيعها ، بصَّر المشتري بعيوبها ، ثم خيرَّه، وقال: إن شئت فخذ، وإن شئت فاترك، فقيل: إنك إذا فعلت هذا لم ينفذ لك بيع. فقال:” إنا بايعنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم؛ وروي أن واثلة بن الأسقع كان واقفاً ذات يوم فباع رجل ناقة كانت له بثلثمائة درهم، فغفل واثلة وقد ذهب الرجل بالناقة، فسعي وراءه وجعل يصيح به: يا هذا ، اشتريتها للحم أو للظهر ؟ فقال : بل للظهر ، فقال واثلة : إن بخفها ثقباً قد رأيته ، وإنها لا تتابع السير ، فعاد فردها فنقصها البائع مائة درهم ، وقال البائع لواثلة: رحمك الله ، أفسدت علىَّ بيعي ، فقال: إنا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم – على النصح لكل مسلم.”(الإحياء للغزالي)

فأين نحن من هذه الأخلاق العالية ؟ وأين عالم الأسواق المالية من هذه القيم الفاضلة؟

يقول الإمام أبو حامد الغزالي معقباً على مواقف السلف الصالح من قيمة التناصح فيما بينهم :” فقد فهموا من النصح أن لا يرضيه لأخيه إلا ما يرضاه لنفسه ، ولم يعتقدوا أن ذلك من الفضائل وزيادة المقامات ، بل اعتقدوا أنه من شروط الإسلام الداخلة تحت بيعتهم ، وهذا أمر يشق على أكثر الخلق . فلذلك يختارون التخلي للعبادة و الاعتزال عن الناس ، لأن القيام بحقوق الله مع المخالطة والمعاملة مجاهدة لا يقوم بها إلا الصديقون.”

لذلك تجد هذه الصفات تكاد تكون منعدمة في أسواقنا إلا من رحم الله؛ وقليل ما هم !!! قال بعضهم: أتى على الناس زمان كان الرجل يدخل السوق ويقول: من ترون لي أن أعامل من الناس؟! فيقال له: عامل من شئت. ثم أتى زمان آخر كانوا يقولون: عامل من شئت إلا فلاناً وفلاناً، ثم أتى زمان آخر فكان يقال: لا تعامل أحداً إلا فلاناً وفلانا، وأخشى أن يأتي زمان يذهب هذا أيضاً. وكأنه قد كان الذي كان يحذر أن يكون، وإنا لله وإنا إليه راجعون.( الإحياء للغزالي)

عباد الله: لقد تبيَّنَ أن تلك الأمراض المعضلة التي بدأت تدب في الناس من غلاء واحتكار للسلع غالبها من ضعف الإيمان، وحب الدنيا، وإيثارها على العاجلة، وأنا أقول لمن يقع في ذلك: كم ستعيش في الدنيا؟ وكم ستملك؟ وإلى متى التمتع بملذاتها؟ أليست لك نهاية؟ أليس لك لقاء بملَك الموت؟ ألا تعلم أنك ستقف بين يدي رب العالمين فيجازيك بما فعلت؟ فلْيتَّقِ الله كُلُّ مَن تُسوِّل له نفسه احتكار السلع ورفع أسعارها.

وليعلموا أنه لن تنفعهم أموالهم ولا أملاكهم فتمنع عنهم عقاب الله، وليعلموا أنهم موقوفون بين يدي خالقهم فيسألهم عن كل ما جمعوه، أهو مِن حلال أم مِن حرام؟.

ولا شك أن مقصد الإسلام من تحريم هذه الأدواء القاتلة هو أن تحل الرحمة مكان الغلظة والظلم ، ويحل التعاطف والتآزر والإيثار مكان الأنانية والجشع والطمع ، حتى يعيش المجتمع في ضوء القيم الأخلاقية والتعاليم الإلهية فينعم ويصفو ، ويعم الخير والرفاه جميع أفراده.

عباد الله: يجب على المسلم أن يكون ملتزماً بالصدق في المعاملة وترك الغش والخداع ، وأن يكون متحلياً بالأمانة ومجتنباً للكذب والخيانة وجميع الرذائل ، وأن يحرص على الشرف في معاملته ، ولا يستحل حق غيره إلا بحق الله ، وعند ذلك تحصل الثقة وتحل البركة وينعدم الطمع ويختفي الجشع ، ويعم الخير والورع ، ونسعد في أخرانا بالجنة لامتثال أمر ربنا، ونفوز في الدنيا بالسعادة والرخاء وثقة الآخرين بنا ، فنأخذ مؤتمنين وندفع إليهم آمنين؛ وبذلك يكثر الخير ويزيد الربح ويتضاعف ونكون عند الله أبراراً وعند الناس أخياراً .

ابوعلاء عز
25/11/2015, 08:20 AM
جزاكم الله كل خير

ناصر ابو محمد
25/11/2015, 04:35 PM
شكرا لك اخي
جهد واضح ومميز

ايمن مغازى
26/11/2015, 12:37 AM
بارك الله فيك

عبدالرازق ابو محمد
27/11/2015, 06:47 AM
شكرا للمرور

masar
27/11/2015, 10:13 AM
الف شكر لك اخي

الوحدات
27/11/2015, 12:39 PM
مشكورررررررر