المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرحمة بالخلق


ايهاب هاشم
9/10/2008, 01:46 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


قال - رحمه الله تعالى -: عن جرير بن عبد الله - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من لا يرحم الناس: لا يرحمه الله متفق عليه .

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه أجمعين.

عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه -: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من لا يرحم الناس: لا يرحمه الله وفي مقابل ذلك صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الراحمون يرحمهم الرحمن وقال - صلى الله عليه وسلم - : ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء فهذه الأحاديث فيها وعد ووعيد، وعد للرحماء الذين يرحمون الناس، ووعيد لمن لا يرحم الناس كما هنا في هذا الحديث، ففي هذا الحديث وعيد لمن لا يرحم الناس من لا يرحم الناس لا يرحمه الله الرحمة تتضمن الإحسان، رحمة الإنسان للإنسان تتضمن الإحسان وتتضمن محبة الإحسان وتتضمن كف - من باب أولى - كف العدوان، فهي خلق كريم، فيقال: هذا رجل رحيم، كما يقال: كريم، وضد الرحمة القسوة واليبس، فرحمته للناس تكون بالإحسان إليهم وأعظم إحسان يقدم للناس هو إرشادهم إلى الصراط المستقيم.
فالرسل إذن هم أرحم الناس بالناس، الرسل وأتباعهم وعلى إثرهم الدعاة إلى الله هم أرحم الناس بالناس كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ هذا وعد رحمة للناس بإرشادهم إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة، دلالتهم على الصراط، النصح لهم بما فيه خيرهم وبما فيه سلامتهم ونجاتهم فَتَوَلَّ عَنْهُمْ وقال : يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ويأتي في رحمة الناس إيصال النفع لهم في أمور دنياهم بإطعام جائعهم ومواساة فقيرهم وتأمين خائفهم وإعانة ضعيفهم، كل هذا من آثار الرحمة، كل من آثار الرحمة، كل هذا من ضروب الرحمة، وعدم الرحمة تتضمن كف - يعني - منع الإحسان، وهذه منع الإحسان وكذلك مباشرة العدوان والأذى والظلم من أبشع صور الصور المنافية للرحمة، ظلم الناس في أنفسهم في أموالهم في حقوقهم، ظلمة قطاع الطريق السراق الغششة كلها أعمال عدوانية قبيحة هي ضد الرحمة.
ولهذا ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة ذكر المنفقين المحسنين الرحماء في آيات كثيرة ثم أتبعهم بذكر المرابين - يعني - اقرأ آية : الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ هذا صورة من صور الإحسان ومظاهر الرحمة رحمة العباد بالإنفاق بعدها : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ - إلى قوله - يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ - إلى قوله - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ .
فالمتصدقون محسنون رحماء والمرابون ظلمة معتدون، وقد جعل الله الجزاء من جنس العمل فمن يرحم الناس يرحمه ، الراحمون يرحمهم الله الجزاء من جنس العمل، الراحمون للعباد بأنواع الإحسان إليهم، كما علمنا إن الرحمة أنواع ومراتب يرحمهم الله فالجزاء من جنس العمل، يرحمهم الله بما يثيبه على عمله من الأجر الجزيل بما يضاعف له من الأجور، يرحمه بحفظه في نفسه وأهله وماله، يرحمه بأنواع الرحمة يصرف عنه المكاره يصرف عنه المكاره رحمة منه به يكشف همومه وغمومه من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب القيامة من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه التنفيس والتيسير والستر كلها من صور الرحمة والله يجازي - يعني - بنظير بالنظير فمن عفا عفا الله عنه ومن أنفق وتصدق أخلف الله عليه وضاعف له المثوبة والأجر مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا .
من لا يرحم الناس لا يرحمه الله الذي لا يرحم الناس لا يعطف على فقير ولا يواسي محتاجا ولا يهتم بحال المستضعفين لا يهمه أمر المستضعفين لا يرحم صغيرا ولا يوقر كبيرا لا يرحمه الله ؛ بل إما أن يعاقبه على ترك ما يجب ؛ لأن رحمة الخلق إما أن تكون بأداء واجبات أو بفعل مستحبات فالله تعالى لا يرحمه إما بأن يعاقبه على ترك ما يجب من الحقوق، وإما أن يحرمه فضله والعبد في أعظم حاجة إلى رحمة ربه، والله تعالى رحيم الله رحيم وهو أرحم هو أرحم الراحمين والرحمة صفته تعالى من صفات الله الرحمة، وأهل السنة والجماعة يثبتون الرحمة لله ويقولون: إن الله تعالى رحيم وهو ذو رحمة وهو ذو رحمة وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ .
الرحمة صفة لله فتثبت لله حقيقة هو رحيم حقيقة ؛ ولكنها رحمة لا تماثل رحمة المخلوق للمخلوق، رحمة المخلوق يمكن تسميها انفعال رقة توجب - يعني - الإحسان إلى المرحوم، أما رحمة الرب فلا نعبر عنها، الرحمة معقولة ومفهومة لكن نقول الله تعالى له رحمة تليق به لا تماثله رحمة المخلوق لكنها حقيقة، والمعطلة ينفون قيام الصفات كلها للرب، والأشاعرة الذين لا يثبتون من الصفات إلا سبع يفسرون مثل الرحمة يقولون إنها إرادة لله، إرادة ! ما فيه رحمة ! إرادة لله ! وهكذا يفسرون الرضا يفسرونه بالإرادة ؛ بل قد يفسرون رحمة الله بالأشياء المخلوقة بما يخلقه سبحانه وتعالى من النعم يقولون هذه هي الرحمة، والرحمة التي تضاف إلى الله نوعان:
صفة وغير صفة فتقول مثلا: المطر رحمة الله، فإضافته إليه من إضافة المخلوق إلى خالقه ، فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ .
والنوع الثاني: هو صفة له سبحانه وتعالى، والرحمة التي هي صفته منها صفة ذاتية: كونه تعالى لم يزل رحيما، لم يزل موصوفا بالرحمة فهذه صفة ذاتية، وأما رحمته بهذا ورحمته لهذا بما يوصل إليه من الإحسان والثواب فذلك من أفعاله ومن صفاته الفعلية، وهو مثل المذكور في قوله تعالى : وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وربك، المهم إنه فيه تعليق الرحمة بالمشيئة رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ إذا الرحمة المقيدة بالمشيئة هي فعل من أفعاله تابع لمشيئته فأهل السنة يثبتون لله الرحمة على حقيقتها اللائقة به ومع نفي التمثيل ونفي العلم بالكيف.
وفي هذه الأحاديث دلالة على أن الجزاء من جنس العمل - يعني - الخير والشر، الجزاء من جنس العمل لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى فالراحمون يرحمهم الرحمن، ويدخل فيه أيضا - يعني - في الحديث الآخر ارحموا من في الأرض وإن كانت من تختص بالعاقل ؛ لكن أيضا تدل النصوص على مشروعية الرحمة حتى في غير الناس - يعني - كالحيوان، رحمة الحيوان - يعني - رحمة الحيوان تكون بما يناسب حاله، الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما جاءت هرة لتشرب أصغى لها الإناء، هذه صورة من صور الإحسان والرحمة في كل كبد رطبة أجر كما في قصة البغي التي رحمت ذلك الكلب الذي رأته يأكل الثرى من العطش فنزلت في البئر وملأت موقها من الماء فسقته فشكر الله لها وغفر لها .
فمن لا يرحم لا يرحم، ومن يرحم العباد يرحمه الله، والجزاء من جنس العمل - يعني - نوعا وكما، وكما قلنا: إن أرحم الخلق الرسل هم أرحم الناس بالناس وأنفع الناس للناس ثم من بعدهم على مراتبهم بحسب ما يقدم من أنواع الإحسان ثم - يعني - من الناس من يكون، تكون الرحمة جبلة في نفسه رحيم، فهذه رحمة جبلية، وفيه الرحمة المكتسبة التي تكون بمجاهدة، بمجاهدة النفس، تجد من تكون الرحمة جبلة تجده ما يبذله يبذله بسخاوة وبطمأنينة وبأريحية ما يقدمه من الإحسان - يعني - أنواع الإحسان المالي وغير المالي الحسي والمعنوي، ولكن أيضا هناك الرحمة التي تكون بمجاهدة، الإنسان يجاهد نفسه أن يكون رحيما يجاهد نفسه على أن يحسن إلى عباد الله ؛ ولكن كل ذلك إنما تترتب آثاره العظيمة إذا كان لله، إذا كان لله فلا بد من تحري وتوخي الإخلاص فيما يقوم به الإنسان من الإحسان إلى الخلق في أمر دينهم ودنياهم، يتحرى أن يفعل ما يفعل لوجه الله رجاء رحمة الله رجاء فضل الله، يرجو رحمته يرجو رحمته ويخاف عذابه، والله المستعان

شرح الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البريك
جامع شيخ الاسلام ابن تيمية

alrays
11/10/2008, 11:10 PM
http://img185.imageshack.us/img185/3711/49aw4.gif
http://img87.imageshack.us/img87/2535/17vx5.gif

انور حافظ احمد
18/10/2008, 01:38 PM
http://img515.imageshack.us/img515/6434/342jzaaka1xp8.gif
http://img165.imageshack.us/img165/7615/img101416g0y23iv5ls7.gif