المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سؤال في اصول الفقه


وليد عبد العالى
16/7/2009, 07:08 PM
:cool: مالفرق بين التكليف المحال والتكليف بالمحال وما نوع تكليف الغافل فيهما :confused:

انور حافظ احمد
19/7/2009, 05:18 AM
( مَسْأَلَةٌ مَانِعُو تَكْلِيفِ الْمُحَالِ ) مُجْمِعُونَ ( عَلَى أَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ فَهْمُهُ ) أَيْ التَّكْلِيفِ أَيْ تَصَوُّرُهُ بِأَنْ يَفْهَمَ الْمُكَلَّفُ الْخِطَابَ قَدْرَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الِامْتِثَالُ لَا بِأَنْ يَصْدُقَ بِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ وَإِلَّا لَزِمَ الدَّوْرُ وَعَدَمُ تَكْلِيفِ الْكُفَّارِ ( وَبَعْضُ مَنْ جَوَّزَهُ ) أَيْ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ عَلَى هَذَا أَيْضًا ( لِأَنَّهُ ) أَيْ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ عِنْدَهُ قَدْ يَكُونُ ( لِلِابْتِلَاءِ وَهُوَ ) أَيْ الِابْتِلَاءُ وَهُوَ الِاخْتِبَارُ ( مُنْتَفٍ هُنَا ) ; لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ بِدُونِ الْفَهْمِ لَا يَصِحُّ ( وَاسْتَدَلَّ ) كَمَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ لِلْمُخْتَارِ بِأَنَّهُ ( لَوْ صَحَّ ) تَكْلِيفُ مَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ ( كَانَ ) تَكْلِيفُهُ ( طَلَبَ ) حُصُولِ ( الْفِعْلِ ) مِنْهُ مُتَلَبِّسًا ( بِقَصْدِ الِامْتِثَالِ ) ; لِأَنَّهُ مَعْنَى التَّكْلِيفِ ( وَهُوَ ) أَيْ طَلَبُهُ بِهَذَا الْقَصْدِ ( مُمْتَنِعٌ مِمَّنْ لَا يَشْعُرُ بِالْأَمْرِ وَقَدْ يُدْفَعُ ) هَذَا الِاسْتِدْلَال ( بِأَنَّ الْمُسْتَحِيلَ ) فِي تَكْلِيفِ مَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ ( الِامْتِثَالُ وَلَا يُوجِبُ ) اسْتِحَالَةُ الِامْتِثَالِ فِيهِ ( اسْتِحَالَةَ التَّكْلِيفِ ) أَيْ تَكْلِيفِهِ ( إذْ غَايَتُهُ ) أَيْ تَكْلِيفِ مَنْ لَا يَفْهَمُ ( تَكْلِيفٌ بِمُسْتَحِيلٍ وَبِلَا فَائِدَةِ الِابْتِلَاءِ وَيَجِبُ ذَلِكَ ) أَيْ جَوَازُ تَكْلِيفِ مَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ ( مِمَّنْ يُجِيزُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ( تَعْذِيبَ الطَّائِعِ تَعَالَى عَنْهُ بَلْ ) جَوَازُ هَذَا ( أَوْلَى ) مِنْ جَوَازِ تَعْذِيبِ الطَّائِعِ ( وَأَيْضًا لَوْ صَحَّ ) تَكْلِيفُ مَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ ( صَحَّ تَكْلِيفُ الْبَهَائِمِ إذْ لَا مَانِعَ فِيهَا ) أَيْ الْبَهَائِمِ مِنْ التَّكْلِيفِ ( سِوَى عَدَمِ الْفَهْمِ وَقُلْتُمْ لَا يَمْنَعُ ) عَدَمُ الْفَهْمِ التَّكْلِيفَ ( وَلَا يَتَوَقَّفُ مُجِيزُ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ عَنْ الْتِزَامِهِ ) أَيْ جَوَازُ تَكْلِيفِ الْبَهَائِمِ ( غَايَتُهُ ) أَنَّهُ جَائِزٌ ( لَمْ يَقَعْ وَلَيْسَ عَدَمُ الْمَانِعِ مِنْ التَّكْلِيفِ عِلَّةً لِثُبُوتِهِ ) أَيْ التَّكْلِيفِ ( لِيَلْزَمَ الْوُقُوعُ بَلْ هِيَ ) أَيْ عِلَّةُ ثُبُوتِ التَّكْلِيفِ ( الِاخْتِيَارُ ) أَيْ اخْتِيَارُهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَثْبُتْ ( وَلَوْ جُعِلَ هَذَا ) الْخِلَافُ ( وَنَحْوُهُ ) خِلَافًا ( لَفْظِيًّا فَالْمَانِعُ ) مِنْ تَكْلِيفِ مَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ يَقُولُ ( لِاتِّفَاقِنَا عَلَى أَنَّ الْوَاقِعَ ) أَيْ الْمُحَقَّقَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( نَقِيضُهُ ) أَيْ تَكْلِيفُ مَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ وَهُوَ عَدَمُ تَكْلِيفِهِ ( فَيَمْتَنِعُ ) التَّكْلِيفُ ( بِلَا فَهْمٍ ) لِلتَّكْلِيفِ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ ( اجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ ) وَهُمَا تَكْلِيفُهُ وَعَدَمُ تَكْلِيفِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ ( وَالْمُجِيزُ ) لِتَكْلِيفِهِ مُجِيزٌ ( بِالنَّظَرِ إلَى مَفْهُومِ تَكْلِيفٍ ) وَهُوَ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ أَوْ طَلَبُهُ عَلَى الْخِلَافِ ( بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَهُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْفِعْلِ ( عَلَى نَحْوِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَاكِمِ ) مِنْ إمْكَانِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ إنَّ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ وَتَعْذِيبُ الطَّائِعِ لَفْظِيٌّ ( قَالُوا ) أَيْضًا ( لَوْ لَمْ يَصِحَّ ) تَكْلِيفُ مَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ ( لَمْ يَقَعْ ) لَكِنَّهُ وَقَعَ وَكَيْفَ لَا ( وَقَدْ كُلِّفَ السَّكْرَانُ حَيْثُ اُعْتُبِرَ طَلَاقُهُ وَإِتْلَافُهُ أُجِيبَ بِأَنَّهُ ) أَيْ اعْتِبَارَهُمَا مِنْهُ ( مِنْ رَبْطِ الْمُسَبَّبَاتِ بِأَسْبَابِهَا وَضْعًا ) كَرَبْطِ وُجُوبِ الصَّوْمِ بِشُهُودِ الشَّهْرِ لَا مِنْ التَّكْلِيفِ ( قَالُوا ) أَيْضًا ( قَالَ تَعَالَى { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ } الْآيَةَ فَخُوطِبُوا ) أَيْ السُّكَارَى ( حَالَ السُّكْرِ أَنْ لَا يُصَلُّوا ) وَهُوَ تَكْلِيفٌ لِمَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ ( أُجِيبَ بِأَنَّهُ ) أَيْ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا ( مُعَارَضَةُ قَاطِعً ) وَهُوَ الدَّلِيلُ الدَّالُ عَلَى امْتِنَاعِ تَكْلِيفِ مَنْ لَا يَفْهَمُ ( بِظَاهِرٍ ) وَهُوَ الْآيَةُ ( فَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ ) أَيْ الظَّاهِرُ ; لِأَنَّهُ يُؤَوَّلُ لِلْقَاطِعِ ( إمَّا بِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ السُّكْرِ عِنْدَ قَصْدِ الصَّلَاةِ ) ; لِأَنَّ النَّهْيَ إذَا وَرَدَ عَلَى وَاجِبٍ شَرْعًا وَقَدْ تَقَيَّدَ بِغَيْرِ وَاجِبٍ انْصَرَفَ إلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ فَلَا يَكُونُ النَّهْيُ فِي الْآيَةِ لِلسَّكْرَانِ عَنْ الصَّلَاةِ لِكَوْنِهَا وَاجِبَةً بَلْ نَهْيًا لِلصَّاحِي عَنْ السُّكْرِ كَمَا إذَا وَرَدَ عَلَى مَا هُوَ وَاجِبٌ لَا بِالْوُجُوبِ الشَّرْعِيِّ وَقَدْ تَقَيَّدَ بِغَيْرِهِ حَيْثُ يَنْصَرِفُ إلَى الْقَيْدِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } فَإِنَّهُ نَهْيٌ عَنْ عَدَمِ الْإِسْلَامِ لَا عَنْ الْمَوْتِ وَحَرْفُ النَّفْيِ إذَا دَخَلَ عَلَى جُمْلَةٍ يَتَوَجَّهُ النَّفْيُ إلَى الْقَيْدِ غَالِبًا ( أَوْ ) بِأَنَّهُ ( نَهَى الثَّمِلَ ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ قِيلَ هُوَ مَنْ بَدَتْ بِهِ أَوَائِلُ الطَّرَبِ وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ دُونَ الطَّافِحِ ( لِعَدَمِ التَّثَبُّتِ ) فِيمَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ ( كَالْغَصْبِ ) وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى { حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا التَّأْوِيلَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَوْ قَالَ النَّشْوَانُ بَدَلَ الثَّمِلِ لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ الثَّمِلَ وَالطَّافِحَ سَوَاءٌ وَهُوَ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ الشَّرَابُ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَمْزَةَ وَجَعَلَ حَمْزَةَ يُصْعِدُ نَظَرَهُ ثُمَّ قَالَ وَهَلْ أَنْتُمْ إلَّا عَبِيدُ أَبِي فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ثَمِلٌ } أَيْ سَكْرَانُ شَدِيدُ السُّكْرِ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ ) أَيْ الدَّلِيلَ الدَّالَ عَلَى امْتِنَاعِ تَكْلِيفِ مَنْ لَا يَفْهَمُ ( إنَّمَا يَكُونُ قَاطِعًا بِلُزُومِ ) اجْتِمَاعِ ( النَّقِيضَيْنِ ) عَلَى تَقْدِيرِ تَكْلِيفِهِ ( كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْجَمْعِ ) بَيْنَ قَوْلَيْ الْمَانِعِ لَهُ وَالْمُجِيزِ لَهُ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ قَطْعِيَّتُهُ بِذَلِكَ ( فَمَمْنُوعٌ ) كَوْنُهُ قَاطِعًا ( عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْمُجِيزِينَ ( كَيْفَ وَقَدْ ادَّعَوْا الْوُقُوعَ ) ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنْ كَانَ النَّهْيُ خِطَابًا لَهُ حَالَ سُكْرِهِ فَنَصٌّ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ سُكْرِهِ كَمَا هُوَ التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ اسْتَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا فِي حَالِ سُكْرِهِ أَيْضًا إذْ لَا يُقَالُ لِلْعَاقِلِ إذَا جُنِنْت فَلَا تَفْعَلْ كَذَا ; لِأَنَّهُ إضَافَةُ الْخِطَابِ إلَى وَقْتِ بُطْلَانِ أَهْلِيَّتِهِ وَإِيضَاحُهُ كَمَا أَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْسَحِبْ هَذَا الْخِطَابُ بِالتَّرْكِ عَلَيْهِ حَالَ سُكْرِهِ لَمْ يُفِدْ ; لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ تَوْجِيهُ الْخِطَابِ ابْتِدَاءً فِي حَالِ صَحْوِهِ لَكِنَّ الْمَطْلُوبَ التَّرْكُ فِي حَالِ سُكْرِهِ فَكَانَ فِي حَالِ سُكْرِهِ مَطْلُوبًا مِنْهُ التَّرْكُ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى كَوْنِهِ مُخَاطَبًا حَالَ سُكْرِهِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ تَعَقُّبًا لِلتَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنْتَشِي مَعَ حُضُورِ عَقْلِهِ بِمُجَرَّدِ عَدَمِ التَّثَبُّتِ وَلَا نَعْلَمُ مَنْ قَالَ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَالْحَقُّ الَّذِي نَرْتَضِيهِ مَذْهَبًا وَنَرَى ارْتِدَادَ الْخِلَافِ إلَيْهِ أَنَّ مَنْ لَا يَفْهَمُ إنْ كَانَ لَا قَابِلِيَّةَ لَهُ كَالْبَهَائِمِ فَامْتِنَاعُ تَكْلِيفِهِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ سَوَاءٌ خِطَابُ التَّكْلِيفِ وَخِطَابُ الْوَضْعِ نَعَمْ قَدْ يُكَلَّفُ صَاحِبُهَا فِي أَبْوَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ بِمَا تَفْعَلُهُ عَلَى مَا يُفَصِّلُهُ الْفَقِيهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ قَابِلِيَّةٌ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا فِي امْتِنَاعِ فَهْمِهِ كَالطِّفْلِ وَالنَّائِمِ وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ مَا أَسْكَرَهُ فَلَا تَكْلِيفَ إلَّا بِالْوَضْعِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَعْذُورٍ كَالْعَاصِي بِسُكْرِهِ فَيُكَلَّفُ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا ثُمَّ قَالَ وَيَشْهَدُ لِتَفْرِقَتِنَا بَيْنَ مَنْ لَهُ قَابِلِيَّةٌ وَمَنْ لَا قَابِلِيَّةَ لَهُ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْأَطْفَالِ دُونَ الْمَيِّتِ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا لَوْ انْتَفَخَ مَيِّتٌ وَتَكَسَّرَتْ قَارُورَةٌ بِسَبَبِ انْتِفَاخِهِ لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهَا ا هـ وَجَمِيعُ هَذَا حَسَنٌ وَقَدْ صَرَّحَ مَشَايِخُنَا بِبَعْضِهِ وَقَوَاعِدُهُمْ لَا تَنْبُو عَنْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمَ . ( هَذَا وَاسْتَلْزَمَ ) الْقَوْلُ بِأَنَّ الْفَهْمَ شَرْطُ التَّكْلِيفِ ( اشْتِرَاطَ الْعَقْلِ الَّذِي بِهِ الْأَهْلِيَّةُ ) لِلتَّكْلِيفِ ( فَالْحَنَفِيَّةُ ) قَالُوا الْعَقْلُ ( نُورٌ يُبْتَدَأُ بِهِ مِنْ مُنْتَهَى دَرْكِ الْحَوَاسِّ فَيَبْدُو بِهِ الْمُدْرَكُ لِلْقَلْبِ , أَيْ الرُّوحِ وَالنَّفْسِ النَّاطِقَةِ فَيُدْرِكُهُ ) أَيْ الْقَلْبُ الْمُدْرِكُ ( بِخَلْقِهِ تَعَالَى فَالنُّورُ آلَةُ إدْرَاكِهَا ) أَيْ النَّفْسِ الْمُدْرِكِ ( وَشَرْطُهُ ) أَيْ إدْرَاكُهَا ( كَالضَّوْءِ لِلْبَصَرِ ) أَيْ كَمَا أَنَّ الضَّوْءَ شَرْطٌ عَادِيٌّ ( فِي إيصَالِهِ ) أَيْ الْبَصَرِ الْمُبْصَرَاتِ إلَى النَّفْسِ بِخَلْقِهِ تَعَالَى ( وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَ ) مِنْ التَّعْرِيفِ ( أَنَّ لِدَرْكِ الْحَوَاسِّ ) الظَّاهِرَةِ ( مَبْدَأً ) وَهِيَ جَمْعُ حَاسَّةٍ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ الْحَسَّاسَةِ , وَهِيَ خَمْسٌ اللَّمْسُ وَهِيَ قُوَّةٌ تَأْتِي فِي الْأَعْصَابِ إلَى جَمِيعِ الْجِلْدِ وَأَكْثَرِ اللَّحْمِ وَالْغِشَاءِ مِنْ شَأْنِهَا إدْرَاكُ الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ وَالرُّطُوبَةِ وَالْيُبُوسَةِ وَالْخُشُونَةِ وَالْمُلَامَسَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ كَوْنُ اللَّامِسَةِ قُوَّةً بِهَا يُدْرِكُ جَمِيعَ الْمَلْمُوسَاتِ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَفِي الْقَانُونِ أَكْثَرُ الْمُحْصِينَ عَلَى أَنَّ اللَّمْسَ قُوًى كَثِيرَةٌ بَلْ قُوًى أَرْبَعٌ وَقَالَ اللَّمْسُ أَوَّلُ الْحَوَاسِّ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ الْحَيَوَانُ حَيَوَانًا . وَالذَّوْقُ وَهِيَ قُوَّةٌ مُنْبَثَّةٌ فِي الْعَصَبِ الْمَفْرُوشِ عَلَى جِرْمِ اللِّسَانِ يُدْرِكُ بِهَا الطُّعُومَ . وَالسَّمْعُ , وَهِيَ قُوَّةٌ مُودَعَةٌ فِي الْعَصَبِ الْمَفْرُوشِ فِي مِقْعَرِ الصِّمَاخِ يُدْرِكُ بِهَا الْأَصْوَاتَ وَالْبَصَرُ , وَهِيَ قُوَّةٌ مُودَعَةٌ فِي الْعُصْبَتَيْنِ الْمُجَوَّفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَتَيَامَنُ النَّابِتُ مِنْهُمَا يَسَارًا وَيَتَيَاسَرُ النَّابِتُ مِنْهُمَا يَمِينًا ثُمَّ يَلْتَقِيَانِ عَلَى تَقَاطُعِ صَلِيبَيْنِ ثُمَّ يَنْفُذُ النَّابِتُ مِنْهُمَا يَمِينًا إلَى الْحَدَقَةِ الْيُمْنَى وَالنَّابِتِ يَسَارًا إلَى الْحَدَقَةِ الْيُسْرَى يُدْرِكُ بِهَا الْأَضْوَاءَ وَالْأَلْوَانَ وَالْأَشْكَالَ وَالْمَقَادِيرَ وَالْحُسْنَ وَالْقُبْحَ وَغَيْرَ ذَلِكَ . وَالشَّمُّ , وَهِيَ قُوَّةٌ مُودَعَةٌ فِي الزَّائِدَتَيْنِ النَّابِتَتَيْنِ فِي مُقَدَّمِ الدِّمَاغِ الشَّبِيهَتَيْنِ بِحَلَمَتَيْ الثَّدْيِ يُدْرِكُ بِهَا الرَّوَائِحَ بِطَرِيقِ وُصُولِ الْهَوَاءِ الْمُتَكَيِّفِ بِكَيْفِيَّةِ ذِي الرَّائِحَةِ إلَى الْخَيْشُومِ . ( قِيلَ ) أَيْ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ ( هُوَ ) أَيْ الْمَبْدَأُ ( ارْتِسَامُ الْمَحْسُوسَاتِ أَيْ ) انْطِبَاعُ ( صُوَرِهَا ) أَيْ الْمَحْسُوسَاتِ ( فِيهَا ) أَيْ الْحَوَاسِّ الْمَذْكُورَةِ لَا نَفْسِهَا فَإِنَّ الْمَحْسُوسَ هُوَ هَذَا اللَّوْنُ الْمَوْجُودُ فِي الْخَارِجِ مَثَلًا وَهُوَ لَيْسَ بِمُرْتَسَمٍ فِي الْبَاصِرَةِ بَلْ صُورَتُهُ كَمَا أَنَّ الْمَعْلُومَ هُوَ ذَلِكَ الْمَوْجُودُ وَالْحَاصِلُ فِي النَّفْسِ صُورَتُهُ وَمَعْنَى مَعْلُومِيَّتِهِ حُصُولُ صُورَتِهِ لَا حُصُولُ نَفْسِهِ ( وَنِهَايَتُهُ ) أَيْ دَرْكِهَا ( فِي الْحَوَاسِّ الْبَاطِنَةِ ) الْخَمْسِ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ ( وَهِيَ الْحِسُّ الْمُشْتَرَكُ فِي مُقَدَّمِ الدِّمَاغِ ) , وَهِيَ قُوَّةٌ مُرَتَّبَةٌ فِي مُقَدَّمِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْ الدِّمَاغِ وَمَبَادِئِ عَصَبِ الْحِسِّ يَجْتَمِعُ فِيهَا صُوَرُ جَمِيعِ الْمَحْسُوسَاتِ فَيُدْرِكُهَا ( فَيُودِعُهَا ) أَيْ الْحِسُّ الْمُشْتَرَكُ صُوَرَهَا ( خِزَانَتَهُ ) أَيْ الْحِسِّ الْمُشْتَرَكِ يَعْنِي ( الْخَيَالَ ) لِيَحْفَظَهَا إذْ هِيَ قُوَّةٌ مُرَتَّبَةٌ فِي مُؤَخَّرِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْ الدِّمَاغِ يَجْتَمِعُ فِيهَا مِثْلُ الْمَحْسُوسَاتِ وَتَبْقَى فِيهَا بَعْدَ الْغَيْبَةِ عَنْ الْحِسِّ الْمُشْتَرَكِ ( ثُمَّ الْمُفَكِّرَةُ ) , وَهِيَ قُوَّةٌ مُرَتَّبَةٌ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوْسَطِ مِنْ الدِّمَاغِ بِهَا يَقَعُ التَّرْكِيبُ وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ الصُّوَرِ الْمَحْسُوسَةِ الْمَأْخُوذَةِ عَنْ الْحِسِّ الْمُشْتَرَكِ وَالْمَعَانِي الْمُدْرَكَةِ بِالْوَهْمِ كَإِنْسَانٍ لَهُ رَأْسَانِ أَوْ عَدِيمِ الرَّأْسِ وَالْمُرَادُ بِالصُّوَرِ مَا يُمْكِنُ إدْرَاكُهُ بِإِحْدَى الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ وَبِالْمَعَانِي مَا لَا يُمْكِنُ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ( تَأْخُذُهَا ) أَيْ الْمُفَكِّرَةَ صُوَرُ الْمَحْسُوسَاتِ ( لِلتَّرْكِيبِ كَمَا تَأْخُذُ ) الْمُفَكِّرَةُ ( مِنْ خِزَانَةِ الْوَهْمِ ) أَيْ الْقُوَّةُ ( الْحَافِظَةُ فِي الْمُؤَخَّرِ ) أَيْ مُؤَخَّرِ الدِّمَاغِ ( مُسْتَوْدَعَاتِهِ مِنْ الْمَعَانِي الْجُزْئِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَحْسُوسِ ) . فَالْوَهْمُ قُوَّةٌ مُرَتَّبَةٌ فِي آخَرِ الْبَطْنِ الْأَوْسَطِ مِنْ الدِّمَاغِ بِهَا تُدْرَكُ الْمَعَانِي الْجُزْئِيَّةُ الْغَيْرُ الْمَحْسُوسَةِ أَيْ الَّتِي لَمْ تَتَأَدَّ إلَيْهَا مِنْ طُرُقِ الْحَوَاسِّ وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي الْمَحْسُوسَاتِ ( كَصَدَاقَةِ زَيْدٍ ) وَعَدَاوَةِ عَمْرٍو وَالْحَافِظَةُ قُوَّةٌ مَرْتَبَةٌ فِي الْبَطْنِ الْأَخِيرِ مِنْ الدِّمَاغِ بِهَا الْمَعَانِي الْجُزْئِيَّةُ الَّتِي أَدْرَكَهَا الْوَهْمُ ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمُقَدَّمِ الْحِسَّ الْمُشْتَرَكَ وَالْخَيَالُ خِزَانَتُهُ وَفِي الْمُؤَخَّرِ الْوَهْمُ وَالْحَافِظَةُ خِزَانَتُهُ وَفِي الْوَسَطِ الْمُفَكِّرَةُ ثُمَّ كَانَ الْحِسُّ الْمُشْتَرَكُ فِي الْمُقَدَّمِ لِيَكُونَ قَرِيبًا مِنْ الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ فَيَكُونَ التَّأَدِّي إلَيْهِ سَهْلًا ثُمَّ وَلِيَهُ الْخَيَالُ ; لِأَنَّ خِزَانَةَ الشَّيْءِ خَلَفَهُ ثُمَّ الْوَهْمُ فِي مُقَدَّمِ الْمُؤَخَّرِ لِتَكُونَ الصُّوَرُ الْجُزْئِيَّةُ بِحِذَاءِ مَعَانِيهَا الْجُزْئِيَّةِ وَالْحَافِظَةُ فِي مُؤَخَّرِهِ ; لِأَنَّهَا خِزَانَتُهُ وَالْمُفَكِّرَةُ فِي الْبَطْنِ الْأَوْسَطِ لِتَكُونَ قَرِيبَةً مِنْ الصُّوَر وَالْمَعَانِي فَيُمْكِنُهَا الْأَخْذُ مِنْهَا بِسُهُولَةٍ ( وَهَذَا الْأَخْذُ ابْتِدَاءَ عَمَلِ الْعَقْلِ ) ثُمَّ كَوْنُ هَذِهِ الْمَحَالِّ مَحَالَّ لِلْقُوَى الْمَذْكُورَةِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَوَاقِفِ وَالْمَقَاصِدِ وَقَالَ الشَّرِيفُ وَالْمَشْهُورُ فِي الْكُتُبِ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهَا أَنَّ الْمُتَخَيَّلَةَ فِي مُقَدَّمِ الْوَسَطِ وَالْوَهْمِيَّةَ فِي مُؤَخَّرِهِ وَالْحَافِظَةَ فِي مُقَدَّمِ الْبَطْنِ الْأَخِيرِ وَلَيْسَ فِي مُؤَخَّرِهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْقُوَى إذْ لَا حَارِسَ هُنَا مِنْ الْحَوَاسِّ فَتَكْثُرُ مُصَادَمَتُهُ الْمُؤَدِّيَةُ إلَى الِاخْتِلَالِ ( وَلَمَّا احْتَاجَ هَذِهِ ) الْحَوَاسُّ الْبَاطِنَةُ ( إلَى سَمْعٍ ) يَثْبُتُهَا ( عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الشَّرْعِ , وَلَمْ يَكْتَفِ ) فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى وُجُودِهَا ( بِكَوْنِ فَسَادِ هَذِهِ الْبُطُونِ ) الَّتِي هِيَ مَحَالُّهَا ( يُوجِبُ فَسَادَ ذَلِكَ الْأَثَرِ ) وَلَوْلَا اخْتِصَاصُ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْقُوَى بِمَحَلِّهِ لَمَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ إذْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّفْسَ النَّاطِقَةَ لَيْسَتْ مُدْرِكَةٌ لِلْجُزْئِيَّاتِ الْمَادِّيَّةِ بِالذَّاتِ وَأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ مَبْدَأً لِأَثَرَيْنِ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ عَلَى أُصُولِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ لَمْ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْقُوَّةُ وَاحِدَةً وَالْآلَاتُ وَالشَّرَائِطُ مُتَعَدِّدَةً فَتَصْدُرُ تِلْكَ الْأَعْمَالُ عَنْهَا بِحَسَبِ تَعَدُّدِهَا كَمَا جَوَّزُوهُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى ثُمَّ قَدْ يَفْسُدُ الشَّيْءُ بِفَسَادِ غَيْرِ مَحَلِّهِ لِارْتِبَاطٍ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي امْتِنَاعِ نَبَاتِ اللِّحْيَةِ بِقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ ( وَكَانَ الْمُحَقَّقُ هُوَ الْإِدْرَاكُ وَهُوَ بِخَلْقِهِ تَعَالَى ) بِمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ الْإِدْرَاكَ لِلْمُدْرِكِ كَائِنًا مَا كَانَ فِي النَّفْسِ عِنْدِ وُجُودِ السَّبَبِ الْعَادِي لَهُ وَبِدُونِهِ كَمَا هُوَ الْحَقُّ . ( لَمْ يَزِدْ الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيُّ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ بَعْضُ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ ) وَالْمَسْطُورُ فِي الْمَوَاقِفِ وَالْمَقَاصِدِ مَعْنَى هَذَا لِلْأَشْعَرِيِّ بِلَفْظِ الْعِلْمِ بِبَعْضِ الضَّرُورِيَّاتِ أَيْ الْكُلِّيَّاتِ الْبَدِيهِيَّةِ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ اكْتِسَابِ النَّظَرِيَّاتِ إذْ لَوْ كَانَ غَيْرُ الْعِلْمِ لَصَحَّ انْفِكَاكُهُمَا بِأَنْ يُوجَدَ عَالِمٌ لَا يَعْقِلُ وَعَاقِلٌ لَا يَعْلَمُ وَهُوَ بَاطِلٌ وَلَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِجَمِيعِ الضَّرُورِيَّاتِ لَمَا صَدَقَ عَلَى مَنْ يَفْقِدُ بَعْضَهَا لِفَقْدِ شَرْطِهَا مِنْ الْتِفَاتٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ أَوْ تَوَاتُرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ عَاقِلٌ اتِّفَاقًا وَلَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِالنَّظَرِيَّاتِ لَكَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ نَفْسِهِ ; لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِكَمَالِ الْعَقْلِ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْعَقْلِ بِمَرْتَبَتَيْنِ فَلَا يَكُونُ نَفْسُ الْعَقْلِ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرُهُ لَجَازَ انْفِكَاكُهُمَا لِجَوَازِ تَلَازُمٍ الْمُتَغَايِرَيْنِ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ الِانْفِكَاكُ بَيْنَهُمَا كَالْجَوْهَرِ وَالْحُصُولِ فِي الْحَيِّزِ وَقَدْ يُوجَدُ الْعَاقِلُ بِدُونِ الْعِلْمِ كَمَا فِي النَّوْمِ نَعَمْ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ لِلسَّيِّدِ الشَّرِيفِ وَقَالَ الْقَاضِي هُوَ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ الْوَاجِبَاتِ وَاسْتِحَالَةِ الْمُسْتَحِيلَاتِ فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ ا هـ وَمَشَى عَلَى هَذَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِرْشَادِ قَالَ الشَّرِيفُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِكَلَامِ الْأَشْعَرِيِّ وَزَادَتْ الْمُعْتَزِلَةُ فِي الْعُلُومِ الَّتِي يَعْتَبِرُ بِهَا الْعَقْلُ الْعِلْمَ بِحُسْنِ الْحَسَنِ وَقُبْحِ الْقَبِيحِ ; لِأَنَّهُمْ يَعُدُّونَهُ فِي الْبَدِيهِيَّاتِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَالْأَكْثَرُ ) عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ ( قُوَّةٌ بِهَا إدْرَاكُ الْكُلِّيَّاتِ لِلنَّفْسِ ) وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِمَّا فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْعَقْلَ قُوَّةٌ حَاصِلَةٌ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالضَّرُورِيَّاتِ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنْ اكْتِسَابِ النَّظَرِيَّاتِ وَهَذَا مَعْنَى مَا قَالَ الْإِمَامُ إنَّهَا غَرِيزَةٌ يَتْبَعُهَا الْعِلْمُ بِالضَّرُورِيَّاتِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْآلَاتِ وَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهَا قُوَّةٌ بِهَا يُمَيَّزُ بَيْنَ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ وَمَا قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ إنَّهُ نُورٌ يُضِيءُ بِهِ , طَرِيقٌ يُبْتَدَأُ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَنْتَهِي إلَيْهِ دَرْكُ الْحَوَاسِّ أَيْ قُوَّةٌ حَاصِلَةٌ لِلنَّفْسِ عِنْدَ إدْرَاكِ الْجُزْئِيَّاتِ بِهَا يَتَمَكَّنُ مِنْ سُلُوكِ طَرِيقِ اكْتِسَابِ النَّظَرِيَّاتِ وَهُوَ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْحُكَمَاءُ الْعَقْلَ بِالْمَلَكَةِ ا هـ إلَّا أَنَّ هَذَا الِاخْتِصَارَ لَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ . ( وَمَحَلُّهَا ) أَيْ الْقُوَّةُ الَّتِي هِيَ الْعَقْلُ ( الدِّمَاغَ لِلْفَلَاسِفَةِ ) وَخُصُوصًا الْأَطِبَّاءُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَأَبِي الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ وَعَزَاهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ إلَى عَامَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَقَالَ وَهُوَ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُضِيءٌ مَحَلُّهُ الرَّأْسُ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَثَرُهُ يَقَعُ عَلَى الْقَلْبِ فَيَصِيرُ الْقَلْبُ مُدْرِكًا بِنُورِ الْعَقْلِ الْأَشْيَاءَ كَالْعَيْنِ تَصِيرُ مُدْرِكَةً بِنُورِ الشَّمْسِ وَبِنُورِ السِّرَاجِ الْأَشْيَاءَ فَإِذَا قَلَّ النُّورُ وَضَعُفَ قَلَّ الْإِدْرَاكُ وَضَعُفَ وَإِذَا انْعَدَمَ النُّورُ انْعَدَمَ الْإِدْرَاكُ ا هـ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الرَّجُلَ يُضْرَبُ فِي رَأْسِهِ فَيَزُولُ عَقْلُهُ وَلَوْلَا أَنَّهُ فِيهِ لَمَا زَالَ بِذَلِكَ كَمَا لَا يَزُولُ بِضَرْبِ يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ وَمِنْ هُنَا نُسِبَ هَذَا إلَى أَبِي حَنِيفَةَ تَارَةً وَإِلَى مُحَمَّدٍ أُخْرَى لِقَوْلِهِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ فِيمَنْ ضُرِبَ رَأْسُهُ فَذَهَبَ عَقْلُهُ فِيهِ الدِّيَةُ ( وَالْقَلْبُ ) اللَّحْمُ الصَّنَوْبَرِيُّ الشَّكْلُ الْمُودَعُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ مِنْ الصَّدْرِ ( لِلْأُصُولِيَّيْنِ ) كَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } فَجَعَلَ الْعَقْلَ بِالْقَلْبِ كَمَا جَعَلَ السَّمْعَ بِالْأُذُنِ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ فِي قَوْله تَعَالَى { إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ } عَقْلٌ مِنْ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِ . وَأُجِيبَ عَنْ حُجَّةِ الْأَوَّلِينَ بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ زَوَالُ الْعَقْلِ وَهُوَ فِي الْقَلْبِ بِفَسَادِ الدِّمَاغِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الِارْتِبَاطِ كَمَا لَا يَمْتَنِعُ عَدَمُ نَبَاتِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ بِقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الِارْتِبَاطِ وَمِنْ هَذَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالْفَرْعِ الْمَذْكُورِ وَقِيلَ التَّحْقِيقُ أَنَّ أَصْلَهُ وَمَادَّتَهُ مِنْ الْقَلْبِ وَيَنْتَهِي إلَى الدِّمَاغِ ( وَهِيَ ) أَيْ الْقُوَّةُ الْمُفَسَّرُ بِهَا الْعَقْلُ ( الْمُرَادُ بِذَلِكَ النُّورُ ) وَقَالَ اللَّامِشِيُّ جَوْهَرٌ يُدْرَكُ بِهِ الْغَائِبَاتُ بِالْوَسَائِطِ وَالْمَحْسُوسَاتُ بِالْمُشَاهَدَةِ ( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( مِنْ مُنْتَهَى دَرْكِ الْحَوَاسِّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عَمَلَ الْعَقْلِ لَيْسَ فِيهَا ) أَيْ مُدْرَكَاتِ الْحَوَاسِّ ( فَإِنَّهَا مُدْرَكَاتُ الصِّبْيَانِ وَالْبَهَائِمِ ) وَالْمَجَانِينِ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى الْعَقْلِ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ ( بَلْ ) عَمَلُ الْعَقْلِ ( فِيمَا يَنْزِعُهُ مِنْهَا ) أَيْ الْمُدْرَكَاتِ الْحِسِّيَّةِ ( وَهُوَ ) أَيْ عَمَلُهُ ( عِنْدَ انْتِهَاءِ دَرْكِ الْحَوَاسِّ وَعَمَلُهُ التَّرْتِيبُ السَّالِفُ ) أَيْ النَّظَرُ الْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ ( فَيَخْلُقُ اللَّهُ عَقِيبَهُ ) أَيْ التَّرْتِيبِ الَّذِي هُوَ النَّظَرُ ( عِلْمَ الْمَطْلُوبِ بِالْعَادَةِ ) أَيْ بِإِجْرَائِهَا عَلَى سَبِيلِ التَّكْرَارِ دَائِمًا مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ كَمَا هُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ وَوَجْهُهُ مَعْرُوفٌ فِي فَنِّهِ هَذَا وَقَدْ أُورِدَ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمَطْلُوبُ بَعْدَ بِدَايَةِ الْمَعْقُولَاتِ كَمَا إذَا اسْتَدْلَلْنَا مِنْ وُجُودِ الْعَالَمِ عَلَى أَنَّ لَهُ صَانِعًا عَالِمًا ثُمَّ طَلَبْنَا بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ عِلْمُهُ عَيْنُ ذَاتِهِ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ لَا هُوَ وَلَا ذَاكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَبَ بَعْدَ بِدَايَةِ الْمَعْقُولَاتِ بِمَرْتَبَةٍ أَوْ بِمَرَاتِبَ لَا يَمْنَعُ كَوْنُ الْبِدَايَةِ مِنْ انْتِهَاءِ الْحِسِّ وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهِ مُسْتَغْنِيًا عَنْ الْحِسِّ وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَصْدُقُ قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ يَنْتَهِي إلَيْهِ دَرْكُ الْحَوَاسِّ ; لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ يَنْتَهِي إلَيْهِ ابْتِدَاءُ الْمَعْقُولَاتِ بَلْ الْجَوَابُ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى فِيمَا لَهُ صُورَةٌ مَحْسُوسَةٌ . وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ فَإِنَّمَا يُبْتَدَأُ بِطَرِيقِ الْعِلْمِ بِهِ مِنْ حَيْثُ يُوجَدُ

علي جمال
19/7/2009, 09:17 AM
بارك الله فيك أخي أنور

انور حافظ احمد
20/7/2009, 02:28 PM
بارك الله فيك أخي أنور

شكرا لمرورك الكريم اخي جمال
وكل عام وحضرتك بخير

ايهاب هاشم
23/7/2009, 12:55 AM
أحسنت أخى أنور

جزاكم الله خيرا