المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اسم الله الملك


باسل الترك
17/9/2009, 01:19 PM
المَلِكُ


1- الدليل على ثبوت الاسم وإحصائه:

اسم الله الملك ورد في القرآن والسنة مطلقا معرفا بالألف واللام مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية، وقد ورد المعنى مسندا إليه محمولا عليه، ومن ذلك ما ورد في قوله تعالى: { هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُون َ} [الحشر:23]، وقوله: { فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيم ِ} [المؤمنون:116] .
وعند مسلم من حديث عَلِىِّ -رضي الله عنه- في دعاء النبي -صلى الله عليه و سلم - إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ: ( اللهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ .. )الحديث ، وعند البخاري من حديث أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه و سلم - يَقُولُ: ( يَقْبِضُ اللهُ الأَرْضَ وَيَطْوِى السماوات بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ ) ، وعند مسلم من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه-أن رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه و سلم - قَالَ: ( يَنْزِلُ اللهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُل لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ الليْلِ الأَوَّلُ فَيَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، أَنَا المَلِكُ، مَنْ ذَا الذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ .. )الحديث .


2- الشرح والتفسير:

أصل الملك في اللغة الربط والشد، قال ابن فارس: ( أصل هذا التركيب يدل على قوة في الشيء وصحة، ومنه قولهم: ملكت العجين أملكه ملكا إذا شددت عجنه وبالغت فيه ) ، والملك هو النافذ الأمر في ملكه، إذ ليس كل مالك ينفذ أمره وتصرفه فيما يملكه، فالملك أعم من المالك ، والملك الحقيقي هو الله وحده لا شريك له، ولا يمنع ذلك وصف غيره بالملك كما قال: { وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُل سَفِينَةٍ غَصْباً } [الكهف:79]، فهذا ملك مخلوق وملكه مقيد محدود، أما الملك الحق فهو الذي أنشأ الملك وأقامه بغير معونة من الخلق، وصرف أموره بالحكمة والعدل والحق، وله الغلبة وعلو القهر على من نازعه في شيء من الملك .
فالملك سبحانه هو الذي له الأمر والنهي في مملكته، وهو الذي يتصرف في خلقه بأمره وفعله، وليس لأحد عليه فضل في قيام ملكه أو رعايته، قال تعالى: { قُلِ ادْعُوا الذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ } [سبأ:22/23] .

وهذه الآية تضمنت نفي جميع الوجوه التي تعلل بها المشركون في التعلق بمعبوداتهم فنفت الآية عن آلهتهم كل أوجه التأثير في الكون ممثلة في نفي الملك التام، وذلك لانعدام ربوبيتهم فلا يخلقون في الكون شيئا، ولا يدبرون فيه أمرا، وكذلك نفي المشاركة لله في الملك بأن يكون لهم نصيب وله نصيب، فنفت عن آلهتهم أن تملك مثقال ذرة في السماوات والأرض، ونفت أيضا وجود الظهير والمعين، فقد يدعى بعض المشركين أن آلهتهم لا يملكون شيئا ولا يشاركون الله في الملك لكنها تعد ظهيرا له أو معينا؛ أو مشيرا أو وزيرا يعاون الله في تدبير الخلق والقيام على شئونه، ثم نفي الله عنهم آخر ما تعلقوا به وهي الشفاعة من غير إذن، فقد جعلوا معبوداتهم وسطاء عند الله فقالوا: { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى } [الزمر:3]، فأخبر سبحانه أنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، فهو الذي يأذن للشافع والمشفوع فيه، وهو الذي يحدد لهم نوعية الشفاعة، فالأدلة مجتمعة على أنه لا خالق للكون إلا الله، ولا مدبر له سواه، وأنه الملك الحق الدائم القائم بسياسة خلقه إلى غايتهم .

3- دلالة الاسم على أوصاف الله:

الملك اسم يدل على ذات الله وعلى صفة الملك بدلالة المطابقة، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن، وعلى الصفة وحدها بالتضمن، فالملك من بيده الملك المطلق التام الذي لا يشاركه أحد فيه، قال تعالى: { تَبَارَكَ الذِي بِيَدِهِ المُلك وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [الملك:1]، وقال سبحانه: { الذِي لَهُ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلكِ } [الفرقان:2]، وقال أيضا: { ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ لَهُ المُلكُ وَالذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِير ٍ} [فاطر:13]، واسم الله الملك يدل باللزوم على الحياة والقيومية، والعلو والأحدية، والسيادة والصمدية، والعلم والمشيئة والقدرة والسمع والبصر والقوة، والعدل والحكمة والعظمة، فلا يتصور ملك دائم له الملك التام المطلق بغير هذه الصفات وغير ذلك من صفات الكمال، فالملك الحق هو الذي يستغني بذاته وصفاته عن كل ما سواه، ويفتقر إليه كل موجود سواه .
ومن أهم القضايا المتعلقة بدلالة اللزوم إثبات علو الملك وفوقيته واستوائه على عرشه، وإذا كان كل ملك في الدنيا يلزمه لإثبات ملكه أن يستوي على عرشه مع دوام فوقيته وعلوه، فالملك الخالق أولى بالكمال من المخلوق؛ لاسيما أن الله أثبت ذلك لنفسه فقال: { الرَّحْمَنُ عَلى العَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، فإثبات استواء الله على عرشه من لوازم توحيده في اسمه الملك، ولذلك قال تعالى{ فَتَعَالى اللهُ المَلكُ الحَقُّ لا إِلهَ إِلا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيم ِ} [المؤمنون:116]، واسم الله الملك دل على صفة من صفات الذات .

4- الدعاء بالاسم دعاء مسألة:

ورد الدعاء بالاسم المطلق فيما رواه مسلم من حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه -في دعاء النبي -صلى الله عليه و سلم- إذا قام إلى الصلاة: ( اللهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نفسي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ .. )الحديث ، وفي دعاء المسألة بالوصف قال الله تعالى: { قُلِ اللهمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤْتِي المُلكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آل عمران:26]، وقال عن يوسف -عليه السلام- {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلكِ وَعَلمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } [يوسف:101]، وفي دعاء سليمان -عليه السلام-{ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلكاً لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ } [ص:35] .وعند البخاري من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه و سلم- كان يقول في دبر كل صلاة إذا سلم: ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللهمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ ) ، وروى مسلم من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه -أن رسول الله -صلى الله عليه و سلم- كان إذا أمسى قال: ( أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى المُلكُ للهِ، وَالحَمْدُ للهِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .. )الحديث ، وعند ابن ماجة وصححه الألباني من حديث جابر -رضي الله عنه- في وصف حجة رسول الله -صلى الله عليه و سلم- أنه قال: ( ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ، فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ } [البقرة:158]، نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ الله بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقِىَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَكَبَّرَ الله وَهَللَهُ وَحَمِدَهُ، وَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ ) .

5- الدعاء بالاسم دعاء عبادة:

دعاء العبادة هو أثر الإيمان بتوحيد الله في اسمه الملك، ويتجلى ذلك في تعظيم الملك ومحبته، وموالاته وطاعته، وتوحيده في عبوديته، والاستجابة لدعوته، والغيرة على حرمته، ومراقبته في السر والعلن، ورد الأمر إليه، وحسن التوكل عليه، ودوام الافتقار إليه، وأعظم جرم في حق الملك الأوحد منازعته على ملكه أو نسبة شيء منه إلى غيره، فصانع الشيء ومؤلفه هو مالكه المتصرف فيه، ولو اعتدى أحد عليه بسلب ملكه ونسبته إلى نفسه أو غيره، سواء بالفعل أو بالادعاء لكان ظالما مدعيا ما ليس له بحق، ومن ثم فإن الله عز وجل وله المثل الأعلى لما كان منفردا بالخلق والأمر وله كمال الملك من جهة الأصالة والاستحقاق، فإنه من الظلم العظيم أن يدعي أحد من الخلق ما ليس له بحق في أي معنى من معاني الربوبية، كما فعل فرعون وهامان وقارون والنمرود بن كنعان، أو ينسب لنفسه الملك على وجه الأصالة لا على وجه الأمانة والامتحان، فالإنية الشركية كانت ولا تزال مصدرا للظلم والطغيان وسوء الخاتمة، قال الله تعالى{ الذِينَ آمَنُوا وَلمْ يَلبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلمٍ أُولئِكَ لهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } [الأنعام:81/82]، روى البخاري من حديث ابن مسعود-رضي الله عنه - لما نزلت هذه الآية قال: ( قُلنَا يَا رَسُول اللهِ: أَيُّنَا لاَ يَظْلمُ نَفْسَهُ؟ قَال: ليْسَ كَمَا تَقُولونَ: لمْ يَلبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلمٍ بِشِرْكٍ، أَوَلمْ تَسْمَعُوا إِلى قَوْل لقْمَانَ لاِبْنِهِ: { يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لظُلمٌ عَظِيمٌ } ، فالموحد يغار على الملك الأوحد أن يرى غيره يعبد في مملكته، ولذلك كان الشرك قبيحا في قلوب الموحدين، وكان توحيد الله تعالى زينة حياة الموحدين .
أما من جهة التسمية بعبد الملك والتعبد بهذا الاسم فكثير من السلف ورواة الحديث تسموا به، منهم عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، من صغار التابعين وهو ثقة، روى عنه البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه و سلم- قال: ( لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ ).

فادي الترك
17/9/2009, 05:00 PM
بارك الله فيك أخي الكريم