المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أربع ليالي من الانتظار ...


Mr.Mostafa
21/4/2009, 06:42 AM
أربع ليالي من الانتظار ...
كالعادة في نفس المكان وسط الليل الغائص بكابته ووسط الوحشة التي تبدد كل شئ من حوله يجد نفسه وحيدا متشبثا بآلاف الخواطر القريبة من ذاته بغوص أكثر يتحسس ثقوب في جسده تهرب الخواطر وتتشتت بعيدا يحاول إمساكها تتعلق في الرفوف وفوق المناضد والتي تملا المكان يمشطها بعينية تعلو المناضد والرفوف غلات من الاستياء تعبس وجوهها تزداد تصلبا ويفقد كل شئ قيمته يبحث عن ملاذا آخر يعود إلي ذاته يقلب رفوفها ومناضدها كما لو انه يريد اكتشاف شئ ما كان سيجد عزاءه من خلاله لا شئ عدا التواطؤ يراه خلف كل تحفز تصفق له أهدابه يعود ويصلح من جلسته بعد أن انزلقت قدماه بعيدا عن الكتبة التي يجلس عليها يمضغ بعض أوراق القات بملل
لا معنى لا ن يجد الكيف في هذه الورقات التي أصبحت تجلب له الضيق وتشعره بالوحشة أكثر بعد أن تحولت إلي كتلة من المرارة يلوكها وتزداد اللحظات انتفاخا وتباطئاً يشعر بان الزمن قد تفسخ في هذه اللحظة بالذات رغم هندامه الذي بدا مختلف تماما مع إحساسه الباطن كان يجلس على كنبة وثيرة ونظيفة مرتديا ملابس أنيقة وجديدة نوعا ماء يمعن النظر في المرآت التي تتوزع بفخامة وتعكس صورة من كل اتجاه تحاصره وجوه شاحبة وعيون تلتمع باشتهاء ما وتوق ما وتحفز لا يفصح أبدا عن هويته كان وجهه وكانت تلك عيونه اخذ يتأملها بفزع كانت فاضحة رغم شراستها وتوقها لأنها تكشف الجانب الأكثر بؤسا من بين كل التداعيات (( شعوره بانعدام قيمة كل شئ ))
إلا انه يرى نفسه جذابا وأنيقا وربما بتكلف كل ليلة كان عليه أن يعد هندامه بهذه الطريقة لأنه لا بد سوف يواجه نزلاء جدد كان يتخيلهم إما سائحين من بلدان أجنبية أو حتى بعض الصحفيين المحليين الحقيقيون الذين لا يشبهون من سبق له التعرف إليهم كانوا جميعهم يأتون من العاصمة لأغراض لا يفصحون عنها كان قد صادف الكثير تحدث إليهم لكنه سرعان ما تفقد عيونه ذلك الالق لمجرد أن يبدأ في الاقتراب منهم والتحدث إليهم يتكشف بذهول أنهم لا يشبهون الصحفيون في شئ فقط مجرد فزاعات في حقول السلطة كان ينفر منهم سريعا ويشعر بالقدر الكبير من الخيبة
لكنه كل يوم يجد نفسه مضطرا بالتكيف مع هذا الهاجس يشعر بأنه مازال عليه الانتظار حتى وانه ليس ثمة قادم من بلد أجنبي ولا حتى ثمة صحفي آخر يحمل الانتماء الحقيقي لهذه المهنة !!!
كم كان يلعن هذه الوظيفة المحتقرة في الفنادق التي ليست خمسة نجوم اخذ يقلب القنوات ما الذي يبحث عنه كل القنوات تثير لديه الشعور بالقئ كان يتنقل بخفه وكأنه يعلم انه لن يجد ما يشده ويشعره بالرضا لعله يبحث عن أغنية هكذا استطاع إقناع نفسه بسهولة مقابل هذا العرض الهزيل الذي تقدمة كل القنوات أطفا شاشة التلفزيون الكبيرة وعاد مجددا يبحث بين رفوف الأغاني عن واحدة كانت ستنتشله من الملل جميع اسطواناته لفيروز كانت الوحيدة التي ترافق إيقاعات نفسه في الخيبة وفي لحظات الزهو والوحشة تداهمه في كل خلواته ولا يشعر باستنفار من أي نوع بل يجد نفسه في انسجام تام كان يجدها الوحيدة التي استطاعت أن تلمس وتر العمر وتنفذ في إيقاعاته بتوحد لا انفصام به والوحيدة التي استطاعت أن تهمس بالنشوة والحزن والخيبة والفاجعة معا وتجعلهما يتحدان بترويض ساحر وقدرة خلاقة !!
فتح الجهاز الصغير وبدا يستمع يعلم انه منسجم تماما لكنه بالقدر ذاته مستاء اخذ يقضم ما تبقى من أوراق القات التي بحوزته شعر بالنعاس كانت الليلة التي تشارف آلاف من الليالي التي يجد نفسه لا ينام .
ما أسوا أن لا تنام في الليل هكذا كان يردد في نفسه لطالما تمدد على احد الكنبات الوثيرة مرتدي ملابسة بأناقة وشعر بذلك الاسترخاء الارستقراطي بجزمه التي كانت تبدوا لامعة طوال الليل كيف لا وهو قابع في هذا المكان وفي النهار كان عليه أن ينام قلما يجد الهناءة في ساعات نومه المتقطعة بسبب الضوضاء التي يثيرها النزلاء من حوله من ناحية ومن ناحية أخرى رغبته القوية في الخروج إلي الشارع نهارا كان يحصل هذا نادرا ونادرا جدا وان حصل فانه وبلا شك سحتم عليه أن يدفع ضريبة باهظة في الليل
بدأت فيروز تدمى مخيلته التي هبت بعيدا بثمة كلمات كانت تلامس القدر الكافي من وحشته وتبعثر كل شي من حوله شعر بالجدران تحني تشققاتها هي الأخرى وهي تهدد بهذه الكلمات (( أنا يا عصفورة الشجن مثل عيناك بلا وطن ))
لم يجد أي معنى للاندهاش تحت روعة هذه الكلمات وتحت هذا الصوت الجلاد الأكثر من أن يكون ساحرا لكنه بدا يستجيب ربما لأنه شعر بان نسمة خفيفة أخذت تتسرب من شقوق الباب الكبير
لطالما كان يجذبه منظر المطر لطالما أحس بروحة تنزلق برشاقة عبر الفوهات التي تقَذف من خلالها القطرات تسوده حالة من النقاء والتصالح مع كل شئ فقط حين بيدا المطر في الهطول فتح الباب وقد شعر بمسامات جسمه تلامس الشذى الذي تضوعت به احدى الشجرات المغروسة قبالة الفندق اخذ يستنشق بارتخاء تام أحس بالشذى ينفذ في كل تقاطيع جسمه وتغمره نشوة لا طائل لها بدأت أوراق القات التي كان يمضغها بملل تستعيد بعضا من طراوتها تأسف لأنه لم يعد يملك المزيد كان يلمح ظلا قادم في الشارع الذي بدا كئيبا ومكتظا بآلاف الخواطر التي بدأت تكتنز بظلال ثقيل أحس بها تلتصق بعقله آخذة طابعها المثالي تخيل كم يكون هذا الشارع ذا مغزى في النهار وكم يكون صاخب تأمله بعمق تخيل كل العابرون بكل سحناتهم أطفاله الحفاة والبائعين الجوالين الذين يصرخون بحفاوة تحت نهم العيون ونسائه المتشحات بالسواد والمتسولون بكل مقاييسهم والعراك اليومي واستبسال العرق في مشقة ابتلاع الحظوظ الناتئة والضجيج الذي بدوره يبتلع كل شئ حتى التخمة لامس هذا المشهد عقله وبضراوة تأكد انه غائب تماما عن كل هذا
كان القادم يعبر الرصيف متجها إلي الفندق وسط العتمة وارتطام القطرات
تأكد له انه احد الجنود المناوبين ليلا والذي وصل أخيرا وفتح الباب دون استئذان وجلس حتى دون أن يحيى
كم كان يكره حضور هؤلاء الجنود علنا وبدون سابق إنذار اقتحامهم للمجالس هكذا وكأنها إحدى المداهمات
يتساءل ماذا بوسع مهنتهم هذه أن تعلمهم من فنون للتعامل مع الآخرين غير المداهمة وكأنهم يشتقون منها كل آليات دخولهم على الناس حتى في غياب المهمات ؟!!
أيضا كان يكره طريقة حوراهم وجدالاتهم والأصوات المرتفعة والتي تثير السخط في داخله ..
هؤلاء دائما يأتون إليه يجلسون بقربه ويبدؤون يقضمون أوراق القات بالمقابل تبدأ أياديهم الخشنة بالعبث بكل شي حتى التلفزيون الذي اضطر مرارا إقفاله أو كان يخفي ريموت التحكم بعد أن يكون قد اختار إما قناة السودان أو ليبيا أو القناة المحلية كان يعلم مقدار الضجر الذي تثيره هذه القنوات في نفوسهم لكنه رغم استيائهم كان يجيبهم رغبة احد الزبائن هكذا دون أن يضيف شيئا كان اكبر ما يثير حنقه موقع هذا الفندق قرب قسم للشرطة كان يتساءل كم هو عبا كبير أن تتحمل مشقة جيرانك وان كانوا من الجنود !!!
تزداد قطرات المطر تساقطا تقترب الساعات الأولى من النهار كان المطر وحده الشئ الجميل والرائع والمتجدد في هذه المدينة التي لا تعلم في أي وقت ستمطر وكان لها سمائين أحداهما صحوا وشمس ربيعية والأخرى غائمة وممطرة كانتا تتناوبا ليس لأيام أو ساعات بل أحيانا دقائق سرعان ما يجد بيوت المدينة مغسولة مثل وجوه صغيرة لزمردة لامعة تغوص في مسلك متعرج
أيضا هوائها الرطب وضبابها الذي يظل مستلقي طوال النهار فوق سفوح الجبال
بدأت ساعات النهار الأولى بالطلوع تخلص من أوراق القات الناشبة في حلقه توجه نحو إحدى المطاعم كانت الوحيدة التي يفتح ليلا والتي لم يمر على افتتاحه إلا أسبوع واحد كان أكثر فقرا وشحه بموقعة الذي كان يدل على انه لم يكن مشيدا على هيئة مطعم فاخر بل كان رواقا صغيرا يفصل بين عمارتين
في طريق عودته لمح إحدى الفتيات كانت تمشى بالشارع وحيده استوقفه هذا المشهد اخذ يتساءل ماذا يعني أن تكون أول من تصادفهم في نهاراك فتاه لم يشعر بأي جاذبية تجاهها على العكس لكنه استشعر شي من المحاكة الداخلية لعبورها في هذا التوقيت بالذات وفي هذه اللحظة التي وجد نفسه غارقا في الرعشة الأولى لولادة يوم جديد اخذ يدندن بإيقاع الأغنية التي سمعها البارحة بشغف وهو يذرع الخطوات بسرعة ناحية الفندق .....
الليلة الثانية ...
كم كان يشعر بأنه لا طائل من هذا الكم من التملق للذات وإرغامها على النمط الحاد من التمويه والتلميع لأنه لن يصادف أناس رائعون مهما كانت وجهتم هاهو الآن يجد نفسه بلا جدوى غارقا بين كنبات وثيرة ولا يستطيع النوم وسط الهدوء الأخرس بعد أن قرأ سريعا في سجل الزوار ولم يلحظ أسماء لقادمون جدد
ثمة قضمات مقيتة يصدرها احد الجنود مثل فار تشعره بخيبة بلا منتهى
حاول أن يصرف الرجل لكنه كانت تعوزه الحيلة أمام بلادة هذا الضيف الذي بدا ثقيلا بشكل لا يطاق كان هذا الآخر جالسا بقرب الباب بثقله لم يكن واحد جلس يقضم أوراقه بصمت بل بدا له كأنه ثكنة بكاملها بجرمه الثقيلة المتسخة وملابسة الخضراء الداكنة مثل حقل محترق وجبهته التي تلتمع وسط طرطقة فكية التي تصدر صوتا بشعا ووسط عبابه اثر جرعات الماء التي كان يصبها بدون توقف ..........
شعر بالمهانة أكثر من أي وقت مضي تذكر أي جدوى تجعله متمسكا بهذا العمل لم يكن ساعتها يعلم أن كل ما كان يخطط له منذ أن قرر العمل في هذا الفندق مجرد كذبة أخذت تأخذ طابعها القدري والمسلم به تحت سنديانة التزاماته التي بدا ت تشيخ باكرا وتنهال عليه بمطارق
لا ترحم التزاماته أمام نفسه أيضا أمام عائلته التي ظلت ترفض هذه الفكرة من أساسها لكن كان مصرا مدفوعا بالرغبة القوية والتي تغذي بداخلة شعورا وجد نفسه قد استلم له بالكامل ربما ظل هذه الفترة لأنه حتما سوف يصادف أناسا رائعون كان يعلم جيدا اللا جدوى في سببا كهذا لكنه ضل متمسكا به أو حاول أن يعطى معنى آخر لعمله وسط الدوافع الاضطرارية التي وجد نفسه متورطا فيها
اليوم فقط شعر بأنه بالفعل كان واهما
كانت السماء تمطر لأول مره بدا يحشد تخيلاته بعيدا لكي يتجاوز هذا السخط الذي أثاره في داخله المطر شعر به متسخا ليس كالعادة وكأنه قادم مع أطنان من الغبار لحظتها لم تكن السماء تمطر قطرات لطالما عشقها بل كانت لزجة تلتصق في كل شئ ولا تنفك أبدا كانت روحة تتجسد صورة حية لهذا الشئ لا يستطيع الهرب كل شئ يضمخه بهذا الشعور القاسي كم تمنى لحظتها لو أن باستطاعته أن يخلد قليلا
كان يشعر بالنعاس ربما لأنه لم يقضم أوراقه اليوم أيضا لم يكن منظره مرتبا كالعادة حتى أن الجندي لاحظ هذا وحاول أن يجد الفرصة لمواساته حين سأله ليس من عادتك أن تبدوا هكذا
لم يجيب البتة بل اكتفي ببلع لعابه ومسح جبينه حين نظر عميقا إلي الشارع وكأنه يريد أن يقول انه منشغلا بمشاهدة المطر
تتباطآ اللحظات يشعر بانتفاخ حاد في محاجر العينين التي بدت أكثر التهابا وحمره لم يخرج كالعادة لمشاهدة المطر بتاتا ولم يذهب كالعادة إلي المطعم المجاور بل اكتفي بان جلس صامتا يقضم أفكاره ويلعن في السر أي صدفة هذه التي لا يجد نفسه إلا برفقة جندي !!!
الليلة الثالثة
إن أكثر لحظات الإنسان القا وتوازنا هي تلك التي الحالة من التوافق بين الكلية التي تلمسها دائما والتي تتمثل في كل المحسوسان التي تتشكل منها عمر لحظاتنا الاعتيادية وبين تكيفك الداخلي مع هذه الأشياء التي تصبح قياسيا محسوبة ضمن عالمك الحقيقي والذي ترسمه بحالة من النقاء والتوق والانسجام وأكثرها عصيانا وتمزقا هي حالة ماء سنجد أنفسنا غير قادرين على التكيف مع ما نلامسه قريبا منا وقد تعودنا عليه طويلا وسنجد أنفسنا مرغمين على الكذب بان ندعى أننا نعيش حالة مثالية لا تشبه الواقع بتاتا بل حالة نفور واستجداء لعزاءات واهمة يكون مفهومها هذا الواقي مثل الخوذة المثقوبة والتي لا تقيك عدوان الحر ب كمثلا أن تجلس بقرب ضجرك سويا وأنت تمسك بكتاب ما قد قرأته مرارا وتأكدت انه لا يشبهك في كل حالته أو تفتح موسيقى لكلاسيكيا آخر وتدعى انك تغوص وسط الحلم الخالد وأنت تفقط كل صلة بقيمة اللحظة التي كانت تشكل لك إحدى متعك سواء بترقب شي ما أو بتخيل شخص ستقابله قريبا .. ! لا شي يضاهي متعة هذه اللحظات ولا شئ حقيقيا وصادقا عدا ذلك ..
هكذا اوجد نفسه اليوم غارقا في هذه المفارقة الحسية العصية على الفهم
جلس بشعره المشعت وقد جلب له إحدى اسطوانات قديمة لام كلثوم رق الحبيب واطفي التلفزيون وبدا منشغلا بقراءة كتاب تقرير إلي غريكو صادف في هذه اللحظة أن حضر إحدى الجنود كالعادة لكنه استغرب هذا الجو الملئ بالضجر أم كلثوم وكتاب لمؤلف أجنبي وشخص يجلس ولا رغبه له في الكلام مع احد شعر بخيبة أمل وغادر للتو كان يعلم أن هذه المغامرات التي يقراها الآن بعيده كل البعد عن ما يعتريه ويعلم أيضا سخافة أم كلثوم وهي تغني الوعد الذي لن يعيشه ابد بصورته المثالية ولن يشعر بلحظات الترقب طالما انه لا يتوقع أن يصادف إنسانا رائعا في هذه المدينة
لكنه وجد نفسه مجبرا على المواصلة خاصة وان ثمة أمور بدأت تحسم لصالحة تجسدت في مشهد الجندي الذي غادر للتو .. هو يعلم أن هؤلاء الجنود أكثر فظاظة لا تثير شهيتهم في الجلوس إلا حين يشاهدون أفلام الرعب والمطاردة جاكي شان جيمس بوند فندام ووو!!! لائحة طويلة من الأسماء الهيوليودية الأكثر مدعاة للضجر من أي شئ آخر في العالم
أيضا سببا آخر لحالة النفور هذه انه وجد نفسه أمام حالة حادة من المزاج القاسي خاصة وانه بدا يفقد تدريجيا كل صلة حميمية بكل الأشياء الجميلة التي كان يجدها في عمله وبالأخص شعوره الكبير انه لن يصادف أناس رائعون أبدا
كان منكبا يقرا ولا يشعر انه يستوعب حتى جمله واحده مما يصادفه وكأنه يصب ماء في وعاء مثقوب لكنه يجد نفسه مجبرا بمواصلة القراءة
الجميع يتضامن مع شعوره بالعزلة لم يصدف حتى أن اتصل عليه احد اليوم من إحدى الغرف كان ينظر مليا إلي صفحات الكتاب وقد قطع شوطا لابس به يبسم بريبة والمطر يخطوا شاحبا فاقدا القه كان يشعر بتأنيب لا يعلم كيف باغته فجاه وكان صديقه الأزلي بدا يستشعر خذلانه له شعر بعمق هذا التخيل ترك الكتاب جانبا واسكت أم كلثوم بعد أن تأكد أن هذيانها لن يفلح في إرضاءه هو يعلم جيدا أن حمى هؤلاء الفنانون ليست حقيقية وإنما هي أرطال من مشاعر ملتهبة خادعة جميعها لا تشبه حالاتنا التي نعيشها أو حتى ما يفترض أن تكون عليه
يعلم أيضا ضحالة فنانينا ومبدعينا سواء النخبة أم الغفر لأنهم جميعهم لم يتغنوا إلا بقوالب جاهزة للتسويق إما الحب أو الوطن هذه الشعارات الأكثر مبيعا في إلهاب المشاعر ولأنهم ليسوا حقيقيون فهم يظلون على هذه الدرجة من التحفظ حتى آخر اللحظات كان ثمة شعورا انتقاميا بدا يسيطر عليه
اخذ يتساءل بحنق أليس حريا بأم كلثوم وهي في السبعون أن تصمت بدلا من أن تغني يا مسهرني في هذه اللحظة بالذات بدأت مبرراته تأخذ متنفسا عاد وسال من جديد أليس من موضعا آخر غير الحب والوطن كان بوسع هؤلاء أن يتغنوا ؟؟
اقتنع أخيرا أطفا الجهاز وتوجه للخارج كان يتأمل البيوت البعيدة وشرفاتها التي تتدلى وسط الغيوم كانت تتناثر بشكل عبثي وفوضوي يثير في داخله شرخا عميقا لم يكن من بد لرتقه
أشعل سيجارة وبدا يلهو بخواطره مع العبث الممتد بعيدا ورغم سخطه وجد نفسه يدندن بكلمات أم كلثوم ضحك بشهية وتوجه إلي المطعم اقتنى له بعض الشاي وفي طريق عودته لمح فتاة قادمة من أقصى الشارع كانت ترتدي السواد لا شي يبدوا فاضحا عدا عيون سوداء لها رقة الغمام لمحها تأملها مليا سرت في جسده رعشه غريبة عاد منتشيا تسبقه رائحة الغمام وإغواء العينين !!!!
الليلة الرابعة
ليست كالعادة بل بدت أنها خارقة لها تماما الليلة التي كانت صالة الاستقبال الواسعة تشهد حركة لم يسبق لها أن عاشتها من قبل كانت الكنبات لامعة والمرات التي غسلت بإتقان ولمعت واجهة الباب الكبير ثمة روائح أخذت تلف المكان بالكامل كل شئ يشهد طراوته بشكل ملحوظ وبشاشة لعروس في الأيام الأولى من الحلوى ..
هكذا وجد نفسه اليوم أو الليلة التي بدت مختلفة بالكلية كان وجهه يشع غبطة وهو يذرع الصالة ولا يتوقف أبدا يحاول إصلاح كل شئ كان يراه غير متناسقا كان الوقت يقترب من الواحدة ولم يكن قد بدا في قضم أوراقة كان منشغلا بترتيبات قد أهملها منذ بداية عمله والآن عاد يتفقد كل شئ في صالة استقبال النزلاء اخذ يمسح عن المناضد التراب الذي كان يعلوها بشكل ملحوظ ويصل بخفة ورشاقة إلي القناديل يسمح عنها الغبار برفق يضع بعض قصص لزهرات ورقية في جوانب حبات القناديل ويعود من جديد إلي مكتبة يضفي عليه بعضا من اناقة كان قد فقدها بشكل تام يحاول اظهار بعض لمسات الحداثه عليه يزيل بعض الملصقات التي بدت له أنها محلية جدا يضع بعض من الكتب التي بحوزته بشكل فاضح يستطيع مشاهدتها كل القادمون من الدرجات أثناء مغادرتهم الفندق كان حريصا على أن تبدوا متناسقة مع باقات ورود ورقية ظلت محشوة في الإدراج بإهمال منذ افتتاح الفندق
كان يتحرك بطلاقة وهو ممسك بعلبة روائح يفرغها في كل شئ يصادفه امامة القي نظره أخيرة تنهد باطمئنان كل شئ يبدوا لامعا وأنيقا اخذ يتأمل نفسه أخيرا في المرآة كان مستثارا من أعماقه حين تساءل كم كان مستحيلا حدوث هذا لولا لو لم يكن اليوم قد قرأ في سجل النزلاء ثلاثة أسماء أجنية اثنتان من جنسية فرنسية والأخرى اسبانية جلس أخيرا إلي الكنبة وبدا يمضغ أوراقة بشهية لا توصف كان يتأمل صور الجوازات التي اخفت ملامحها كثرة التداول لم يتبين له شئ ولم يهتم بتاتا بهذا هو يعلم أن الفرنسيون والأسبان أكثر وسامة من إي شعب آخر كان حدثا أكثر من رائعا اخذ يفرد له كل خواطره يمدد من عمره الافتراضي إلي زمنا طويلا وشاق يكتنفه الانتظار بينما كان في واقع الحال مجرد لمحة قرأ فيها أسماء لا تنتهي بحرف الدال أو الح بل كانت أسماء أخرى تشبه كثيرا بصعوبتها أسماء قرائها في كثير من الروايات الأجنبية ولم يستطع تهجئتها مطلقا
أيضا بدا يشعر بالزهو أكثر خاصة وانه سوف يتلكم إلي أجانب بلغته الانجليزية والتي اخذ بدراستها في إحدى المعاهد البريطانية شعر بامتنان للصدفة التي جعلته يفكر بالدراسة كان يسال ماذا لوكان يجهل هذه اللغة ؟ انتابه قلق ظاهر حين تخيل صعوبة الإصغاء لأناس يحترفون كل شئ فما بالك بلغة العصر .. لكنه بالمقابل يعلم أن مستواه بلغ القدر الكافي للتخاطب مع الآخرين ومعرفة ما يريدون منه تغلب على قلقة وبدا يتخيل الوجه الآخر من المحادثة او ربما المحادثات التي لابد أن تتكرر لاحقا اخذ يفكر الم يكن قارئا جيدا لبلزاك أيضا قرأ دون كيشوت ربما سيكون هذا كله سببا كافيا لاستثارة اهتمام هؤلاء الأجانب أعاد صور الجوازات وبدا يصغي لفيروز ويمضغ أوراقة
و الوقت ينزلق بسرعة والسماء تمطر ولا احد من الجنود حاضرا اخذ يحشد جسده داخل جاكيته وهو سعيدا مغمورا بالنشوة
ما الذي يثيره في لقاء الأجانب أليسوا مستعمرين في اغلب الحالات ؟ أليسوا أكثر احتقارا لشعوب العالم الثالث ؟
ثم الم يكن هذا المصطلح الغريب مثارا لمهانة لا حد لها قادم من هناك ؟ لكنه لم يكن يهتم لهذا بتاتا المهم انه يريد أن يحظى بهذه الفرصة مرت الليلة بسلام دون أن تعتريه لحظات سام اوضجر توجه إلي المطعم المجاور اقتني كالعادة حصته من الشاي وفي طريق عودته رأي فتاة تمشي وحيده ابتسم مجددا انه ربما طالع حلو أن تبتسم دون أن تعي أن ثمة فتاة تخطو أمامك في الاشراقات الأولى من النهار
لكنه اليوم لم يجد أي مبرر كان كافيا لتأمل هذه الصدفة المتكررة هو على مشارف حدث هام
عاد إلي الفندق وقد تأكد انه تخلص نهائيا من آثار القات ليكون مظهره أكثر بشاشة ولم يستغرب أن يكون أول من استفاق من النزلاء هؤلا الأجانب حين سمع وقع خطوات في الدرجات لأنه يعلم أنهم أكثر نشاطا من العرب هكذا قرأ أو سمع
كان حدسه صائبا حين لمحهم واعتراه ذهول سيطر عليه كليا لم يكونوا أجانب بل أجنبيات كيف لم يكن قد لاحظ هذا اخذ نفسا عميقا بدا مظهره يكتنز بتهيب حين شعر بأنه يقف الآن أمام باريس برقتها المضاعفة ومدريد بالوجه الفتي الزاهد
أخذت الشقراوات الثلاث تتقدم كان يمسك نفسه كي لا يبدوا انه أكثر تلهفا امسك سماعة التلفون بدون أن يكون احد قد اتصل عليه أوهم نفسه انه منشغلا قليلا لكي يستبقي على لحظات اندهاشه بهولاء القادمون أحس بطبول تذرع داخلة كان يشعر أن قلبه سيقفز أخيرا في اللحظة التي ستمتد يد أحداهن لمصافحته تخيل ابتسامها راء أسنانها اللامعة تظهر من خلال شفتاها المشدودتين بأناقة كان جسمه يتقد حرارة أخذت تصبغ أطرافه بدماً حار كان يشعر بتصاعده السريع واستقراره أخيرا وبكثافة في أطراف اذنية التي احمرت وبدا ينتابه بعض من الخجل الذي أضفى عليه كياسة ووداعة ظاهرة لحظتها كان يصغى لأول كلمة انفرجت كل مساماته ستلقفها مثل قنبلة موقوتة اقتربن أخيرا أحس بان بدا يلامس ريح حضورهن .....
كلاص ......
كلمة واحد تفوهت بها الفرنسية التي بدت أنها من تتولى تنظيم رحلة هؤلاء الأجنبيات
كلاص ماذا يعني تساءل في نفسه كانت تمد له بالمفتاح بكل برود شعر بانهيار حاد ارتبك قليلا بعد أن افلت سماعة التلفون من يده
كان يتوقع أن تصافحه بحرارة وتبدأ بالحديث كان قد تأهب بشكل جاد للذهاب بنفسه كي يجلب لهن القهوة الصباحية نظر بامتعاص لم يكن قد سمح لنفسه أن يتأمل ملامحهن
ولعن هذه اللهجة المكسرة التي يخاطبونا بها الأجانب أليس من الأحرى أن تتكلم بالانجليزية الم يتعلمها على مدار العام الكامل كان سيبدو مثل بريطانيا مقابل هذه الكلاص المشوهة المبتورة
كلاص الم يكن بدلا منها بلزاك أو دون كيشوت
شعر بتقهقر حاد الآن فقط بدأت ملامحهن تتضح أكثر لم تكن الأسنان تلك التي تخيلها بتاتا بل بدت له أنها تشبه فصوص الخواتم المعتقة كانت ثمة ندوب ظاهرة عليها وروائحهن التي بدت له وكأنها تشبه روائح الصابون القديمة
كن متراصات تتقدمهن الفرنسية راء أوداجها المتورمة والزغب الذي يغطي خدودها بقرف بعدها وقفت الفرنسة الأخرى والتي لم تكن شابة مطلقا بل بدت له مثل أرملة مئوية تليها الاسبانية التي بدأت تعبث بحقيبتها وهي تتفقد أغراضها التي لم يتبين منها إلا بعض الخرق الملفوفة بالون مزركشة غريبة اثارث في داخله شهية للضحك أيضا لمح آلة كانت تبدوا له أنها أما آلة تصوير راقية أو إحدى الأجهزة المخابراتية الآن بدا يحلو له أن يفسر غاية قدومهن بهذه الطريقة بعد أن شعر بأنه جرح بشكل لا يطاق
سلمهن صور الجوازات وشعر برغبة جامحة وشرسة في البصاق اثر هذه الفرنسية الفضة والتي استدارات تحدث زميلاتها دون أن تشكره بالمقابل ودون أن تثنى عليه حتى بكلمة
خرجن جميعهن ولم تبقي في خياله إلا روائح الصابون القديم وكلمة كلاص تحملق وهي تمتط مثل قطة جائعة من القاعة متجاوزة كرسي الاستقبال لتستقر في ذهنه اخذ يضحك ملي شدقيه وقد تأكد له قبح هؤلا الأجانب وسخف رغبته في مجاراتهم..... تمت
أو أنها ستتبع بانتظار آخر .. ....

kut mouse
22/4/2009, 01:33 PM
شكــــــــــــــــــــــرا جزيلا لكhttp://www.vip70.com/smiles/data/d16.gif

Mr.Mostafa
22/4/2009, 10:12 PM
http://up1.m5zn.com/photo/2009/2/5/03/7ogxpq45k.gif/gif

انور حافظ احمد
24/4/2009, 04:22 PM
http://img27.imageshack.us/img27/186/44417485.gif

هاشم2009
25/4/2009, 01:30 AM
مشكور يا غالي يعطيك العافية

احمد دقدق25
18/5/2009, 09:57 AM
احسنت الاداء

Mr.Mostafa
20/5/2009, 07:49 AM
http://up1.m5zn.com/photo/2009/2/5/03/7ogxpq45k.gif/gif

ناصر ابو محمد
31/5/2009, 12:30 AM
تسلم ايدك يغالى

Mr.Mostafa
31/5/2009, 07:51 PM
http://up1.m5zn.com/photo/2009/2/5/03/7ogxpq45k.gif/gif

احمد دقدق25
2/6/2009, 08:10 AM
مشكور يا غالي يعطيك العافية

Mr.Mostafa
2/6/2009, 08:19 AM
http://up1.m5zn.com/photo/2009/2/5/03/7ogxpq45k.gif/gif