المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تأثير إدمان المخدرات والكحول والعوامل الثقافية على الإجرام


مدحت مرعبي
23/12/2008, 04:46 PM
في عصر طغت فيه الماديات والقشور على ما عداها من الأمور، كثرت الجريمة، وازداد عدد المجرمين لأكثر من علّة وسبب، منها ما يرتبط بعوامل اجتماعية ومنها ما يرتبط بعوامل نفسية أو إقتصادية أو مادية أو سلوكية أو إدمانية وهي تساهم، بشكل أو بآخر، باضطراد الإجرام الذي يتأثر بجملة إعتبارات وظروف وأوضاع.
ونتطرق في البحث الحاضر إلى ما يعانيه المجتمع اليوم، في جزء كبير منه، من إدمان تعاطي المخدرات )Toxicomanie( والكحول، وتأثير هذا الأمر على الإجرام، وإلى تأثير العوامل الثقافية المختلفة.
والإدمان يعني بالمفهوم الطبي تعوّد شخص على تعاطي مخدرات وشرب كحول، إلى حد يصعب عليه الإقلاع عنه فيصبح مدمناً.

1 ــ تأثير إدمان المخدرات
والكحول على الإجرام

لقد تفشّت ظاهرة إدمان تعاطي المخدرات والكحول في هذا الزمن، وفي مجتمعنا بالذات، بشكل مضطرد، أدى بشكل أو بآخر إلى تفشي الإجرام. ولظاهرة الإدمان هذه دلالاتها المختلفة على المستويات الإجتماعية والاقتصادية والتربوية. فعلى الصعيد الإجتماعي تؤدي ظاهرة الإدمان إلى البطالة واللامبالاة بالمسؤوليات والواجبات العائلية والإجتماعية والدينية. أما على الصعيد الاقتصادي فقد أصبحت المخدرات ظاهرة مؤثرة في النشاط الإقتصادي الدولي، إذ يزداد حجم الإتجار بها سنوياً، رغم مكافحة هذا الإتجار على الصعيد الدولي وعلى الصعد المحلية، وإن بنسب متفاوتة، وقد ارتبط بالشق الإقتصادي للإتجار بالمخدرات ظاهرة تبييض الأموال، وهي ظاهرة متزايدة في عصر العولمة، ويؤدي التبييض، في حال كشفه، إلى تحميل المرتكب المسؤوليات الجزائية التي تُلحق بالمصارف التي تودع لديها الأموال الناتجة عن تلك الأفعال. ويتأثر الإقتصاد المحلي أيضاً لكل دولة بإدمان المخدرات والكحول لكونه يؤثر سلباً على طاقات المدمنين الذين يصبحون عبئاً على المجتمع، وذلك لضعف قدراتهم على العمل والعطاء والإنتاجية، ولتحمل المجتمع والدولة لتكاليف إستشفائهم وطبابتهم ومعالجتهم. أما على الصعيد التربوي، فإن إدمان تعاطي المخدرات والكحول من شأنه أن يحطّ من قدرة الطلاب والتلاميذ على الاستيعاب وعلى متابعة دروسهم واختصاصاتهم، باعتباره معطلاً للإرادة وملاشياً للقدرات الذهنية والعقلية لديهم وإن بنسب مختلفة. كل ذلك، يجعل الإدمان ظاهرة مرضية مزمنة لها دلالاتها وتأثيرتها السلبية على المجتمع والإقتصاد والتربية والدين، وعلى الانقياد بسهولة باتجاه الإجرام.

ـــ العلاقة المباشرة بين إدمان تعاطي المخدرات والكحول وبين ظاهرة الإجرام

لا شك في أن تعاطي المواد المخدرة كالحشيش والهيرويين والكوكايين وسوى ذلك من المواد السامة من شأنه أن يسبب إضطرابات نفسية وعصبية وعضوية للشخص المدمن، ويدفعه بالتالي إلى إمكانية إرتكاب أفعال جرمية لم يكن ليرتكبها لو كان في وضع طبيعي خال من السموم. وتجدر الملاحظة أنّ المشترع الجزائي اللبناني قد أحسن التعبير بموجب القانون رقم 673/98 حين ألغى قانون المخدرات تاريخ 18/6/1946 باعتماده التسمية التالية للقانون الجديد حين أورد أنه: «يتعلق بالمخدرات والمؤثرات العقلية والسلائف»، وذلك انطلاقاً من كون المخدرات تؤثر تأثيراً بالغاً ومباشراً على القدرات العقلية للمدمنين الذين يصبحون ضعفاء ومنقادين إلى هذه المادة السامة، فيسعون إلى توفيرها بشتّى الوسائل والسبل المتاحة أمامهم، فإن لم تكن متوافرة، فباللجوء الى الجريمة توفيراً للمال حتى يسدّ المدمن حاجته اليومية من هذه المادة، فيلجأ إلى ارتكاب جرائم السرقة وسواها من الجرائم التي تؤمّن له المال الكافي للحصول على المادة المخدرة. وبذلك، تظهر الصلة المباشرة بين إدمان المخدرات والإجرام. فضلاً عن ذلك، فإن إدمان تعاطي المخدرات قد يدفع بالمدمن الى ارتكاب جرائم خطيرة كالقتل والإيذاء والإغتصاب، إضافة إلى ارتكاب جرائم تندرج في التعرض للآداب والأخلاق العامة بنتيجة التأثيرات العضوية والنفسية والعصبية التي يحدثها المخدر بالمدمن. أما لجهة إدمان الكحول، فإن أثر هذا الإدمان على ظاهرة الإجرام يبدو واضحاً، لا سيما في حالة السكر الشديد الذي يؤدي الى ارتكاب أنواع معينة من الجرائم كالقتل والإيذاء والجرائم الجنسية، وبشكل عام الجرائم المتّسمة بالعنف والشدة. ويبقى من الثابت أنّ الكحول تؤثر على عقل الإنسان، لاسيما عندما يكون في حالة من الثمالة، حيث يسهل عليه عندئذ ارتكاب الجريمة، في وقت يكون فيه الإدراك لدى الإنسان المخمور ضعيفاً، فيصبح عاجزاً، في تلك الأثناء، عن مقاومة دوافع الجريمة، فيندفع من هو بهذه الحالة إلى ارتكاب جرائم لأسباب قد تكون تافهة أو غير موجودة أصلاً لكونه يتوهم أسباباً تقوده بسهولة لارتكاب الفعل الجرمي.

العلاقة غير المباشرة بين إدمان تعاطي المخدرات والكحول وبين ظاهرة الإجرام

لا شك في أن لإدمان تعاطي المخدرات والكحول سلبيات على شخصية المدمن، وهي غير صلة مباشرة بالإجرام، إلا أن تأثيرها يمتد ليشمل سلباً الظروف المحيطة به وبعائلته وبمحيط عمله وبمجتمعه. فعلى المستوى الإقتصادي يتبيّن أنّ المدمن يُنفق معظم ما يجنيه من أموال على المخدرات والكحول، وقد يصيب هذا الإنفاق أموال أسرته والمحيطين به، فإذا عجز عن تأمين المال سعى للحصول عليه من خلال ارتكاب الجريمة حتى تتأمن له حاجته منه. أضف إلى ذلك أن المدمن يكون عرضة أكثر من سواه لفقدان عمله، فيقع في البطالة ويصبح في أزمة إقتصادية تصيبه منفرداً أو مع أسرته، وإن هذا الأمر ينعكس سلباً على الإقتصاد الوطني بنتيجة فقدان الطاقات البشرية للمدمنين. وهذا ينعكس بدوره على مالية الدولة التي تتحمل نفقات باهظة في معالجة المدمنين ورعايتهم في محاولة لتأهيلهم وجعلهم أصحاء من جديد. أما على الصعيد الإجتماعي فيصبح المدمن عاجزاً عن تأمين إلتزاماته الشخصية والعائلية والإجتماعية، إذ يصبح في حالة غير سليمة مع المجتمع ويساهم في تفويت الفرص عليه وتشتيت أسرته وإلحاق الأذى بنفسه وأحياناً بمحيطه العائلي والإجتماعي.
2ـــ تأثير العوامل الثقافية على الإجرام
ــ مفهوم العوامل الثقافية وتعدّدها
تعني الثقافة، بمفهوم علم الاجتماع، مجموع طرق التفكير والتصرف والتقاليد والعادات التي تُميّز جماعة معيّنة من الأفراد. وبأي حال، لا بدّ من التمييز بين ظاهرة الثقافة وبين وسائلها ذلك أن الثقافة بحد ذاتها تميّز الشعوب والجماعات، وليس بالإمكان حصرها باعتبارها تتنوع وتتعدد على نحو يتعذر حصره نظراً لتشعب المواد التي تحتويها.
ويقصد بوسائل الثقافة وأدواتها جميع الأشكال التعبيرية وسبل الإتصال التي تحمل ثقافة معينة من الثقافات داخل شعب معين أو جماعة معينة إلى سائر الأفراد المكونين لهذا الشعب أو لتلك الجماعة، ومن أدوات الثقافة، على سبيل المثال لا الحصر، الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية والأدب والفن والإنترنت. ويكمن دور هذه الأدوات في تفسير السلوك الإجرامي داخل الثقافة الواحدة أي داخل شعب واحد أو جماعة معينة من الأفراد.
تتنوع العوامل الثقافية بحيث تشمل التعليم من خلال المؤسسات التربوية، كما وتشمل وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة، ويتسق هذا التعداد مع ما يطلق عليه البعض تعبير «عناصر البيئة الثقافية» التي تتسع لكل عامل ومؤثر في تكوين الخبرة الإنسانية. والواقع أنّ بحث علاقة العوامل الثقافية بعامل الإجرام مسألة تنطوي على جانب كبير من الأهمية، وإن دراستها تتطلب التعرّف على طبيعة الدور التي تؤديه تلك العوامل تجاه الأفراد، إذ يتوقف هذا الدور على التكوين الفكري لكل فرد باعتبار أن الدور الذي تقوم به العوامل الثقافية يتوقف بشكل مباشر على طبيعة الفرد المتلقي ومدى تأثّره سلباً أو إيجابياً بالعوامل المشار إليها، ونستعرض تباعاً الدور الذي تضطلع به الصحافة المكتوبة والمرئية والأدب.

ــ الدور الذي تضطلع به الصحافة المكتوبة والمرئية

تؤدي الصحافة دوراً هاماً في تغطيتها لظاهرة الإجرام، فالصحف اليومية أصبحت في عصرنا الحاضر تُغطي الأخبار المتعلقة بالجريمة والمحاكمات التي تُعقد بصددها، مع العلم بأن صحافة الخبر تؤدي دوراً بارزاً يفوق أهمية صحافة الرأي والتوجيه.
فالدور الإخباري هو في الواقع دور توجيهي للقارىء، لأنّ الصحف ومن خلال ما تنشره تبث في ذهن القارىء الخبر بطريقة إيحائية عبر الطريقة التي تعرضه فيها، رغم أنه في الأصل يندرج في فئة صحافة الخبر وليس في فئة صحافة الرأي. ونشهد اليوم الصحف التي تتابع وتنقل إلى قرائها أخبار الجرائم والمحاكمات، حتى في مرحلة تكون فيها التحقيقات سرية، مع الإشارة هنا إلى أن بعض الصحف لا يتوخى الموضوعية في نشر الخبر ولا يتحرى الدقة في التعبير عن المدلول القانوني للكملة، بل جلّ ما يبتغيه من الخبر إثارة العناوين الفضفاضة التي تُلفت الأنظار وتستقطب القراء وتشغل أذهان الفضوليين منهم، وذلك بهدف الدعاية الإعلامية والربح المادي فحسب وبيع أكبر عدد ممكن من الصحف. ويعمد بعض الصحفيين إلى إدراج الخبر الذي يثير فضولية القارىء إلى درجة تُخرج الخبر من الصحافة الموضوعية الى صحافة الإثارة، وهذه الأخيرة تشكل في الغالب مادة خصبة من المجرمين أو المشتبه بهم لتأمين استمراريتها. فضلاً عن ذلك، فإن السعي وراء السبق الصحفي يدفع ببعض الجرائد والصحف الى نشر تحقيقات عن جرائم مرتكبة قد تؤثر سلباً على قيام الضابطة العدلية بمهامها في تقصّي الجرائم وتوقيف المطلوبين، ما يساعد هؤلاء على الإختباء والهرب والإفلات من قبضة الشرطة والعدالة. ولكن لا ينكر على الصحافة المكتوبة دورها الإيجابي في تغطية الأخبار المتعلقة بالجرائم وبسير المحاكمات فيها، باعتبارها تُثير ردات فعل لدى القارئين ضد المجرمين والإجرام، فتولّد في نفوسهم تعاطفاً ملحوظاً مع ضحايا الإجرام، لا سيما عندما تتوخى الصحافة المكتوبة نشر الخبر بطريقة علمية موضوعية تساهم في توعية المواطنين وفي إحياء اليقظة لديهم.
أما في ما يتعلق بالصحافة المرئية، فإن لهذه الوسائل صلة مباشرة بظاهرة الإجرام، خصوصاً في ما يتعلق بالصغار والمراهقين الذين يتأثرون أكثر من سواهم لدى مشاهدتهم الأفلام التي تسهم في توجيههم نحو العنف والتعرّض للأخلاق والآداب العامة، ويشمل هذا الدور الصحافة المرئية ودور السينما والإنترنت، وكلها تنعكس سلباً أو إيجاباً على ذهنية الشباب وعلى سلوكهم، خصوصاً لجهة جرائم العنف والجنس. ولكن يبقى للصحافة المرئية والمسموعة الدور الإيجابي الفاعل عند توخيها العلم والمعرفة والترفيه والتوجيه وتغليب القيم النبيلة لدى النشىء وأفراد المجتمع، وهي تؤدي بذلك، إذا فعلت، رسالة الإعلام الذي يوجه إلى الخير وينبذ العنف والإجرام ويغلّب الحق على الباطل.

ــ دور الأدب
للأدب دور غير مباشر على السلوك البشري، ودور مباشر في ما يتعلق بالسلوك الإجرامي. أما في ما يتعلق بدوره غير المباشر، فيمكن القول أنّ الأدب يختلف عن سائر العوامل الثقافية وذلك بقدرته على التوجيه والإيحاء. من الواضح أن للأدب دور هام في تقدم الإنسان وسيطرة القيم النبيلة لديه على ما عداها من الأمور، فبقدر ما يرقى الأدب تتفوق لدى الإنسان القيم والمبادىء السامية، وبقدر ما يتدنى الأدب تتدنى لدى الإنسان هذه القيم وتسود الغرائز والترهات والسطحية والجهل.
أما عن الدور المباشر للأدب في ما يتعلق بالسلوك الإجرامي، فقد ساد الإعتقاد بأن القصص البوليسية بما تعرضه من أساليب وأفكار لارتكاب الجرائم وبما تعرضه من أساليب للتهرب من المطاردة والمساءلة وبما تصوّر به شخصية المجرم «البطل»، تساهم في التأثير على بعض القراء الذي قد يتأثر سلباً بهذا النوع من القصص الذي يستهدف إجمالاً إثارة العنف والغرائز على حساب العقل والمبادىء والتعاليم الدينية، ما يقود في نهاية المطاف إلى ارتكاب الجريمة.
وختاماً، يتبين أن المجتمع اللبناني، يعاني من تزايد في معدل الجرائم، وهذا الأمر مرتبط بعوامل مختلفة اقتصادية واجتماعية وتربوية وإعلامية وحضارية، تم التطرق الى بعض جوانبها في هذا البحث، وهي تؤدي ببعض المجموعات والأفراد الى السلوك الإجرامي، تحت تأثير إدمان المخدرات والكحول وتحت تأثير عوامل غريبة عن مجتمعنا وتقاليدنا وعاداتنا وقيمنا اللبنانية، وإن عواقب ما وصلنا اليه لوخيمة على الشباب والنشء، وليس من سبيل للخروج من هذا الواقع الا بتضافر الجهود العامة والخاصة لتغليب القيم والمبادىء السامية على المصالح الضيقة والمظاهر الهشة، فالجميع معني ببناء وطن سليم ومعافى بشبابه وبأبنائه وبمؤسساته كافة، لا سيما المؤسسات الإعلامية والتربوية منها، ليبقى لبنان مصدر الحضارة ورسالة علم وواحة نور في هذا الشرق وفي العالم بأسره.

SeNiOR_LAW
2/1/2009, 04:51 PM
http://img293.imageshack.us/img293/2008/ferdawsvi3.gif